العنوان مكيالان!
الكاتب ا. د. عماد الدين خليل
تاريخ النشر السبت 27-نوفمبر-2004
مشاهدات 13
نشر في العدد 1628
نشر في الصفحة 66
السبت 27-نوفمبر-2004
لم يحدث في تاريخ أمريكا أن انكشف مكيالها المزدوج كما ينكشف الآن ويتعرى حتى من ورقة التوت الأخيرة. ومكان الاختبار هو دائمًا عالم الإسلام المنكود بالجبروت الأمريكي المنحاز إلى خصوم هذا العالم بزاوية ميل مقدارها مائة وثمانون درجة والوقائع كثيرة.. كثيرة جدًا.. وهي لغزارتها وتدفقها غدت أشبه بالمياومات التي نعايشها ونراها ونكتوي بنارها صباح مساء.
وتختلط أوراق الحق والباطل.. والأبيض والأسود.. وتغيب منظومة القيم الخلقية والدينية والإنسانية.. ويصير الباطل حقًا، والأسود أبيض... وتعاد صياغة قواميس اللغة لكي تنقلب دلالة الكلمات هي الأخرى فلا تومئ إلا بعكس ما اتفق عليه الأولون والآخرون.
الوقائع كثيرة، تتشكل وتمتد على مساحة خمسة وعشرين عامًا أو تزيد.. وتنتشر كالبقع السرطانية على مدى جغرافية عالم الإسلام من أقصاه إلى أقصاه، ولن يتسع المجال للوقوف عندها جميعًا، بل حتى للتأشير عليها، ولذا سيتم الاكتفاء باثنتين فحسب مما رأيناه وسمعناه وعايشناه ولا نزال كشمير المغتصبة التي تقاتل الطاغوت الهندي من أجل استرجاع حريتها والخروج من القبضة الهندوسية التي ابتزتها لعشرات السنين.. إنها بكل المعايير، قضية حق واضح، حتى في حالة إحالته على المنطوق الأمريكي نفسه في تعامله مع ما يدعيه من حماية حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير المصير.
ومع ذلك تظل أمريكا صامتة، لا تحاول أن تقول شيئًا بخصوص هذا الشعب الصغير المضطهد، بل إنها تمضي وفق مطالب الفلسفة الذرائعية اللاأخلاقية، إلى أبعد من هذا، فتنحاز إلى الهند وتعطيها الإشارة الخضراء لاغتيال حق الشعب المسلم في التحرر والاستقلال.
الشيء نفسه فعلته ولا تزال مع شعب المورو المسلم جنوب الفلبين. باركت طواغيت مانيلا، وأعطتهم السكين التي يذبحون بها حق هذا الشعب في التحرر والاستقلال على الأقل في إطار حكم ذاتي يكون فيه لمسلمي الفلبين مكان إزاء الابتزاز الديني هناك.
في مقابل هذا نجد أمريكا -ومن ورائها حليفاتها- ترمي بثقلها إلى جانب الانفصاليين في تيمور الشرقية، وتمارس ضغوطها التي لا تقهر على السلطة الإندونيسية، بلسان الحال أو لسان المقال من أجل رفع يدها عن شعب الإقليم، ومنحه الحق في الانفصال. لماذا ؟ لأن المطالبين «بالحق» في الحالتين الأولى والثانية مسلمون، بينما هم في الحالة الأخيرة مسيحيون ها هي ذي أمريكا تميل للمرة العشرين أو الثلاثين عن بداهات حقوق الإنسان، لأن الذي يحركها ليس الحق ولا حتى المصلحة القومية العليا وإنما مراكز اتخاذ القرار والمافيات العملاقة التي أصبحت على جبروتها طعمًا سهلًا للمسيحية المتصهينة التي تمسك الآن برقاب داعية الحرية وحقوق الإنسان.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل