العنوان معالم علي الطريق.. التنويريون من مناظير مختلفة!!
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر الثلاثاء 25-مايو-1993
مشاهدات 10
نشر في العدد 1051
نشر في الصفحة 23
الثلاثاء 25-مايو-1993
قد يحمل التنوير في أيامنا هذه دلالات مختلفة لحقائق متغايرة لعقول متباينة، وهذه بدهيات لا تحتاج إلى كبير جهد لفهمها أو الدلالة عليها، مادام التنوير مزاعم وأطروحات وشطحات لا حقائق بينات ونظريات، فقد يظن الدكتاتور أنه شمس التنوير وأفقه السامي، وقد يدعى المنحرف أنه سراج الهداية وعلم الريادة، وقديمًا قالوا « وللناس فيما يعشقون مذاهب» وحقب التاريخ القديم والمعاصر تطل علينا وتقذفنا بين الحين والآخر ببعض الحمم التنويرية المحرقة التي لا تلبث أن تقضي على الأخضر واليابس، كما تنبهنا الحوادث أنه قبل انحدار تلك الحمم تتوارد إرهاصات معينة وإسقاطات مبرمجة قبل بزوغ زفة التنوير، وظهور أراجوزات التهميش،ثم يخرج السرك التنويري إلى الساحة ويكشف الستار عن التنوير فإذا هو يتمثل في طرائق فكرية منها ما يلي:
- أفكار فرويد و ماركس ودور كايم وسارتر تلك التي تنادي الغرائز والشهوات وتقتلع القيم وتذري بها.
- استبدال عقائد الأمة بعقائد أخرى ومذاهب مختلفة وأفكار دخيلة وعصبيات مقيتة تفرق الأمة وتخليها من شخصيتها وتراثها وحضارتها لتعطيها ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ ﴾(سورة النور:39)..
- إشاعة روح التحلل والإباحية تحت اسم الحرية الشخصية، ودعوة المرأة إلى التفسخ وترك العفة بدلًا من دعوتها إلى السمو والعمل الجاد والوقوف بجانب الرجل، والتفكير الجاد في ترك الضياع والتشرذم.
- فرض النظام الربوي اليهودي الذي تسبب في كوارث اقتصادية واجتماعية، وباعد بين الطبقات ونزع التعاون والتراحم بين الأغنياء والفقراء وأرجع الأفراد والشعوب إلى عبودية اقتصادية جديدة.
- إشاعة الشكوك حول القرآن والسنة والتراث الإسلامي، وإثارة الشبهات حوله لإحلال مفاهيم غريبة كنسية وماركسية بديلاً عنها، واتهامها بالتخلف والتسبب في تأخر المسلمين بدلا من النظر بموضوعية إلى الأسباب الحقيقية لضعف المسلمين وتشرذمهم، وقد أجاد في ذلك وأحسن «ليوبولد فايس»، محمد أسد إذ يقول «إن تأخر المسلمين ناتج عن خمولهم وكسلهم وتركهم للمنهج الإلهي الأزلي، فليس ثمة علامة ظاهرة تدل على أن الإنسانية - مع نموها الحاضر قد استطاعت أن تشب عن الإسلام، إنها لم تستطع أن تبني فكرة الإخاء الإنساني على أساس عملي، كما استطاع الإسلام أن يفعل حينما أتى بفكرة القومية العليا «الأمة» . إنها لم تستطع أن تشيد صرحًا اجتماعيًا يتضاءل التصادم والاحتكاك بين أهله فعلاً على مثال ما تم في النظام الاجتماعي الإسلامي... إنها لم ترفع قدر الإنسان، ولا أن تزيد من شعوره بالأمن ولا في رجائه الروحي وسعادته، ففي جميع هذه الأمور نرى الجنس البشري في كل ما وصل إليه مقصرًا كثيرًا عما تضمنه المنهج الإسلامي.. فأين ما يبرر القول بإن الإسلام قد ذهبت أيامه ؟
أذلك لأن أسسه دينيه خالصة، والاتجاه الديني غير شائع اليوم؟! ولكن إذا رأينا نظامًا بني على الدين قد استطاع أن يقدم منهاجًا عمليًا للحياة أتم وأمتن وأصلح للمزاج النفساني في الإنسان من كل شيء آخر يمكن للعقل البشري أن يأتي به عن طريق الإصلاح والاقتراح. أفلا يكون هذا في نفسه حجة بالغة في ميدان الاستشراف الديني؟، لقد تأيد الإسلام ولدينا جميع الأدلة على ذلك، تأيد بمنهجه وتعاليمه التي سلمت من الأخطاء والانحرافات والنزعات، لأن الإنسان كامل بنفسه، والذي نحتاج إليه فعلًا هو إصلاح موقفنا من الإسلام بمعالجة كسلنا و غرورنا وقصر نظرنا وبكلمة واحدة بإصلاح مساوئنا.
إن الإسلام - كمؤسسة روحية واجتماعية - غني عن التحسين، وإن كل تغيير في مثل هذه الحال يطرأ على مدركاته وعلى تنظيمه الاجتماعي بافتئات من ثقافة أجنبية - ولو بإشراق ضئيل - سيكون مدعاة إلى الأسف الشديد، وسترجع الخسارة حتمًا علينا نحن، كما ترجع على البشرية كلها بتشويه وتحريف المصدر الوحيد الفريد الباقي من هداية الله، وتكدير أو تسميم المورد الوحيد الذي يمكن أن تستقي منه البشرية الهدي الرباني الخالص .. إن التنوير الحقيقي يجب أن يكون بالإسلام وتعاليمه وصدق الله ﴿ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾(سورة المائدة:15-16) ﴿ مَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ﴾(سورة النور:40) وبعد، ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ﴾؟!!(مريم:73)
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
قراءة في مستقبل الأديان في العالم (3 - 3) الإسلام.. أرحام ولَّادة وأجيال يافعة
نشر في العدد 2182
35
الثلاثاء 01-أغسطس-2023