; الطريق إلى الفن الإسلامي عن طريق البث العالمي المباشر | مجلة المجتمع

العنوان الطريق إلى الفن الإسلامي عن طريق البث العالمي المباشر

الكاتب د. محمود خليل

تاريخ النشر الثلاثاء 30-نوفمبر-1993

مشاهدات 5

نشر في العدد 1077

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 30-نوفمبر-1993

  • د. يوسف القرضاوي: لن تتحقق أسلمة الفنون إلا بالمتخصصين الموهوبين القادرين على إيجاد البدائل الإسلامية لما هو واقع الآن؟
  • د. حسين حامد حسان: لا أحب أن ننطلق من فقه الأزمة. ولا أقول: هذا جائز شرعًا!! بل هو ضروري»
  • د. عبد الحي الفرماوي: شريط النشيد الإسلامي للانتفاضة كان دوره لا يقل عن أداء المجاهدين في ساحة الجهاد

المشكل الأكبر الذي يواجهنا اليوم في شأن الفنون هو التوجه بها إلى الدين، وهو منشط يظاهر السياسة والاقتصاد والعلم وكثير من مقاصد الحياة التي انقطعت عن الوجهة الإسلامية، ومرقت من الأطر الشرعية، وإذا كانت الصحوة الإسلامية قد عبأتنا لندرك حجم الخطر الذي تمثله الفنون في تشكيل الوعي وتكوين الوجدان الإنساني، بل وباستطاعة هذه الفنون بإدارتها المختلفة وفنونها المتطورة، أن تحمل القضايا الإسلامية، وأن تنداح بها في الأرض، وأن تتعامل معها بلغة العصر ولسان العصر الذي أصبح لا يعرف إلا «القرية العالمية» من خلال تكنولوجيا الاتصال والأقمار الاتصالية والبث العالمي المباشر.

 ولأن هذه الفنون اليوم قد أصبحت أمرًا واقعًا لا جدال فيه. فإننا اليوم بصدد المناقشة المفتوحة للواجب المفروض على المسلمين في الاستفادة من هذه الفنون، واستغلال أدوات العصر الجبارة في خدمة الدعوة الإسلامية وإقامة الحوار الحضاري الذي يلقي بالأسئلة الكبيرة في طريق الصحوة الإسلامية المعاصرة، ويحتم على أبنائها البحث عن إجابات متطورة وقناعات متقدمة، تتسلل إلى العقل العالمي، وتستحث البشرية بمخاطبة وجدانها عبر العرض النظيف والتسخير الشريف لهذه الأدوات العالمية، وإلا اعتبر المسلمون مقصرين بحق دينهم ورسالتهم، وكانوا دون الأمانة التي حملوها. وبالرغم من وجود محاذير شرعية ينبغي الوقوف عندها؛ إلا أن الأسئلة المطروحة بشدة والتي تستحث المسلمين في البحث عن إجابات لها، دون تعمية أو دفن للرؤوس في الرمال هي: ما هو الفن الإسلامي؟ ومن يصنعه؟ ومن يموله؟ وما هي مجالاته؟ وما هي محاذيره الشرعية؟ وهل يخاصم الإسلام الفن من أجل ذاته؟ وكيف يمكننا تعبئة التكنولوجيا الاتصالية العالمية بديننا ومقاصد شرعنا الخالد، عبر فنون الكلمة والصوت والصورة؛ خاصة ونحن على أبواب ذلك الوافد الخطير، الذي لا يعرف حدودًا ولا قيودًا. «البث العالمي المباشر». 

  • ننطلق أولًا من دائرة الشرع لنجد فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي يقول: إن ضرورة التوجه والتوجيه لإعداد متخصصين في جوانب الحياة المختلفة قد أصبحت من أهم ضرورات العمل الحركي الإسلامي، ولابد من أعداد الكفاءات في المواقع الهامة، خاصة في مجالات التربية والتكوين والدعوة والإعلام والفنون تمامًا كميادين العلم والفكر والصحة. 

فمثلًا فيما يتعلق بالفنون الإعلامية، لابد من إعداد المتخصصين الموهوبين في كتابة النص والسيناريو والإخراج والتنفيذ والتسويق والدعاية.. بل لابد من التخصص الحرفي.. فمثلًا: الإخراج. لابد فيه من التخصص في الإخراج الإذاعي الذي يختلف بدوره عن الإخراج التلفزيوني الذي يختلف أيضًا عن الإخراج السينمائي والمسرحي.

  • أسلمة الفنون
  • المجتمع: ولكن السؤال الكبير الذي نطرحه أولًا هو: كيف يمكننا أسلمة هذه الفنون المعاصرة؟

د. القرضاوي: إذا أردنا أسلمة هذه الفنون فلن يتحقق ذلك إلا بالمتخصصين القادرين على إيجاد البدائل الإسلامية لما هو واقع الآن. وأن الحركة الإسلامية غنية بالنوابغ من أبنائها، ولكنهم لا يوزعون التوزيع الجيد على المواقع الهامة والمؤثرة، والتي تحتاج إليها الساحة الإسلامية وإلى التوزيع العادل والضروري عليها. 

فنحن لدينا تكديسًا في جانب من الجوانب كالطب مثًلا أو الهندسة المعمارية، على حين نجد أنواعًا ومجالات أخرى من التخصصات العلمية النادرة لا يوجد فيها إلا أفراد قلائل، أو لا يوجد فيها أحد قط. في حين أن هذه التخصصات وتلك المجالات والعلوم أوصل بالمجتمع، وأكثر تأثيرًا فيه. ونحن في أشد الحاجة إلى من يسد ثغراتها المفتحة علينا. ولعلك تلاحظ أن اليهود يكادون يسيطرون على كراسي هذه المجالات والفنون الإعلامية، ويستأثرون بنصيب الأسد منها، ليقدروا على توجيهها لحسابهم الدنيء وأغراضهم الخبيثة كما يرون.

  • المجتمع: وما هي ضوابط الحلال والحرام فيما يتعلق بهذه الممارسات الفنية وفيما يتصل بأدواتها المختلفة؟

د. القرضاوي: الشريعة الإسلامية من خصائصها المعلومة للجميع: الخلود والشمول والعالمية والربانية والإنسانية. وهي مبنية على التيسير ورفع الحرج.. وضوابط الحلال والحرام معروفة ومعلومة، ولابد أن يكون واضحًا أننا أصحاب دعوة منضبطة محددة المعالم. وإذا تعارضت بعض أدوات الفنون أو بعض ممارساته مع الإسلام. فنحن بلا نقاش مع الإسلام أولًا وأخيرًا. وليس الطرح هو الإسلام والفنون، ولكنه أسلمة الفنون. إذا ما يمكنني من خلال خيالي الذي تشكل في ظل الإسلام. وإبداعي الذي نما في رحاب الإسلام. ما يمكنني أن أسهم به في هذا المجال، فلابد أن يكون-بلا ريب قد ثبت من تربة إسلامية خالصة. والذي أراه أن كثيرًا من الوسائل كالغناء والموسيقى، في ذاته، لا حرج فيه، وهو داخل في جملة الطيبات التي أباحها الإسلام. وإنما الإثم هو فيما يشتمل عليه أو يقترن به من العوارض التي تنقله من دائرة الحل إلى الحرمة أو الكراهة التحريمية.

 ولا ريب أن هناك أنواعًا من الغناء قد اتفق العلماء على تحريمها، وأخرى قد اتفقوا على إباحتها، وثالثة هي موضع النظر والاجتهاد، فأما ما اتفقوا على تحريمه، فهو ما اشتمل على معصية أو دعا إليها. وأما «المباح» باتفاق فهو الغناء الفطري الذي يترنم به الإنسان لنفسه، أو المرأة لزوجها، أو الجارية لسيدها، ومنه حداء الإبل، ومثله غناء النساء المعتاد في الأعراس في مجتمعهن الخاص ونحو ذلك. وما عدا ذلك فهو مما تختلف فيه الأنظار.

ومن القواعد المقررة أن ما أدى إلى حرام فهو حرام.. حيث لا تحايل على شرع الله، فالتحايل على الحرام حرام. والنية الحسنة لا تبرر الحرام أبدًا. فمثلًا فيما يتعلق بالفنون. لا تحايل أبدًا على أن الاختلاط فيها حرام. ولكن في الحلال متسع. فأين هي إبداعات المسلمين ومساهماتهم؟!

  • المجتمع: نعلم أنه لفضيلتكم بعض المساهمات فيما يتعلق بالمسرح الإسلامي. فهل تعتبر هذه المساهمات دعوة عملية لوجود فن إسلامي نظيف؟

د. القرضاوي: أنا بدأت حياتي مع القلم بمسرحية شعرية، كتبتها وأنا بالصف الأول الثانوي الأزهري تحت عنوان: «يوسف الصديق عام ١٩٤٣»، وللأسف فقد ضاعت مني أصولها. ثم كتبت مسرحية عالم وطاغية، وهي تتناول جهاد سعيد بن جبير «رضى الله عنه» مع الحجاج بن يوسف، وقد قام بتمثيلها مرات عديدة شباب المدارس والجامعات في المواسم الثقافية لهم في كثير من البلدان الإسلامية. وأنا أدعو كل أصحاب المواهب المتميزة وأصحاب رؤوس الأموال الذين يريدون أن يسدوا هذه الثغرة المفتوحة على المسلمين إلى المساهمة في هذا المجال. ونحن نعلم أن هذه الفنون الآن - خاصة السينما - قد أصبحت من الصناعات الضخمة. ولابد لها من تساند ومساهمة العديد من العناصر والأدوات. وإذا ظللنا نغمض أعيننا ونتعامى. فسوف يغمرنا الموج الفاسد والمدمر مع البث العالمي المباشر.

  • أزمة الاغتراب

ولكي تزداد الصورة وضوحًا، وقبل أن ننتقل إلى ميدان الممارسة العملية إبداعًا وتمثيلًا وإخراًجا. كان للمجتمع هذا اللقاء مع الفقيه الدكتور حسين حامد حسان رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد. وأحد المجتهدين المعروفين لنسأله عن رأيه في هذه القضية المطروحة.

  • المجتمع: بداية. هل هناك أي حرج شرعي في استخدام هذه الفنون المعاصرة: المسرح والسينما والشريط السينمائي وشريط الفيديو وغيرها في خدمة الدعوة الإسلامية؟

د. حسين حامد: هذه الأدوات وما سوف يستحدث من فنون، والفن بكل صوره وأشكاله؛ سوى المحرم شرعًا كالباليه ونحوه-وكل الأدوات التي أستطيع من خلالها خدمة العقيدة، والقيم الإسلامية ومساعدتي في الدعوة إلى الطهر والعفاف والاستقامة وأداء الواجب مطلوبة شرعًا، بل وهي من أوجب الواجبات والدعوة الإسلامية الآن لابد أن تدخل عصر التقنية الحديثة «Newtechnic» بكل مستحدثاته وفنونه.

  • المجتمع: إذا كان الإسلام والمسلمون اليوم ينادون بالحل الإسلامي، فكيف ترون الحل الإسلامي في ميدان الفنون من وجهة نظركم كأستاذ للفقه والأصول وكداعية يرى جيدًا خارطة العالم الفكرية وما تموج به من عجاج؟

د. حسين حامد: العرب لم يؤمنوا بالقرآن الكريم إلا لأنه أعجزهم في فنهم الأول. فن الكلمة. بهذا الشكل الفني الجديد، استحوذ القرآن على إعجابهم ثم انساح بهم إلى حظيرة الإيمان، نحن نريد تسخير كل وسائل الإعلام والتوجيه الحديثة، ونحن نشارك وندعم أي اجتهاد فقهي في هذا المجال، وندعم أي اتجاه في أي مكان على وجه الأرض، والمسالة الفقهية مسألة بسيطة. القضية هي: أين هو الحل الإسلامي في ميدان الفنون؟ لابد من أن نربي كاتب النص المسلم والممثل المسلم والشاعر المسلم؛ وحتى فنان «الكاريكاتير» المسلم الذي يسخر من الانحراف والفسق والخنا والفجور، ويرفع من شأن الطهر والفضيلة. نحن في حاجة إلى كل هؤلاء. أما المسائل الفقهية فتكفيني رقابة شرعية للفنون كأي رقابة شرعية للمصارف الإسلامية. نحن لا نريد أن نكتفي بالحوار العقلي. نريد أن تكون لنا بضاعتنا التي تنادي بها أصولنا وينشدها شرعنا. فنقول للناس: هؤلاء نحن.

  • المجتمع: وهل كان للحركة الإسلامية مثل هذه المساهمات من قبل خاصة في ميدان الفنون؟

د. حسين حامد: لا أحب أبدًا أن ننطلق من فقه الأزمة. وأعني بها أزمة الاغتراب. نعم كانت لنا مساهماتنا الحية. وطوال عمر «الإخوان المسلمون» مثلًا. كانت لهم مناشطهم الفنية الشريفة، وكان لهم تاريخ فني رفيع. وعلى سبيل المثال كلنا نذكر المسرحيات الرفيعة التي كانت تعرض بدار الأوبرا بالقاهرة، والتي كان يكتبها الأستاذ عبد الرحمن البنا شقيق الإمام الشهيد محسن البنا، مثل مسرحيات «الهجرة» و«بدر» و«صلاح الدين»، وغيرها. 

وبصفة عامة. فإن الفن الذي «يقرأ» ليس هناك مانع من عرض المشاهد الحياتية المختلفة فيما يتعلق بالمرأة ونحوها، بشرط أن نخرج من العمل بالانطباع المشروع الذي يتغياه الإسلام، أما فيما يتعلق بالأعمال المرئية فإن هناك قيودًا تفرض على العمل المرئي؛ بحيث لا يكون مخالفًا للقيم أو المفاهيم الإسلامية. والضرورة هنا تقدر بقدرها. وأنا ضربت المثل بذلك؛ لأن «المرأة» هي المعضلة فيما يتعلق بالفنون. ولا داعي للتوسعة في هذا الباب، ولكني أكرر وأقرر أن استخدام هذه الفنون ليس جائزًا شرعًا فقط، بل هو ضرورة، ولابد أن نجعل من هذه الأجهزة أجهزة تخدم ولا تهدم.

  • ادخلوا عليهم الباب

وللداعية الدكتور عبد الحي الفرماوي أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر وعضو مجلس الشعب المصري السابق عن الإخوان المسلمين رأيه الواضح في هذه القضية؛ حيث يقول: لقد أصبحت هذه الأجهزة الإعلامية فيما يتعلق بالبيت جهازا أساسيًّا من أجهزته كأدوات المطبخ أو أدوات النظافة، وأصبحت وسائل الإعلام بصفة عامة من مستلزمات الحياة وضروراتها. وفي محاورة «المجتمع» معه سألناه عن بعض القضايا الفرعية التي تنبثق من موضوعنا مثل.النشأة الصهيونية للسينما وبرمجتها بهذه الصورة الخبيثة التي لا تخفى على أحد. وعن رأيه فيما يتعلق بالأدوات والوسائل المساعدة كالموسيقى التصويرية والمكياج وغيرها.

  • المجتمع: معركة الإعلام في العصر الحديث. قد دخلت إليها حيثيات كبيرة وكثيرة تجعلنا ندور مع مصلحة الشرع حيث يدور. فكيف تنظرون إلى مصلحة الشرع الإسلامي من خلال الاستخدام المشروع للفنون بصفة عامة؟

د. الفرماوي: يكفي يا أخي أن نعلم- وفقا للدراسات المتخصصة أن هناك أكثر من ٤٠٠ شريط سينما وفيديو يدخلون العالم الإسلامي سنويًّا من الإنتاج الأمريكي فقط. ناهيك عن الإنتاج الإيطالي والفرنسي وبقية الدول غير إسلامية. وربما إسرائيل قريبًا. وأن هناك ٩٨% من مسلسلات الأطفال في العالم الإسلامي سنويًّا تأتي مستوردة من بلاد غير إسلامية وأن ٥١% من الأفلام التي تعرض في مصر و٥٠٪من الأفلام التي تعرض بالأردن و٦٥٪ من الأفلام التي تعرض بالإمارات و٣٥٪من الأفلام التي تعرض بتونس و٤٦٪ من الأفلام التي تعرض بالكويت تأتي من الولايات المتحدة الأمريكية. 

كان هذا قبل ثلاث سنوات وأعتقد أن الأمر الآن يزيد كثيرًا على هذه الأرقام. وبقية الإحصاءات تنبئ عن مثل هذه التبعية الثقافية وأكثر ما تحويه من أخطار نحن في غنى عن أن نذكر نتائجها؛ لأنها أوضح من أن تذكر.

وأنا لازلت أذكر إحدى افتتاحيات مجلة «الدعوة» رد الله غيبتها تحت عنوان «ادخلوا عليهم الباب» كانت هذه الافتتاحية شديدة العتاب وكثيرة اللوم للمسلمين لعدم أخذهم بزمام المبادرة حيال هذه المستحدثات، ومنها السينما والمسرح والفيديو والتلفزيون، وعدم مساهمتهم في هذه الفنون الهامة والحيوية، وتكاسلهم وتراخيهم وإلقائهم باللائمة على القوى الاستعمارية وعلى الصهيونية وأدواتها التخريبية في العالم. وكان الأولى بنا أن نكون نحن بحق أصحاب السبق إلى هذا صناعةً واستخدامًا. ولكن ما كان كان، ولا يجب أن نتوارى وندفن رؤوسنا في الرمال بحجة الورع وافتعال التقوى. فالمكان موجود موجود.. إذا لم تملأه أنت بالحق تقدم غيرك ليملأه بالباطل.. بل وبالباطل المدجج. 

ولو ألف بانٍ خلفهم هادم لكفى             فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم

  • المجتمع: ولكن فيما يعلق بالنظرة الشرعية لبعض الأدوات المساعدة كالموسيقى التصويرية مثلًا أو المؤثرات الصوتية أو الماكياج. ما رأيكم؟ 

د. الفرماوي: مجال الحل والتحريم هنا يجب أن يخضع للنظرة الواسعة الباصرة بالأغراض العليا للشريعة الإسلامية ومقاصدها. وأنا قلت: إنه لم تعد تجدي أساليب التواري والهروب العاجز تحت ستار التحريم وافتعال التقوى. وأقول مع هذا أيضًا: لا أحب أن ينفرد فقيه واحد، أو يجتهد عالم ما في هذه القضايا الخطيرة. فلا مانع أبدًا من عقد ندوة أو مؤتمر لبحث مثل هذه المستحدثات. وأنا رغم أنني لي رأيي فيما يتعلق بهذه الأدوات لكنني أحب أن تكون الكلمة لجماعة من العلماء؛ لأن هذه الفنون ليست خاصة بشخص ما، دون غيره إنما هي مسائل عامة. إذن لابد أن تكون الفتوى فيها عامة. وليت فقهاءنا الكبار. وهم موجودون بحمد الله. ليتهم يقولون كلمتهم التي ترفع الحرج، وتضع الأمور في نصابهم، ونحن أولًا وأخيرًا نريد أن نتعبد الله وندعو لدينه مخلصين له الدين ما أمكننا إلى ذلك السبيل.

  • المجتمع: وهل ترى أن هذه المساهمات الإسلامية المنشودة ذات جدوى إذا حدثت؟

د. الفرماوي: لعلنا نعلم أن السينما قد دخلت إلى البلاد الإسلامية بعد شهور قلائل من بدايتها في باريس عام ١٨٩٥م. وزادت أخطارها بعد ما تنبه اليهود لأهميتها في مؤتمر بال بسويسرا عام ۱۸۹۷م. ونعلم أيضًا أن كافة الفنون قد تمت برمجتها وتخطيطها على نحو شيطاني ماكر خبيث. ولكن هل هذا يجعلنا نخاصم هذه المستحدثات. وكيف يضيق دين له الخلود والمرونة والبقاء بهذه الابتكارات؟ وأن الفنان المسلم داعية. ولابد أن يكون له في كل ضيق فرجًا، ومن كل هم مخرجًا. وهو في هذا مجاهد مأجور من الله ومشكور من الناس.

  • المجتمع: إذن لا مجال مطلقًا للخصومة مع الفن. وجدوى هذه الدعوة مضمونة النتائج إن شاء الله؟

د. الفرماوي: لقد سمعت يومًا من أستاذنا العلامة د. حسان حتحوت أن طالبًا سال الأستاذ الشهيد حسن البنا. وكان يلقي محاضرة إسلامية بكلية الطب - يا أستاذ السينما حلال أم حرام؟

فأجاب البنا-رحمة الله عليه: يا أخي السينما الحلال حلال، والسينما الحرام حرام. كانت هذه نظرة سابقة لعصرها. ليته معنا اليوم. ليرى تخلف المسلمين المحزن في هذه المجالات. وأنا أرى أن الشريط الإسلامي والنشيد الإسلامي فيما يتعلق بالانتفاضة الفلسطينية المباركة، لم يقل في أدائه الجهادي عن أداء المجاهدين بالأظفار والأحجار في ساحة الجهاد. نحن الآن في عصر الكلمة فيه سلاح، والصورة سلاح، والصوت سلاح، ولابد أن تكون دعوتنا في مستوى العصر، لإصلاح ما أفسد الناس، والصلاح إذا فسد الناس.

  • لماذا التضييق علينا بالذات؟
  • المجتمع: ألا ترون أن المحاذير الشرعية المتعلقة بالمرأة وظهورها، ومدى مشروعية موضوعات هذه الفنون التي يجب أن تعالجها، وتعبئتها بالفكرة والهدف ألا ترون أن هذا يضيق المجال ويجعله أشبه بالمواعظ. هذا مما يدفع به البعض!!؟

د. الفرماوي: هناك آلاف الموضوعات الاجتماعية الحيوية والجذابة والشيقة والمؤثرة التي يمكن أن تخلو من المرأة تمامًا. وعمومًا ليس المجال محرمًا على إطلاقه، فهناك اجتهادات كثيرة في هذا المجال يمكن الرجوع إليها. خاصة كتابات د. نجيب الكيلاني، وعماد الدين خليل. فالمرأة ليست دائمًا هي هذا العرى والجنس. المرأة ذات عفاف وحجاب وهي أم وابنة وجدة، وهي معلمة ومجاهدة وغير ذلك من الأمور التي يقرها الشرع. 

ثم لماذا كلمة «الإسلامي»، وحدها التي تقف في «زور» البعض؟!  ألم يكن للفن الشيوعي البائد ضوابطه الحديدية؟! أليس للفن الصهيوني أهدافه وخططه وسمومه؟ لماذا التضييق على الفن الإسلامي وحده بحجة أنه من «مقنن» وموجه، وله ضوابطه؟ والله هذا شرف لهذا الفن أن ينضبط بضوابطه التي ترضي الله ورسوله، وتجعل منه ساحة من ساحات العبادة، الدور على غيرنا الذين يلزمون أنفسهم بقوانين الطين وضوابط الشياطين.

  • الماكياج والموسيقى التصويرية

أما ما يتعلق ببعض الفنون المساعدة لجودة العمل الفني، وذلك بعد استيفاء مشروعيته من حيث الموضوع والهدف والمعالجة، يقول الدكتور حسين حامد حسان: إذا تم نوع من «الماكياج»، أو خلافه مما تقتضيه الشخصية التي يتطلبها أداء الدور المشروع، ولا تتحقق جودة العمل الفني إلا بها. فإن ذلك لا شيء فيه، وهو جائز شرعًا، ذلك لأن تغيير الخلق الممنوع شرعَا، هو ما تم بصفة دائمة، وبغرض تغيير الصورة التي خلق الله الإنسان عليها، أما هذا النوع من الحيل والمعالجات الفنية فالشخص الذي يجريها، لا يرغب في تغيير خلقته، إنما هو نوع من تقمص الدور فقط، وعقب تنفيذه للدور الذي كلف به يعود إلى سابق صورته، وهذا لا ينطبق عليه الإنكار المذكور في قول الله تعالى:﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ (الأنعام: 119).

كذلك ما تقتضيه ضرورات العمل الفني الإسلامي من مؤثرات صوتية وموسيقى تصويرية تساعد في نقل الجو النفسي للعمل. وإذا لم يكتمل العمل إلا بها، ولا يؤدي وظيفته في خدمة الدعوة ونشر الطهر والفضيلة والعفاف وبث الخلق الكريم. إذا لم يتم العمل إلا باستخدام هذه الأدوات المساعدة التي سبقت الإشارة إليها من تأثير صوتي وموسيقى خالٍ من المحاذير الشرعية، فإن ذلك لا شيء فيه. والهدف الأكبر لنا في كل ذلك هو تحقيق هدف إسلامي، وتسخير أداة جبارة من أدوات العصر لخدمة الدين، وإذا لم نشغل نحن هذه الأماكن بالحق، شغلها غيرنا بالضلال والفجور، ثم حاربنا بها بصورة خسيسة تنتهك أخص الحرمات.

يتبقى لنا أن نسأل أخيرًا. وبإلحاح أين الفنان المسلم، والروائي المسلم، والمنتج والمخرج وكاتب السيناريو المسلم، بل وقبل كل شيء أين التمويل الإسلامي. وأرجو أن تكون هذه كلمات على الطريق، ذلك لأن المد الإسلامي لا يزال منحسرًا عن كثير من القطاعات الحيوية في عالم العصر.

الرابط المختصر :