العنوان مقاصد وحدة الأمة الإسلامية في ضوء النوازل والحوادث
الكاتب د. حسان عبدالله حسان
تاريخ النشر الأربعاء 01-مارس-2023
مشاهدات 57
نشر في العدد 2177
نشر في الصفحة 30

الأربعاء 01-مارس-2023
مقاصد وحدة الأمة الإسلامية في ضوء النوازل والحوادث
مفهوم «الأمة» القرآني جاء أكثر تعبيراً عن
التجمع الإنساني الفريد للمسلمين
هل ننتظر النوازل المفجعة لنتذكر وحدة الأمة في ظل العولمة التي تقطع أوصالها؟
د. حسان عبدالله حسان
قبل أن ينشق فجر السادس من فبراير الماضي، ضرب زلزال مزدوج جنوب تركيا وشمال سورية، بلغت شدة الأول 7.7 درجات، والثاني 7.6 درجات على مقياس ريختر، تبعهما مئات الهزات الارتدادية العنيفة، في ظروف مناخية اتسمت بالبرد القارس، وكان مركز الزلزال في مدينة قهرمان مرعش التركية وامتد إلى 10 ولايات تركية أخرى، و6 محافظات سورية، وقد آثار هذا الزلزال المدمر تساؤلات عن مستقبل الاقتصاد التركي من خلال تداعياته ومآلاته.
ربط القرآن الكريم بين وحدة الأمة وعبادة الله وتوحيده والالتزام بأحكامه، ووصف ذلك تارة بالعبادة: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 92)، وتارة بالتقوى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (المؤمنون: 52)، وأعقب الله تعالى الآيتين بالتحذير من انفكاك وحدة الأمة والتوحيد بين أجناسها وأعراقها، كما فعلت الأمم السابقة الذين تقطعوا في الأرض وتنابزوا وتحاربوا {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُون}(الأنبياء: 93)، {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (المؤمنون: 53).
جاء هذا المقصد متعلقاً بالتوحيد بما يمنحه المكانة العليا في العبادات الإسلامية؛ ففرائض العبادات التي ذكرت في القرآن جاءت مبررة بالمصالح الاجتماعية التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع والناس جميعاً، أما هذه القيمة فجاءت مرتبطة بالقيمة العليا في حياة المسلم وهي قيمة التوحيد، واعتبرها القرآن معبرة عن روح التوحيد والعبادة والتقوى ومجسدة له، وأن غياب هذه الوحدة بين الأمة، بالتقطع والتدابر، إنما هو نقض للتوحيد، كما نقضته الأمم السابقة، وتخلت عنه، فأورثه الله تعالى لهذه الأمة للمحافظة عليه والعمل بمتطلباته.
أمة الطريق والقصد
لم تقم الأمة الإسلامية على رباط طبقي أو جنسي أو عرقي أو لغوي أو جغرافي أو سياسي أو اقتصادي أو غير ذلك من الروابط الوضعية، التي يمكن أن تنقض لأي عامل خارجي أو داخلي، وإنما قامت وحدة الأمة على رباط ثابت موضوعي لا يتغير، هو رابط الإيمان، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: 10)، هذا الرباط الذي تنصهر فيه كافة العوامل الوضعية (الجنس والطبقة واللغة..) انصهاراً يُخرج لنا شكلاً آخر من أشكال التجمعات الإنسانية، يعرف الجميع بعضهم بعضاً، يؤدون الشعائر ذاتها، ويعتقدون الأركان نفسها، وكذلك المناسك، ويتخلقون بذات الأخلاق، ويمتثلون بنفس الأحكام، ويقرؤون الكتاب ذاته، ويتوجهون للقبلة الواحدة.
لهذا، جاء مفهوم «الأمة» القرآني أكثر تعبيراً وفرادة عن هذا التجمع الإنساني الفريد، ولا يوجد بين الألفاظ والكلمات المستخدمة لوصف التجمعات البشرية ما يمكنه أن يعبر عن هذا التجمع بتلك الخصائص أكثر من تعبير لفظة «أمة»، إن ألفاظ: قبيلة، وقوم، وشعب، وطبقة، ومجتمع، وطائفة، وجمهور، جميعها لا يمكن أن تعبر عن الجوهر الذي تعبر عنه كلمة «أمة».
إن الإسلام انتخب كلمة «الأمة» بدل هذه المفاهيم لتسمية الجماعة الإنسانية التي يشكلها، ونلاحظ هنا أيضاً التوجه الإسلامي الخاص والمدهش؛ وهو استناد الإسلام إلى «الحركة» كأصل، ولكنها الحركة التي تعتمد جهة مشخصة وثابتة، فجمع الإسلام بين الثبوت الدائم والحركة المستمرة، وهذا الجمع تقوم على أساسه الرؤية الكونية الإسلامية بكاملها، كما يتضح هذا الأصل في الطواف حول الكعبة أيضاً، الطواف: حركة مستمرة ودون وقفة أو انحراف أو تراجع، لكنها حول محور ثابت(1).
من هنا، فكل الاصطلاحات التي استخدمت في الثقافة الإسلامية لوسم الدين –في ضوء مختلف الأفهام– جاءت بمعنى «الطريق»، وهذا اللون من الرؤية نعثر عليه في غالب الاصطلاحات الرئيسة للإسلام: مذهب، مسلك، شريعة، سبيل، صراط.. كلها بمعنى «الطريق»، الحج «قصد محل».. كلمة «أمة» مأخوذة أيضاً من «أمَّ»؛ بمعنى قصد وعزم، وهذا المعنى يتركب من ثلاثة معانٍ: حركة، وهدف، وقرار واعٍ؛ وحيث إن «أم» تنطوي في أصلها على مفهوم التقدم، أيضاً يضحى هذا المعنى مركباً من أربعة معانٍ: اختيار، حركة، تقدم، هدف.
إن الحركة في الأمة أيضاً باتجاه القبلة المشتركة أساس الفكر، وفي ضوء تحليل كلمة الأمة نجده يتضمن المفاهيم الآتية: الاشتراك في الهدف والقبلة، والمسير باتجاه القبلة الهدف، ووجوب القيادة والهداية المشتركة.
العضوية الفاعلة
المقصد الثالث لوحدة الأمة يتعلق بواجبات العضوية في هذه الأمة، التي وصفها القرآن بأنها (صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ) (الصف: 4)، ووصفها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنها تشبه الجسد في تواصلها واتصالها ببعضها بعضاً، وأنه إذا اشتكى منها عضو تداعي له سائر الأعضاء بالعمل على تخفيف الشكوى ومعالجتها، لا بالتجاهل أو الانصراف أو التخلي.
إن الأمة وحدة عضوية، يقوم كل عضو فيها بواجباته تجاه الآخر، كما تؤدي أعضاء الجسد أدوارها تجاه بعضها بعضاً؛ الأمر الذي يحافظ على سلامة الجسد وصحته وحيويته، فقيام العضو بوظيفته يخدم كل جزء آخر فيه، يخدمه في كليته، وفي المقابل؛ فإن عمل الجسد كله يصب في صالح كل جزء فيه، ومن بين ما وصف الله تعالى به المتقين المفلحين أنهم: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (الذاريات: 19)، ووصف أصحاب النبي بأنهم: {الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} (الفتح: 29)، وأصاب النبي صلى الله عليه وسلم كبد الحقيقة، بالجسد الواحد «إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (رواه البخاري، 6011).
يقول الله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104)، وتبين هذه الآية الكريمة أن المسلمين مأمورون بأن يشكلوا من أنفسهم أمة، أي بنية اجتماعية منظمة على نحو خاص، وتضمن هذا النص القرآني علة الأمر بتشكل تلك الأمة، وهي: الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بيد أن هذه العلة هي السبب أو الهدف النهائي المفترض أن تفي الأمة به، وثمة سبب وسائلي غير نهائي بالتالي لوجود الأمة؛ وهو حقيقة أن وجودها هو الذي يجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمراً ممكناً، فالأمة هي مصدر حقوق المسلم وواجباته، وهي البنية التي يمكن في سياقها ممارسة تلك الحقوق والواجبات(2).
في ختام هذه المقالة الموجزة، يُلح هنا سؤال مركب يريد إجابة جماعية إسلامية له: كيف نعيد روح الأمة، ونجددها في نفوس النشء والأجيال القادمة، وفي واقع المسلمين؟ وهل ننتظر النوازل والحوادث المفجعة لنتذكر وحدة الأمة؟ وهل من الممكن إعادة بناء مقاصد هذا المفهوم في الذهن الإسلامي والواقع المادي والعملي؟ وكيف السبيل إلى ذلك في ضوء جغرافيا العولمة التي ما تزال تقسم كل يوم وتقطع الأوصال بين الأمة ومركزها؟
الهامشان
(1) انظر: حسان عبدالله حسان: منظومة المفاهيم عند علي شريعتي، ص87.
(2) إسماعيل الفاروقي: التوحيد ومضامينه في الفكر والحياة، ترجمة: السيد عمر، ص 250.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
