العنوان معالم على الطريق- العنصرية والتآمر الدولي وعجز الأمة = الكارثة
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر الثلاثاء 26-أبريل-1994
مشاهدات 12
نشر في العدد 1097
نشر في الصفحة 37
الثلاثاء 26-أبريل-1994
د. توفيق الواعي
فجائع البوسنة والهرسك كل يوم هدهدت أعصاب المسلمين وأطارت صوابهم، وفتقت أشجانهم حتى نفدت الدموع فلا دموع وتفتت الأكباد فلا أكباد، وتمزقت القلوب فلا قلوب، ونفدت الحيل وبحت الحناجر وانقطع الصراخ وتلاشي الأنين وزاغت الأبصار وصار الناس من الهول سكارى وما هم بسكارى، تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت، واستسلم الجميع لأقدارهم المروعة ومصائرهم السود، واعمل الجزارون خناجرهم ومداهم في رقاب الذبيحة المستسلمة، وجاءت الوحوش لتلعق الدماء البريئة وتمزق الأجساد الطاهرة، ووقف المسلمون ينظرون إلى هذا الهول وهم يلطمون الخدود ويشقون الجيوب ولا حول لهم ولا قوة، ثم يطأطئون الرؤوس وينكسون الهامات في مشهد مأساوي عجيب في التاريخ كله، وتشهد البشرية في أواخر القرن العشرين إبادة شعب بأكمله، وهلاك أمة عن بكرة أبيها، ولترى الإنسانية والمجتمع المتحضر فجيعة العصر ومذبحة القرن التي يطرب لها كهنة الحضارة الزائفة وكرادلة المدنية الكاذبة، ولتعزف قيثارتهم لحن العنصرية البغيضة المتشفية التي طالما تمنوها وسعدوا بها وعملوا لها وحرضوا عليها ودربوا وجهزوا لها وخططوا ووزعوا الأدوار ورتبوا المواقف ونسجوا لها الأغطية ودبجوا لها المؤتمرات وخدروا لها الأفكار وصاغوا لها القرارات حتى أوثقوا الذبيحة التي انفض عنها الأهل وأسلمها الأخ وتنكرت لها أمة الملة. ونبذها الصاحب والصديق وأصبحت ثكلى تهيم في أودية الذئاب وتتعثر في ساحات الوحوش ودروب الثعالب، وتخلت الإنسانية عن كل المعايير التي تتشدق بها في سبيل إهلاك الشعب المسلم في وسط أوروبا التي تدعي الحضارة، وهي أعتي همجية من الجاهلية الأولى، وتلاشت حقوق الإنسان التي تدبج لها المؤتمرات وتلقى فيها الخطب من فوق المنابر، وما هي إلا وسائل للخداع وأسباب ومسببات لاتهام الشعوب التي تقع ضحايا هذا النصب الاستعماري اللعين، ولقد حان الوقت ليلتفت المسلمون إلى أنفسهم ليكتشفوها من جديد وينظروا إلى ما يحيط بهم في زمانهم هذا ويفهموا عصرهم ويعيشوا زمانهم بكل ما فيه ومن فيه، فيجب:
أولاً : أن تكون عندهم دربة لكشف ألاعيب العنصريات التي تسمى أديانًا والتي تكشف دائمًا عن حقد أسود وسموم زعاف ونفاق لم تعرف البشرية له مثيلًا في التاريخ على لسان كرادلة تلك الديانات الذين يتهمون المسلمين بالإرهاب، ويقومون بجولات خداعية في بلاد المسلمين الآمنة لنصرة الأقلية المسيحية المرفهة.
ثانيًا: التآمر الدولي الذي أصبح واضحًا وضوح الشمس في رائعة النهار لا يذكره إلا أعمى أو أبله لا عقل له حيث تم خداع المسلمين بالنظام العالمي الجديد والعدالة التي يجب أن تعم وتطم، ثم ماتت العدالة وتآمر النظام العالمي على المسلمين فمنع السلاح عن الضحية التي لا تجد من يحميها أو يرد عنها الغوائل وحجبت الذخيرة عن المعتدى عليهم حتى ضاعت الأعراض وذبح الأولاد بالألوف واستحر القتل في الشيوخ والعزل وامتلأت الوديان بالثكلى على وجوههم في الفيافي والقفار طاوي البطون خاوي الوفاض جياعًا مكروبين هلعين تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها ليتلقفهم سماسرة ملعونون يجرون عليهم التجارب في المعامل والمصانع بدلًا من الحيوانات والفئران والدمى ويفعل بهم الأفاعيل مما تقشعر منه الأبدان.
ثالثًا: عجز الأمة الفاضح والذي سببته عوامل كثيرة وأمراض عدة منها على سبيل المثال:
1 - انهزام الأمة ثقافيًا ونفسيًا، وإلا تعرف الجبن أو الخور أو فأين أمة الإسلام التي لا تعرف الجبن أو الخور أو الوهن وقرآنها يقرئها قوله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران:139) وإين أمة الفكرة التي تعيش لفكرتها ولا تعيش لرغيفها وتؤمن بمنهجها وتضحي في سبيله بكل مرتخص وغال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾ (الحج:77-78)
ب - فقدان الشعور بالمسئولية فكل يريد ولا يتقدم، ويكره ولا يتحرك ويقول ولا يفعل وصدق الله ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين.
ج - جنوحهم إلى الشهوات وحبهم للآثام والموبقات وشغلهم بالخبيث عن الطيب حتى انحلت الشخصية المسلمة ووقعت أسرى ما تحب.
د - فرقة الأمة مع أن اجتماعها فريضة ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران: 103)
هـ . عدم استفادتها من الدروس والعبر وهل مصائب الأمة المتتالية إلا نتيجة طبيعية لذلك حتى أنك تسمع ما قيل عن الأندلس وغيرها من قديم من أسباب الضياع والقهر فتجدها هي أسباب اليوم التي تحمل النكبات حتى تنصت إلى ما قيل في الأندلس من رثاء مثل:
أعندكم نبأ من أهل أندلس فقد سرى بحديث القوم ركبان
كم يستغيث بنا الضعفاء وهم أسرى وقتلى فما يهتز إنسان
فإذا التقاطع والإسلام بينكم وأنتم يا عباد الله إخوان
أفليست هذه الأسباب كافية لجلب الكوارث والدواهي؟ فهل إلى مرد من سبيل، نسأل الله ذلك.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل«الأتـربـــة النـــادرة».. هل تصبح محور الصراع القادم بين كبـــــار العالـــــــم؟ ولمــــــــــاذا؟
نشر في العدد 2176
21
الأربعاء 01-فبراير-2023
ازدواجية معايير الغرب والأمم المتحدة تجاه القضايا العربية والإسلامية
نشر في العدد 2101
774
الثلاثاء 01-نوفمبر-2016