العنوان معالم على الطريق - جبال الصبر ورجال الكفاح سلام عليكم
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر السبت 03-مايو-2008
مشاهدات 18
نشر في العدد 1800
نشر في الصفحة 35
السبت 03-مايو-2008
تحية وإكبارًا وإعزازًا للرجال الذين صارعون العواصف السود والزلازل والرعود، إبتغاء مرضاة الله ووفاء بعهده، واحترامًا لميثاقه الغليظ واتباعًا لسنة نبيه ﷺ ، فلهم المجد الإعزاز والإكبار والتحية ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (يونس: 10)
وسلام على عباده الذين اصطفي، ورجاله الذين اختار ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ( القصص: 68)، وما دام الحق سبحانه وتعالى قد اختار فهو المعين والمنجي:
﴿وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ* مِن فِرْعَوْنَ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ* وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ* وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُّبِينٌ﴾ (الدخان: 30-31-32-33)
وقبل آية النجاة، ومقدمة لها، كانت آية هلاك فرعون وجنده: ﴿ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ۖ إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ* كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ* وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ* كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ* فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾ ( الدخان: 24:29)، ثم تأتي بعدها آيات النجاة: ﴿ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ (الدخان: 30)، وتأتي بعدها آيات الاختيار: ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (الدخان: 32) ثم تأتي بعد ذلك آية الترقب لترتسم اللوحة العبرة: ﴿ فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ﴾ (الدخان: 59) فارتقب فعل الله في الظالمين.
ثم ماذا كان؟ ذهب الطغاة الذين كانوا ملء السمع والبصر في الأرض، ذهبوا فلم يأس على ذهابهم أحد، ولم ينظروا عن أجلهم المحتوم، أو يؤجَّلوا عن ميعادهم المقدور: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾ (الدخان:29)، هنا يهلك الطغاة والجبارون، ولم يأسف عليهم أحد في أرض ولا سماء، وذهبوا ذهاب النمال، هم الجبارون الذين كانوا يطؤون الناس بالنعال، لو أحسوا بهذا المصير المؤلم لأدركوا هوائهم على الله وعلى الوجود كله، وما كان هذا إلا بدوام الصبر وتحمل مشاقه، وتجبر فرعون واستمرائه لأخطائه، ﴿ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ( الأعراف: 128)، وكان مقدمات الهلاك: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ (الأعراف: 130)، ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ﴾ (الأعراف: 133) الآيات، وبعد هذه الآيات يأتي الإنتقام: ﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ (الأعراف: 136).
ويأتي السلام من الله تحية للمجاهدين بعد نصره وفرجه لهم استجابة لدعائهم وعملهم وتوكلهم على الله في جهادهم الشاق: ﴿وَلَقَدۡ نَادَىٰنَا نُوحٞ فَلَنِعۡمَ ٱلۡمُجِيبُونَ * وَنَجَّيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِيمِ * وَجَعَلۡنَا ذُرِّيَّتَهُۥ هُمُ ٱلۡبَاقِينَ *وَتَرَكۡنَا عَلَيۡهِ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ *سَلَٰمٌ عَلَىٰ نُوحٖ فِي ٱلۡعَٰلَمِينَ * إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ *﴾ (الصافات: 75:80).
ويأتي السلام على الأنبياء والمجاهدين نبيًا نبيًا ورسولًا رسولًا من الله سبحانه:
﴿سَلَٰمٌ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ* كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ *﴾ (الصافات: 109-110). ليجزيهم الله بعد البلاء، بالوفاء والذكر والسلام والتكريم: ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الصافات: 81)، وهذا جزاء الإيمان وتلك حقيقة، ويأتي السلام على موسى وهارون مكافأة لإيمانهم وجهادهم مع فرعون وملئه: ﴿سَلَٰمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ * إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ *إِنَّهُمَا مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ*﴾ (الصافات: 120:122).
وهذا السلام في الدنيا قبل الآخرة، حيث تحييهم الملائكة: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ (الزمر: 73)، وذلك بجهادهم وصبرهم وتحملهم: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ* سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ (الرعد: 23-24)، وأنعم بها من دار يتيه عنها الظالمون، ويلعن فيها الباغون، مهما كانت أموالهم وسلطانهم.
إن كنت تسمو إلى الدنيا وزينتها
فانظر إلى مالك الأملاك قارون
رم الأمور فأعطته مقادتها
وسخر الناس بالتشديد واللين
حتى إذا ظن أن لا شيء غالبه
ومكنت قدماه أي تمكين
راحت عليه المنايا روحة تركت
ذا الملك والعز تحت الماء والطين
تحية لكم واحترامًا جبال الصبر، فإن صبر الرجال في الجهاد الدعوي ما يقرب من قرن أمر له دلالته وصبر رجال الدعوة من الإخوان ليس صبرًا لذلة على الأذى، ولكنه صبر على الجهاد والمكاره على مكاند الأعداء وفتن الظلمة والفساق، وفي ميدان الجهاد والجلاد، هذا الصبر على الضنك الذي ما ترك شيئًا من شدة، ولا لونًا من عذاب، أو عنتا في الأجساد والأنفس والأموال والأولاد، كان الشكر الجزيل لله على قضائه وقدره، وهذا دأب الأولين من الصالحين: ﴿ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (آل عمران: 34)، يروى أنه وقعت الأكلة في رجل عروة بن الزبير فقطعها من الساق ولم يمسكه أحد، ثم جاءه خبر مقتل ابنه برفس دابة، فقال متمثلًا بتلك الأبيات:
لعمرك ما أهويت كفي لريبة
ولا نقلتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها
ولا دلني رأسي عليها ولا عقلي
وأعلم أني لم تصبني مصيبة
من الدهر إلا قد أصابت فتى قبلي
ثم قال -رضي الله عنه-: اللهم إن كنت ابتليت فقد عافيت، وإن كنت أخذت فقد أعطيت.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل