; محنة تهجير المسلمين التتار... كيف ضاعت شبه جزيرة القرم؟ | مجلة المجتمع

العنوان محنة تهجير المسلمين التتار... كيف ضاعت شبه جزيرة القرم؟

الكاتب سالم صالح القرمي

تاريخ النشر الجمعة 01-أغسطس-2014

مشاهدات 19

نشر في العدد 2074

نشر في الصفحة 50

الجمعة 01-أغسطس-2014

الدولة العثمانية كانت قوة إسلامية عظيمة فرضت سيطرتها على مساحات واسعة من آسيا وأوروبا وأفريقيا ودام حكمها ستة قرون

بعد هزيمة الدولة العثمانية أمام النمسا والدول المتحالفة معها عقدت اتفاقية «كارلوفيتز» عام ١٦٩٩م تنازل العثمانيون بمقتضاها عن أجزاء من شبه جزيرة القرم لروسيا

●  خانات القرم المسلمين خاضوا حروبا عديدة ضد روسيا والكومنولث البولندي الليتواني أدت في النهاية إلى ضعف دولتهم

●  عندما دخلت القوات الروسية بقيادة «خريستوفر مينيخ» مدينة بغجه سراي عاصمة القرم عام ١٧٣٦م حرقتها بالكامل ونهبتها

●  «الإمبراطورية الروسية القيصرية» حكمت منطقة القرم ١٣٤ عاما من عام ۱۷۸۳-۱۹۱۷م وتوالى على حكمها سبعة قياصرة روس

اتفاقية «كوجك قينارجه» عام ١٧٧٤م التي وقعت مع روسيا سلخت القرم نهائيا عن الدولة العثمانية

حتى الآن مازال ١٠٠ ألف قرمي مع أولادهم وأحفادهم مهجرين في روسيا وأوزبكستان وقرغيزيا و طاجكستان

التضييق الروسي على المسلمين في إقامة شعائرهم ومحو هويتهم الإسلامية تسبب في هجرة مئات الآلاف ومات كثير منهم في الطريق

ع ام ۱۷۸۳م أمرت روسيا الجنرال القائد «جريجوري بوتيمكين» باحتلال القرم فدخلها بسبعين ألف جندي روسي

إذا تناولنا خانية القرم بالحديث يقتضي بالضرورة أن نتحدث عن الصراع بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية، وذلك لكون القرم كانت ولاية تابعة للعثمانيين (١٤٧٤-١٧٧٤ م) وحدودها على تماس مع الحدود الجنوبية للإمبراطورية الروسية.

لقد كانت الدولة العثمانية قوة إسلامية عظيمة فرضت سيطرتها على مساحات واسعة من آسيا وأوروبا وأفريقيا ودام حكمها ستة قرون (۱۲۹۹-۱۹۲۳م)، ولكن انتشار الظلم وانهيار الاقتصاد، وغياب دور العلماء الربانيين، والترف والانغماس في الشهوات والتدخل الأجنبي في شؤونها أدى هذا كله وغيره إلى تفسخ دعائم الدولة ثم تفككها وسقوطها

وبنظرة سريعة إلى أحداث القرن السابع عشر في أوروبا نجد أن النمسا والدول المتحالفة معها حققت انتصارات عسكرية عديدة على الدولة العثمانية أدت إلى عقد اتفاقية كارلوفيتز سنة ١٦٩٩م، والتي تنازل العثمانيين بموجبها عن بلاد المجر وإقليم ترانسلفانيا للنمسا، ومدينة أزاق و ما حولها على بحر آزوف - والتي كانت تحت سلطة خان القرم - لروسيا .

أما الإمبراطورية الروسية فقد كانت في أوائل القرن الثامن عشر تحت حكم بطرس الأول أو الأكبر (١٦٧٢ - ١٧٢٥م)، وأصبحت في عهده أكبر دولة في العالم - بعد أن بدأت في القرن الرابع عشر بداية متواضعة في إمارة موسكو فقط، وغدت حدود روسيا تمتد من بحر البلطيق غربا إلى المحيط الهادي شرقا .

وبعد أربعين سنة من وفاة بطرس الأكبر تربع على عرش روسيا الإمبراطورة كاترين الثانية الكبرى والتي حكمت من عام ١٧٦٢ ١٧٩٦م، وحرصت على توسيع حدود الدولة الجنوبية وتوطيد حكمها وكذلك سن القوانين لكسب تعاطف المسلمين لضمان عدم انضمامهم للدولة العثمانية أثناء حربها معهم.

فكرة القضاء على مملكة القرم  الإسلامية: تعتبر شبه جزيرة القرم والأراضي  المجاورة لها ذات موقع استراتيجي مهم للدولة  الروسية من خلال إطلالها على البحرين الأسود  وأزوف وبالتالي التحكم فيهما وبتجارتهما  ثم الولوج إلى البحار الأخرى مرمرة وإيجه  والمتوسط.  .

وقد خاض خانات القرم حروباً عديدة مع روسيا في القوقاز والأراضي الواقعة جنوب أوكرانيا اليوم، وكذلك ضد الكومنولث البولندي الليتواني أدت في النهاية إلى ضعف دولتهم و دخول القوات القيصرية الروسية بقيادة القائد خريستوفر مينيخ ( ١٦٨٣ - ١٧٦٧م) مدينة بغجه سراي عاصمة القرم في عام ١٧٣٦م، وحرق كامل المدينة، ونهب ما فيها، ثم الانسحاب منها .

في القرن الثامن عشر تمكنت روسيا من دحر القوات العثمانية في عدة مواقع في القوقاز، مما ساعد ذلك في تعاظم التكالب الاستعماري على الإمبراطورية العثمانية بين فرنسا وإنجلترا وروسيا، ويجسد هذا الوضع تصريح نيقولاي الأول قيصر روسيا للسفير الإنجليزي في حفل رسمي سنة ١٨٥٣م: «نحن أمام رجل مريض جدا ... لنتفاهم بيننا لتقاسم تركته، وبكل صراحة سوف تحدث مصيبة كبرى إذا تمكن هذا الرجل ذات يوم من الإفلات من أيديناء.

الحرب الروسية العثمانية بين عامي ١٧٦٨-١٧٧٤م، وآثارها السلبية على القرم تمركز الأسطول البحري للإمبراطورية الروسية في الشمال في بحر البلطيق، في حين كان البحر الأسود بحيرة عثمانية مغلقة يخضع بالكامل للعثمانيين، وفي خطوة مفاجأة أقدم الأسطول الروسي بالإبحار من بحر البلطيق إلى المحيط الأطلسي. واجتاز مضيق جبل طارق ليدخل البحر المتوسط، وحين أخبر السفير الفرنسي في اسطنبول الباب العالي بتحرك الأسطول الروسي، لم يأبه أحد من القادة والوزراء العثمانيين لهذا الأمر، ولم يصدقوا بأن يقوم أسطول العدو بإجتياز تلك البحار البعيدة إلى المياه العثمانية.

تقابل الأسطولان في بحر إيجه، واستمر القتال أربع ساعات انتصر بعدها العثمانيون. ورجع العثمانيون بعد إحراز النصر إلى ميناء جشمة بالقرب من ازمير، وتبعتهم سفينتان صغيرتان من مراكب الروس، وظن العثمانيون أنهما فارتان وترغبان في الانضمام إليهم، فلم يتعرضوا لهما، وما إن دخلا الميناء حتى القيا النيران على السفن العثمانية التي كانت ترسو متلاصقة فاشتعلت النيران بسرعة، وانفجرت المعدات الموجودة بالسفن وسرعان ما احترق الأسطول العثماني برمته في 5 يوليو ۱۷۷۰م. وأحدث هذا الانتصار دويا هائلا في أوروبا. فلأول مرة في تاريخ الدولة العثمانية تتغلب عليها دولة أوربية بمفردها دون حليف وشريك في حرب شاملة، واستمر المناوشات بين الطرفين إلى عام ١٧٧٤م، هذا الحادث أضعف القوة البحرية العثمانية في البحرين الأسود و المتوسط ودفع روسيا إلى طلب المزيد من المكتسبات وكانت هذه المرة على حساب القرم.

