العنوان مكتبة المجتمع .. الفكر الإسلامي المعاصر.. تأليف: الأستاذ غازي التوبة
الكاتب سليمان السحيمي
تاريخ النشر الثلاثاء 19-أكتوبر-1971
مشاهدات 118
نشر في العدد 82
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 19-أكتوبر-1971
مكتبة المجتمع
الفكر الإسلامي المعاصر
تأليف: الأستاذ غازي التوبة
عرض وتلخيص: سليمان عبد العزيز السحيمي
خير الأعمال ما كان خالصًا لوجه الله -سبحانه وتعالى-، والعمل الجليل الذي أسداه الأستاذ -غازي التوبة- إلى المكتبة الإسلامية، عمل يستحق الثناء لأنه كان خالصًا لوجه الله. إذ خدم به أمرًا له بالغ الصلة بدين الله، وأعني به الفكر الإسلامي المعاصر الذي جعله الأستاذ -غازي التوبة- عنوانًا وموضوعًا لسفره الجديد «الفكر الإسلامي المعاصر.. دراسة وتقويم»، ولقد أحسن المؤلف صنعًا، إذ تحدث عن الفكر الإسلامي في هذا العصر الحديث الذي «تشعبت فيه مناحي الفكر الإسلامي»، وقد كان هذا التشعب -كما يقول الأستاذ غازي- «دليل حيوية من جهة، ومبعث قلق وخوف من أن يلبس بعضهم الباطل بالحق، ومن أن يدس السم بالعسل في رحابة السعة من جهة ثانية».
هذا الكتاب: يقع الكتاب في ٣٥٢ صفحة من حجم متوسط «١٣ - ٢٠ سم» طبعت الطبعة الأولى، والوحيدة منه حتى الآن عام ١٣٨٩هـ - ١٩٦٩.
وقد تناول المؤلف في هذا الكتاب الفكر الإسلامي المعاصر، عن طريق تقسيمه إلى مدارس إسلامية فكرية مشهورة، وضَّح كل مدرسة من هذه المدارس من خلال التراث الفكري لكتابين، فخرج بثلاث مدارس:
1- المدرسة الإصلاحية: يقف على رأسها محمد عبده - مالك بن نبي.
٢- المدرسة التاريخية: يقف على رأسها طه حسين - عباس محمود العقاد.
٣- المدرسة التربوية: يقف على رأسها تقى الدين النبهاني - حسن البنا.
ميزان المؤلف في كتابه: يقول المؤلف «حتمًا كان الإسلام ميزاننا الذي نرجع إليه في كل أمر، وحياة الرسول فيصلًا نهتدي بها إذا تشاكل الموضوع أو تشابه».. ونعم الميزان هذا الميزان الذي وزن به المؤلف، ونعم الفيصل هذا الفيصل الذي فصل به، فقد كان الميزان عادلًا والفيصل قاطعًا، لا سيما وأن المؤلف أدرَج في قائمة الكتّاب الستة أصحاب المدارس، بعضًا ممن تحوم حولهم الشبهة وكانوا مرمى سهام طاعنة لوقوعهم في هنّات وأخطاء. -كطه حسين- أو «عميد الأدب العربي -كما يدّعون-». فلولا عدل هذا الميزان، ودقة وفصل هذا الفيصل، وقطعه بالحق لكال المؤلف له ولغيره، من المديح كما فعل معظم مؤرخي التراجم المخدوعين في عصرنا الحديث، وهذا ما سوف يتضح لنا من دراسة هذا الكتاب.
وقد جعل ميزان الإسلام من هذا الكتاب «دليلًا يميز به الطيب من الخبيث والصواب من الخطأ» وهذا كان الهدف من الكتاب كما أراده مؤلِّفه.
4-المدرسة الإصلاحية: يترجم المؤلف في هذا الباب لحياة الإمام -محمد عبده-، و-مالك بن نبي-، بصفتهما الواقفين على رأس المدرسة الإصلاحية في الفكر الإسلامي المعاصر، ومن خلال تراثهما الفكري الإصلاحي يعرض لنا المؤلف تاريخ هذه المدرسة، فيبدأ بالإمام محمد عبده حيث تحدث عن حياته، وللتمهيد للدخول في محور البحث يستعرض المؤلف الوضع السياسي، والاجتماعي في مصر، ثم يبدأ في تناول تفكيره الإصلاحي الذي تمثل في تعاونه مع وزارة -رياض باشا-، وجمعية التأليف والتقريب بين الأديان السماوية، وإصلاح التعليم، وإصلاح الأزهر، وإصلاح المحاكم الشرعية، إلى جانب احتضانه فكرة إنشاء معهد قضاة الشرع، ولائحة إصلاح المساجد ومجلس الشورى، والجمعية الخيرية، وجمعية إحياء الكتب العربية. ويعجبني في حديث المؤلف عن هذه المظاهر العشرة نقده البناء ففي نقده لجمعية التأليف والتقريب بين الأديان السماوية، قال المصنف: «كان الأحرى ب-محمد عبده- أن يدعو أهل الكتاب إلى كلمة السواء، امتثالًا لأمر ربه واقتداءً بنبيه -صلى الله عليه وسلم-» وقال: «قد أخطأ -محمد عبده- في دعوته إلى التأليف والتقريب بين الأديان، وأخطأ في إنشاء جمعية التأليف بين الأديان، حتى صار مطية لهيئات ودول حاقدة على الإسلام والمسلمين، وما ذلك إلا لأنه لم يلتزم حد الإسلام، بل اتّبع هواه، فكان أمره فرطًا».
وقد كان لهذه المظاهر نتائج قسمها المؤلف إلى قسمين: نتائج سياسية، ونتائج فكرية.
لقد كانت مدرسة -محمد عبده- سبيل تحقيق هدف بعض المستشرقين بإصرارهم على تأويل الإسلام، فكان أن رحّبوا بمدرسته، إذ حقّقت جزءًا من هذا الهدف. وهنا يتساءل المؤلف عن ماهية هذا التأويل الذي قام بــه -محمد عبده-، وما هي أبعاده من خلال كتاباته؟ وقد أجاب على هذا السؤال من ثلاث زوايا -على حد تعبيره-:
۱- تفسير المنار.
٢- رسالة التوحيد.
٣- الفتاوى.
وخلاصة هذه الإجابة أن، المؤلف ينكر على -محمد عبده- في هذا التأويل ما يلي:
١- تأويل مفهوم الملائكة بتقريبه من عقول الماديين.
٢- كما أوَّلَ سجود الملائكة لآدم بتسخير قوى الأرض للإنسان، وامتناع إبليس عنه بقوة إغراء البشر.
٣- وأوَّلَ معصية آدم إلى أنها تشير إلى أطوار البشرية من طفولة، وتمیز ناقص، ورشد واستواء.
٤- كما أوَّلَ كذلك خلق عيسى -عليه السلام- بوجهين الأول: اعتقاد قولي استولى على قلب مريم فأحدث بها الحمل. والثاني: روح لطيف أرسله الله إلى مريم فأحدث التلقيح بها.
٥- أوَّلَ -محمد عبده- الجن بالميكروب.
٦- كما ينفي -محمد عبده- السحر وحقيقته وينفي إقرار القرآن به، وينكر كونه من العقيدة الدينية.
٧- وأوَّلَ أيضًا النفاثات في صورة الفلق بالنمامين.
٨- أما طير الأبابيل فأوَّلها بأنها من جنس البعوض أو الذباب، وأوَّلَ حجارة السجيل بأنها طين يابس مسموم بجراثيم مرض الجدري أو الحصبة. إلى غير ذلك من التأويلات الباطلة.
وينكر عليه أيضًا الإفتاء بجواز التعاون مع الكفار، وأهل البدع والأهواء، وإفتاءه بجواز الصور والتماثيل، وحلال استثمار الأموال في صندوق التوفير «الربا»، ويعقب قائلًا: «يجب أن ننبه إلى أن رابطًا واحدًا يجمعها -أي الفتاوى هذه- هو الترخيص بتناول معطيات الحضارة الغربية».
أما أغراض -محمد عبده- من هذا التأويل فيتمثل في الآتي:
١- تأويل معطيات العقيدة الإسلامية بما يتمشى مع العقل، ومع منجزات الحضارة الغربية.
۲- تضخيم العقل ومساواته بالوحى.
٣- تبرير تناول الحضارة الغربية دينيًا.
وبهذا ينهي المصنف حديثه عن -محمد عبده-. ليبدأ في الحديث عن -مالك بن نبي- الذي استهله بموجز عن حياته، وصورة تفكيره الخلقية، ويستخلص أن «القابلية للاستعمار» كانت صورة خلقية للتفكير الإصلاحي، وقد جعلته هذه القابلية كما يقول المؤلف: «يعدو وراء أي إطار يخفف من حدتها، أو يزيلها» فكانت مظاهر تفكيره الإصلاحي تتمثل في:
١- مؤتمر باندونغ، ويرى مالك أنه كان سبيل حضارة حديثه؛ وبسبب هذا المؤتمر ألّف –مالك- كتابه «الفكرة الآسيوية الإفريقية» -الآسيو إفريقية-، كما يؤمن –مالك- بأن إنشاء كومنلوث إسلامي، على غرار البريطاني يحل مشاكل المسلم العقيدية، والوظيفية، ويعين في استدراك التخلف، فكانت فكرة الكومنولث الإسلامي المظهر الثاني لمظاهر تفكير -مالك بن نبي- الإصلاحي، وفي بحث تحت عنوان و«مالك والقاهرة»، ينتقد المؤلف على –مالك- قوله في أكثر من موضع ومناسبة «إن عملية البناء لم تبدأ في العالم الإسلامي إلا سنة ١٥٢»، وقوله بإن «النهضة العربية بلا شك دخلت في طور جديد منذ ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م، وإن مشاريع الجمهورية العربية المتحدة تضعنا لأول مرة على أبواب حضارة» ويستنكر عليه ذلك.
وقد كان لتفكير –مالك- الإصلاحي نتائج لخصها المؤلف في أكثر من نتيجة.
وبنهاية الحديث عن -مالك بن نبي- ينتهي الحديث عن المدرسة الإصلاحية، ويختم الحديث عنها بوضعها في ميزان النقد.
ثانيًا: المدرسة التاريخية: الحديث عن -طه حسين- «أول الواقفين على رأس المدرسة التاريخية» طويل لا نستطيع في هذه العجالة الإلمام به كما جاء في الكتاب، نظرًا لتشعب الحديث عنه؛ ولذلك أؤثر تأجيل الحديث عنه إلى حدیث آخر مفرد إن شاء الله.
أما بالنسبة -للعقاد-، فقد كان أول موضوع أدرجه المؤلف في سياق الحديث عن -عباس محمود العقاد- كأحد أساتذة المدرسة التاريخية «تفكير العقاد»، الذي قسمه إلى نقاط ألخصها في الآتي:
١- الفرد: يلمح المصنف إلى أن –العقاد- أعجب بفلسفة –شوبنهور-، التي تعطي للفرد قيمة كبيرة كما آمن نيتشة بالفرد، كما أن –العقاد- يعتقد بأن الذاتية هي الغاية من الرقي، ويؤمن بحقيقة الخصائص الفذة ككل كائن، ويمتدح مذهب الحريين ويطلب حماية الفرد من طغيان الجماعة، وندد بالحكومات الجماعية ودافع عن الفرد أمام العوامل الاقتصادية، وآمن بأن مسيرة التاريخ تؤكد الذات.
-فالعقاد- يؤمن بالفرد إيمانًا «غير محدود».
٢- الديموقراطية: فإيمان –العقاد- بالفرد في نظر المؤلف جزء من إيمانه بالديموقراطية، كما أن –العقاد- وقف إلى جانب الديمقراطية إبان محنتها، وإيمان –العقاد- بالديمقراطية مطلق «وغير محدود».
ثم يتحدث المؤلف عن «إسلاميات العقاد»، فقسمها إلى قسمين، الأول: العبقريات، والثاني: الموضوعات العامة، ثم تعرض للدواعي التي دعت العقاد فألف الإسلاميات، وناقش العبقريات دراسة نقدية واستنكارية لبعض الآراء فنراه يقول في بداية هذا الحديث: «جعل –العقاد- من عبقرياته الإسلامية، وغير الإسلامية حقلًا لتطبيق نظرياته في الفرد، وشاهدًا على دوره الفعال في المجتمع والتاريخ، وقد تأثر -خلال دراساته- ببعض الاتجاهات الفكرية الأوروبية، التي تضخم الفرد والمواهب الفردية»، فجاءت هذه العبقريات جملة من المزوق، وحزمة من الفتوق في الشخصية، قال المؤلف: «ستضع يدنا على هذه المزوق، والفتوق في أكثر عبقرياته جهدًا، وأوضحها صقلًا: عبقرية -محمد عليه الصلاة والسلام-، وعبقرية عمر وأبي بكر -رضي الله عنهما-. وسنكتفي بالدراسة المفصلة لهذه العبقريات الثلاثة ممثلة لكافة عبقرياتهم». ثم يجيب الأستاذ –غازي- على سؤال يطرح نفسه وهو، لماذا ألّف العقاد عبقرياته؟ ناقَش فيه الأسباب التي من أجلها وضع العقاد عبقرياته الإسلامية، وغرضه من ورائها.
بعد ذلك تعرض لجملة من مؤلفات العقاد في المواضيع الإسلامية المختلفة، وتذكر من هذه المؤلفات ما یلي:
«الإسلام في القرن العشرين»، و«الله»، و«إبليس»، و«المرأة في القرآن»، و«الإنسان في القرآن»، و«الفلسفة القرآنية»، و«حقائق الإسلام»، و«أباطيل خصومه»، و«ما يقال عن الإسلام»، و«التفكير فريضة دينية»... إلخ.
وحين يضع المؤلف المدرسة التاريخية في الميزان يقول عنها: «إنها مدرسة سكونية، تنقل التاريخ الإسلامي من المتحف ميتًا، ثم تصوغه بلغة حديثة، وإنها مدرسة لا تلتزم بالدين الإسلامي، ولم تتناول تاريخه عن إيمان به، وإن الإسلام عند أستاذيها: -طه والعقاد- مادة موروثة للكتابة فقط، وليس إيمانًا يعمر القلب وسلوكًا يعمر الأرض، وإن مدرستهما كانت مدرسة تنويهية تحريضية، وإن كتابات -طه والعقاد- إنما جاءت لصد المد الإسلامي، الذي قاده الإخوان المسلمون، والذي بلغ ذروته في الحرب العالمية الثانية».
ثالثًا: المدرسة التربوية: حين يتحدث المؤلف عن -تقى الدين النبهاني- كأول أستاذي المدرسة التربوية يتحدث عنه كرئيس لحزب التحرير، كما يتحدث عن حزب التحرير على العموم، فنراه يفتح كلامه عنه بظاهرة الانحراف في الحزب، ودراسة المؤلف عن الحزب من هذه الناحية وغيرها من النواحي، كانت مستقاة من الكتاب الذي أصدره الحزب تحت عنوان «نداء حار إلى المسلمين من حزب التحرير»، وهنا يتحدث عن الآتي في الحزب:
١- الأفكار وقيمتها.
٢- النهضة في الارتفاع الفكري.
٣- إيجاد الثقة بأفكار الإسلام وطريقة ذلك.
٤- الضعف الفكري سبب انهيار الدولة الإسلامية.
٥- الفكر طريق إعادة الدولة الإسلامية.
٦- مراحل الحزب والثقافة.
٧- جزئيات أخرى في التضخم الفكري.
ويستخلص المصنف من خلال هذا العرض المفصل لوجهة نظر حزب التحرير، أن الحزب يؤمن أن مشكلة المسلمين الحالية هي تزعزع الثقة بأفكارهم السابقة، وأنه يرسم الثقة به بالبرهان العقل والشعوري.
ثم ناقش المؤلف ظاهرة الانحراف الفكري عند الحزب، أو بالأحرى عند -النبهائي -نفسه.
والخلاصة، أن حزب التحرير قد أصاب حين اتجه إلى الإنسان، لكنه أخطأ بعد ذلك في كل شيء، وأنه عانى بسبب ذلك انحرافًا فكريًا أبعده عن ثلثي الإسلام إن لم نقل عن الإسلام كله، لأن الإسلام وحدة كاملة لا تتجزأ.
أما الحديث عن الإمام الشهيد -حسن البنا- فإنه يعني الحديث عن حركة من كبريات الحركات الإسلامية في العصر الحديث وجمعية إسلامية من كبريات جمعياته، فمراحل حياة –البنا- تعني مراحل تكوين هذه الحركة وحياته تعني حياتها تقريبًا، وأعي بهذه الحركة «جمعية الإخوان المسلمين».
كان الإمام -حسن البنا- مربيًا ملهمًا أدرك بعقليته الخارقة متطلبات اللحظة التاريخية التي تتحدى كيان المسلمين، وحددها بكلمتين، هما «تطبيق الإسلام». وبهما تتلخص تربية الإمام –البنا- الإخوانية، كما أن –البنا- يُصِر على الموازنة بين عناصر الروح، والفكر، والجسد خلال هذا التطبيق، إلى جانب إصراره على التطبيق ذاته، ويتجلى ذلك في نقاط «رسالة التعاليم»، التي كان –البنا- يأخذ العهد على أساسها من المسلم، والتي تتكون من ۳۸ نقطة سردها المصنف كلها، وترتكز هذه النقاط ال ۳۸ على ركائز هي: الروح، والفكر، والجسد، وهي عناصر الموازنة في تطبيق الإسلام.
وكانت دعوة –البنا- إلى تنفيذ الفرائض الدينية كالحج «إحدى طرق البنا التي اتبعها في سبيل معالجة عناصر النفس الإنسانية، روحًا، وجسدًا عند الإخوان المسلمين»..
ثم يعالج المؤلف جمعية «الإخوان المسلمين» فيذكر في سبيل ذلك نقاط التكوين العملي للإخوان المسلمين، التي ذكرها –البنا- في «مذكرات الدعوة والداعية» التي يتبين من مطالعتها، أن مراحل التكوين هذه مراحل عملية تتطلب من الأخ تطبيق الإسلام المتدرج على نفسه، وصبغ حياته الكامل به. ويتبين -أيضًا- منها اتجاه الإخوان التربوي النابع من صميم الإسلام، ومن سواء منهج الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
ولا مجال لذكر هذه النقاط، ومن شاء فليطالعها في الكتاب، أو في مذكرات «الدعوة والداعية» ص ١٨٣ ، أما الناحية الروحية فلم تترك قيادة الإخوان سبيلًا إلا اتبعته لترسيخها في نفوس الشبيبة، وتدريبهم على الدعوة، وقد كانت وسائلها العصر، ومن هذه الوسائل: الرحلات، والمعسكرات الصيفية، وفي ذلك يذكر المؤلف ما كتبه –البنا- في مذكراته تحت عنوان «نواحي النشاط» ص ٢٤٠.
بعد ذلك يعقد الأستاذ –غازي- موضوعًا عن المؤسسات الإخوانية التي تمثلت في، المدارسن والخدمات الصحية، والشركات بأنواعها، والخدمات الاجتماعية، والمساجد، كل ذلك مزوّد بالجداول التفصيلية والإحصائية الدقيقة، وقد استبعد من هذه المؤسسات كل ما يتعارض مع الدين الإسلامي.
وفي موضوع صغير تحت عنوان «شبهة» يتساءل المصنف: ما الفرق بين هذه المؤسسات التي أنشأها الإخوان، وشبيهتها تلك المدارس الإصلاحية؟، وعلى ذلك يجيب بقوله: «الفرق بينهما كبير، فالمؤسسات تحاول أن تصنع الإنسان المسلم في المدرسة الإصلاحية، في حين أن الإنسان المسلم صانع لها في المدرسة التربوية، أو قل: إن شخصية الإنسان المسلم امتدادً لها في المدرسة الأولى، في حين أنها امتدادً لشخصيته في المدرسة الثانية».
وفي نهاية مطاف الحديث عن -حسن البنا-، أو قل عن «الإخوان المسلمين» ومدرستهم التربوية، يتعرض المؤلف لجهاد الإخوان، سواء في حرب القنال وغيرها ضد الإنجليز، أو في حرب فلسطين التي كثفت قوة الإخوان المدخورة، وجعلت المستعمرين ينتبهون إليهم «حيث رصدوا خطواتهم، وسعوا يدبرون الأجواء المناسبة للقضاء عليهم، بعد أن أذهلهم تجسد فكرة الجهاد في هذا الشباب المسلم». وفعلًا تحقّقت المؤامرة ضد الإخوان المسلمين، التي قدمتها أمريكا، وفرنسا، وبريطانيا، إلى عملائها في مصر على هيئة مذكرة قدمها سفراء هذه الدول في القاهرة إلى الحكومة المصرية عام ١٩٤٨م «وبالفعل نفذت أوامر واشنطن، باريس، لندن، وسيق مجاهدو الإخوان إلى السجون عند عودتهم من أرض المعركة في فلسطين، واستشهد مرشدهم -حسن البنا- في ۱۲ شباط ١٩٤٩م كحلقة أخرى من التآمر».
ثم يرد المؤلف تهم الإخوان بأنهم إرهابيون، ودمويون بأسلوب يدحض كل شبهة ويرد كل تهمة.
وبوضع المؤلف المدرسة التربوية في الميزان يتمخض عنها خمس نقاط، تنص على أن التربية وسيلة الإسلام إلى إيجاد مجتمع مسلم، وأن –البنا- و-النبهاني- يتجهان إلى الإنسان أولًا، لكن –البنا- يربيه مقتربًا من منهج الإسلام والرسول -ص- ،والثاني وهو –النبهاني- يربيه مبتعدًا ومنحرفًا عن منهج الإسلام والرسول، وأن تربية –البنا- باقترابها من هذا المنهج كان سر نجاحها، ولذا أعطت ثمارها ضخمة في مجال الواقع، وفي مجال الفكر أعطت كذلك فقد استوى الفكر الإسلامي، وامتد عظيمًا على يدي -سيد ومحمد قطب-. أما تربية النبهاني ففي ابتعادها عن هذا المنهج يكمن سر إخفاقها وإخفاق جماعته.
وبذلك نأتي إلى نهاية الكتاب راجيًا أن أكون قد وُفِّقت في عرضه عرضًا يليق به ويعطيه ما يجب إعطاؤه من التعريف.
وإذا كان لنا أن نضيف شيئًا في هذا العرض السريع له، فهو أن نقول إنه ليس لنا غنا عن دراسة حياة الرسول -ص- ، ومنهجه القويم في الدعوة، والكيفية التي سار عليها أتباعه على طريق الحجة البيضاء، لنترسم هذا الطريق ونحن ندعو إلى إعادة بناء الإنسانية في هذا الزمن على أساس إسلامي صحيح لنسعد -نحن المسلمين-، وليسعد غيرنا معنا، وما ذلك على الله بعزيز.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل