; مذابح المسلمين الأخيرة في الهند بين الغدر والحقد والتخطيط | مجلة المجتمع

العنوان مذابح المسلمين الأخيرة في الهند بين الغدر والحقد والتخطيط

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 26-يونيو-1979

مشاهدات 11

نشر في العدد 451

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 26-يونيو-1979

ما حقيقة أحداث مذابح جمشيد بور؟

لقد صار بديهيًا وأمرًا مسلمًا به اتفاق وسائل الإعلام على اختلافها بعامة أن تعتم تعتيمًا كليًا علي أي خبر يهم المسلمين أو يبين عدالة قضيتهم، وإذا لم تستطع أن يكون التعتيم كليًا فإنها تجعله جزئيًا يظهر بعض الحقيقة ويخفي أكثرها.

وعكس هذه البديهية صحيح أيضًا، فإن هذه الوسائل الإعلامية تضخم كل التضخيم أي خبر يهم أعداء المسلمين ويفيدهم وتلقي الأضواء عليه بمختلف الوسائل الممكنة. ولا تتورع هذه الوسائل الإعلامية من أجل هذا وذاك، من أن تكذب وتفتري وتزيف وتطمس.‏

وهذا‏ نراه بوضوح في مذابح المسلمين الأخيرة في مدينة «جمشيد بور» الهندية والتي حدثت منذ شهرين تقريبًا. فلقد ادعى التقرير الصادر من السلطات الرسمية الهندية أن عدد القتلي «113» قتيلًا، وأن عدد الجرحى «330» جريحًا.

والحقيقة أكبر من ذلك أن عدد القتلى أكثر من خمسمائة وأن عدد الجرحى يزيد على «1500» جريح. وأن قيمة الخسائر المادية في ممتلكات المسلمين، ثلاثة ملايين دولار، وأن عدد المشردين المسلمين الذين أصبحوا بلا مأوى خمسين ألف مسلم.

هل مذابح جمشيد بور عفوية؟

‏إن أكبر الحقائق الهامة التي تكشفت أنها لم تكن مظاهرات عفوية تطورت إلى أن غدت مذابح وإنما كانت عملًا مدبرًا ومخططًا له سلفًا، فنفذ بدقة وحقد، ولقد كان وراءه سياسيون وأحزاب وتعاون معهم قوات البوليس الحربي وأجهزة الدولة في «بيهار» وغيرهما.

المذابح من البداية!

لقد استغل الهندوس في مدينة جمشيد بور المسيرة التي اعتادوا على القيام بها بمناسبة مهرجان «رامنافمي» الهندوسي فقرروا تغير مسيرها وذلك حتى تمر في شارع «14»‎ الضيق ذي الغالبية الإسلامية.

إن هذا التغير في مسار الموكب لم يكن عفويًّا وإنما كان وراءه أناس يدعمهم أحد أعضاء برلمان الولاية واسمه ‎«دينانات باندي» وهو ينتسب إلى الجناح الهندوسي المتطرف ‎«جان سنغ» أحد أجنحة حزب «جاناتا» الحاكم.

لقد أثار هؤلاء الهندوس كل عناصر العداء ضد المسلمين وحملوا حملة شعواء على السلطات المحلية لأنها حاولت أن تقف ضد مخططهم وتفشله الأمر الذي أدى إلى تراخي الموقف بعد أن تم التخالف بين أعداء‏ المسلمين جميعًا،‏ وبعد أن خشي مدير البوليس وهو من «الطبقة الدنيا» في التنظيم الطائفي لمجتمع الهند أن يتهم بتهمة العداء للهندوس وهكذا استطاع الهندوس الحصول على تصريح يخولهم بالمرور في شارع ‎«14» شريطة‏ أن يمروا بهدوء أمام مسجد المسلمين.

سارت المسيرة في ‎11-4-1979 ولكنها وعندما اقتربت من المسجد توقفت وأعلن قائدها عضو برلمان الولاية ‎«دنيانات باندي» بأنهم لن يتحركوا حتى يتم إطلاق سراح الهندوس اللذين احتجزوا باتهامات إثارة التحريض الطائفي ثم تقدمت المسيرة إلى المسجد وألقى أحدهم بحجر عليه ومثل ما هو مخطط تمامًا سرعان ما قذف أحد المأجورين الهندوس قنبلة يدوية نحو المسيرة وبدأت المذابح.

وبدأت مذابح المسلمين

لقد كانت تلك القنبلة إعلانًا عن ساعة الصفر فقد كان المتظاهرون مسلحين بالأسلحة ومستعدين لذلك على عكس المسلمين الذين لم يكونوا مستعدين ولكنهم حاولوا المقاومة ورد الاعتداء وكان من الممكن أن يردوا اعتداءات الهندوس لولا تدخل البوليس الحربي لبيهار.

البوليس الحربي يساعد الهندوس

لقد أغلقت قوات البوليس الحربي مناطق المسلمين وأطلقت النار عليهم وقتلتهم في بيوتهم ثم حرست الهندوس الموتورين وهم يسرقون وينهبون ويحرقون المتاجر والمكاتب والبيوت الخاصة بالمسلمين ولم يكتفوا بذلك وإنما حملت سيارات البوليس الحربي «البنزين»‏ لإحراق بيوت ‎المسلمين وممتلكاتهم، وعندما حاول المسلمون إخماد الحرائق صرعتهم الطلقات، ‎كما ألقيت قنابل الغاز المسيل للدموع داخل بيوت ‎المسلمين ليخرجوا فتحصدهم الطلقات المجرمة.

ولعل أبرز مظاهر الوحشية من الهندوس والبوليس الحربي إحراق سيارة إسعاف كانت تنقل مسلمين وكانت هذه السيارة بحراسة الشرطة الهندية إلا إنها اقتيدت وبهدوء، إلى جانب الطريق وأشعلت فيها النار بعد أن أغلقت أبوابها فاحترقت ومن فيها، ومن مظاهر الوحشية الاعتداء على أعراض المسلمات وقتل الشيوخ والأطفال والعجائز وغير ذلك كثير.

لقد استمر هذا الجحيم أربعة أيام كاملة هي سبة عار في جبين الهند. بل هي حقيقة ما يحمله الهندوس من كراهية وحقد على المسلمين سواء كانوا في الهند أو غيرها بغض النظر عن ادعاءاتهم الكاذبة المضللة.

‏لم تتوتف هذه المجازر الوحشية إلا بعد أن شبعت أحقاد الهندوس وكلت أظفارهم وأنيابهم فاستدعيت قوات الحدود من الجيش لتنهي هذه المذابح أو لتدعي أنها قد أنهتها ولتمثل دور المنقذ.

علام تدل الشعارات الهندوسية؟

وفي أثناء هذه المذابح ارتفعت شعارات هندوسية عدة منها: «أيها المسلمون وطنكم باكستان لا الهند» و «أيها الباكستانيون.. اظهروا لنودعكم بجنازة الكلاب» و«أخذنا بنجلاديش في ثلاث ساعات وسنسحقكم في نصف ساعة».‏

ومن هذه الشعارات ومن غيرها يستطيع الإنسان‎ أن يعرف هدف هذه المجازر إنها تهدف إلى وعلى المدى البعيد طرد المسلمين وإبادتهم والاستيلاء على ممتلكاتهم مع العلم أن القارة الهندية كلها أرض إسلامية حكمها الإسلام حكمًا كاملًا إلى أن أتى الاستعمار البريطاني فقاومه المسلمون فقرب الهندوس والسيخ وساعدهم في أن يقلبوا للمسلمين ظهر المجن وأن يجاوزهم عداوة وقتلًا بعدما عاشوا في عدل وأمان زمن حكمهم لهم.

ومن هذه الشعارات يدرك الإنسان الدور الذي لعبته الهند في انفصال‎ بنجلاديش عن الباكستان.. ومن‎ المستفيد من ذلك. ويستطيع أيضًا أن‎ يستشف الإنسان ماذا يعني بكاء‎ الهند أو تباكيها على إعدام «ذو الفقار‎ على بوتو» وبالتالي من هو بوتو؟‎ وما دوره؟

مذابح المسلمين‎ والصراع الحزبي في الهند‎

‏وبالإضافة إلى ما سبق فإن هذه‎ المجازر الوحشية ترتبط أيضًا بالصراع الحزبي في الهند، فلقد قال أحد‎ المحللين المسلمين في هذا الموضوع‎:

‏إن المظاهرات من هذا المستوى الكبير‎ ضد المسلمين تحدث غالبًا في الولايات‎

المتحدة التي يكون فيها رئيس الوزراء من غير رجال المنظمة الهندوسية‎ وربما يكون القصد من هذا إيهام‎ المسلمين أنه لا يمكن لهم التطلع إلى‎ الأمن والتعايش السلمي خارج‎ سلطان المنظمة الهندوسية‎.

‏مذابح المسلمين‎ والحكومة الهندية‎

لقد اتهمت الحكومة الهندية‎ المسلمين في أول الأمر بأنها سبب هذه‎ الاضطرابات وأنكرت تكاسلها، ولكنها‎ اعترفت فيما بعد بأنها كانت تستطيع إنقاذ الموقف قبل أن يتدهور، ثم أمرت بتشكيل لجنة تحقيق قضائي في الحادث‎ ‏وحتى أيام قليلة لم تكن قد شكلت‎، كما أنه لم يتخذ أي إجراءات ضد‎ عناصر البوليس‎ الحربي الذين شاركوا في مذابح المسلمين.

وهكذا لا تشكل اللجنة إلا بعد أن تكون أكثر الأدلة ضد الهندوس قد اختفت. وعلى أية حال فإن تقرير أمثال هذه اللجنة مهما كان منصفًا فإنه لا يعدو أن يكوم نظريًّا للحفظ وليس للتنفيذ.

وهذا يعكس انعدام رغبة الحكومة الهندية في استئصال أسباب هذه الاضطرابات الطائفية ضد المسلمين هذا إذا أحسنا الظن ولم نقل: إنها تشجع على ذلك علمًا أن المسلمين في الهند يتجاوزون «140»‏ مليون مسلم يجب أن يكون لهم دورهم الواضح على مسرح الحياة الهندية السياسية والداخلية والاقتصادية، وغير ذلك إلا إنها العداوة والحقد والبغضاء لكل مسلم ولكل ما يمت للإسلام بصِلة من قريب أو بعيد. لذلك فإنه ينبغي ألا نتوقع أبدًا سهولة طريق المسلمين إلى حقوقهم في الهند وإنما سيكون طريقًا صعبًا خطرًا كما كان دائمًا منذ وطيء الإستعمار البريطاني أرض الهند واغتصب حقوق المسلمين وحكومتهم ودولتهم وأعطى هذا كله للهندوس.

 

الرابط المختصر :