; مدرِّس التربية الإسلامية بين المهنة والرسالة (600) | مجلة المجتمع

العنوان مدرِّس التربية الإسلامية بين المهنة والرسالة (600)

الكاتب أبو هدوان

تاريخ النشر الثلاثاء 21-ديسمبر-1982

مشاهدات 16

نشر في العدد 600

نشر في الصفحة 12

الثلاثاء 21-ديسمبر-1982

  • يقول عليه الصلاة والسلام «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته». ‏

ومن هذا الحديث الشريف نستدل على أن الإسلام وضع في عنق كل مسلم مسؤولية معينة لا بد له أن يقوم بها حتى يفوز برضا الله ورسوله، فهو إن عمل بها فاز وإن استهان وقصر فلا يلومن إلا نفسه.

‏مسؤولية خطيرة:

  • وهنا أود أن أتحدث عن نوع من هذه المسؤوليات التي يمكن أن نعدها من المسؤوليات الخطيرة في مجتمعنا، وبالتالي فإن الذي يتصدى لهذه المسؤولية يجب أن يكون ذا همة كبيرة وإخلاص عظيم حتى يتمكن من القيام بأعباء مسؤولية تلك خير قيام.

  • هذه المسؤولية هي مسؤولية التربية الإسلامية التي يتصدى لها مدرسو هذه المادة، وخطورة هذه المسؤولية تكمن في كون هذه المادة على الغالب هي المجال الوحيد الذي يمكن عن ‏طريقه إيصال مفاهيم الشريعة الإسلامية بكل ‏ما تتضمن إلى القواعد العريضة من أبنائنا الطلبة والطالبات الذين هم عدة المستقبل لبناء الأمة الإسلامية.

  • فمن المعلوم أن قضية التوجيه أو التربية الإسلامية تنحصر في مجتمعاتنا في أمكنة، أو مجالات محدودة لا تمكن غالبية الأبناء من الوصول إليها والاستفادة منها.

‏حتى المسجد فإن دور التوجيه فيه لا يحقق الفائدة المرجوة لأسباب عديدة لا مجال لشرحها هنا، بينما نلاحظ أن هؤلاء الأبناء يتعرضون لكل عوامل الفساد والإفساد ليلًا ونهارًا تحيط بهم هذه العوامل من كل جانب، وبالتالي فإن كثافة هذه الضغوط وشدتها وعدم وجود أسس من التربية الإسلامية الصحيحة لدى هؤلاء الأبناء يجعل وقوعهم في دائرة الانحراف أو الفساد أمرًا ممكنًا لا يمكن إيقافه...

  • ولنا أن نتصور الأثر الخطير الذي يكمن وراء انحراف الأبناء أمل مجتمعنا وعدته في بناء مستقبله، ومن هنا كانت مسؤولية التربية الإسلامية مسؤولية خطيرة.

أثر مدرس المادة:

  • ونحن لا نريد هنا أن نتعرض لمادة التربية الإسلامية من حيث المحتوى أو المنهج... ولكننا نود أن نشير إلى أثر مدرس المادة نفسه الذي هو أساس العملية التربوية الإسلامية. 

‏ولا بد أن نقول إن إشارتنا تلك إنما تنطلق من مبدأ التناصح والتذكير وعلى أساس من الأخوة في الله ومن بذل الجهد لكسب مرضاة الله عز وجل.

  • إن المتتبع لموضوع العلم الشرعي تاريخيًا يلاحظ أن هذا العلم كان بنقل من أساتذته وعلمائه إلى دارسيه مباشرة عن طريق حلقات المساجد والزوايا والجمعيات الشرعية إلى آخر ما كان متوفرًا من تلك الأماكن التي كان من أولويات اهتماماتها تدريس العلوم الشرعية، وكان ذلك يتم انطلاقا من دافع ذاتي لهؤلاء العلماء الذين كانوا يعتقدون أن نقل هذا العلم إلى أبناء الأمة إنما هو واجب شرعي تصديقًا لحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام «ما من رجل يحفظ علمًا فيكتمه إلا أتى يوم القيامة

ملجومًا بلجامٍ من نار».

‏وقوله عليه الصلاة والسلام «مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل الذي يكنز

الكنز ثم لا ينفق منه».

  • ولذلك كان تدريس العلوم الشرعية منتشرًا في طول البلاد الإسلامية وعرضها يتصدى لذلك العلماء العاملون لأنهم كانوا على يقين من أن هذه هي رسالتهم الحقيقية.

‏وطالما كانت عملية تدريس الشريعة الإسلامية لحالاتها المختلفة تنطلق من اعتبار أن هذا العمل إنما هو رسالة وأمانة وليست للكسب والاسترزاق كان هؤلاء العلماء والأساتذة هم القادة الحقيقيون للأمة.

  • وعندما امتدت يد البغي لدور العلم الشرعي في البلاد الإسلامية وعاثت فيها فسادًا وانحرافًا بمسارها أصبحت هذه الدور خاضعة في أهدافها وتوجهاتها إلى أهداف وتوجهات السلطة، وعندها تحول التدريس في هذه الدور من كونه رسالة حياة إلى مهنة للكسب والاسترزاق، وتحول خريجو هذه الدور العلمية من أصحاب رسالة إلى أصحاب مهنة «إلا من رحم ربك»، وأخذت بالتالي أهمية تدريس التربية الإسلامية تتضاءل وتنكمش حتى وصلت إلى ما هي عليه.

بين المهنة والرسالة:

  • إن أهمية مادة التربية الإسلامية تقاس بمدى الارتباط بينها وبين المدرس من حيث حبه لها والإخلاص فيها ومن اعتبارها رسالة يعيش من أجلها لا مهنة يعيش من خلالها، وسيلة لكسب رضا الله لا وسيلة لكسب المال.

ونحن هنا لا نعترض على الكسب والحصول على الأجر ولكن نعترض على جعل تدريس التربية الإسلامية وسيلة للكسب والاسترزاق بدلًا من جعلها رسالة حياة وطريق نجاة، لأن من الطبيعي أن من يمارس تدريس المادة انطلاقًا من كونها مهنة وليست رسالة لن يعطي كل الجهد ولا يكون لديه كل الإخلاص والحب، وبالتالي فسيكون عطاؤه ناقصًا وجهده ضائعًا بحيث لن يتمكن من تحقيق الأهداف التي يسعى إليها المجتمع من خلال مادة التربية الإسلامية.

  • ومدرس التربية الإسلامية قائد في فصله ومدرسته، والقائد في الحياة الإنسانية محط الأنظار والقدوة لأعضاء مجتمعه ينظرون إليه ليفعلوا ما يفعل، ويستمعون إلى قوله فيتحدثون بحديثه، فينقاد له الجميع وعندها يصبح هذا المجتمع الصغير الذي يعمل المدرس من خلاله نموذجًا صالحًا لا بد أن ينتقل أثره إلى المجتمع الكبير وبذلك يتحقق هدف التربية الإسلامية في تكوين المجتمع الإسلامي الصحيح، وبذلك يكون مدرس التربية الإسلامية المؤمن بأهمية الرسالة التي يحملها والأمانة الكبيرة التي جعلت في عنقه هو السبب المباشر في تكوين ذلك المجتمع الصالح.

القول والعمل:

  • هذا عندما يؤمن مدرس التربية الإسلامية بأنه صاحب رسالة وأنه من أصحاب الدعوة قبل أن يكون من رجال التدريس، وصاحب الدعوة هو الذي يعمل بما يعلم فيبدأ بنفسه أولًا ثم بالآخرين حتى يكون قدوة لهم، فإذا وجد اختلافًا بين قول المدرس وفعله وبين ما يتحدث به وما يطبقه هو نفسه فإن ذلك سينعكس على الأبناء من حيث الوقوع في متاهات الحيرة والشك نتيجة ما يرونه من تناقض بين قول مدرسهم وفعله، والأبناء في مراحل التعليم المختلفة تنحصر تطلعاتهم وتوجهاتهم نحو التعرف على المثل الأعلى لهم والقدوة التي يقتدون بها، لذلك فإن اهتزاز مركز هذه القيادات التربوية في أنفسهم وتشوه صورة من جعلوه مثلًا أعلى لهم يجعلهم يتجهون إلى رفض كل ما يتعلق بالعلم الشرعي والقائمين عليه ومن ثم الانحراف إلى طريق الضلال وهذا من أهم النتائج الخطيرة التي تصيب القواعد الطلابية سبب ما تلمسه من تناقض بين القول والفعل، وفي هذا يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام «مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه، كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه». 

ويقول المولى عز وجل في سورة البقرة «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم...».

ويقول في سورة الصف «يا أيها الذين آمنوا لم تقولوا ما لا تفعلون كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون».

وهناك آيات وأحاديث كثيرة تبين مدى الأثر الخطير لمن يقول ولا يفعل ويأمر بالمعروف ولا يأتيه وينهي عن المنكر ويأتيه، والعذاب الشديد الذي ينتظره يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

  • فمن غير الجائز أن يقوم مدرس التربية الإسلامية بشرح آية الحجاب ثم يراه طلبته وهو يتأبط ذراع زوجته السافرة، ومن غير المقبول أن يقوم ذلك المدرس بشرح أهمية الصلاة وشروطها وأركانها وثوابها وعقاب تاركها... ثم لا يمارسها هو بنفسه، أو أن يقوم ذلك المدرس بشرح الأدب النبوي في الحديث والمعاملة والأخلاق... ثم يتعرض لطلبته بألفاظ تتناقض بالكلية مع ما شرحه والأدب النبوي.

وأخيرًا:

  • وكما ذكرنا آنِفًا فإن مدرس التربية الإسلامية يجب أن يكون الشعلة المضيئة في مجتمعه المدرسي ومحور هذا المجتمع ومحط أنظاره فعمله وجهده لا ينحصران في تلك الدقائق أو الساعات المحدودة التي يتواجد فيها في هذا الفصل أو ذاك، وإنما يجب أن يمتد هذا الجهد ليشمل كل أعضاء المجتمع المدرسي لأن مدرس التربية الإسلامية كما ذكرنا رجل دعوة وصاحب رسالة.

  • وأذكر في هذا المجال أن مدرسي التربية الإسلامية في إحدى البلاد الإسلامية استطاعوا خلال سنوات معدودة أن يحولوا بمجهودهم وإخلاصهم المجتمعات المدرسية إلى مجتمعات إسلامية صغيرة عطلت كل الجهود التي كانت تبذل لتشويه عقيدة الأمة، وهدم تراثها مما اضطر أصحاب السلطة إلى إجراء تخيير شامل في مناهج التربية الإسلامية واستبدال هؤلاء المدرسين بآخرين من أصحاب المبادئ الهدامة حتى يتمكنوا من اقتلاع ما غرسه أولئك المخلصين في نفوس أبنائهم الطلبة.

  • وانطلاقًا من مبادئنا الإسلامية التي تحض وتؤكد على التناصح والتذاكر والأخوة والحب... نرجو مخلصين أن يكون مدرس التربية الإسلامية عند حسن ظن مجتمعه به وأن يجعل عمله خالصًا لوجه الله، وأن ينطلق في عمله وجهده من كونه رجل دعوة وصاحب رسالة وأن يكون مثلًا أعلى لأبنائه الطلبة في كل شيء في العبادات والأخلاق والمعاملة...

عندها تتحقق القدوة الصالحة، وبالتالي يمكننا أن نصل إلى تحقيق الأهداف التي يسعى إليها المجتمع من خلال التربية الإسلامية.

دعوة

بسم الله الرحمن الرحيم

جمعية الإصلاح الاجتماعي تدعو المواطنين الكرام لحضور أسبوع التضامن مع الشعوب الإسلامية وذلك من 10 – 14 ربيع الأول 1403 هـ الموافق 25 – 29 ديسمبر 1982م، هذا ويشتمل الأسبوع على ندوات – محاضرات – سوق خيري – معرض فني لصور المجاهدين.

الرابط المختصر :