العنوان مقاييس الرجال هل تتغير في هذا العصر
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر الثلاثاء 16-فبراير-1993
مشاهدات 13
نشر في العدد 1038
نشر في الصفحة 37
الثلاثاء 16-فبراير-1993
معالم على الطريق
أجمع المحدثون على أن الرجال تقاس بالأعمال وتوزن بالأفعال وتقدر بالهمم وترتفع بالإصلاح، فكثير من الناس يعيش على ظهر الأرض لا يستوقفون أحدًا ولا يلفتون نظرًا، ولا يُسمِعون أُذُنًا، لأنهم يقولون قولًا وقد حذرنا الإسلام من قول بلا عمل وحديث بلا فعل، فقال سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) (الصف: ٢-٣] وإبدال الأقوال بالأعمال مهلكة عظيمة تقتل الهمة، وتُعوِّد التخلف وتعلق الإنسان بالسراب، وتدربه على الوهم، وتُعيشه في أحلام اليقظة، فيسقط من أعين الناس، ويحظى بمقتهم، إن الرجال العاملين المخلصين لهم في الحياة مكان، ولهم في التاريخ ذكر، ولهم في الأمم كرامة، وإن لم يتكلموا أو يقولوا، لأن أعمالهم تتحدث، وآثارهم تعلن وإذا اعتبرنا الرجولة بتلك المقاييس الصادقة، والأعمال الناطقة، فما عرفت البشرية من يوم أن وُجدت، وما رأت من حين نشأتها، أعمالًا تناطح السحاب، وتعلو الجوزاء، وتتيه على السبع الطباق مثل أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أحست أثرًا أو لمست نورًا أو شعرت بهداية تدنو من تعاليم المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، فهو أول من نادى الناس إلى الأخوَّة الإنسانية في الأرض ومسح الأحقاد، وأزال الضغائن وأذاب الفوارق، ورد الناس بفهم إلى أب واحد وأخوَّة عامة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾ [الحجرات: ١٣] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)﴾ [النساء: ١] وأوَّل من وحد الفكر حول الهدف الإنساني وضم شتات الديانات، وآخى بينها وأرجعها إلى مصدرها الأصيل، ومنبعها الصافي، وروحتها السمحة، وتعاليمها الناضجة الصافية الحنون ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)﴾ [البقرة: ١٣٦] ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)﴾ [البقرة: ٢٨٥] ورسول الله أول من نادى بالجزاء العادل في الدنيا والآخرة، وأنهى عهود الاتكالية على المذاهب والنِّحَل والركون إلى الأحلام والأماني بغير حقيقة واقعة ملموسة، فقال تعالى: ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)﴾ [النساء: ١٢٣]. وقد سادت زمنا معينا فكرة الاتكالية الدينية، والعنصرية، والمذهبية، والطائفية بدون النظر إلى الأعمال، أو ما يبذله الإنسان من جهد في سبيل الخير والبر والمعروف فنشأت طبقات متسلطة لها قانون خاص، وفكر خاص لا تُسأل عما تفعل وهم يسألون ورسول الله أول من أعلن الولاء للمبدأ لا للأشخاص يقول تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144﴾ [آل عمران: ١٤٤] وكم ضل أصحاب المبادئ لأنهم تناسوا هذه الحقيقة الكبرى، فجعلوا ولاءهم للأشخاص لا للمبادئ، فلما مات الأشخاص ماتت المبادئ في قلوبهم، وجفَّت القيم من نفوسهم ولما ضل الأشخاص ضل الأتباع، وهلك المقتدون، فأكد القرآن على ذلك وعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته حتى قال أبوبكر تلك الكلمة العالية الحقة «من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت»، وكان الموقف صعبًا على المسلمين بعد موت الرسول صلى الله عليه ولم، ولكنها التعاليم والشريعة والقيم، ولهذا ظل معين العقيدة الإسلامية صافيًا نقيًّا من كل بدعة ومن كل مبتدع، لأن الأصل الأصيل والمرجع الأكيد ليس الأشخاص، وإنما هو كتاب الله تبارك وتعالى وشرعه فمن سار عليه فهو المهتدي، ومن زاغ عنه فهو الضال ولا اعتبار الإنسان ولا لكلامه إلا إذا كان في إطار هذا المقياس السليم، نسأل الله الهداية والتوفيق والرشاد والسلام.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكللقاء المجتمع مع الدكتور زغلول النجار حول العمل الإسلامي في أمريكا
نشر في العدد 312
8
الثلاثاء 10-أغسطس-1976