; مفهوم العبادة في الإسلام | مجلة المجتمع

العنوان مفهوم العبادة في الإسلام

الكاتب الشيخ أحمد البسيوني

تاريخ النشر الثلاثاء 31-مايو-1977

مشاهدات 18

نشر في العدد 352

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 31-مايو-1977

هناك علامة استفهام كبيرة تتراءى على صفحة هذا الوجود، تحمل سؤالًا يفرض نفسه علينا ويتردد دائمًا في خاطرنا هو: لماذا خلقنا؟

والله جل شأنه لم يخلقنا عبثًا، فالعبث على الله تعالى محال، وأفعاله كلها مقرونة بالحكمة والتدبير ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (المؤمنون: 115) ولم يخلقنا الله لمجرد أن نقضي فترة في هذه الحياة نأكل ونشرب، ونعب من المتع والملذات، فهذا شأن الكافرين الغافلين ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (محمد: 12).

ولم يخلق الله عباده، ليرزقوه أو يطعموه أو يعينوه، فهو الذي يمنح الرزق لجميع خلقه ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا (هود: 6) وهو الذي يطعم ولا يطعم، وهو الغني بذاته عن المعين، المنزه عن مشابهة المخلوقين، وإنما خلقنا الله لحكمة سامية وغاية جليلة هي العبادة ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ* (الذاريات: 56-58).

ولكن ما هي العبادة؟ قد يبدو مفهوم العبادة غامضًا في أذهان بعض الناس، فيجعلونها محصورة في دائرة المسجد، لا تتعداه إلى دنيا الناس، فهي في نظرهم صلاة، وذكر، وتسبيح وصيام، وقيام، نعم، هذه القربات من العبادات التي كلفنا الله بها، ولكنها ليست العبادة كلها، فالعبادة في نظر الإسلام واسعة الدلالة، شاملة المعنى، تتسع دائرتها فتضم جميع الواجبات على كافة المستويات.

ومن هنا نرى أن العبادة تتحقق بالقيام بكل ما كلفك الله به، وجعلك مسئولًا عنه فالصلاة عبادة والصوم عبادة، والزكاة عبادة، والحج عبادة، والجهاد في سبيل الله قمة الطاعات والقربات، ثم تتسع دائرة العبادة، فنراها في كل عمل إنساني يعود على الفرد والجماعة بالخير إنها في العواطف النبيلة والإحساس المرهف، والشعور الكريم، الذي يشد أفراد المجتمع بروابط وثيقة، من التآخي والتراحم، إنها تفجير لمنابع الخير في النفس الإنسانية حتى تنساب على طبيعتها، فتغمر كل واد، ويرتوي منها كل مكان، فصدق التاجر، وأمانة العامل، وعدل الحاكم عبادة، ورعاية الرجل لأسرته، وتربيته لأولاده عبادة، والسعي على الرزق بالوسائل المشروعة لكسب المال الحلال عبادة ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الجمعة: 10).

والصلح بين الناس عبادة، فإن أصلحت بين متخاصمين، وعدلت بين متنازعين، فألفت بين القلوب المتنافرة، فلك عند الله أفضل القربات والطاعات يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة» وإماطة الأذى عن الطريق عبادة، وكذلك كل عون تقدمه لغيرك وكل عبارة رقيقة تحيي بها صاحبك أو تدخل بها السرور على نفسه، تعتبر عبادة لها مكانها في ميزان الثواب والفضل ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كل سلامى من الناس عليه صدقة - والسلامى عظام الجسم ومفاصله - كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الإثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة».

وإن قدمت لأخيك يد المساعدة، فنفست كربته، أو قضيت حاجته، أو أعنته في عمله فساعدته على قضاء مصلحة له، فلك بهذه المشاركة النبيلة عند الله أعظم الأجر. يقول النبي صلوات الله وسلامه عليه: «إن لله عبادًا اختصهم بحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك هم الآمنون من عذاب الله» رواه الطبراني.

والزوجة المخلصة لزوجها، الساهرة على رعاية بيتها وتربية أولادها من الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله.

وبهذا نرى أن الإسلام قد مهد سبل الخير، وجعلها ميسرة لكل قاصد، فمن لم يستطع أن يعين بقوته، فيأخذ بيد الضعيف، أو يقضي حاجة المحتاج، فعليه بالكلمة الطيبة فإنها صدقة والتبسم في وجه أخيه صدقة، فقد روى مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق».

والأعمال العادية التي يمارسها الإنسان يوميًا والتي تصدر عنه في جميع شئونه، تنقلب إلى عبادات يثقل بها ميزانه يوم الحساب، متى صدرت عن نوايا خيرة، واتصلت بما يحقق رضوان الله -عز وجل-، وبهذا يتحول المجتمع الإسلامي إلى مجتمع عامل، لا مكان فيه لخامل أو متعطل، ويتحول المسلمون جميعًا في ظل العمل بمبادئ الإسلام، إلى عمال، يجمعهم العمل في ساحته المباركة عاملين عابدين.

إن التكاليف التي كلفنا الله بها، والفرائض التي فرضها علينا مقرونة بحكمة وثمرة، هي أن تفضي إلى السلوك الراشد، والمعاملة المستقيمة.

فالحكمة من فريضة الصلاة إنها نظافة للظاهر بالطهارة والوضوء، ونظافة للباطن بالبعد عن الفحشاء والمنكر ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ (العنكبوت: 45).

والحكمة من فرض الزكاة تطهير المجتمع من الشح والبخل وعوامل الحسد والجفاء والبغضاء ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا (التوبة: 103)، وثمرة الصوم التقوى ومراقبة الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة: 183).

وثمرة الحج: التعارف والتعاون وتقوى الله وعمل الخير ومخالطة الناس بالقول السديد والفعل الحميد ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (البقرة: 197).

فالعبادة الصحيحة والأخلاق القويمة متصلان لا ينفصلان، ومن جراء الفهم الخاطئ للأواصر التي تربط الدين بالخلق قد تبدو في المجتمع صور متناقضة، فنرى لبعض الناس صورة في المسجد تختلف عن صورته حين يعامل الناس، فهو في المسجد يحرص على مظاهر العبادة، بالركوع والسجود، والتسبيح والذكر، فإذا ما فارق المسجد رأيته يرتكب أعمالًا تأباها الفضيلة وتتنافى مع الإيمان الحق، فمتى يدرك المسلمون أنه لا دين بلا خلق، وأن الانتساب إلى الله، لا بد أن يصاحبه الصدق في القول، والإخلاص في العمل.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

كيف أعود ولدي الصلاة؟!

نشر في العدد 2

53

الثلاثاء 24-مارس-1970

الوحدة وصلاة الجماعة في المدارس

نشر في العدد 4

24

الثلاثاء 07-أبريل-1970

الأسرة

نشر في العدد 3

31

الثلاثاء 31-مارس-1970