العنوان منطقة الخليج .. احتلت مكانة كبرى في العالم ...خاصة في الفترة الأخيرة...
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 26-ديسمبر-1972
مشاهدات 27
نشر في العدد 131
نشر في الصفحة 4

الثلاثاء 26-ديسمبر-1972
المجتمع
الافتتاحية
منطقة الخليج .. احتلت مكانة كبرى في العالم ...خاصة في الفترة الأخيرة...
وأصبح الاهتمام بها يشغل بال الطامعين في بترولها... كما يشغل -قبلًا- بال أبنائها الوطنيين .
ولقد استفاض الحديث عن «ضرورة استقرار الخليج».
وبطبيعة التناقضات أو اختلاف البواعث والأهداف ينظر كل طرف إلى «الاستقرار» من زاوية مصالحه أبناء الخليج يريدون الاستقرار.. لأن الاستقرار هو مناخ النهضة والبناء .. ومن غير استقرار لن يتم بناء.
والطامعون ينظرون إلى الاستقرار على أنه «جو مهيأ ومربح» لضمان وقود مصانعهم.. اليوم .. وغدًا.
والحقيقة التي ينبغي أن تعرف بلا غش .. ولا ضباب .. ولا خداع هي: أن للاستقرار دعائم وشروطًا ليس من بينها الأماني المعزولة عن الوعي والعمل .. وليس من بينها أطماع الذين يريدون أن يظل الخليج مخزنًا نفطيًا يمدهم بحاجتهم.. على مهل.. أو على عجل!
إن هذا التفكير قد تجاوزه الزمن.. وتخطاه الوعي الوطني والإصرار عليه يشكل سببًا من أسباب زلزلة استقرار الخليج.
الاستقرار حقيقة موضوعية لها مقوماتها وشروطها.. ولها مناخها الذي فيه تثبت وتزدهر.
ولا نقول كلامًا تنقصه الدقة والتحديد... ومن ثم فإن أي تفكير متزن... مخلص.. وأمين سيتوصل -بعد اجتهاد.. ورؤية شاملة لحقائق الواقع .. واحتمالات المستقبل- إلى أن الاستقرار في الخليج يحتاج الى توفر هذه الشروط الخمسة.
الشرط الأول هو مزيد من الاستقلال الوطني
هل يقبل أي وطني –مهما كانت درجة وعيه– بوجود استعمار عسكري أو سياسي يخضع بلاده للاحتلال والتوجيه السياسي المباشر.
لا.. طبعًا.. ولقد رافق كلمة «لا» لهذا النوع من الاستعمار كفاح طويل الأمد.. حار الأنفاس.. في العالم کله.. ومنه العالم العربي.
وحين نقول: العالم كله.. فإننا ننقل الموضوع من دائرة الانفعال الشعبي المحدود والمعزول .. إلى دائرة حركة التاريخ الشاملة.
وحين يكون المد تاريخيًا... يصبح الوقوف في وجهه.. محاولات عاجزة من قبل الاستعماريين وتخلفًا قاتلًا من قبل الذين يسبحون ضد التيار.. أي من الذين يخضعون لمحاولات الاستعمار.
وإذا كان الاستعمار المكشوف مرفوضًا فلا شك أن الاستعمار المبطن.. مرفوض كذلك.. بنفس المنطق ولنفس السبب.
إن أبناء الخليج يعتبرون هذا الاستعمار المبطن.. سرقة لاستقلال بلادهم... وعودة إلى الوراء بعد إعلان الاستقلال رسميًا.
إن التدخل الخارجي -أمريكي أو روسي أو إنجليزي أو ..- والحد من حق أبناء الخليج في التصرف وإدارة شئونهم.. يزرع في المنطقة عاملين من أخطر عوامل الزلزلة والقلاقل.
صحيح أن بين الروس والأمريكان اتفاقات، وبين الأمريكان والإنجليز اتفاقات كذلك.
ولكن هذا لا يعني أنهم غير مختلفين في مجال الانقضاض على الفريسة، وقضم أشلائها.
بعض فصائل الوحوش تتفق -غريزيًا- على تطويق الفريسة.. وإخضاعها وإنهاكها.. ولكن عند الأكل والقضم تختلف الوحوش.
وهذا الاختلاف الجزئي يوقع منطقة الخليج .. في زلازل متتابعة من عدم الاستقرار.. وعدم الهدوء.
والتدخل الخارجي -المستتر جوازًا في هذه المرحلة- يستفز وطنية أبناء الخليج ... ويدخلهم في مرحلة جديدة من المقاومة.. ومن حقهم -كل حقهم- أن يفعلوا ذلك، ولكن أين الاستقرار في مثل هذه الظروف.
أثناء التصدي للقضايا الوطنية وتحرير البلاد من النفوذ الأجنبي ... لا يتوفر الاستقرار.
والسبب.. هو: التدخل الخارجي.
والشرط الثاني: هو الحريات العامة
هناك نوعان من الاستقرار استقرار الأموات الذين لا يتكلمون.. ولا يتحركون.
ولا نعني الذين توفاهم الله فعلا وإنما نعني الذين يعيشون تحت أنظمة دكتاتورية مستبدة.. كما هو الحال في الدول الشيوعية.
واستقرار الناس الأحياء الذين يريدون الحياة الحرة.. ولا يستطيعون العيش.
٥ شروط لـــ..
استقرار الخليج
التجارب التي مر بها العالم العربي في القمع والكبت..
واستئناسًا ببعض التجارب الديمقراطية في بلدان خليجية، اختار أبناء الخليج طريق الحرية.
ولا نحسب أن حاكمًا من حكام الخليج يريد أن يفرض على بلاده نظامًا شيوعيًا دكتاتوريًا..
وبانتفاء هذا الاحتمال يمسي الاتجاه العام كله، مؤثرًا للحرية، وسيلة للحوار وحلًا للاختلاف، ودعمًا للاستقرار.
بيد أن الأمر أكبر من أن يكون مجرد زعم أو ادعاء، أو رفع شعار.
إن الحرية مطلب حقيقي كالطعام والشراب وتلبيته ضرورة لا غنى عنها البتة.
ولا سبيل لإزالة التناقض بين الشعار المرفوع، والواقع الموجود إلا بأن تكون الحريات العامة شيئًا ملموسًا ومُعاشًا.
أن الكبت لا يؤدي إلا إلى التذمر، ومع وجود التذمر لا يكون هناك استقرار حقيقي.
• والشرط الثالث هو: أن تكون الثروة لأهلها
- لجميع أهلها أولًا
تكون لأهلها، لأبناء المنطقة بسيطرتهم الكاملة عليها .. ليس للأجانب أي حق مفروض بالباطل فيها، وليس لهم امتيازات يتمتعون بها.
إن الثروة لنا، في جوف أرضنا، فلماذا يزاحمنا فيها طامعون قادمون من الخارج؟
ينبغي أن يقدر لهم من الثروة - فقط - جهد التنقيب، وجهد الاستخراج.
فنحن قوم لا نرضى بالاستغلال، ولا نحب أن نستغل جهود الآخرين.
أما أن يأخذوا هم ما يكفيهم ثم يقذفون لنا بمقادير روعيت فيها مصالحهم، لا مصالحنا فهذا ظلم لا يحتمل.
أليس من الغرائب حقًا أن تجادلنا شركات النفط الغربية في أمر المشاركة وكأنها صاحب الحق الأول في نفطنا؟
إن هذا التغول الأجنبي يستثير أبناء الخليج ولن تهدأ ثائرتهم حتى تصحح هذه الأوضاع.
ثم أن تكون الثروة لأهلها جميعًا.
إن تفتيت الثروة وإحسان توزيعها ليس تطبيقًا أمينًا للعدالة الاجتماعية فحسب، أنه أيضًا شرط رئيسي من شروط استقرار الخليج.
فالتفاوت الهائل في كميات الثروة بين الأفراد، ابتداء لأبعد تطوير الثروات الخاصة وزيادتها عن طريق الربح، يصيب المواطنين بغبن شديد.
والغبن الشديد في حد ذاته بدون إثارة خارجية، يشكل عاملًا من عوامل الزلزلة الاجتماعية، فإذا أُضيف إلى ذلك الإثارة الخارجية والاستغلال المذهبي الهدام لهذا الغبن، أفضحت الخطورة بشكل أكثر سفورًا.
إن الحركات الهدامة بدفع من الخارج تريد أن تضرب استقرار الخليج، ووجود الغبن، سلاح فعال في يد المخربين والهدامين .
ومحاربة الحركات الهدامة بالكلام والشعارات علاج مؤقت وضعيف، أما العلاج الحقيقي فهو نزع عوامل الإثارة والفتنة، وبتعبير آخر:
إعادة توزيع الثروة بعدالة وأمانة.
وليس المقصود بالدفع الخارجي للحركات الهدامة، الشيوعية الدولية وحدها، إن الأمريكان يفعلون هذا كثيرًا.
لماذا؟ لكي ترتبط حركة التغيير بهم .. ويأتي الإنصاف إن أتى عن طريقهم وفي هذه الحال يضمنون فرص التعامل مع البديل المرتقب!! لنكن أذكى منهم، ولتقم حركة التغيير على أكتافنا وليأت الإنصاف عن طريقنا.
• والشرط الرابع هو: السند الفكري والثقافي
إن كل نهضة مستقرة لا بد لها من دعائم فكرية وثقافية، تسندها وتغذيها بالأصالة والاعتزاز والثقة.
إن الإنسان الذي لا أصل له، إنسان ضائع.
والإنسان الذي لا يملك شيئًا يعتز به، إنسان مهزوز، والإنسان الذي لا يثق بما عنده إنسان قلق مضطرب ولا أصالة لهذه المنطقة إلا بالإسلام، ولا تستطيع أن تعتز بشيء سوى الحضارة الإسلامية، ولا يمكن أن تثق بنفسها إلا من خلال إيمانها بهذا الإسلام.
إن أصحاب المصالح والمطامع يفتشون عن ركائز عقائدية وثقافية تحمي مصالحهم، فالروس يستغلون الشيوعية ويتخذونها مبررًا لاستعمارهم الجديد، والأمريكيون والإنجليز .. إلخ يستغلون المسيحية والطوائف المسيحية لحماية مصالحهم.
فلماذا لا نحمي مصالحنا العادلة بسند عقائدي فكري ثقافي متميز ؟
إنها دعوة مخلصة للاعتصام بالإسلام، من أجل توفير الاستقرار والأمن في الخليج ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ (الأنعام: ٨٢).
• والشرط الخامس والأخير هو: التعاون أو الوحدة
حين يبحث الأوربيون شؤون السوق الأوربية المشتركة، أو شؤون الأمن الأوروبي، فإن الإطار العام لهذه البحوث هو التعاون أو الوحدة.
معنى ذلك أن الاستقرار الاقتصادي يحتاج إلى التعاون.
وأن الاستقرار السياسي يحتاج إلى التعاون.
وأن الاستقرار الأمني يحتاج إلى التعاون.
إن التمزق الإقليمي يفتح شهية الطامعين في افتراس كل دولة أو أمارة على حدة.
والتمزق الإقليمي، يجعل زناد الشحناء والتوتر والتربص والتحرش، مشحوذًا دومًا.
ولا استقرار قط في مثل هذه الأوضاع.
إن الاستعمار حين يريد إحداث فتنة وقلاقل في منطقة ما، يعمد إلى تمزيقها جغرافيًا وسياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا.
وللخروج من كل هذه المآزق، يلزم أبناء الخليج القيام بتعاون شامل وعميق فيما بينهم.
ومقومات هذا التعاون موجودة بحمد الله.
• فالدين السائد في المنطقة هو الإسلام.
• واللغة السائدة هي العربية.
• والثروة السائدة هي النفط .
• والآمال والآلام أيضًا واحدة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

قراءة في مستقبل الأديان في العالم (3 - 3) الإسلام.. أرحام ولَّادة وأجيال يافعة
نشر في العدد 2182
26
الثلاثاء 01-أغسطس-2023
