العنوان مقال الأسبوع: في نيويورك.. حيث لا يحاكم المجرمون ويحاكم الإسلام والمسلمون
الكاتب أحمد ابو الجبين
تاريخ النشر الثلاثاء 13-يوليو-1993
مشاهدات 11
نشر في العدد 1057
نشر في الصفحة 34
الثلاثاء 13-يوليو-1993
على الرغم من عدم توفر أدلة اتهام صحيحة للمتهمين في حوادث نيويورك إلا أن الصحافة تصورهم على أنهم جزء من مخطط إرهابي إسلامي عالمي كبير.
لو كانت الكلمة تقتل، لكانت الإصدارات الأمريكية العامة قد قتلت وأبادت الآلاف من المسلمين حتى الآن، ولكن في الوقت الذي لا تقتل فيه الكلمة إلا أنها تتسبب في ثلاث دالات (DS) هي defone أي الإشانة وتجريح السمعة وdiscredit أي التشكيك و Deroningأي إذكاء روح الشر، وكلها تنتشر بسهولة بواسطة المتمرسين في البلاغة والخطابة أن الأصولية الإسلامية قد جعلت الصحافة الغربية في حالة استنفار منذ الثورة الإسلامية، ولكن في السنوات الأخيرة أصبح الصحفيون نقادا جريئين للحركة الإسلامية.
إن حادث تفجير المركز التجاري الدولي، والاعتقالات الأخيرة للمتهمين الإسلاميين تمت الإشارة إلى انتماءاتهم الدينية مرارا وتكرارا بصورة تبعث على الألم على اعتبار أنها مناهضة لأفكارهم السياسية ولم يكلف أحدهم نفسه للتحقيق في صحتها، قد وفرت الأرضية الملائمة لأجهزة الإعلام الأمريكية المضللة في عدائها لكل ما هو إسلامي وهناك موضوعان على المسرح الآن: الأول: جريمة تورط المتهمين في الجرائم والثاني التجريم العام وربطه بالإسلام ولو كان أولئك المتهمون بالتورط في الحادث يظنون أنهم يستطيعون تحقيق أجندتهم السياسية من خلال الخداع والمداورة واستعمال العنف داخل الولايات المتحدة فإن من الواجب معاقبتهم بشدة حتى يكونوا عظة وعبرة للآخرين حتى ولو تم استغلالهم بواسطة العناصر التي ليس لديها مصلحة في سيادة العدل في العالم الإسلامي فإن من الضروري الاقتصاص منهم علنا أمام الملأ، ولكن من سوء الطالع أن مصادر المعلومات حريصة على الحقائق حرص الرئيس كلينتون على وعوده التي بذلها في حملته الانتخابية لقد ظلت باستمرار تجتر وتردد قصصاً عن مجرمين مشتبه فيهم وتتصور أنهم بدون أدنى شك جزء من مخطط سري تخريبي من تدبير أطراف من العالم الثالث لمقاومة الإمبريالية الغربية. ذكر كانيسترارو وهو مسئول سابق في قسم مكافحة الإرهاب بوكالة الاستخبارات الأمريكية: إن هؤلاء ليسوا إرهابيين متمرسين ولكنهم هواة عاطفيون وعلى الرغم من الأدلة التي تثبت أن المتورطين في مثل هذه الأعمال غير مسئولين أو مؤهلين فإنهم يصورون على أساس أنهم جزء من مخطط أصولي إسلامي، ضخم لضرب الغرب وهكذا فإن الأهداف أكبر من ضرب المركز التجاري الدولي، والتي ربما تكون مبنى مكتب التحقيقات الفيدرالي في نيويورك ونفقي هالاند ولينكولن في نيويورك ومبنى الأمم المتحدة والأفراد المستهدفون هم السناتور الفونس، داماتو وعضو برلمان الولاية ديفيد هيكيند عضو سابق في رابطة الدفاع عن اليهودية وهي جماعة عنصرية مشهورة بتطرفها وعنفها تعمل داخل الولايات المتحدة وخارجها) وسكرتير عام الأمم المتحدة بطرس بطرس غالي والرئيس المصري حسني مبارك حتى الاعتداء على عميل تابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي في فيرجينيا قد تم ربطه بأحداث نيويورك.
إن التناقضات كثيرة إن تدبير مخطط ضخم كهذا يحتاج إلى قدرات ومهارات هائلة. ومع ذلك فإن أولئك المتهمين قد وصفوا بأنهم هواة وغير متمرسين. إذن كيف يمكن لأناس لديهم مشاعر معادية للإسلام أن يبرروا دعاواهم وادعاءاتهم؟ إنهم يقولون بأن المتهمين في نيويورك مجرد أدوات في مؤامرة دولة كبرى.
إن الإشكال هنا ليس مجرد تقديم المجرمين إلى العدالة إن مفهوم الأسلمة يتعرض للمحاكمة وليس لديه محام يدافع عنه أو شاهد عدل أو قضاة عدول وكل ما يتوفر أمامه هو الحقد والغل والانتقاد الجارح الذي يقذفونه وفبركة الأكاذيب والتعميم الصارخ والادعاءات غير المؤسسة والتي تقدم على أنها حقائق لا تقبل الجدال.
إن العرب والمسلمين لديهم أخطاؤهم ومثالبهم وهم أحيانا ينسجون ويبالغون في نظريات المؤامرة ولكي يمكن مراقبة ردود الفعل إزاء أحداث نيويورك يجب أن نعرف لماذا يفكرون بهذه الطريقة. ففي برنامج إخباري لماكنيل – ليهرر تمت استضافة الصحفية جوديث ميللر وهي مراسلة لصحيفة نيويورك تايمز ومعروفة بعدائها الشديد للإسلام وأسعد خليل وهو من النقاد المتطرفين في عدائهم للإسلام السياسي ومراسل لصحيفة نيويورك نيوز داي، وذلك لتقييم حادثة نيويورك والاتجاه العام للصحوة الإسلامية وفي برنامج آخر مواز لشبكة سي إن إن (CNN Crossfire) كان ضيوف البرنامج هم السناتور:
داماتو وهيكيند وضيفان آخران من المسئولين السابقين. ولم يكتف هؤلاء جميعا بأحداث نيويورك، ولكن كان الموضوع الطاغي في حوارهم جميعا كان هو موضوع الإرهاب الإسلامي.
وفي يوم السبت ٢٦ يونيو وفي برنامج CNN News makerاستمر السناتور داماتو في أحاديثه المثيرة للفتنة. وقد انضم إليه في هذه الحلقة دان جليكمان رئيس اللجنة الاستخبارية بمجلس النواب والذي قال: إن الأصولية الإسلامية مشكلة عالمية.
وهكذا فإن الحملة كانت تهدف إلى أن ما يحدث في نيويورك تحمله الحركة الإسلامية. لقد تم وصف الإسلام بأنه جسم ضخم متماسك (Momalith) إن جمع كل الحركات الإسلامية في جسم واحد أسهل من إضاعة الوقت لتعريف كل جماعة إسلامية على حدة باعتبار أن لكل شخصيتها المتميزة أن نيويورك تايمز وواشنطن بوست تقومان بتضخيم الادعاءات عن وجود علاقة بين هذه الأحداث والسودان وذلك لأن أحد المتهمين من السودان وتباهي بأن بإمكانه الدخول الى مبنى الأمم المتحدة أن بعض الصحفيين والسياسيين يمسكون بقشة ويحاولون عبثا إيجاد نوع من العلاقة بينها وبين الإرهاب الدولي، وهم بمحاولاتهم تلك يعتمدون على مصادر ملفقة للغاية وغير أمنية لتأكيد ادعاءاتهم. لقد أشار جيفري سميث الذي يكتب لصحيفة واشنطن بوست إلى تقارير مثيرة للجدل للجنة مهام تابعة للنواب الجمهوريين بمجلس النواب حول الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، وذلك كإشارة إلى أن السودان كان مشاركا في ذلك الحادث إن تلك اللجنة والتي أشرف عليها يوسف بود انسكي وهو مواطن إسرائيلي سابق قد تعرضت لانتقادات حادة من المجلس الإسلامي الأمريكي واللجنة العربية – الأمريكية لمكافحة التمييز وذلك لطرحها غير السليم. لقد استقال أربعة أعضاء من تلك اللجنة نظرا للفقر الأكاديمي الذي أظهره الباحثان المؤلفان بودانسكي وفوج فوريست ويقول توماس فريدمان من نيويورك تايمز بأن أحداث نيويورك تعتبر ردود فعل متأخرة من نتاج حرب الخليج. وهذه النظرة مماثلة لرأي مورتا يمر زوكرمان رئيس تحرير (US.New & World Report) والذي كتب في مارس الماضي: أن حرب الخليج كانت فقط فقرة صغيرة في سجل صراع طويل بين الغرب والإسلاميين الراديكاليين وأن تفجير المركز التجاري الدولي ليس إلا جملة صغيرة في ذلك السجل ويثير فريدمان فكرة أن كل المنظمات ذات التوجهات السياسية الإسلامية تسعى إلى ضرب الولايات المتحدة، ويضيف بأن الغرب يعتبر مضيفا وهدفا لتلك الجماعات، ولا يذكر بأن المتهمين لم يثبت عنهم أنهم طرف في أي مؤامرة. وفي خضم كل هذه الفوضى نلاحظ بكل اندهاش بأنه ومنذ أن ألقي اللوم على الإسلام لم يقم أي خبير معروف بحيدته وآرائه الموزونة بإبداء رأيه المعارض لآراء الذين يشعرون بالغبطة في تحطيم آرائه ولم تتم استشارة أي منظمة أمريكية تتحدث باسم المسلمين حول آرائها، سواء كانت هي ـ(ICNA) المجلس الإسلامي لأمريكا الشمالية، أو لجنة الطلاب المسلمين لأمريكا الشمالية والمجلس الإسلامي الأمريكي والمعهد العالمي للدراسات الإسلامية، ولم تبذل أية مجهودات من أي نوع لتحديد وتوضيح المنظور الإسلامي الصحيح أن كل ما تم فعله قد تم لتوفير الإطار لكل من يريد الهجوم بعنف على الأسلمة والإسلاميين و مستغلا أحداث نيويورك كنقطة انطلاق. ورغم حقيقة أنه لم تكن هناك أدلة حقيقية ملموسة تؤكد أن الثمانية الذين تم اعتقالهم في نيويورك لديهم علاقة بأي منظمة إرهابية دولية فليس هناك ما يدل على أن أجهزة الإعلام سوف تقلل من مناقشتها وتناولها. لوجود عمل تخريبي سري حتى داماتو الذي تزعم الحملة لتطهير أمريكا من الإرهابيين، ويستعمل كلمة Torrorits لتبرير جهوده لإزالة الوجود الإسلامي من الأراضي الأمريكية، اعترف في برنامج (CNN) بأن أولئك الأفراد المتورطين في أحداث نيويورك والذين وصفهم بأنهم متهورون (Kookoes) لا يعرفون لمصلحة من يعملون أن من الضروري والملح أن لا تنزلق أجهزة الأمن الأمريكية إلى هوة الكراهية والتي يتبناها عدد من الصحفيين ورجال السياسة الكبار، بل من الأهمية بمكان أن يقوم المسلمون في الولايات المتحدة وغيرها بمعالجة هذا الأمر بحرص ومرونة وعلى المسلمين أن لا يتخذوا مواقع دفاعية وأن لا يعتبروا تلك الاتهامات الموجهة ضدهم في نيويورك على أنها من المسلمات. كما لا يجب أن يجنحوا إلى الطرف المتطرف في الجانب الآخر والذي يتهم الغرب بمحاولة تقويض الإسلام إن أولئك الذين يرغبون في تدمير حق التعبير السياسي للإسلاميين قليلون، ولكنهم يحتلون مواقع مؤثرة، ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية لا تأخذان بآراء وأقوال أناس مثل داماتو وهيكنيد بسهولة. وهذه الأجهزة والوكالات التي ثبت خطؤها في ارتكاب حالات من التجاوزات والمضايقات، ولكن ذلك بسبب الجهل وليس الرغبة في تطهير الولايات المتحدة من المسلمين، إن المسلمين عليهم أن يخلقوا توازنا بين الدفاع عن مصالحهم وتشجيع أولئك الذين يتحركون بحذر وبذكاء في انتقادهم لأولئك الذين ينظرون إلى المسلمين في أمريكا نظرة سلبية تظهرهم على أساس أنهم سلبيون ومستسلمون أكثر من متحركين.
- أحمد أبو الجبين هو مدير تحرير مجلة ميدل إیست افيرز التي تصدرها المؤسسة المتحدة للدراسات والأبحاث وهو أيضا مؤلف كتاب سياسات الصحوة الإسلامية Politicd) lisanic) (Reswgance) بعيون غربية مسح بيبلوجوافي وكتاب الإسلام تحت الحصار وكتاب إرهاب إسلامي راديكالي، أم إسلام سياسي.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل