العنوان محمد الحسناوي الأديب العامل: في ذمة الله
الكاتب طاهر إبراهيم
تاريخ النشر السبت 10-مارس-2007
مشاهدات 13
نشر في العدد 1742
نشر في الصفحة 37
السبت 10-مارس-2007
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزعت فيه بآمالي إلى الكـــــــذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملًا شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
إن القلب ليحزن، والعين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا على فراقك يا أبا محمود لمحزونون.
هكذا إذن، لن نستطيع أن نراك بيننا بعد اليوم يا أبا محمود، وإن كنا لندعو الله أن يجمعنا بك في مستقر رحمته في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
فمهما قلت فيك فلن أستطيع أن أوفيك حقك وهل يفي الكلام حق رفيع المقامة وقد كنت ملء الساحة في سورية لا ليلك ليل ولا فراغك فراغ، فكله كان وقفًا على الدعوة إلى الله التي نذرت لها نفسك وما تملك، لا يشيك عنها خوف الملاحقة، ولا الرهبة من الاعتقال، ولا مشاق الهجرة في سبيل الله وكل ذلك كان لك منه النصيب الوافر.
لا أبالغ إذا قلت إنه يحق لعروس نهر العاصي جسر الشغوره أن تفخر بأن محمد الحسناوي كان علمًا من أعلامها كما يحق لجبل الزاوية مهد البطولات، أن يشمخ بقممه عاليًا، فقد كنت واحدًا من أبنائه البررة.
ولعل مدرجات كلية الآداب في جامعة دمشق تعرف من كان محمد الحسناوي، يوم كنت طالبًا فيها أما شوارع دمشق فلا تزال تحتفظ بذكريات المظاهرات التي كنت تقودها تهتف بأعلى صوت منددًا بالعدوان الثلاثي الغاشم على الشقيقة مصر خريف عام ١٩٥٦. ولا يزال ذلك الأخ الدمشقي ولا أسميه لأنه لايزال على قيد الحياة يحدثنا كيف كان يحملك على كتفيه في المظاهرات العارمة التي كانت تندد بحلف بغداد.
أما مدينة «حلب» الشهباء، فلطالما عرفتك علمًا من رجال الأدب فيها، وشاعرًا لا يدع ناديًا أو مكتبة وطنية أو مناسبة من المناسبات التي كان يحتفل السوريون فيها بنضالات آبائهم، إلا وأنت البلبل الصداح فيها، ولو أنصفك أهل حلب -وقد تخرج الآلاف من الطلاب الذين درستهم مادة الأدب العربي في ثانوياتها- لكان لزامًا عليهم أن يضعوا اسمك بين مشاهيرها العظام ولعل كثيرًا من الوزراء ورؤساء الوزارة كانوا من طلابك ولكن قاتل الله الجحود ونكران الجميل، حيث ينسى الناس أن يعزوا لأهل الفضل فضلهم، وما ذكرته آنفًا كان بعضًا مما عرفت به وأنت في سورية.
ثم كان الفراق الصعب، يوم كان عليك أن تختار بين المعتقلات التي غيبت كثيرًا من رفاق طريق الدعوة إلى الله، وبين التشريد والهجرة إلى الله بدينك ودعوتك ولقد خلدت روايتك خطوات في الليل طريقك الذي سلكته عبر الحدود إلى تركيا فارًا بدينك وروحك، لا هربًا من مشقة أو تخففًا من واجب العمل والدعوة إلى الله، بل انتقالًا من ساحة إلى ساحة، ومن ميدان إلى آخر أوسع وأشق، وانفتاحًا على المهام الجسام العظام.
لقد عرفك القاصي والداني ولكنك كنت جنديًا مجهولًا، لا يهمه أن يعرف الناس أنه عمل وبذل، وكايد وقاسي.
وفي عمان يعرفك السوريون القادمون إليها الذين يزدلفون في الصيف لقضاء الإجازة ورؤية إخوانهم فيلمسون فيك الجليس الأنيس والأديب الأريب الذي لا يمر أسبوع إلا وهم على مائدتك التي يزينها وجهك البشوش ونفسك الرضية، تقف على خدمتهم لا تطعم شيئًا حتى يفرغ الجميع من شأنهم.
لقد كنت معلمًا، طالما لجأت إليك وأنا أحبو في ميدان الكتابة، تصوب العبارة أو تتحفني بإشارة تمتدح ما أكتب وأنا أعرف أنها خطوات طفل في سنته الأولى، لا يفوتك أن تنفحني بعطر عباراتك وكأنها زهرات من حديقة غناء.
وها قد حان الوداع انتهى العمر ولم ينجز كل ما أردته أنفاسك اكتملت ولما تكتمل المهمة أديت الكثير مما عليك وأنفقت ما كان لديك ما قلت فيك إلا بعض ما أعرف عنك.
وما يعرفه الآخرون عنك أوفر وأجل، انتهى بك المشوار ولا يزال الطريق شاقًا وطويلًا يرحمك الله يا أبا محمود في الأولين فقد كنت من أعلام الهدى ويرحمك الله في الآخرين وجمعنا الله بك في مستقر رحمته.
المجتمع تنعى أحد كتابها الأبرار
مجلة «المجتمع» تحتسب عند الله سبحانه وتعالى الأديب الكبير والكاتب السياسي محمد الحسناوي الذي أفنى حياته ضمن قافلة الدعوة المباركة مجاهدًا وكاتبًا يعيش قضايا أمته ووطنه، صادعًا بالحق دون أن تأخذه في الله لومة لائم نسأل الله سبحانه أن يتقبله في الصالحين، وأن يحشره مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل