العنوان بلا حدود.. مسرحية "القذافي" وما بعدها؟!
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 15-يونيو-1993
مشاهدات 18
نشر في العدد 1053
نشر في الصفحة 25
الثلاثاء 15-يونيو-1993
- لقد أصبح كثير من العرب يحققون لليهود أكثر مما كان اليهود يحلمون به:
المسرحية التي أعدها وأخرجها العقيد الليبي "معمر القذافي" مؤخرًا، والتي تمثلت في قيام ١٩٢ ليبيًّا كلهم من المسؤولين في أجهزة الأمن والداخلية والخارجية واللجان الشعبية الليبية بزيارة "إسرائيل" لم تكن مفاجأة، فتصرفات العقيد وأساليبه باتت واضحة للجميع، غير أنها تغيرت بتغير الزمن، فقد انتهى عهد العنصريات وتهديد ليبيا «ليبيا العظمى» لأمريكا والغرب، وجاء زمن الموالاة وعهد الارتماء على أعتاب الصهاينة لالتماس الرضا منهم ومن الغرب.
والقضية الآن ليست في هذه المسرحية التي تعتبر بكل المقاييس خروجًا عن إطار سيناريو الخضوع العربي الكامل للضغط الصهيوني العالمي، وإنما القضية في الخطوات السريعة التي تتخذ الآن نحو التطبيع مع اليهود؛ رغم المخاطر الضخمة التي تهدد العالم العربي من وراء ذلك، والتي استشهدنا في العدد الماضي من «المجتمع» بجانب منها نشرنا تقريرًا عن جرائم اليهود ضد شعب مصر بعد التطبيع في كافة مجالات الحياة، ولن نذهب بعيدًا في شواهدنا، أو نتعرض لمباحثات واشنطن التي تدور بين إسرائيل وبعض الدول العربية بوضوح دونما توصل إلى نتيجة طوال تسع جولات والجولة العاشرة على الأبواب، وإنما شواهدنا لتصرفات بعض الدول العربية التي لم تدخل المفاوضات، وتعتبر الآن في حالة حرب وعداء مع الكيان الصهيوني.
ففي الخامس والعشرين من مايو الماضي ارتفع العلم الإسرائيلي نهارًا لأول مرة في الدار البيضاء، حينما قام وزير البيئة الإسرائيلي يوسي ساريد ونائبه بالمشاركة كوفد رسمي في أعمال المؤتمر الوزاري للبيئة الذي حضره ممثلون عن دول حوض "البحر الأبيض المتوسط".
وفي نفس الوقت تقريبًا توافد آلاف اليهود من أنحاء العالم على جزيرة «جرية» التونسية للحج وسط تغطية إعلامية كبيرة وفاءً لأول بيعة يهودية في شمال إفريقيا تمت على أرض الجزيرة.
وقبل فترة قصيرة استقبل الزعيم الكردي «جلال الطالباني» وفدًا إسرائيليًّا في "كردستان" تحت دعوى أن العصر هو عصر المفاوضات حتى مع اليهود، وفي نفس الوقت طلبت "ألمانيا" و"بريطانيا" و"الولايات المتحدة" من "الدول العربية" البدء في رفع المقاطعة العربية "لإسرائيل "دون انتظار لنتائج مفاوضات "واشنطن".
هذه باختصار بعض الخطوات العربية التي تمت قبل أيام من مسرحية "القذافي" بغية التوصل إلى تطبيع رسمي وكامل مع "إسرائيل" دون حاجة للدخول في دوامة من المفاوضات؛ مما يعني أن مسرحية "القذافي" حلقة من حلقات الهوان الذي تعيشه الأمة وتحياه.
والأمر لن يقف عند هذا الحد، فخلال شهر يونيو الجاري سوف يرتفع العلم الإسرائيلي على عاصمة عربية أخرى وهي "تونس"؛ حيث تستضيف إحدى جولات المفاوضات الجانبية التي تدور بين العرب والإسرائيليين فيما يتعلق باللاجئين، وفي يوليو القادم سوف يرتف العلم الإسرائيلي على عاصمة أخرى وهي "طرابلس"؛ حيث يقيم العقيد "القذافي" مؤتمرًا عن الأديان، دعا إليه وفدًا يمثل حاخامات «السفارديم» الإسرائيليين الذين رحبوا بدعوة العقيد "القذافي".
كل هذا يحدث في الوقت الذي لا زالت الدول التي تتفاوض مع "إسرائيل" تتوهم بإمكانية إقامة سلام معها بعد تسع جولات فاشلة من المباحثات، ويبدو أن "إسرائيل" سوف تنتهي من رفع علمها على كثير من عواصم "الدول العربية" قبل أن ترفعه بالفعل على عواصم الدول التي تتفاوض معها، بعدما أصبح أمل بعض الحكام أن يظلوا قابعين على أنفاس شعوبهم حتى لو كان بأيدي اليهود هذه المرة، لقد أصبح كثير من العرب يحققون لليهود الآن أكثر مما كان اليهود يحلمون به، وأصبحت أيدي اليهود تعيث فسادًا في معظم دول العالم الإسلامي بشكل أو بآخر، ولم تعد الطامة فيما يحدث الآن. ولكن الطامة الكبرى فيما سيحدث غدًا إذا قدر لليهود أن يحققوا أحلامهم وأن يصلوا إلى مآربهم، ولكن أنى لهم وعد الله قائم، وحديث رسوله -صلى الله عليه وسلم- حق: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقول الشجر والحجر: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله، إلا شجرة الفرقد فإنه من شجر اليهود» ولهذا يكثر اليهود من زراعة شجر الفرقد في فلسطين المحتلة الآن قناعةً منهم بأن هذا اليوم واقع لا محالة، وإن ما يقومون به من إفساد وتمزيق للأمة لن يطول أمده، وما ينفقونه سيكون حسرة عليهم ثم يغلبون ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إلىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ (الأنفال: 3).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل