العنوان آلام قلم وكلمات أمل.. معاناة الأمة «أفغانستان»
الكاتب د. جاسم المهلهل آل ياسين
تاريخ النشر الثلاثاء 03-أغسطس-1993
مشاهدات 21
نشر في العدد 1060
نشر في الصفحة 47
الثلاثاء 03-أغسطس-1993
أخي أرأيت ما في البوسنة التي اقتطع من أراضيها أكثر من 80% وهجر من أبنائها مئات الألوف؟ أرأيت ما يحدث في كشمير وتايلاند وبورما والفلبين؟ أرأيت ما يحدث في آسيا الوسطى «جنوب الاتحاد السوفيتي سابقًا» من قتل وسحق وتهجير للمسلمين؟ وأظن أنه لا يخفى عليك من قبل ذلك نبأ المسجد الأقصى وفلسطين إنها مواجع وأحزان جاشت في الفؤاد حينًا فظهر بعضها على هذا القلم، لعل في البوح بها تخفيفًا عن صاحبها ودعوة إليك يا أخي لأن تعاون في حلها وتعمل على زوالها وما ذلك على الله بعزيز.
تخطيط قديم للتغلغل والسيطرة
منذ سنوات عديدة كان الطريق الموصل بين كابول، والاتحاد السوفيتي «سابقًا» من أوسع الطرق في أفغانستان وأكثرها تمهيدًا، ولم يكن يخطر على بال إنسان أن يسأل نفسه: لماذا هذا الاهتمام المنصب على هذا الطريق بالتحديد دون سواه من الطرقات التي يضيق بها الناس ويلقون عند اجتيازها والمرور فيها عناءً؟ حتى وقع الغزو الشيوعي لأفغانستان، وامتلأ هذا الطريق بالآليات الحربية المتنوعة والمتعددة التي لا بد من استخدامها في تثبيت أركان الشيوعية، والتي لا تغنى عنها الطائرات وغيرها مما يركب الفضاء، ويخترق الهواء. وهنا فقط تنبه الناس لهذا الطريق وعلموا أن الاهتمام به كان خطوة مهيئة للغزو الشيوعي الذي استطاع أن يوجد له صنائع صفقوا له وأيدوه ورحبوا به.
مد بعد مد
واستقر الغزو الشيوعي في أفغانستان وتلفت العالم الإسلامي حواليه مذهولًا مما حدث في سهولة غريبة وعجيبة، وظن أنه قد جاء المد الثاني للاتحاد السوفيتي في بلاد الإسلام، بعد ما استطاع أن يمتد سنة 1924م ليأخذ من بلاد الإسلام ست جمهوريات ويضمها إلى بلاده لتكون جنوب الاتحاد السوفيتي ولتكون سلة الخبز التي تمده بالغذاء والكساء، ولينال شعوبها القهر والاعتداء إن لم يغيروا ملتهم، ويتخلوا عن عقيدتهم.
أهذا الغزو الشيوعي لأفغانستان هو المد الثاني للاتحاد السوفيتي في بلاد الإسلام؟
جهاد وانتصار
ويأبى شباب تربوا على الدين أن يستكينوا للمعتدين فأعلنوا الجهاد ضد واحدة من أكبر قوتين «آنذاك» في التاريخ المعاصر، ولو ترك المجال للموازنات العسكرية وحدها لاعتبر عمل هؤلاء المجاهدين نوعًا من الخبال وضربًا من ضروب الانتحار، لما لأعدائهم من قوة، ولما لديهم من ضعف في العتاد والسلاح.
وما يكاد الجهاد الأفغاني يعلن عنه في بلاد الإسلام، حتى تبادر الشعوب المسلمة بالعون والتأييد ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، وتشتد ضراوة المعتدين ولا تضعف عن السلاح قبضة المجاهدين، ولا تخضع عقولهم لمكر الكائدين من دهاقين السياسة وصانعي الأحداث.
وشاء الله أن ينتصروا وأن يندحر الشيوعيون من البلاد، وأن يسقط من بعد انسحابهم بسنوات حكم العملاء، وأن يظهر المجاهدون رفاق السلاح على ساحة السياسة، وسدة الحكم.
آلام وغصص
وتنفس المسلمون الصعداء، بعد سنوات مرة ذاقوا فيها البلاء والعناء واستبشروا خيرًا بقيام دولة مسلمة يضعون آمالهم عليها في إقامة كيان مسلم يضاف إلى سلسلة الدول الإسلامية التي تحكم بشرع الله يكون نموذجًا آخر لتحكيم شريعة الله في الأرض، وتحقيق العدل، ورفع الظلم والجور، ولكن الآمال أصابها الجرح - ولو إلى حين - مع إطلاق أول صاروخ من المجاهدين نحو كابول العاصمة التي تحت سلطان واحد من المجاهدين، وتدخل الخيرون وسارعت هيئات، وقامت بالسعي بين زملاء الجهاد سلطات ودول على رأسها السعودية وباكستان، استطاعت أن تحد من اتساع الخروق، ولكنها لم تزل جذور الخلاف، وما زال الأمر يحز في نفوس الغيورين من المسلمين على ما يحدث في هذا البلد بين المجاهدين وتلك معاناة أخرى مما هو موجود في أمتنا، التي جعل بأسها بينها، يهدمون بأيديهم ما بنوه من أجل أمر قد يزول بعد حين.
لم ينظروا إلى نهر الدم الذي سال من الشهداء، ولا إلى المعوقين من الأحياء، ولا إلى ما خرب من العمائر والمدن، لم ينظروا إلى الحسرات في قلوب المسلمين في كل أرض، حين يذوب الأمل في نفوسهم، وينمو الكمد والغيظ في أعماقهم.
لم ينظروا إلى الشماتة التي ترى في عيون الأعداء أعداء الأمة وهم يضحكون هزءًا وسخرية بالمسلمين. وإننا ما زلنا نأمل في وحدة الكلمة بين المجاهدين وتوحيد الصفوف لإقامة شرع الله في الأرض.