●  سلخ القرم

اتفاقية كوجك فينارجه، وسلخ القرم نهائيا عن الدولة العثمانية بدأت سلسلة محادثات واجتماعات بين الجانبين الروسي والعثماني لوقف الحرب وتقرير مصير خانية القرم والملاحة في البحر الأسود .

إلى أن انتهت بتوقيع اتفاقية مصالحة وسلام في قرية كوجك قينارجه في بلغاريا اليوم) ٢١ يوليو ١٧٧٤م وقد جاءت الاتفاقية في ٣٠ مادة، وكان هذا في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الأول» والذي حكم ۱۷۸۹-۱٧٧٤م) وعهد الخان القرمي صاحب كراي» الثاني الذي حكم بين عامي ۱۷۷۱ ١٧٧٥م).

●  من أهم بنودها ونتائجها

الاعتراف بالقرم كدولة مستقلة، ولا ترتبط بالدولة العثمانية إلا من خلال قيام شيخ الإسلام في اسطنبول بتنظيم الشؤون الدينية للقرم.

- استيلاء روسيا على العديد من المناطق التي كانت تحت حكم الخان القرمي: مناطق قبارديا والأراضي الممتدة بين نهري (دنيبر) و البوغ الجنوبي شمال شبه جزيرة القرم إضافة إلى مدن وقلاع كيرج (كيرتش)، وإيني كالي، وكينبورن، وآزوف.

- أعطت المعاهدة لروسيا حق رعاية السكان الأرثوذكس الذين يعيشون في البلاد العثمانية، وكان هذا البند ذريعة لروسيا في أن تتدخل في شؤون الدولة العثمانية.

- لروسيا وتجارها حرية الملاحة والتجارة في بحار آزوف والأسود والمتوسط، وقد كانت الدولة العثمانية تفرض سيطرتها الكاملة على البحر الأسود، حتى أن الرعايا الروس كانوا ينقلون بضاعتهم وتجارتهم على السفن العثمانية.

- ألزمت المعاهدة أن تدفع الدولة العثمانية غرامة ١٥٠٠٠ كيس من الذهب للروس.

رغم أن معاهدة كوجك قينارجه» لم تفقد تركيا سوى أراض قليلة لكن المعاهدة كانت ضربة قاسمة للدولة العثمانية فيما يختص سيادتها على البحر الأسود والمضايق ورفعت روسيا إلى مصاف الدول القوية بعد انجلترا وفرنسا، وبالمقابل أنزلت الدولة العثمانية من القمة إلى الأرض.

●  ما بعد اتفاقية «كوجك قينارجه»

سرعان ما بدأت روسيا بنقض بنود الاتفاقية والتدخل في شؤون القرم، وذلك من خلال بث رجالها في بلاد القرم لخلق القلاقل الداخلية فيها، وبالتالي ابتلاعها وضمها إلى أملاكها، حيث لم يكن قصدها من استقلالها السياسي وقطع روابط تبعيتها للدولة العثمانية إلا الوصول لهذه الغاية.

واستمرت في إلقاء الدسائس ونشر الفتن بين الأهالي حتى قام الأهالي بعزل أميرهم الخان دولت كراي الرابع حكم في ولايته الثانية من عام ۱۷۷۵ - ۱۷۷۷م) والذي انتخبه الأهالي بمقتضى معاهدة كوجك فينارجه ... وأقاموا شاهين كراي حكم من عام ۱۷۷۷ (۱۷۸۳م) فلم يقبل تعيينه فريق كبير من الأعيان و أوشكت البلاد على الوقوع في حرب داخلية.

وهنا أمرت روسيا الجنرال القائد جريجوري بوتيمكين (۱۷۳۹-۱۷۹۱م) باحتلال القرم، فدخلها بسبعين ألف جندي روسي كانوا منتظرين على الحدود لهذه الغاية فتم لها مقصدها الذي كانت تسعى وراءه منذ مدة.

وذلك بعد ثمان سنوات من الاتفاقية والتي تعهدت فيها روسيا بالحفاظ على استقلال إمارة القرم.

وهكذا سقطت الخانية القرمية الإسلامية وضمت أراضيها إلى الإمبراطورية الروسية في أبريل من عام ۱۷۸۳م، لتبدأ معاناة المسلمين القرميين التتار.

حكمت الإمبراطورية الروسية القيصرية منطقة القرم ١٣٤ سنة من عام ۱۷۸۳-۱۹۱۷م وتوالى على حكمها سبعة قياصرة روس...

●  موجات التهجير

تذكر المصادر التركية أن عدد سكان القرم بلغ في القرن الثامن عشر الميلاد حوالي مليون ونصف المليون نسمة، ويذكر عدد من المؤرخين أن عددهم ضعف هذا الرقم.

ومع سيطرة روسيا على القرم وفي العام الأول ۱۷۸۳م هاجر حوالي خمسة آلاف شخص تاركين بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم إلى تركيا، وتتابعت حركة الهجرة من القرم ففي عام ١٨١٢م وصل عدد من هاجر إلى ما يزيد عن ٢٠ ألف مسلم.

في عام ١٨٥٤م أصدر وزير الحربية الروسي أمراً بأن الإمبراطور الروسي أمر بإجلاء كل السكان المحمديين (المسلمين) من القرى التي تجاور البحر في إقليم القرم ولكن هذا القانون لم يطبق في تلك الأيام بهذا الشكل الإجرامي.

وبعد حرب القرم (١٨٥٣-١٨٥٦م) وكما ذكر المؤرخ الروسي نيكولسكي - في كتابه القرم من الخانية القرمية إلى أيامنا هذه. تحديدا بين عامي ١٨٥٠-١٨٦٠ هاجر القرم إلى تركيا وبطريقة غير منظمة عن طريق البحر من مدن يفباتوريا وسيفاستوبل وفيادوسيا وكيرتش حوالي ١٤١٦٦٧ شخصا هذا عدا من سافر بطريقة غير شرعية وبدون جواز سفر.

يذكر هنا أن عدد سكان شبه الجزيرة كان في ذلك الوقت يبلغ ٢٤٥ ألف نسمة حسب المصادر الروسية.

بدأت حركة نزوح جديدة بين عامي ۱۸۹۰-۱۸۷۳م كان سببها الأول اقتصادي فكري أي بسبب انتشار الفقر والبطالة بين المسلمين وبسبب التضيق على المسلمين في تعليمهم الديني وأداء فرائضهم ونشر أفكارهم وثقافتهم.

حتى أن المناطق الواقعة شمال القرم وشمال بحر آزوفو المحاذية للحدود الروسية والتي كانت تابعة للخانية القرمية، أصبحت خالية تماما من سكانها الأصليين من المسلمين القرميين وما تزال كذلك حتى يومنا هذا .

●  تحت الحكم القيصري

قام الروس بسلب أراضي الأوقاف وأراضي الخانات والأمراء والملاك الكبار وكذلك أراضي الموات والأراضي الزراعية الخصبة، وبدأت عملية قطع الغابات والأشجار المثمرة بالمقابل استقدموا آلاف المستوطنين الجدد من مناطق روسية عديدة وكان أغلبهم من المساجين والمدمنين والمنفيين وكذلك المتقاعدين العسكريين وشجعوا زراعة التبغ بدل من الخضار والفواكه.

ويصف العالم والمؤرخ الروسي المعاصر فاليري فوزكرين الوجود الروسي في القرم مع نهاية القرن الثامن عشر الميلادي وبداية القرن التاسع عشر كان التواجد الروسي في القرم كتواجد استعماري حمل معه تدميرا لاقتصاد القرم وثقافته وتخريباً للنسيج الاجتماعي الوطني...

ويعترف الكثير من الكتاب الروس أن أوضاع القرم الإقتصادية تدهورت نهاية القرن الثامن عشر الميلادي.

وما لبثت الحرب أن اشتعلت بين روسيا والدولة العثمانية عام ۱۷۸۷م واستمرت إلى عام ۱۷۹۱م و كانت روسيا تهدف للسيطرة على مضيق البوسفور.

وفي أثناء الحرب وتحديدا عام ١٧٨٧م صدر قرار بتهجير التتار من القرى الساحلية وعلى أثر ذلك هجر حوالي مائة ألف مسلم قرمي تتري إلى تركيا.

ويذكر الصحفي والناشط القرمي النتري إسماعيل كسبرينسكي (١٨٥١ - ١٩١٤م) في جريدته ترجمان أن معدل الولادة لدى المسلمين انخفض بشكل كبير بعد السيطرة الروسية على القرم وأنه تحديدا في عام ١٨٨٠م كان معدل الوفيات لدى تتار القرم ضعف معدل الولادة.

وأصبح العديد من التتار المسلمين يعملون بأسعار بخسة لدى الملاك الجدد من الروس.

الجانب الديني بعد عام ۱۷۸۷م حرم أئمة القرم والراغبون في دراسة الشريعة الإسلامية من السفر إلى تركيا لتلقي التعليم الديني، ومن سافر منهم منع من الرجوع إلى القرم.

في عام ١٨٧٦م أصدر وزير الداخلية الروسي آنذاك (تيماشوف قرارا بمنع إصدار جوازات سفر للتتار الراغبين في أداء الحج إلى مكة.

وبسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة والمضايقات والشروط التي وضعتها السلطات قل عدد الراغبين في السفر إلى الأماكن المقدسة لأداء العمرة والحج.

وقبل التواجد الروسي في القرم كان أهل

القرى والمدن يختارون أئمتهم وخطباءهم بأنفسهم ثم يعطيهم المفتي موافقته، أما بعد الاحتلال الروسي فقد يختار أهل القرية الإمام، ولكن الحاكم الروسي له الحق في رفض هذا الاختيار وإبطاله.

وأصبح المفتي ليس له أي سلطة دينية ويتعاون مع سلطات الأمن الداخلي، ففي عام ۱۸۳۳م أعلن المفتي (سيد جليل أفندي) مع القاضي (عثمان أفندي) عن حملة لجمع الكتب والمخطوطات القديمة المنتشرة في القرم، ولكن الحملة كانت للأسف بالتنسيق مع وزارة الداخلية الروسية للقضاء على الكتب والمخطوطات التي لا تتوافق مع القانون، ولا تتطابق مع قواعد الحكمة، حسب ما جاء في نص القانون، وطبعا لم يطالع هذه الكتب أحد وتم حرقها، وكان هدف هذه الجريمة الثقافية القضاء على الوعي الديني والتراث العلمي للشعب القرمي المسلم.

الجانب التعليمي: أغلقت السلطات الروسية المدارس القرمية التترية والكتاتيب والتي كانت تعلم الأطفال المسلمين من الفتيان والفتيات ما بين سن ٦ إلى ١٥ سنة وكانت تتوزع في كل القرى والمدن، ولم يبق منها في عام ١٨٩٠م إلا ۲۷۵ مدرسة، بعد أن كانت بالآلاف، كما أن السلطات الروسية لم تفتحأي مدرسة جديدة في أماكن تمركز تتار القرم المسلمين.

مع بداية الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٤م ساعت أحوال مسلمي القرم الاقتصادية مما دفع الآلاف منهم للنزوح مرة أخرى، وأصبحعددهم ٤٥٠ ألف نسمة أي حوالي ٤٢ من عدد سكان القرم.

●  ماساة النظام الشيوعي

ومع نهاية العشرينيات من القرن العشرين ومع تنامي الوعي القومي لدى تتار القرم شن الشيوعيون حملة تطهير ضد المفكرين التتار وتم نفي ٤٠ ألف مسلم إلى سيبيريا .

وكانت المأساة الكبرى وعملية الإبعاد  الجماعية القسرية تمت في صباح ١٨ مايو عام ١٩٤٤م وحتى ٢٠ مايو من نفس العام إذ قام الجيش السوفييتي الأحمر بتهجير كامل سكان شبه جزيرة القرم من التتار وأقليات من الأرمن واليونان والألمان والترك إلى آسيا الوسطى وحوض الفولجا والأورال متبعا سياسة التقطيع والبعثرة وذلك بتهمة وقوفهم إلى جانب الجيش الألماني النازي عندما احتل القرم ١٩٤١-١٩٤٤م، وقد هجر على أثرها ٢٠٠ ألف مسلم جلهم من الشيوخ والأطفال والنساء في حين كان كثير من الشباب القرمي يخدم في الجيش الأحمر وفي مختلف القطع والرتب والجبهات العسكرية، وفي السنة الأولى من التهجير وفي خلال الطريق الطويل والقاسي والذي وصل إلى ٦٠٠٠ كم ) مات ٤٠% منهم بسبب البرد والمرض والجوع.

ولتصور مدى الجريمة التي ارتكبت بحق شعب تتار القرم المسلم نذكر أنه في عام ۱۷۷۰م وحسب الإحصائيات الروسية كانت نسبة تتار القرم %۹۳% والباقي من الأرمن واليونان، وفي هذه الإحصائية لا وجود فيها للقومية الروسية، بينما في إحصائية عام ١٩٥٩م وحسب المصادر الروسية أيضا - نسبة الروس ۷۱ والأوكران %۲۲% والباقي من اليهود وقوميات أخرى، ولا وجود للتتار المسلمين أبدا !!

اعترف مجلس الشعب السوفيتي في عام  ۱۹۸۹ م ب عدم قانونية التهجير القسري وأنها جريمة تعرضت لها الشعوب التي هجرت ونضمن لهم كل حقوقهم، ومع نهاية الثمانينيات بدأ التتار بالعودة فبين عامي ۱۹۸۹ - ۱۹۹۲م كان كل عام يعود مابين ٣٥-٤٠ ألف شخص، وفي عام ۱۹۹۷ م كان عدد العائدين ٦٠٠٠ شخص ، ووصل خلال عام ۲۰۰۲م ألفي شخص.

●  آثار الإبعاد القسري

التهجير كان كارثة انعكست آثاره على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية على تتار القرم فقد خسر المسلمون أراضيهم وأملاكهم من البيوت والعقارات والمزارع والمواشي ووسائل النقل ، ولم يستطيعوا استعادتها حتى الآن إلا ما اشتروه من جديد .

وتم تغيير ٨٠% من أسماء المدن والقرى والبلدات القرمية إلى أسماء باللغة الروسية واستجلب الروس والأوكران واليهود للعيش في القرم مكان التتار.

وقبل الحرب العالمية الثانية والتهجير ورغم التضييق على القرميين كانت الحياة الثقافية قائمة إذ كانت تصدر ٧ جرائد قرمية، بينما في السبعينيات سمح بصدور جريدة واحدة ، وصدر في شهر سبتمبر وحده من عام ۱۹۳۹م صدر ٦٨ كتاب باللغة التترية ومن عام ١٩٤٤ - ١٩٧٣ صدر كتابان فقط بالتترية، وبسبب هذا فقد الأحفاد لغتهم.

ومازال حتى الآن 100 ألف قرمي مع أولادهم وأحفادهم مهجرين في روسيا و أوزبكستان وقرغيزيا وطاجكستان وأما في القرم اليوم فيعيش القرميون المسلمون في أكثر من ۳۰۰ قرية وبلدة ومدينة ومايزالون يكافحون للحصول على حقوقهم ويجدون في  سبيل ذلك ..

المصادر

الإسلام في القرم، بويتسوفا . إ.ف وآخرين، سيمفروبل ۲۰۰۹م.

٢- تتار القرم (١٩٤١-١٩٩١م) تاريخ التجربة السياسية الجزء الأول غولنارا

بيكيروفا ، سيمفروبل ۲۰۰۸م.

تاريخ تتار القرم الجزء الثاني والثالث فوزغرين ف. ي، سيمفروبل ۲۰۱۳م.

سلسلة مقالات عن تاريخ شبه جزيرة

القرم، موقع أوكرانيا برس»، د. أمين القاسم. ه أحداث قورولتاي عام ۱۹۱۷م، إصدار اتحاد الرائد ومؤسسة أنصار فونديش، كييف ۲۰۱۲م.

 

الرابط المختصر :