; مع أتباع الرسول– صلى الله عليه وسلم – في ذكرى مَوْلده | مجلة المجتمع

العنوان مع أتباع الرسول– صلى الله عليه وسلم – في ذكرى مَوْلده

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 25-أبريل-1972

مشاهدات 26

نشر في العدد 97

نشر في الصفحة 10

الثلاثاء 25-أبريل-1972

* في هدأة الليل وسكونه، جلست إلى مكتبي، وبدأت أتصفح كتاب عالمنا المعاصر، من خلال الصحف والمجلات، فرأيته العالم المجنون، وهذا أقل ما يوصف به!! سباق على إهلاك الحرث والنسل بكل ما أنتجته حضارة الدمار والخراب!! حتى طلع على العالم عباقرة «منظمة الأغذية والزراعة» التابعة للأمم المتحدة في 16 الجاري بتوصيتهم بضرورة خفض زيادة سكان العالم إلى قرب الصفر.

لذلك طويت صفحات هذا الكتاب الأسود الذي لم أر عنوانًا له أصدق من قوله تعالى ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ (القصص: 41)  

ورحت أتلفت نحو أصحاب الرسالة المعمرة للحياتين، لعلي أستطيع أن أعلق على صدورهم شارة محفوره عليها قوله ﴿وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ ‌أَئِمَّةٗ ‌يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ (السجدة: 24).

وعن لي سؤال أطرحه عليهم:

* لو قدر لك أن تجلس على مائدة الرسول –صلى الله عليه وسلم– في ذكرى مولده، فماذا أنت قائل له؟

استحياء.. وخجل!

وأجاب فضيلة الشيخ رضوان البيلي مدير مجلة الوعي الإسلامي بقوله:

- اجلس على استحياء، ولا أقول شيئًا، أطرق برأسي، وأغمض عيني، وأجفف عرقي خجلًا من نفسي.

ماذا أقول؟ أقول: كان وكنا أو أقول: لو وليت؟

أقول عن واقعنا بصراحة؟ وأنا أعلم نتيجة الصراحة، ولم أبلغ مبلغ الصديقين والشهداء حتى أكون على استعداد لمواجهة المصير.

لقد قلت كثيرًا، فرضيت عن نفسي أحيانًا، وسخطت عليها أحيانًا، لا لشيء إلا لأني ظفرت بثناء وإعجاب المستمعين مرة وأخفقت مرات.

وما أنا إلا صورة طبق الأصل لكثيرين، ثم ما هي نتيجة تأثير المتكلم، وتأثر المستمع؟ هي انفعال وقتي يبلغ مداه، فينسكب من الفم، ويتبدد على جدار الأذن! النتيجة يا سيدي هي ما ترى لا ما تسمع، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، وصل اللهم وسلم على من جعلت السعادة في اتباعه، والشقاوة في مخالفته، ولا تجعلنا من القوالين، واجعلنا من العاملين.

* وفي مقر منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» ألقيت بالسؤال نفسه على الأستاذ محب المحجري حيث قال:

- يقفز إلى ذهني هذه اللحظة موقف أمير المؤمنين عثمان بن عفان –رضي الله عنه وأرضاه– وهو محاصر في أخريات أيامه مما يقرب من ألف مسلح مارق، زين لهم الشيطان ضرب الخلافة في شخص الخليفة، «والمدينة» في ذلك الوقت خالية من رجالها إلا نفرا قليلا من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم– بعثوا بأبنائهم لحراسة الخليفة والوقوف بجانبه، واستأذنوه أن يضرب بهم هؤلاء المفتونين، ويستعين عليهم بالله، ولكنه أبى أن تسيل دماء في مدينة رسول الله وهي حرم آمن! وآثر أن ينتظر المدد من الأمصار، فيجد الثوار أنفسهم أمام قوة لا قبل لهم بها، فيتحولون عن موقفهم، وينتهي الأمر بصورة سليمة، ودام الحصار أربعين يومًا، كانت الأيام الأخيرة منها شديدة أيقن فيها أمير المؤمنين أنه مقتول لا محالة.

 

رؤيا مائدة الرسول!!

