; مستقبل الدعوة في ظل تحديات التحول الرقمي | مجلة المجتمع

العنوان مستقبل الدعوة في ظل تحديات التحول الرقمي

الكاتب محمد الحداد

تاريخ النشر السبت 01-أبريل-2023

مشاهدات 757

نشر في العدد 2178

نشر في الصفحة 16

السبت 01-أبريل-2023

فرض الله سبحانه وتعالى الدعوة إليه، وجعلها قائمة إلى قيام الساعة، وجعل أهلَها هم الطائفة المنصورة، وقد تعددت أشكالها من الزمن الذي استخدمت فيه وسائل البلاغ البسيطة كما كان في أول ظهور الإسلام من صعود بلال بن رباح رضي الله عنه إلى ظهر الكعبة للأذان، إلى زمن الذكاء الاصطناعي الآن.

لا شك أن العمل باستمرار الدعوة ودوام مستقبلها يضع تحدياً كبيراً في مواكبتها للعصر الذي ما يزال في تطور سريع يمنع كل من لا ينتبه من ملاحقته، فكما أننا سنعيب اليوم من أراد الحج فسافر إلى مكة بالناقة مع وجود الطيران، فكذلك نعيب على من ترك الفرص الواسعة في الدعوة إلى هذا الدين العظيم وإيصاله لجميع من في الكرة الأرضية عبر هذه الوسائل الحديثة والمتطورة.

إن أبناء هذا الجيل لديهم من الفرص ما لم يكن حتى في خيال من سبقهم، فقد كان الدعاة والفاتحون في العصور السابقة يتكلفون المشاق ويركبون ظهور الإبل ويساكنون المدعوين أعماراً كي يوصلوا لهم مضامين الوحي، وكان من الفتوح العظيمة التي شهدها القرن الماضي دخول مكبرات الصوت إلى المساجد وانتشار وسائل النقل والسفر وتوافر آلات الطباعة والنشر ووجود البريد والصحف وما شابه، حتى إنهم لم يظنوا يوماً أن هذه الأمور ستكون أشبه بمعاناة إن استخدمها جيل آخر ظهر فيه «فيسبوك»، و«تويتر»، و«يوتيوب»، ومصورات «pdf»، وغير ذلك مما يصعب إحصاؤه، فيسع الآن أبسط إنسان أن يجلس على كرسيه في غرفته ويشرح بأي لغة يريدها ما يشاء دون أي عناء من ترجمة أو سفر أو نشر في الصحف أو إرسال عبر البريد وما شابه.

لكن هذا أوجد تحديات أخرى تحتاج إلى عمل جاد لاستغلال ميزات هذه المكتسبات الحضارية وتفادي عيوبها، وأهم ما يجب من ذلك العمل عليه الآتي:

1- جودة المضمون والإبداع في وسائل عرضه في ظل كثرة المضامين المضادة، فإن المحتوى الدعوي عبر تلك الوسائل كثير، لكن ما يحتوي منه على جودة المضمون ودقته وتقديمه بطريقة إبداعية تجذب المدعوين -سواء كانوا مسلمين أم لا- قليل جداً، ولعل من أولى ما يجب على كبار الدعاة والمصلحين أن يتجهوا إلى تعليم مقدمي المحتوى تعليماً جيداً بجانب حدوث التكامل مع عارضيه إلكترونياً ليظهر المنتج في أكمل صورة سواء من جهة دقة المضمون أو جذبه للمدعوين.

2- وجود المرجعية العلمية في ظل عدم الرقابة على المحتوى، وللحقيقة فهذا من أكبر المشكلات وأشدها تأثيراً بالسلب في واقعنا، فإن الفقهاء قديماً لم يتصوروا عدم بلاغ الإسلام بلاغاً صحيحاً إلا من سوء دعايات خصومه، أما الآن فهذا الأمر يخشى من معتنقيه أكثر مما يخشى من غيرهم، وذلك لأنه مع انعدام الرقابة وعدم اهتمام الكثيرين بالتأهيل غُذِّي الواقع بفقهاء ومفتين وعلماء ليس لهم من الفقه أو الفتوى أو العلم أبسط نصيب، والحل المقترح هو وجود مرجعية ولو أدبية لإجازة المؤهلين لخطاب الناس حتى يخرج المحتوى الدعوي مضبوطاً متقناً.

3- تنوع أساليب الخطاب من غير تغيير لمضمون الدعوة، وهذا التحدي يحتاج إلى نباهة كبيرة في تفادي أن يكون الداعية رد فعل على غيره، ولعل بعضنا قرأ حقبة عصر النهضة، وكيف تحول خطاب الدعوة إلى الإسلام إلى منتج يقتات على ادعاء احتواء القرآن على المكتشفات العلمية الحديثة تحت دعوى «إعجاز القرآن العلمي»، ومع أن الأمر يتضمن كثير حق -ولا شك- إلا أن تلك الدعاوى أغفلت أن أدلة صحة الإسلام وصلاحه لجميع جوانب الحياة أوسع من حصرها في هذا الجانب، فضلاً عن دعوة الناس إلى الإيمان لأجل هذا الغرض فحسب.

والقصد أن الإسلام حق، وأدلة صحته قائمة حتى بدون دعوى الإعجاز العلمي، ومنهج مجاراة الواقع مع إغفال الأصول الشرعية مضر غاية الضرر للداعية والمدعوين، وهذا التحدي يزداد يوماً بعد يوم مع كثرة ما نجد من أخبار وأحداث وأفكار، وحله الأمثل هو العلم بأن تلك المخترعات من خلق الله سبحانه وتعالى، وكما أنها لا تُعجز الإنسان فيستطيع القضاء عليها بأيسر طريق، فإنها من باب أولى لا تُعجز الله تبارك وتعالى، فلا يصح في العقل ولا الشرع أن تكون الثقة بها كبيرة هكذا حتى يُنطلق منها إلى البرهنة على صحة الإسلام وصدق النبوة.

4- محاكاة الواقع أو الحث على وجوده ولو لجزء من الوقت لإيصال المضامين الخُلُقية بجانب العلمية، فإن الدعوة إلى الله متضمنة للعقائد والسلوك، وإن مخالطة الدعاة على أرض الواقع مهمة لكي يتعلم الناس من رؤية سلوكهم، واستخدام الوسائل الحديثة لا يفي بهذا الغرض على وجهه الصحيح، ولا بديل لذلك إلا أن يُحث الناس على مخالطة الدعاة والأخذ عنهم ولو لزمن قليل، وإن لم يكن ذلك متاحاً فلا أقل من محاكاته عبر تلك الوسائل حسب المستطاع.

5- متابعة المنتوجات الجديدة للذكاء الاصطناعي أولاً بأول واستغلالها، فإن جيلنا قد مر عليه منها الكثير؛ كالإذاعة ثم التليفون ثم الكاسيت ثم الفيديو ثم التلفاز ثم الإنترنت، ثم حدثت طفرة كبيرة في منتوجاته، حتى إنه لا يكاد يمر شهر من غير تطبيقات جديدة تساعد الداعية وتوفر وقته وتوسع دائرة مدعويه، ولعل بعضنا لم يخطر على باله يوماً أن يكون هناك جهاز لوحي بحجم غلاف كتاب يستطيع أن يحوي مئات الآلاف من الكتب، بل والمحاضرات الصوتية والمرئية، فضلاً عن استطاعته الوصول إلى من يريد في أنحاء العالم وفي أي وقت، وهذه الأمور في زيادة سريعة الوتيرة، واستغلالها في نشر الخير من واجبات الوقت، فلا بد أن يُنتدب إليها البعض لكي يستفيد منها الجميع، والحرص على هذا فتحٌ لبابِ خيرٍ عظيمٍ قد يفوق بكثير تعلم علوم شرعية مستحبة، وذلك لأجل فائدته المتعدية.

 

الرابط المختصر :