الثلاثاء 11-مايو-1982
العلاقة بين مصطفى كمال والحكومة الروسية في اغتيال جمال باشا:
لابد أن يكون هذا صحيحا لأن كل شيء بيد الحكومة الروسية. والسبب أن حل هذا الأمر صعب، واحتمال أن الروس لم يعودوا يثقون في هؤلاء الاتحاديين بعد حادثة أنور. ومن غير شك أن جمال كان لديه خبر عن ثورة أنور. واحتمال أن يكون الروس عرفوا بذلك، فأبادوا جمالا، إذ إن مصطفى كمال اضطرب بسبب طلب جمال العودة إلى تركيا. لأن جمال كان يريد العودة إلى تركيا بأي شكل من الأشكال. لذلك خاف مصطفى كمال ووسط الحكومة الروسية في القضاء على جمال، وإني أخمن أن بين الروس وبين مصطفى كمال جنايات مشتركة، فقد اغتيل روسيا عندنا «في تركيا» وظل القاتل مجهولًا. وقام الروس بتسليم رحمي والي أزمير السابق!.
كان من الممكن أن تغزو أفغانستان، الهند:
والغريب أن جمال باشا كان يشكل جيشًا في أفغانستان، وكان أمان الله خان سيستولي بالجيش على الهند، وهذا العمل في صالح الروس. في الحقيقة أن لو كان هناك في أفغانستان جيش مجهز بكل شيء من التدريب والتنظيم ومكون من مئتي ألف شخص، لكان يمكنه الاستيلاء على الهند، إلا أن تعاظم جمال باشا ومحاولة هيمنته وتحكمه جعلت الملك يطرده من أفغانستان، ولما ضاق بجمال الحال أحب أن يعود إلى تركيا.
وبعد رحلتي إلى روسيا عدت من موسكو ثم إلى أنقرة في خمسة أيام. وهذا رقم قياسي وكنت قد سمعت وأنا في سيواستبول بنبأ انتصارنا على الجيش اليوناني، وفي تركيا حدثني أحدهم عن هذا بقوله: إن هجومنا على القوات اليونانية بدأ في يوم ٢٦ أغسطس عام ۱۳۳۸ في الصباح الباكر بطلقات المدفعية من تل قوجه تبه. فحدث تردد واضطراب في الجيش اليوناني. وكان القائد العام يريد إدارة المعركة من أزمير، وأخيرا تولى القيادة تريكو يوليس وهو من القادة الموجودين في الجبهة. وخلال خمسة أيام وقع تريكو يوليس وجزء من الجيش اليوناني أسرى، وجزء مهم انتهى، والذين قاموا بعملية الأسر هم فرقتنا من الفرسان. وانحصر الجيش اليوناني في واد محاط بجبال، فاستولى جنودنا على هذه الجبال ولم ينج من اليونانيين إلا فرقة واحدة. ثم تحرك جيشنا بسرعة إلى أزمير وتعقب القوات اليونانية المتراجعة من على بورصه وبالتالي دخل أزمير.
وكان هذا النصر عظيمًا وأنقذ الأناضول وأزمير من اليونانيين واحتلالهم.
حملة من جبروت الطاغية:
الأوروبيون يدعوننا إلى مؤتمر الصلح، واقترحوا علينا إقامة مباحثات بيننا وبين الطرف الأوروبي في مودانيا أو أزمير، واتفقنا على مودانيا وكان منا عصمت باشا ومنهم من الإنجليز الجنرال هارينجتون قائد قوات الاحتلال الإنجليزية وجنرال إيطالي وجنرال فرنسي. وعقدت هناك هدنة مودانيا. وانسحب اليونانيون من تركيا الشرقية وأرسلنا نحن قوة جاندارما مكونة من ثمانية آلاف شخص.
أعقب ذلك حملة من تجبر وتسلط وتحكم مصطفى كمال، فهو في أزمير يقوم بالأعمال الدبلوماسية ويتخذ القرارات ويأمر بتنفيذها. ما هذا الاستبداد؟ وكأن لا وجود لمجلس الوزراء ولا لمجلس الأمة، وكان لا بد أن يغضب مجلس الوزراء. قام مجلس الوزراء «المنتخب من مجلس الأمة» بإبلاغ مصطفى كمال بأن مهمته العسكرية قد انتهت، وأن وظيفته السياسية قد آلت إلى الحكومة، وأنه يجب حضوره إلى أنقره، لكنه يدير تركيا كأنها مزرعته الخاصة، خاصة بعد معاهدة لوزان فقد تمادى في هذا. ووضع الوزراء ونواب الأمة والموظفين والشعب أيضًا، في مقام الحيوانات المستأنسة.
عقب انتصارنا في أزمير، ودخول رأفت إستانبول. قام السلطان، والائتلافيون بالتفكير في منع جنود الأناضول من دخول إستانبول. وكان شيخ الإسلام مصطفى صبري سيصبح رئيسًا للوزراء.
مصطفى كمال يزيح القائد قرابكير من أمامه:
وفي هذه الأثناء «ومع دخول قوات الأناضول إلى إستانبول» -خوفا على حياتهم- هؤلاء الناس الذين كانوا يعارضون الحركة الوطنية في الأناضول. هربوا إلى كل من سلانيك ومصر.
«ولكي يوطد مصطفى كمال استبداده» عين قرابكير نائبًا في مجلس الأمة وحوله من قائد مشهور إلى مجرد نائب يأخذ دوره في المجلس حتى لا يظهر له أي صوت. ولم يسند إلى قرابكير وظيفة أخرى، ومعنى ذلك أنه قضى على هذا القائد. وحول القادة المشهورين الذين أبلوا بلاء حسنًا وحاربوا أخطر معارك حرب الاستقلال التركية مثل قرابكير وعلي فؤاد إلى أصفار، ولم يسند إليهم أدوارًا مهمة، وكان لا بد أن يضع كل واحد منهم في قمة قطاع مهم في الدولة، وفي هذا كان يخاف منهم، فهم منافسوه. إن هذا الرجل لا يفكر في الأمة ولكنه يفكر في منصبه فقط.
مؤتمر لوزان:
دعينا لمؤتمر لوزان. كان رؤوف مرشحًا لتولي رئاسة وفد تركيا في مؤتمر لوزان، ورؤوف جاهل وذكاؤه محدود تنقصه الشهامة وعديم الإدراك. كان في معاهدة موندورس، وكنت سألته ذات مرة قائلا: يا رؤوف بك كيف وقعت البند السابع من معاهدة موندورس؟ قال لي: إن الإنجليز السفلة خدعوني في المباحثات. أعطوني كلمة شرف ولم يفوا بها. وأخذ يسب ويشتم في الأميرال كالتروف متهما إياه بالكذب وعدم الشرف. رؤوف أباظوي يعني من الأباظيين. فقلت لمصطفى كمال: «يا باشا ألم تجد تركيا غيره ليقوم بمهمة رؤوف في لوزان. قال لي مصطفى كمال: إن الحق معك. ترى من تعمله رئيسا للوفد؟ إن عصمت مناسب أكثر من غيره إنه تركي. ذهب وقال ليوسف كمال: «استقل أنت من وزارة الخارجية لنعين عصمت باشا وزيرًا لها، فاستقال يوسف كمال، ولم تكن المجموعة الثانية التي ستنتخب وزير الخارجية موافقة على عصمت باشا، اقترحت مجموعة «قبارا واصف» ترشيحي أن أكون وزيرًا للخارجية. نصحتهم قائلًا. لا تفعلوا هذا؟ ليس هذا بأمر طيب، أنا لا أرغب أن أكون وزيرًا للخارجية ولا رئيسا للوفد: المهم عقد معاهدة جيدة».
عصمت باشا كردي يدعو للقومية التركية:
وأخيرا تقرر الآتي للاشتراك في مؤتمر لوزان: عصمت رئيسًا وأنا «رضا نور» مرخصًا وحسن بك للشئون المالية. فقال الجميع: موافقون. سعدت جدًا لأن رئيس الوفد تركي بدلاً من الإباظي رؤوف، مسائل الأتراك لا يحلها إلا تركي. لكني بعد ذلك عرفت أنني وقعت في خطأ فادح، إذ إن عصمت ليس تركيًّا وإنما هو كردي من بتليس، ولم أعرف هذا إلا في لوزان. وكان لهذا وقع الصاعقة في نفسي.
ذات يوم ونحن في لوزان قال لي عصمت: إنه كردي من بتليس. وسألني هل في بتليس أتراك؟ تجمدت من هول هذا الكلام. إذ إن عصمت في كل أفعاله وأقواله يبدو تركيًّا يدعو إلى القومية التركية، بل إنه عضو في المنتدى التركي.
إلغائي للسلطنة العثمانية كان عملية انتقام قومي منها:
أخطرتنا دول الحلفاء بأن المؤتمر سيعقد في لوزان في ۲۸ تشرين الأول عام ۱۳۳۸. ولم نجد أي ملفات أو إحصائيات أو وثائق تعيننا على عملنا. كل ما هناك عشرة مواد كتبهم عصمت بقلم رصاص في ورقة صغيرة عبارة عن تعليمات مجلس الوزراء بشأن المعاهدة.
دعا الأوروبيون أيضا حكومة إستانبول إلى المؤتمر. ومعنى ذلك وجود تركيتين لا تركيا واحدة. الأوربيون يعملون هذا خصيصًا. حتى يوقعوا بيننا. احتار مصطفى كمال، واحتار الجميع. المسألة جادة. وجود حكومة إستانبول وحكومة أنقرة معًا سيجعلنا نترك الأوربيين وننشغل بصراعاتنا. فكرت لهذا لا بد من حل المسألة حلًّا جذريا، ووجدت لها حلًّا. أليس مجلس الأمة في أنقرة؟! نلغي السلطنة.
وبهذه الصورة ينتهي السلطان وتنتهي حكومة إستانبول، حل مختصر وسهل، منذ سنوات كثيرة خلت ويراودني أمل مقدس هو: فصل الدين عن الدولة، وفي رأيي إن من أهم أسباب نكبة تركيا أنها ليست علمانية. إن الطريق الذي سلكته كل دولة في أوربا سعيًّا إلى الرقي والتقدم هو فصل الدين عن الدولة. وهذا الطريق ضروري لنا. ليكن الدين مقدسًا ولكن لا يتدخل في عمل الحكومة. ومع تفكيري في إلغاء السلطنة، لم يخطر لي على بال مسألة إلغاء الخلافة، بالعكس لست أرى أن إلغاء الخلافة مضر إلا أني مقتنع بأن نجعل الخلافة قوة مستقلة عن الحكومة. حتى لا بد من تقوية الخلافة. وبهذا السبب فكرت في إلغاء الخلافة بشكل ديني ومستقل، وبذلك نضرب عصفورين بحجر واحد. والآن إني أزيل السلطنة والأسرة العثمانية وبذلك أقوم بعملية انتقام قومي منها أجعل الدولة علمانية. بدأت أحمل بنور الحقد في نفسي تجاه العثمانيين حتى أصبح شعورًا عدائيًا فظيعًا لهذه العائلة العثمانية منذ دعونا عبد المجيد ولي العهد إلى الأناضول ولم يحضر وها أنذا أعاتبه، كما أني أمنع بذلك حكومة إستانبول من تمثيلها في المؤتمر. وجمعت توقيعات من مجلس الأمة بذلك حوالي ثمانين توقيعًا، ثم قابلت مصطفى كمال صدفة في ممرات المجلس وأريته ما نريد عمله والتوقيعات. فكر طويلاً ثم قال: وأنا أيضا أوقع معكم وفي المجلس، قرأت تقريري هذا الذي جمعت عليه توقيعات الأعضاء بإلغاء السلطنة. قبل المجلس هذا التقرير باتفاق الأصوات وبالتصفيق الحاد، وكان هذا انقلابًا مدهشًا.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلبنسبة مشاركة 84% وتصويت 52.1% لصالحه.. الشعب التركي يجدد الثقة بالرئيس «أردوغان»
نشر في العدد 2180
28
الخميس 01-يونيو-2023
الحــرب الأوكرانيـــــة اختبــــار صعـــب للعلاقـــــات التركيــــة الروسيـــة
نشر في العدد 2183
27
الجمعة 01-سبتمبر-2023