وفي هذه اللحظات العصيبة رأى عثمان في منامه أنه على مائدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول له «أما إن القوم سينكرون عليك، فإن قاتلتهم ظفرت، وإن تركتهم أفطرت عندنا» فآثر عثمان-رضي الله عنه- أن يفطر على مائدة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.

ومن هنا أرانا نعيش في جو يقرب كل القرب من هذا الموقف، فأعداء الإسلام أحاطوا بنا من كل جانب، وأثمرت جهودهم في حرب المؤمنين المخلصين، وأصبحت الفتن ظلمات بعضها فوق بعض لا تترك لنا كوة صغيرة نستطيع أن نرى منها طريق النجاة.

ولذا فلن أطيل الحديث مع قائدي ورائدي ومثلي الأعلى، بل سأسأله أمورًا ثلاثة: 

أين أرض المدينة المنورة؟

أن يدلني عن الأرض التي قدر الله لها أن تكون بمثابة المدينة المنورة لمسلمي اليوم؟، والتي أذن الله أن ينطلق منها الإسلام مرة أخرى، والتي يسمح أربابها بقيام المجتمع المسلم فيها بكل أوصافه، فيصبح المسلم أخا المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ويكون الجميع في لقاء قوي على كتاب الله وسنة نبيهم، ويخرجون بهما إلى العالم يعيدون مجد أسلافهم.

 

أي الأعمال أفضل؟

وسأسأله عن أي الأعمال أفضل في يومنا، وفي عصرنا، وفي جيلنا هذا؟

فبين أيدينا كتاب عظيم، ومن ورائه ثروة هائلة من أحاديثه -صلى الله عليه وسلم- والواجبات كثيرة، والأعمال لا تعد ولا تحصى، فمنها ما هو واجب اتباعه وإنجازه في كل يوم، وهي مفصلة في كتب الفقه والحديث، ما قصدت الاستزادة منها، ولكني أرمي لشيء أثق أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيفهم مقصدي ونيتي وحقيقة سؤالي، فإني أريد أن يدلني عن أفضل الأعمال التي تقربنا من النصر والتي تحملنا خارج هذه الظلمات وتبقينا في دائرة النور.

- هل هي الكلمة؟ نقولها للحاكم والمحكوم؟ لا نخاف فيها لومة لائم؟ أم هي الإعداد الصامت؟ وجميع المؤمنين المخلصين صفًّا واحدًا حتى يأذن الله، مترقبين اللحظة الحاسمة؟

- أم هي الجهاد بمعناه الكبير، قتالًا لتكون كلمة الله هي العليا؟ لا انتظار لقيام الدولة المسلمة وحسبنا النفرة؟

- أم نغلق علينا دورنا ونتفرغ لعبادة ربنا وتربية أولادنا؟

- أم هي العلم، نخلص له ونتزود منه؟

حتى لا يضيع جهدي المحدود مبعثرًا في طريق مسدود.

 

أين حزب الله؟

أما سؤالي الأخير فمن حزب الله الذي أقف جنديًّا فيه، وقائده الذي أضع يدي في يده؟ والجماعة المؤمنة وأسلوبها في العمل وخططها واستراتيجيتها؟

* وإذا ما شعرت أن الوقت قد حان للفراق فسأجثو على يدي رسولي أقبلهما، وأطلب منه أن يسأل الله لي الهداية والثبات، والاجتماع به في أقرب الأوقات.

* وفي مبنى وزارة العدل طرحنا السؤال نفسه بين يدي الأستاذ السيد/ عبد العزيز عبد الرزاق المطوع وكيل الوزارة حيث كتب إلينا يقول:

ليس لي أن أتخيل ذلك وأنا أعلم بأن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قد انتقل إلى جوار ربه بعد أن بلغ رسالته ولكن كل ما أستطيع أن أتصوره هو أن أخاطب من وحي هدايته روح تعاليمه السمحة وعظمة خلقه في ذكرى مولده–عليه الصلاة والسلام-.

فعليك سلام الله يا خاتم الأنبياء وأشرف الرسل في ذكرى مولدك الذي تفتح به النور والهداية للعالمين وأنقذت البشرية من الضلالة إلى هدى الإسلام والطريق القويم ووحدت بتعاليم الإسلام وخلقك العظيم أمتك العربية فسارت وحدة متماسكة مشعل نور الحق والهداية للعالمين.

فبهذه الذكرى التي أشرق على العالم نور الإسلام فبدد ظلمات الجهل وأضاء دياجير التخلف والفساد، وبرسالتك التي نظمت حياة الإنسان الاجتماعية والخلقية والاقتصادية والسياسية.

أتمنى لو أننا نتخذ من هذه الذكرى عظة وعبر، فإن بتلك الذكرى قد وجد-عليه السلام- على هذه الأرض بمولده فهو موجود دائمًا بيننا بكتاب الله وسنته وتعاليمه لكن أني لنا ذلك؟ وقد ألهتنا الدنيا وأخذنا بغوايتها حتى أننا قد نسينا أو تناسينا قوله عليه السلام: «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن»، قال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت» صدقت يا رسول الله، فنحن أشبه بقصعة تداعت عليها الأكلة بينما نحن كثيرون ولكن كغثاء السيل.

إن ثقتنا بالله لا حدود لها في أن يغير ما بنفوسنا ليكتب لنا أن يتغير ما نحن به من تفرقة وتصدع وبحق استجابته تعالى لدعواك يوم دعوته أن يحفظ عصبة الإسلام «اللهم إن تهلك هذه العصبة فلن تعبد بعد اليوم» أن يرعى علينا ديننا ويوحد كلمتنا ويهدينا إلى صراطه المستقيم.

* وفي مستشفى الصباح كان لنا لقاء مع الدكتور أمين سليم الأغا حيث وضعنا السؤال نفسه أمامه فقال:

أين أمتك؟

- تسألني إذا قدر لي أن أجلس إلى مائدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فماذا أنا قائل له؟

هذا المقام العزيز طالما تمنيته ورجوت الله فيه إما أن يكون رؤيا في هذه الحياة أو شهودًا يوم يقوم الأشهاد، فالله أسأل أن يحققه ويجمعنا برسوله المصطفى–عليه الصلاة والسلام– وأن يوردنا حوضه وأن نكون ممن تنالهم شفاعته عند ربه من أمته.

- قد ينعقد اللسان ويشده الفكر ويتوه العقل من جلال الموقف في حضرة الرسول المصطفى–عليه السلام–، وقد ينطلق اللسان ويثبت الجنان فأبدأ سيدي رسول الله بالسلام والتحية المباركة الطيبة لأقول له وكلي خجل مما هي فيه أمة محمد-صلى الله عليه وسلم-:

- أمتك يا رسول الله قد هانت على نفسها وهانت على عدوها وهانت على الدنيا كلها.

- أمتك يا رسول الله قد اتخذت هذا القرآن مهجورًا وعادت إلى جاهليتها الأولى.

- أمتك يا رسول الله قد أشركت بعبادة الله آلهة أخرى واتكلت على غير الله فوكلها الله إليها.

- أمتك يا رسول الله قد عبدت الطواغيت من دون الله طواغيت الحكم والمال والشهوات.

- أمتك يا رسول الله أمة مستضعفة، أمة هزيلة، أمة اتبعت الشهوات وتركت كتاب ربها وراء ظهورها وهجرت سنة رسولها واعتمدت على غير خالقها فرقة لجأت إلى الغرب وإلى أعداء الله تطلب منه العزة والعون والسؤدد. وفرقة أخرى لجأت إلى الشرق وإلى أعداء الله تطلب منه السلاح والمنعة والنصر.

- كلهم يتجهون بأنظارهم إلى أطراف أرض الله ينشدون العون من ذوي الطول من عبيد الله، يبتغون عندهم العزة ويلجأون إليهم يطلبون الحماية ويرجون النصر، نسوا الله فأنساهم أنفسهم!!.

- أمة «لا إله إلا الله» قد عادت إلى جاهلية أخرى تمامًا وهي جاهلية القرن العشرين كما كان أسلافهم في جاهلية القرن السابع.

- أمتك يا رسول الله «التي تنتسب إليك بالاسم فقط» تداعت عليها الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، صدقت يا رسول الله، فيما قلته قبل ثلاثة عشر قرنًا، نراه يتحقق اليوم، أمتك كثر ولكنها غثاء كغثاء السيل، أكثر من خمسمائة مليون مسلم يتحكم في أمرهم من لا يرحمهم، أصابهم الوهن، الذي قلت عنه، حب الدنيا وكراهية الموت، الكل يحب الجاه والحكم ولا يبالي بأي وسيلة ليصل إليه وبأي سلاح يحافظ عليه!!.

- الكل يحب المال والدنيا بشهواتها ولا يبالي بأي طريق جمع الثروة بالسرقة، بالرشوة، بالدجل الكل عبد لشهواته من نساء وخمر وزينة لا يذكر قبرًا ولا حياة ولا نشورًا.

- لقد هزمت أمتك يا رسول الله هزم فيها خلقها ومبادئها لأنه ليس لها خلق ولا مبدأ!!

بل شهوات وغفلة غليظة كثيفة رانت على قلوبهم فهانت وذلت، ففلسطين وما جاورها من أقطار عربية ضاعت ليحتلها من ضربت عليهم الذلة والمسكنة.

باكستان شطر جسمها بمنشار الكفر والإلحاد والظلم. الفلبين يقتل فيها المسلمون جملة قتلًا جماعيًا في بيوت الله، وجماعة المسلمين المخلصين غرباء في بلادهم التي تدعي أنها تدين بالإسلام، فهم مطاردون!!

تغص سجون بعض الأقطار بالأتقياء الأنقياء منهم وتنتفخ ملفات دائرة المباحث في كل بلد مسلم بأسماء المخلصين منهم لتطاردهم!

اسأل ربك أن يهدي أمتك إلى سواء السبيل وأن يلهمها رشدها وأن يردها إلى كتاب الله وإلى سنتك ردا جميلًا فقد تركت فينا أمرين لن نضل إن تمسكنا بهما أبدًا «كتاب الله وسنتك».

والله أسأل «أن يؤتيك يا سيدي يا رسول الله الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وأن يبعثك المقام المحمود الذي وعدك».

 

لا جديد

* وفي داره التقيت به لأدير معه نفس الحديث بنفس السؤال، فأجاب الأستاذ عبد الحميد عطية المدرس بوزارة التربية:

- تراودني الأفكار، إن قابلت النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليمات، أن أحدثه بما صارت عليه أمته، وأسأله: كيف الخروج من هذه المصائب كلها؟

- ثم أرى أنه لو حدثني –عليه الصلاة والسلام – لما قال حلًا أفضل من الرجوع للقرآن الكريم، وحي الله المنزل، وكلمته الأخيرة للبشرية، ذلك الكتاب الذي فيه «خبر من قبلكم ونبأ من بعدكم، وحكم ما بينكم».

- ولو كان الأمر يحتاج إلى كلام جديد لما ختم الله الرسالات كلها به، حيث لا يغرب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض!!

- ولذا الأمر لا يحتاج إلى جديد، بل إلى عزيمة صادقة، وعمل مستمر - ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت: 69).

 

الإنسان القائد

* وفي دار البلدية صعدت إلى مراقب الإسكان والمرافق الأستاذ عبد الواحد أمان ليجيب على السؤال نفسه بقوله:

إذا جاز لي ذلك، فسيأخذني جلال الموقف، وروحانيته الواعية، فيرتبك موقفي ولا ينطلق لساني، لأنني في حرم الإنسان الرسول القائد الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه!! الإنسان الذي بلغ عن ربه الرسالة فكان خير مبلغ، وأدى الأمانة كاملة ونصح الأمة فأبلغ في النصيحة، وجاهد في سبيل الله حتى قال من فرط حبه للجهاد ورغبته في ما معناه: «وددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل».

- أشرقت على يديه شمس البداية لتبعث في الإنسانية أسمى معاني العزة والكرامة، وتم في عهده اكتمال النعمة بتمام الكتاب الذي ﴿لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت: 42).

هذا الكتاب الذي حمل في طياته وثيقة انعتاق الإنسان من ذل العبودية للخلق، وتحريره من أسر الشهوات والأهواء ليكون سيد المخلوقات دون منازع أو منافس، هذا الرسول الذي حمل إلينا وإلى الناس هذه الهدية القيمة، جدير بنا أن نحبه، ونتبعه، ونتبع النور الذي جاء معه.

- هذا الرسول إنسان، ولكن ليس كالناس، ولذلك فلا أجدني لأول وهلة قادرًا على مخاطبته مما يتمالكني تجاهه من شعور غامر وعاطفة حب لا تدع لي مجال التحدث إليه بالسهولة المعتادة مع الناس.

وإذا كان الأمر كذلك فإن جهازًا آخر سيتولى المخاطبة ويقوم بمهمة الأداء، خاطبته بعد أن أجهشت كثيرًا بالبكاء، لأنني لا أقوى على إمساك الدمع عن التدفق والانحدار، نعم! إن البكاء لغة معبرة ذات دلالة معينة، فالحب يبعث على البكاء، والشوق يبعث على البكاء كذلك، وأنا محب مشتاق حزين!! وعليه فقد تفجرت الدموع من المآقي وما كان لي عليها من سلطان.

أحبك.. يا رسول الله!

وساد الموقف سكون عميق، جاء بعده التعبير الموحي: إني أحبك يا رسول الله، فأصلي عليك عند ذكرك، وأشتاق إليك عند تلاوة سيرتك العطرة، وتهزني مواقفك من الحق وصلابتك فيه، وحكمتك مع أعدائك، وبلاغتك في قولك، وحلمك على الناس، وعدلك بينهم، وبساطتك ورحمتك، وبسالتك عند إحمرار الحدق وتفرق الناس في ميادين القتال.

- وما دواعي حزنك وأسباب غمك؟

نعم:

لقد غيرنا وبدلنا كثيرًا، فلا الحاكم عاد يستمع نداء الحق تبارك وتعالى ﴿وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ (المائدة: 49).

 ولا المحكوم قد حرر نفسه من نوازع هواه وشهواته حيث بات أسيرًا لها، منزوع الإرادة، خائفًا، فزعًا، مضطربًا، يتمالكه الخوف من كل شيء إلا من ربه وخالقه، فضيعت الأمانة أمانة التبليغ والدعوة لله بالصدق والإخلاص، وضاعت الديار، وديست المقدسات، وارتبك ميزان العدل والإنصاف، وساد الأمة الإسلامية الظلم، والبغي بغير الحق، ألا يدعو كل ذلك إلى الحزن والأسى؟ نعم: سأبكي يا رسول الله خجلًا وحياء مما نحن فيه!!

 

عهد وموثق!

إلا أنني أستمحيك المعذرة في ذكراك هذه، وأعاهدك على أن أكون في قابلتها خيرًا مما أنا فيه قدر استطاعتي، والسلام عليك يا رسول الله يوم ولدت إلى يوم البعث ورحمة الله وبركاته.

* وفي مبنى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كانت خاتمة إجابات سؤالنا من الأستاذ عبد الرحمن المزروعي مدير إدارة رعاية الشباب.

ردة

ما أحوجنا أن نعود إلى طريق الحق!

حيث قال:

يا من أضاء الله بمولدك طريق البشرية إلى الهداية والحق.

 يا من جعلك الله رحمة للعالمين ومعلم البشرية الخُلق الكريم، لقد كان العرب قبل مولدك في حالة من الفوضى والاضطراب والتفكك والارتباك، ليس بينهم جامع يجمعهم ولا قانون يسودهم، وكان ذلك حال كافة الأمم في ذلك الوقت فجاء مولدك رحمة للعالمين وأرسلك الله داعيًا بإذنه وسراجًا منيرًا.

ولقد ارتدت حال العرب هذه الأيام وابتعدوا عن تعاليمك وتفرق شملهم!!

فما أحوجنا ونحن نحتفل بعيد ميلادك أن نتذكر القيم العالية والتعاليم السامية التي ضربت لنا بها خير الأمثلة، فكنت الداعية الصابر الحليم، وكنت المستميت في سبيل إعلاء كلمة الحق والوقوف في وجه الطغيان وكنت معلمًا في التضحية، وأنصفت المظلوم من الظالم ونصرت الضعيف على القوي.

ما أحوجنا في عيد مولدك أن يعود كل منا إلى طريق الحق الذي رسمته لنا وأن يتمسك بالقيم الفاضلة حتى نعيد إلى أمة محمد مجدها وعزتها وكرامتها.

والله الموفق إلى الخير والفلاح.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل