; مصلحون رحلوا في أبريل.. الأميري وأبو زهرة وعبد الستار | مجلة المجتمع

العنوان مصلحون رحلوا في أبريل.. الأميري وأبو زهرة وعبد الستار

الكاتب عبده دسوقي

تاريخ النشر الجمعة 01-أبريل-2022

مشاهدات 18

نشر في العدد 2166

نشر في الصفحة 56

الجمعة 01-أبريل-2022

الأميري.. اشتغل بالحركة الإسلامية منذ صغره وأسس مركزاً للدعوة بباريس وتفاعل مع فلسطين

أبو زهرة.. نادى بتطبيق الشريعة الإسلامية ووقف أمام الربا موقفاً حاسماً

عبد الستار.. له بصمات عظيمة بالعمل الإسلامي وتأثر به الشباب وتملكت فلسطين كل مشاعره

عبده دسوقي

باحث في التاريخ الحديث

المصلحون هم الذين يبحثون عن مصلحة البلاد قبل مصالحهم، وهم لا يرتضون بما يوجد من منكرات وأخطاء في المجتمع، فيسعون جاهدين لإزالتها وتخفيفها، إنهم يريدون تقليل ومنع الشرور والأذى حتى يتوفاهم الله تعالى، ومن هؤلاء المصلحين الذي رحوا في أبريل:

عمر بهاء الأميري.. الشاعر الدبلوماسي

في مدينة حلب بسورية، ولد عمر بهاء الدين الأميري، في 29 جمادى الآخرة 1334هـ/ 2 مايو 1916م، لأبوين كريمين (والده كان نائب حلب في «مجلس المبعوثان العثماني»، وأمه رئيسة محكمة الاستئناف في حلب) حرصا على تربيته التربية الإسلامية منذ صغره، فحفظ القرآن، وحافظ على هذا السمت في مختلف جميع مراحل حياته.

درس المراحل التعليمية الأساسية بحلب، وبعدما أتم الثانوية سافر إلى باريس ودرس الأدب وفقه اللغة بجامعة السوربون، ولما عاد إلى سورية درس الحقوق في الجامعة السورية بدمشق، واشتغل بالمحاماة وتميز فيها، كما تميز في صنوف الشعر.

عمل فترة طويلة بتدريس الأدب وفقه اللغة، والحقوق والحضارة الإسلامية في عدد من الجامعات العربية والأجنبية قبل أن يعمل سفيراً لبلاده في السعودية حيناً وباكستان، ثم تفرغ للدعوة وخدمة العمل الإسلامي حتى وفاته.

اشتغل بالحركة الإسلامية منذ نعومة أظفاره، وأسس مركزاً للدعوة الإسلامية في باريس وقت دراسته، وكان أحد مؤسسي جمعية «دار الأرقم الإسلامية» في حلب، كما أسهم في تأسيس حركة «سورية الحرة» عام 1952م.

تأثر الأميري بفكر الشيخ حسن البنا، وطريقته الإصلاحيّة، وانتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين عام 1932م، وكان أحد المؤسسين لها في سورية ولبنان، وتفاعل مع قضية فلسطين وأولاها اهتماماً كبيراً، فكانت حاضرة في كل مكان يذهب إليه، وشارك في حرب فلسطين عام 1948م بجوار د. السباعي وغيره، وليس ذلك فحسب، بل تفاعل مع الثورة الجزائريّة، وبناء باكستان، والمسيرة المغربية الخضراء، وعبَّر عن المشاعر الإنسانية، وهموم المسلمين والمعذّبين.

أثرى المكتبة الإسلامية بالكثير من المؤلفات ودواوين الشعر الوطنية، وتميز شعره بالجرأة والصراحة، ونقد الأوضاع الشاذّة، وحمل على طغاة الأمة، ولم يضنّ على العمل الإسلامي بجزء من حياته حتى أقعده المرض الشديد وهو بالمغرب، فنقله الملك فهد للسعودية للعلاج وظل بها شهرين حتى فاضت روحه لله مساء الأحد 22 شوال 1412هـ/ 26 أبريل 1992م عن عمر ناهز 73 عاماً، ودفن في المدينة المنورة.

محمد أبو زهرة.. الجرأة في الحق

في 6 من ذي القعدة 1316هـ/ 29 مارس 1898م، زُف للشيخ أحمد مصطفى أحمد ميلاد ابنه محمد بمدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية بوسط دلتا مصر؛ حيث اعتنى به ودفع به منذ الصغر إلى الكتَّاب لحفظ القرآن الكريم، فأظهر نبوغه في الحفظ وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم انتقل إلى الجامع الأحمدي بمدينة طنطا، ثم إلى مدرسة القضاء الشرعي عام 1335هـ/ 1916م بعد اجتيازه اختباراً دقيقاً كان هو أول المتقدمين فيه رغم صغر سنه وقصر المدة التي قضاها في الدراسة والتعليم، وتخرج فيها عام 1343هـ/ 1924م، وحصل على عالمية القضاء الشرعي، ثم اتجه إلى دار العلوم لينال معادلتها عام 1346هـ/ 1927م، فاجتمع له تخصصان قويان.

عمل في البداية مدرساً لمادة اللغة العربية، ثم اختير عام 1933م للتدريس في كلية أصول الدين وكلية الحقوق التي درس فيها الشريعة الإسلامية، وظل فيها حتى أحيل للتقاعد عام 1958م بعد صدور قانون تطوير الأزهر (الذي عارضه)، كما حرم من إلقاء الأحاديث العامة في التلفزيون والإذاعة والصحف، وقيدت حركته، ولقي من التجهيل والإبعاد قدراً كبيراً لمعارضته توجهات عبد الناصر، واختير عضواً في مجمع البحوث الإسلامية عام 1962م، كما كان أحد مؤسسي معهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة.

كان أبو زهرة من أعلى الأصوات التي تُنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية في الحياة، ووقف أمام قضية «الربا» موقفاً حاسماً، وأعلن رفضه له ومحاربته بكل قوة، وهي مسائل أغضبت النظام المصري منه.

عقد في أواخر عام 1973م العديد من الندوات والاجتماعات بجامعة القاهرة والإسكندرية وفي جمعية الشبان المسلمين لمحاربة التعدي على الشريعة الإسلامية، كما حارب تحديد النسل وتقييد تعدد الزوجات والطلاق في مشروع قانون الأحوال الشخصية، وكان له تعاون معتدل مع العلماء والمصلحين رغم الاختلافات السياسية؛ فمثلاً كان مؤيداً لسعد زغلول، ومصطفى النحاس، لكنه كان متوافقاً مع حسن البنا في كثير من قضايا الإسلام وأمته.

ظل شاهراً سيف الحق حتى كان آخر يوم في حياته، حينما قرر أن يعقد مؤتمراً على نفقته الخاصة للتنديد بمجموعة القوانين الاجتماعية التي حاول نظام السادات إقرارها، وبعدما انتهى من تفسير سورة «النمل» في حجرة المكتب بالدور العلوي ببيته وأثناء نزوله حاملاً القلم والمصحف مفتوحاً على آخر ما وصل إليه في التفسير، تعثر وسقط ساجداً على المصحف وعلى أوراق التفسير، ثم فاضت روحه إلى بارئها أثناء أذان المغرب يوم 19 ربيع الأول 1394هـ/ 12 أبريل 1974.

عبد المعز عبد الستار.. المصلح الجوال

عبد المعز عبد الستار أحمد واحد من علماء الأزهر المشهورين، وأحد دعاة الإخوان المرموقين، طالما هز أعواد المنابر بصوته الجهوري الذي يشق أجواء الفضاء.

ولد بمدينة فاقوس بمحافظة الشرقية بمصر عام 1916م في أسرة متدينة، وكان والده صديقاً لمحب الدين الخطيب وصيدلانياً؛ ما جعله يلي أبناءه حُسن الرعاية، فحفظ عبد الستار القرآن صغيراً، وأتم تعليمه الأوَّليّ بالمعهد الأزهري بالزقازيق الذي أهَّله لدخول دار العلوم، لكنه تركها للالتحاق بكلية أصول الدين بالأزهر التي تخرج فيها عام 1940م.

عمل بالتدريس والخطابة في الفيوم والقاهرة بمصر، قبل أن ينتقل للتدريس في كلية الشريعة بالمملكة العربية السعودية في الستينيات، وكان يخطب ويدرس في المسجد الحرام، ثم سافر إلى قطر وعمل في التوجيه والتأليف والإشراف على مناهج العلوم الشرعية.

عرف دعوة الإخوان وهو طالب عن طريق الشاب الأزهري محمد البنا، قبل أن يلتقي بالشيخ حسن البنا عام 1937م فقربه منه، وضمه لقسم نشر الدعوة بجانب محمد الغزالي، والسيد سابق وغيرهما، حتى تم اختياره في أول هيئة تأسيسية للجماعة عام 1945م، كما اختير عضواً بمكتب الإرشاد في 8 أكتوبر 1952م.

تملكت قضية فلسطين كل مشاعره، فظل مناصراً لها حتى وفاته، وكان أول من أرسله البنا لفلسطين عام 1946م مع أسعد الحكيم.

اعتقل في معتقل الطور عام 1949م بعدما حُلت الجماعة، كما اعتقل في معتقل الهايكستب في يناير 1954م مع المستشار الهضيبي ومائتين من قيادات الإخوان، وبعد حادثة المنشية، في 26 أكتوبر 1954م، تم اعتقاله وقدم للمحاكمة التي حكمت ببراءته.

كانت له بصمات عظيمة في العمل الإسلامي، وتأثير به كثير من الشباب، واختير عضواً بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وقد أثرى المكتبة الإسلامية بالعديد من المؤلفات، وظل (رغم كبر سنه) لا يتأخر عن دعوته حتى توفاه الله يوم 10 جمادى الأولى 1432هـ/ 13 أبريل 2011م عن عمر 95 عاماً، وصُلي عليه في مقبرة بوهامور بدولة قطر.

المصادر

1- خالد بن سعود حليبي: عمر بهاء الدين الأميري شاعر الإنسانية المؤمنة، نادي جازان الأدبي، وزارة الإعلام السعودية، 2006م.

2- محمد عثمان شبير: محمد أبو زهرة.. إمام الفقهاء المعاصرين والمدافع الجريء عن حقائق الدين، دار القلم، دمشق، سورية، 2006م.

3- حازم غراب: الشيخ عبد المعز عبد الستار يفتح قلبه لـ «المجتمع»، العدد (1816)، 22 شعبان 1429ه/ 23 أغسطس 2008م، صـ44- 47. وأيضاً: عمر العبسو، https://bit.ly/3tlq5NO.

الرابط المختصر :