; مختصر من كتاب (الصلاة عماد الدين) | مجلة المجتمع

العنوان مختصر من كتاب (الصلاة عماد الدين)

الكاتب عبد الله الجار الله

تاريخ النشر الثلاثاء 28-مارس-1978

مشاهدات 13

نشر في العدد 392

نشر في الصفحة 34

الثلاثاء 28-مارس-1978

 الصلاة الكاملة وآثارها في حياة المسلم، الصلاة أولى الفرائض العملية في الدين، وهي الشعيرة الباقية عبر الرسالات.

والصلاة عبادة تحقق دوام ذكر الله، والقربى من جنابه، وتمثل تمام الطاعة والاستسلام لله رب العالمين والتجرد له وحده، وتربي النفس على معاني التقوى والإنابة والصبر والتوكل والجهاد، وتهئ المؤمن لحياة صالحة بين جماعة المؤمنين.

وإذا كانت الصلاة في الإسلام أول العمل الصالح وأفضله فهي لذلك أبرز المظاهر والسمات للمسلمين العاملين تميزهم في واقع الحياة عن سائر الناس، والصلاة فيما يقرر القرآن مصدق الإيمان وأثره الأول فهي لذلك الصفة اللازمة للمؤمنين، والصلاة للإسلام هي الركن الأهم بعد الشهادة لله بالتوحيد وتصديق الرسالة وهي الشرط الأول للانتماء لأمة المسلمين. وأول عهد ما لمرء بالإسلام بعد الإقرار بالتوحيد والرسالة أن يتعلم الصلاة ويأخذ بها؛ ذلك هو الجواز العملي من الكفر إلى الإسلام. وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا أسلم الرجل أول ما يعلمه الصلاة ولذلك اتخذها صلى الله عليه وسلم- آية للإسلام في علاقته مع القبائل العربية حيث قال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» رواه الترمذي.

وقال: «بين الرجل والشرك ترك الصلاة» رواه مسلم. وكان آذان الصلاة شعارًا يدل على المسلمين فكان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا غزى قومًا لم يغز حتى يصبح وينظر فإن سمع آذانًا كف عنهم، وإن لم يسمع آذانًا أغار عليهم؛ فالصلاة مظهر إسلامي متميز يقدم المسلم للناس بصورة تعلن عن إسلامه وتدل عليه، والصلاة استغراق دائم في عبادة الله وتوالي الصلوات الخمس في اليوم والليلة إشاعة لروح الدين الإسلامي ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا وقد أراد الله بعباده اليسر فاقتضت رأفته وحكمته أن يرفع الفرض عندما ينطلق الناس لأشغال المعاش وعندما يخلدون لراحة النوم وأن يجعل في أوقات الصلوات المكتوبة فسحة للراحة من التعب ترفع الحرج عمن تلح عليه الشواغل في بعض ذلك الوقت، وتتيح له مجالًا يتوخى فيه بصلاته لحظة هي أجمع لخواطره وأخلى لباله. وكما يتوالى فرض الصلاة ونفلها على المسلم على مدار يومه تدوم عليه طوال عمره وعبر كل ظروف الحياة لا يرفعها عنه عذر من مرض ولا مانع من سفر ولا شاغل من خوف ولا اعتبار لظروف المكان فأينما انتقل المسلم لازمته الصلاة يؤديها حيثما يتيسر له، في كل بقعة طاهرة من الأرض وفي كل منزل ومقام، قال- صلى الله عليه وسلم-: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا فأي رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ» «متفق عليه»، وإذا مرض صلى قائمًا فإن لم يستطع فقاعدًا فإن لم يستطع فعلى جنبه، ومن كان على سفر قصر الصلاة تخفيفًا عليه حتى لا يشق عليه تعهد الصلاة بالإقامة التامة، وليكون موصول الحبل بالله أين ما حل وارتحل، حتى ساعة القتال لا تسقط عن المسلم الصلاة بل يصليها على حسب حاله وقدر استطاعته يستعين بها على الصبر في مقام الخوف، ويستمد منه القوة على الجهاد. ودوام الصلاة على اختلاف الأحوال والأزمنة صفة تميزها عن سائر التكاليف العملية.

ومن النتائج التربوية للصلاة على من يتعهدها أنها تورث الإنسان روح المواظبة على كل واجب والمداومة على كل عمل وفي الصلاة خشوع لله وطاعة صادقة لله والرسول وفيها تفكير وتأمل وفيها توجه إلى الله بالقول الطيب ولكنها لا تقتصر على التفكير والكلام، وإنما هي كذلك هيئة جسدية من قيام وجلوس وحركات ركوع وسجود وغير ذلك مما ... تمجيد الله والتذلل له مصحوبًا ... المشروع.

والخشوع حالة تخضع وتطمئن ... الجوارح بأعمال الصلاة ترافقها ...صادرة عن ذهن حاضر وتواكبها خواطر تقوم بالفؤاد منفعلة بمهابة الله وإجلاله ومشاعر متجهة إليه بالقنوت والإخبات ولا تتم صلاة بلا خشوع مهمها كانت ملتزمة بالمظهر المسنون، أو- انضبطت فيها الحركات الآلية أو تم كلام اللسان.

ولا يصل إلى الله عمل يؤديه صاحبه عفوًا بغير أساس من تقوى النفوس والخشوع في الصلاة حالة لا تتيسر إلا لمن تعهد نفسه بالتزكية ورطب لسانه بذكر الله في كل حين وألان فؤاده باستثمار هيبة ربه حتى تفجرت في نفسه ينابيع الإيمان وعرف طمأنينة اليقين فصار من العبادة كأنه يرى الله ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ (الحديد 16).

ولا يفلح المصلي إلا إذا قام للصلاة بخشوع ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (المؤمنون:1-2) والخشوع تكامل بين معان مختلفة من أمر القبلة من التوجه إلى الله وفي أمر القنوت من التجرد له عمن سواه، واستشعار جلال الله وعظمته والتذلل له، والخضوع والاستكانة بين يديه، ولا بد من استحضار هذا الشعور الكامل الشامل لدى كل قول أو عمل من إجراءات الصلاة، والصلاة بأقوالها المأثورة وحركاتها المسنونة تربية للمسلم في اتباع نهج الرسول- صلى الله عليه وسلم- واتخاذه قدوة حسنة في سائر مسلك الإنسان، فالرسول- صلى الله عليه وسلم- يوصينا في شأن الصلاة فيقول: «صلوا كما رأيتموني أصلي» «رواه البخاري»، وكان الصحابة- رضي الله عنهم- يلاحظون فعله فيها فيقلدونه بدقة ويزكون الواحد منهم فيصفونه بأنه أشبه الناس بصلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان عليه الصلاة والسلام يصلي صلاة كاملة تامة فيقول: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة في فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة» «رواه مسلم».

والصلاة كذلك تربية تهيئ المسلم لطاعة الله حيثما كان، فإذا تجاوز مسجده وخالط دنيا الناس التزم تقوى الله وراقبه في كل عمل، والمسلم المحافظ على صلاته يعود عليها خمس مرات في اليوم والليلة على الأقل ويعود بذلك إلى توبته فتخلل التوبة يومه كله ولا تكاد تبقي من ذنوبه شيئًا، قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (هود:114)، وقال عليه الصلاة والسلام: «أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل قبل كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا» «متفق عليه».

والصلاة تذكرة بالله غافر الذنوب، وقابل التوب، شديد العقاب، ويتلى فيها القرآن فيرد فيه ذكر عذاب الله فيستعيذ القارئ المتدبر، وبيان لمحارم الله ولمكارهه فيعزم المصلي الخاشع أن لا يقع فيها حذرًا من حساب الله وسخطه وعقوبته، وأملًا في رضاه ومعافاته ويستذكر المصلي فتنة الله وعذابه فيلوذ به بدعائه «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال» «صحيح مسلم»، ومجمل القول: إن الصلاة تنمي الإيمان للمؤمن بالغيب وتزيد خشيته من الله فيتقي عذابه بالتواضع لأوامره واجتناب نواهيه.

ولا يقيم الصلاة إلا الذين يتقون الله ولا يتم خشوعها إلا الذين يخشون لقاء الله وتزيد هؤلاء صلاتهم إيمانًا بالله واتقاء لما نهي عنه، فإذا قام الخاشع من صلاته قام وقد تمكن منه خوف الله بزجره عن كل فحشاء ومنكر ولا تلهيه دنياه وعلائقه المادية حتى تحل عليه الصلاة التالية فتزوده بشحنه من التقوى، ولذلك كانت الصلاة من أعظم النواهي عن المعاصي، قال تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (العنكبوت:45)، وإذا كان المسلم يقع في المعاصي فإن الصلاة توبة له تتوالى طول اليوم فتتعاقب على خطاياه فتمحوها، كلما تراكمت بين فترات الصلاة وهذا التعاقب يعلم المسلم أن يجدد التوبة دائمًا قبل أن تحيط به الخطيئة.

وهذا التوالي في التوبات قبل تمكين الخطيئة يدوم على المسلم بدوام الصلاة فيصبح توابًا والله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وكما رأينا في الصلاة إنها متاب للعبد ومحط لخطاياه ومزدجر يعصمه من المنكر والحرام نرى فيها من وجه آخر أثرًا إيجابيًّا، إنها دوافع للهمة والأمل ومسألة يرجو فيها العبد من عطاء الله توفيقه وحافزًا ينهض به إلى المعروف والواجب بجد وفعالية.

والصلاة بتواليها ودوامها تضمن مددًا روحيًّا لا ينقطع عن المسلم، بل يتزايد باطراد مجددًا إيمانه بالله وكتابه ورسوله ومقويًا خشيته وتقواه وشكره وثقته ورجاءه ومضاعفًا بذلك جهوده الصالحة في سبيل الله، فكلما استهلكت المسلم تكاليف الحياة أسعفته الصلاة بشحنة من الطاقة الروحية تمد له في إسعاده مدًا، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة:153).

ولذلك كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر ففزع إلى الصلاة ونادى: «أرحنا بالصلاة يا بلال»، وكان يقول: «جعلت قرة عيني بالصلاة».

وخلاصة القول: إن الصلاة تدعو إلى الطاعة وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر لأنها تمثل تمام الانصياع بالبدن من المتن إلى أطراف الأصابع وتمام الخشوع شعورًا وتعبيرًا فهي مران على الخضوع وتركيز للإيمان بجلال الله وعظمته مما يستوجب الطاعة الوافية الصادقة لله ورسوله وبهيبة الله وجبروته مما يورث طاعته وخشيته فيما أمر، تلك آثار الصلاة الطيبة يجدها المسلم في حياته الأولى قبل أن يلقى ربه فيجزيه الجزاء الأوفى، وذلك هو الخسران من إضاعة الصلاة يلقاه الشقي في عاجلته قبل أن يقف موقف الحساب فالله نسأل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يقبل صلواتنا ويجيب دعواتنا ويغفر زلاتنا ويؤتينا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ويقينا عذاب النار، وصلى الله على محمد وسلم.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

كيف أعود ولدي الصلاة؟!

نشر في العدد 2

53

الثلاثاء 24-مارس-1970

الوحدة وصلاة الجماعة في المدارس

نشر في العدد 4

24

الثلاثاء 07-أبريل-1970

الأسرة

نشر في العدد 3

31

الثلاثاء 31-مارس-1970