العنوان مكتبة المجتمع (العدد 78)
الكاتب الأستاذ سعد جمعة
تاريخ النشر الثلاثاء 21-سبتمبر-1971
مشاهدات 18
نشر في العدد 78
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 21-سبتمبر-1971
مكتبة المجتمع
بقلم: الأستاذ سعد جمعة
عرض وتلخيص: الأستاذ عبد الرحيم عبد الخلاق
مجتمع الكراهية
«إن العرب لا يلمهم إلا الدين، ولا ينهضون إلا بإيمان، وإذا تخلى الدين عنهم أو تخلوا هم عن الدين، فإن الموجة الصاعدة ترتد، والأمة المستجمعة ترجع متفرقة، والذين وحدتهم طريق الحق ستوزعهم طرق الباطل، والنفس العربية مصابة بالفردية، بالأنانية، بالمفاخرة، بأشياء كثيرة يقول الله فيها
﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ﴾ (الأنفال: 63)
· عندما وقع بصري على عنوان هذا الكتاب «مجتمع الكراهية» في مكتبة المجلة، مددت يدي إليه، وأنا أتصوره مجموعة من قصص تروي لنا العداوة والبغضاء التي تلف أفئدة اليهود من محتلي أرضنا العربية، ومن ثم تبعث في نفوسنا الأمل القريب أو البعيد أن تأكل مجتمعهم الأحقاد وتأتي على أوصاله، ونكون قد كفانا الله قتالهم، بعد أن استبد اليأس في مجتمع الهزيمة والكارثة أن يفيق أو يستيقظ أو تحقق على يديه آمال النصر!
· ولكن شريطًا آخر من التصورات أسرع على خاطري أن يكون السيد سعد
جمعة مؤلف الكتاب هاوي دراسة عالم الوحوش في الغابات يرحل إليها بعد اعتزاله منصب رئيس الوزراء بالأردن، يرقب ويسجل حتى أتانا بالدراسة النفسية لزئير الأسود وفحيح الأفاعي وغيرها وأنها تعبر بها عن رغبة الافتراس لما عداها من الحيوانات، وإنها لا تصدر عن قرصة الجوع، وإنما عن دافع الحقد والكراهية لما عداها من أجناس.
خيبة أمل
ولكن حينما فتحت الكتاب وبدأت قراءته، تبخرت كل التصورات! وسط ذلك الدخان الأسود الكثيف الذي غير كل صفحات الكتاب عن مجتمعنا العربي، وأنه المقصود بهذا العنوان، وأشهد الله والقراء -إني لم أنم ليلتي وما بعدها، وأصابني الدوار مرات ومرات، ولكن الشريط الحزين لم يتركني حتى بعد أن أنهيت قراءته!
وبدأ نزيف القلب الكسير منذ أن بدأ المؤلف يقول:
مجتمع الكراهية هو المجتمع العربي، بقضه وقضيضه، بأنظمته، ومنظماته وأفراده.
ويدلل على ذلك في أول فصل فيه عن المؤامرة والغزو الفكري قائلًا:
كل رئيس يكره كل رئيس!
كل قائد يكره كل قائد!
كل حزب يكره كل حزب!
كل منظمة تكره كل منظمة!
كل فرد يكره كل فرد!
تنسحب الكراهية على كل شيء وتغطي كل شيء!
ـ وذلك لأن هذه الأنظمة
تقص الأشراف وتدني الأنذال!
وتكره الناس على أن يصفقوا لجلاديهم ويهتفوا لمن ساقوهم إلى الذل.
وتدعو الناس ببطاقات لتشهد «حفلات» المشانق، وتكون فيها القاعدة هي الفساد، والشذوذ هو الصدق والإخلاص، وتموت بموت شخص وتحيا بحياته، والدين عندها سلفية وخلفية ورجعية.
والله -جل شأنه -فكرة متحجرة في متحف التاريخ، والحضارة الإسلامية من مخلفات عصور الظلام، وتتنكر لأمجادنا، فتستحي أن تحارب تحت راية محمد صلى الله عليه وسلم وتفخر أن نحارب تحت راية «جيفارا».
فلسفة العدمية
ويمشي حثيثًا في دربنا المظلم ليقول:
كل فلسفات الدنيا مضغناها ثم خلفناها وراء ظهورنا وتشبثنا بالعدمية
وكان واضعها «سيرجي نيكاييف» قد وضعها دستورًا لمفكرينا ومؤسساتنا وأحزابنا فحذقوها وطبقوها، وجسدوها ومنحوها الحياة بعد أن لفظتها الدنيا، ووطئها الناس.
ويوضحها في ست وعشرين فقرة منها:
عندما تقرر الثورة قتل أي شخص، نزيل من ذهنها كل فكرة سابقة من كره وحقد، ومحبة، وتزن أهمية المحكوم عليه بقدر أهميته في اعتراض مسيرة الثورة، ومنفعة الثورة في زواله.
مجاهدون
وحينما ينقب وراء الأسماء والشعارات ليدلي لنا بمفهوم الأسماء ومحتويات الشعارات يقول:
لماذا تقولون: «فدائيون» ولا تقولون: مجاهدون؟ ذلك لأن الجهاد يجسد الرفض الإسلامي لذل الكارثة وعار الهزيمة؟
وأن ذلك استئجار واستيراد للألفاظ تعني ربط قضيتنا بالثورة العالمية التي تضم الفهود السود والحزب الشيوعي في إسرائيل كما قال الدكتور نديم البيطار «ويعود الإخاء بين الدول العربية وإسرائيل حين ننفض عن أنفسنا مساوئ القومية والدين، ونغدو تحت راية «الجدلية المادية» أصدقاء وخلانًا، ومن ذلك استجابة لما أوصى به کاسترو السفير الإسرائيلي في كوبا:
إن حركات الفداء الفلسطيني ستفشل لأنها ضعيفة عقائديًا، ونصح الدكتور كاسترو إسرائيل بكل قوة دون اتخاذ السفير الإسرائيلي بأن تحول إسرائيل بكل قوة دون اتخاذ حركات الفداء طابعًا إسلاميًا دينيًا، لأن ذلك يجعلها شعلة تستقطب حماس ملايين المسلمين، ويجذب إلى المعركة جماعات ودولًا إسلامية تجعل من المستحيل الإبقاء على الكيان الإسرائيلي، وأنه يحسن بإسرائيل أن تسعى في نهاية المطاف لتقوم حولها أنظمة اشتراكية ثورية، تلهي حركات التحرر الشعبية عن اللعب بنار العقائد الدينية، وتنشغل هذه الحركات بمهمة التحرر الاشتراكي، وبذا يتم التعايش السلمي بين الاشتراكية العربية والاشتراكية الإسرائيلية.
ـ وقد كفينا نحن بأيدينا كاسترو وإسرائيل ذلك الجهد والعناء، فاستحينا من كلمة «جهاد» حتى تنادت مجموعة «ليلى خالد» لتسمي نفسها مجموعة جيفارا وتقول على رؤوس الأشهاد، إنها تنكر وجود الله، وأنها أكبر من هذه السخافات لأنها «ماركسية» وتسير على منوالها الشاعرة «فدوى طوقان»!
انهدام المسرح على رؤوس أصحابه
وفي عرض للقضية المقدسة قال الكاتب المؤلف: «إنها قضية مقدسة في أيد بخسة» ودعم حكمه القاسي بالأدلة والوثائق الرسمية والحزبية التي تؤكد أسباب هزيمتنا وتعطي الدلالة على تخلخل بناء المجتمع العربي:
كل دولة تلعن أختها!
كل حزب يطعن صنوه!
كل قيادة سياسية تعلن خيانة كل قيادة أخرى!
أعداء اليوم هم رفاق الأمس، ومعظم من في السجون كانوا في دست السلطة قبل حين.
أشراف الأمس هم أنجاس اليوم وطنيو السنة الماضية، هم عملاء مأجورون في السنة الحالية، ثم هم حكام بسيف مصلت على رقاب الناس في العام المقبل!!
ـ واستمر المؤلف يدعم كل كلمة كتبها بالوثائق من خطب الحكام ومنشورات الأحزاب ومحاضر الجلسات والمؤتمرات التي نضحت بها الصحف والكتيبات وغمرت ساحة الأرض العربية على الصعيد الرسمي والشعبي!!
ولقد استطاع المؤلف بمهارة أن يجمع شتات الأفكار الشيوعية والشعارات البعثية ويجعل منها خيوطًا منتظمة لحبل التف حول عنق الأمة العربية فأوردها الفرقة
والشقاق وبث فيها العداوة والبغضاء وأوردها النكبة تلو النكبة!!
بعد الكارثة بقي المضمون وتغير صوت المذيع!
وتحت هذا العنوان استمر المؤلف يعرض صورة الوضع في الأمة العربية بعد كارثة حزيران معللًا أسبابها قائلًا:
لقد اختار الله لرسالته الدينية، الأمة العربية، فرفعها من أشقى الأمم إلى أمة وسط هي خير أمة أخرجت للناس.
فانساحت في الدنيا فأعطت البشرية مبادئ مضيئة لا يخبو إشراقها على الزمن مهما اعتورها من ظلم أعدائها وجهل أبنائها، وحين عادت تلك الأمة إلى جاهليتها الأولى سمتًا وخلقًا وأعمالًا، وتنكرت لقيمها ومثلها ودينها، أركسها الله في الضلالة وعادت سيرتها الأولى أشقى الأمم على الإطلاق، ثم قال: الأمة التي لا ماضي لها، لا يمكن أن يكون لها مستقبل، مهما علا الصخب وضح ضجيج الحزبيات والسلبيات
والشعارات!
وسبب ذلك: خواء فكري، وجدب روحي، مع ضباب الرؤية، وتعدد الولاءات والانتماءات! يتوارى المؤمن لكي لا يثلم دينه!
ليس مثلنا شيء في تبرير الهزائم وافتعال الانتصارات!
نكذب على أنفسنا ونظل نكذب حتى نصدق الأكاذيب!
أبعاد المؤامرة
ويستمر المؤلف في عرض مدعم بالوثائق أيضًا أبعاد المؤامرة على الفكر والخلق والتراث، منها:
ما نشرته «التايمز» غداة إقصاء سلطان عمان: أن الأوضاع الاجتماعية والسياسية في عمان كانت بالغة السـوء والتخلف لأنها ظلت على ما كانت عليه زمن النبي!
ويقول المؤرخ «جورج لينشو فسكي في كتابه -الشرق الأوسط في المحيط الدولي -هناك شواهد كثيرة أقنعت إسرائيل، أن تحول الدول العربية إلى مجتمعات يسارية، هو الحل الوحيد لانصراف أوتوماتيكي عن المواقف العدائية إزاء الصهيونية العالمية».
ومن ثم قال الدكتور جمال حمدان «إن الإسلام لا يصلح أن يكون أساسًا لمجتمع سياسي وأن القومية العربية موضوع مركب، الإسلام عنصر فيه»
بينما جاء في جريدة النهار العدد 3-12-1970: إن الأحزاب الدينية في إسرائيل قد هاجمت بشدة في مجلس النواب مسرحية لا أخلاقية داعرة، خطرة على التربية القومية «وفي نفس الصفحة تكتب عن مسرحية مصرية ألفها «بكر الشرقاوي» -أصل الحكاية -يقول عنها: إنها أول مسرحية عربية بطلها الله! وأنها مستمدة من وثيقة فرعونية مهملة في المتحف المصري تقول بأن الإنسان خلق قبل الله!
ـ ثم عرض السيد سعد جمعة نماذج من الانحدار الذي هوى إليه المجتمع العربي حينما منح اتحاد الطلاب العرب في تظاهراتهم بلندن في المناسبات الوطنية الطلاب المسلمين عن مشاركتهم!!
ومثل ذلك، تلك الدعوة المشبوهة في لبنان مؤخرًا إلى تدريس اللغة العامية وآدابها واستبدالها باللغة العربية الفصحى!!
وكذلك ما دعا إليه «ميشيل عفلق» في كتابه -في سبيل البعث -إلى التحرر من كل العقائد الدينية القديمة!!
وما جره هذا الفكر الممزق إلى مجزرة مسجد بني أمية في ٢٤-١-١٩٦٥ ومجزرة كركوك في عهد «قاسم» وتمزيق القرآن وإطلاق النار على المشايخ، ذلك في الوقت الذي لا يخالف الجندي الإسرائيلي أمرًا واحدًا من أوامر دینه مهما تكن الظروف إلا بفتوى شرعية، موردًا بعض أمثلة ذكرتها «ابنة موشي دايان».
ـ ثم تحت عنوان «تجـار العقائد يحاربون في كل جبهة إلا إسرائيل» أوضح المؤلف الصورة القاتمة التي تعرض على أرضنا.
ـ ثم يسرد علينا بعضًا من الأفكار التي أوحاها أعداء ديننا وتلقفها فريق من أبناء وطننا:
يقول «كاسترو»: إن أصدقاء العرب التقدميين لا يطالبون بإزالة إسرائيل، بل هم يعادون نظام الحكم في إسرائيل وبمعنى آخر هم يسعون لتحرير الشعب الإسرائيلي من حكومته العسكرية لا إزالة إسرائيل.
ويستمر المؤلف في سرد المواقف التي أورثت الأمة الشقاق والفرقة والضياع حولها بطانة السوء تنفخ في الكير لتؤجج النيران حتى أن مؤتمر المحامين العرب الذي انعقد في دمشق في ٩-٩-١٩٦٨ أيد في توصياته مبادرة الاتحاد السوفياتي إلى مساندة «شعب تشيكوسلوفاكيا»، في الوقت الذي هبت جميع الأحزاب الشيوعية خارج روسيا تستنكر احتلال روسيا لها، ومن ثم كان المؤتمر العربي ماركسيًا أكثر من الماركسيين، سخرية ما بعدها سخرية!
ـ ثم يوافينا المؤلف ببرنامج الإجراءات التي يمارسها الإسرائيليون في الأرض المحتلة:
1 -الطرد والإقصاء
2 - هدم المنازل
3 - السجن
4 - التعذيب
5 - الأحكام العرفية
٦ -الرخص والتصاريح
7 -استعمال القوة
ـ ويختم هذا الفصل بمحاولة العدو الاتصال بالشخصيات العربية واستخدام كل وسائل الإغراء والإقناع
واختارت إسرائيل الأقليات العنصرية والدينية فينا عيونًا لها وأرصادًا، وشطت في قذفنا بجميع الشعارات التي احتدم حولها صراعنا حتى كان في مصر أربعة تنظيمات شيوعية منظمة «حدتو» ويرأسها «هنري کورييل» وهو صهيوني، منظمة «إسكرا» ويرأسها إيللي شوارتر وهو صهيوني.
منظمة «م. س. م» ويرأسها سلامون سيدني وهو صهيوني، منظمة «الفجر الجديد» أو -د. س -ويرأسها يوسف درويش وريمون دويك وهما صهيونيان.
وكان سكرتير الحزب الشيوعي اللبناني «جاكوب تيير» وهو صهيوني
لماذا الإسلام؟
خطة وعهد
وختم المؤلف كتابه بأن الإسلام وحده هو سفينة النجاة ودلل على ذلك ببيان واضح مفصل، ورسم خطة الإنقاذ في إحدى عشرة خطوة:
الخطوة الأولى: هي العودة الصارمة الحازمة إلى الدين.
الخطوة الثانية: العمل حالًا على وضع جميع طاقات وإمكانات أمتنا المادية والبشرية في سياسة المعركة.
الخطوة الثالثة: حشد وتعبئة قوى الأمة الضاربة القادرة المستطيعة للجهاد وإعلاء كلمة الله.
الخطوة الرابعة: وقف ضخ البترول العربي إلى أوروبا إلى أجل مسمى مهما كانت النتائج.
الخطوة الخامسة: تكديس الأسلحة من كل جهة ومن كل مصدر، غير مشروطة.
الخطوة السادسة: تنظيف الجبهة الداخلية.
الخطوة السابعة: أن نعيد القضية لأمتها الحقيقية، الأمة الإسلامية.
الخطوة الثامنة: رفض مطلق بات لكل سلم لا يحفظ كرامتنا.
الخطوة التاسعة: تنسيق الحشد العربي في خطة واحدة وجبهة، واحدة عسكريًا، وسياسيًا، وفدائيًا.
الخطوة العاشرة: التصميم على إرادة الموت والقتال.
الخطوة الحادية عشرة: فلنبدأ من أول الطريق، نحمي مسيرتنا من الانهزامية والمزاجية والشللية وأول دعوانا كآخرها، ثأر ولا شيء أقل من الثأر.
خاتمة
ـ ولا تركك أيها القارئ مع هذا الشريط الباكي والنغم الحزين؛ لترهف سمعك وتركز بصرك وبصيرتك، لعله يبعث فيك مضاء العزيمة ويردك إلى الحق تهتف به وتجاهد في سبيله حتى يصدق فينا قول الله تعالى ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت: 69) .
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلدراســـــات فـي التطبيـــــع مع الكيـــــان الصهيونـــــي
نشر في العدد 2176
43
الأربعاء 01-فبراير-2023