; هل يستمر العار أم ينتهي؟!! | مجلة المجتمع

العنوان هل يستمر العار أم ينتهي؟!!

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر الثلاثاء 27-أبريل-1993

مشاهدات 17

نشر في العدد 1047

نشر في الصفحة 37

الثلاثاء 27-أبريل-1993

 

الأمة الإسلامية الآن تعيش زمن العار وعصر الهوان والإجهاض النفسي والفكري والروحي، كما أنها تغوص في بحور من الخزي والتقاعس المنقطعة النظير والذي لا يمكن أن يغتفر تحت أي ظرف أو أي سبب، الأمة الإسلامية ليس فيها عرق ينبض أو نفس يعلو أو يهبط قطعت أيديها وأرجلها وبترت ألسنتها وفقئت أعينها وصمت أذانها ورمت عقولها وأصبحت جموعها الكثيفة أصفارًا وجيوشها الكثيرة جرذانا وأسلحتها المتنوعة ألعابًا وجنرالاتها دمى وساستها وأولو الأمر فيها..!!

ينام الفرد فيها على العار ويصحو عليه، ويسير الفرد على المهانة ويعايشها وتأخذ بخناقه ولكن عار الأمة في البوسنة والهرسك فاق كل عار، ومهانتها في قضيتها فاق كل مهانة، وضلالها في التقاعس عنها فاق كل ضلال، هل فعلًا نحن مسلمون، وهل نحن فعلًا بلاد إسلامية ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ﴾ (النجم: 23).

الإسلام يقول: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه»، «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته»، و«من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة»، و«من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة»، والإسلام يقول «مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر»، والإسلام يقول «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا»، فهل فعلا المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله ويحس بإحساسه كما يحس الجسد بأعضائه يتلاحم معه ويشد عضده ويفرج كربه ويشعر بنازلته يكفكف دمعته ويستر عورته؟!! 

وهل فعلًا نحن مسلمون يوالي بعضنا بعضنا كما قال الله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ (التوبة: 71)، ويسير المسلم معتمدًا على ولاية الله وولاية أخيه في الحياة كما أشار سبحانه ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (المائدة: 55/56).

وهل نحن عادينا وقاطعنا الذين يقتلون المسلمين ويذبحونهم ويفضحون أعراضهم وفاصلنا من يساعدونهم ويناصرونهم كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الممتحنة: 9) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (المائدة: 51)؟

هل فعلنا شيئًا من ذلك، وهل ساعدناهم بالسلاح يدافعون عن أنفسهم، وهم أحوج ما يكون إليه ليكفكفوا أنهار الدمع ويمنعوا بحور الدم ويحفظوا امتهان العرض هل أمددناهم بالرجال والمتطوعين ليشدوا من أزرهم ويربطوا على قلوبهم ويقووا سواعدهم، هل قاطعنا من يحاربهم وأعلنا الحرب عليهم وفاصلنا من يساعدهم وقطعنا علاقاتنا معهم، وهذا أضعف الإيمان؟

هل تولى المسئولون عندنا التحرك المستمر والمستميت وضغطوا وطالبوا وجيشوا الإعلام بأنواعه لهذه القضية، هل برزت أقلامنا وأفكار مثقفينا لتصرخ في العالم بالظلم وتصيح بفضح العدوان؟ أم أنه وبالأسف تصيح الدنيا ونحن صامتون وتتفطر أكباد العالم ولا يتحرك لنا ظفر من ذلك الدعوة التي اطلقتها امرأة بريطانيا الحديدية تاتشر بالسماح لمسلمي البوسنة والهرسك بالحصول على السلاح للدفاع عن أنفسهم.

ويقول البروفيسور «نورمان ستون» أستاذ التاريخ الحديث في جامعة أوكسفورد لأجهزة الإعلام: «إن دعوة تاتشر تثبت على الأقل أن لدينا رئيسًا للوزراء مرة أخرى»، ثم يدعو إلى إرسال متطوعين ليحاربوا مع المسلمين. 

كما يصرح مؤرخ معاصر اسمه «مرك ألموند» قائلًا «لا أجد في حقيقة الأمر سببًا يمنع الحكومة البريطانية من السماح للمتطوعين من الجيش البريطاني بالمشاركة في القتال إلى جانب المسلمين». ويضيف دون تردد «أن خطوة كهذه ستوقظ ضمائر الشعوب».

ويقول الكونت «نيكولا تولستوي» حفيد الروائي الروسي الكبير «تولستوي» لصحفي بريطاني قبل أيام «لو كنت شابًا لما تقاعست عن التطوع شخصيًّا للقتال مع مسلمي البوسنة».

وتتوالى تصريحات الكثيرين في العالم من الأحرار ومن ذوى النخوة يدفعهم ما يشاهدون من مآس وفطائع تشيب لها الولدان، يدعون إلى التطوع في جانب المسلمين، ويتمنى من كبرت سنه أن لو كان شابًا جزعًا حتى يتطوع لرد هذه الهجمة العنصرية الشرسة التي ذبحت ضمائر العصر كله. ولكن يجب أن يلتفت هنا إلى ثلاثة أمور. 

الأمر الأول: أين أولو النخوة من ولاة أمر المسلمين هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا؟؟!!

الأمر الثاني: الدعوة إلى التطوع اليوم في وسط المسلمين قد تكون أم الدواعي؛ لأن العالم الإسلامي يخاف المتطوعين وما مشكلة متطوعي الأفغان عنا ببعيد. 

الأمر الثالث: عهدنا في أيامنا أن بعض الأنظمة لا تتحرك إلا إذا تحرك أولو أمرنا في الغرب.. فهل يتحرك الغرب لكشف العار، حتى يتحركوا ويزيلوا العار عنا؟ نسأل الله ذلك!!

الرابط المختصر :