العنوان من أسباب انتشار الشيوعية في الوطن العربي
الكاتب الأستاذ أحمد باقر
تاريخ النشر الثلاثاء 17-فبراير-1976
مشاهدات 29
نشر في العدد 287
نشر في الصفحة 44
الثلاثاء 17-فبراير-1976
سقط الكثير من الشباب في الوطن العربي في براثن الشيوعية، وهذا الأمر أصبح حقيقة واقعة، ودعاتهم منتشرون في جميع أنحاء العالم العربي، وهذا وباء خطير يسري في مجتمعاتنا، وكأي مرض خطير يجب أن نضع اليد على سبب المرض ليتم بعد ذلك العلاج الناجح، وأنا أرى أن هذا الانحراف تعود أسبابه إلى ما يأتي:
1- العبرة السيئة في نهاية العهد العثماني الذي انتهج الأتراك فيه سياسة التتريك بعد سقوط عبد الحميد، وأنزلوا بالمعارضين أشد العقوبات؛ ومن ذلك ما فعله جمال باشا في الشام وتخليهم عن المغرب العربي ليسقط في أيدي الغربيين، وبالطبع لم يكن لهذه الأفعال التي أصبحت مثلًا سيئا أي صلة بالخلافة الإسلامية التي انتهت بسقوط السلطان عبد الحميد، ولكن هذه الأمور أصبحت تذكر كلما ذكرت الخلافة العثمانية، وينسى الخلافة في أول عهدها، وكيف أن العدل والجهاد كانا فيها مقومات الحكم في الداخل والخارج.
2- التجربة القاسية مع المعسكر الغربي؛ فعندما تعاون العرب مع الغربيين وانتصر الحلفاء في الحرب حصل ما حصل من الغدر بالعرب، وقسمت بلادهم واحتلت أراضيهم واقتطع منها ما أعطي لليهود، وذاق العرب من ويلات الاستعمار ما ذاقوا، فكان هذا أحد الأسباب المهمة في ميل البعض منهم، وخصوصًا الشباب إلى المعسكر الشرقي كردة فعل لعمل المستعمر الشنيع.
ولا يزال المعسكر الغربي من أشد الحلفاء لليهود في فلسطين المحتلة، وهو بذلك يجني الكراهية من أبناء القضية التي يعتبرها العرب قضيتهم الأولى.
3- المد الشيوعي الجارف في جميع أنحاء العالم والانتصارات التي أحرزها أوحى للبعض أنهم يستطيعون أن يحرزوا انتصارات مماثلة لو سلكوا وتبنوا نفس الفكر الذي يحمله الشيوعيون، ومن أمثلة هذه الانتصارات ما أحرز في كوبا وكمبوديا وفيتنام وما يحدث اليوم في أنجولا، بل وأكثر من ذلك التقدم العلمي الذي أحرزه الاتحاد السوفيتي في فترة قصيرة جدًّا، وأقصر منها ذلك التقدم المماثل في الصين، كل ذلك والرغبة العظيمة لدى بعض العرب في النصر السريع على عدوهم اللدود دفع بهم إلى تبني مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، واعتنقوا الشيوعية كمنهاج للإصلاح الداخلي الذي ينبني عليه النصر المنتظر.
4- التغرير بالطبقة الكادحة في الوطن العربي، ولا أوافق هنا على اعتبار كثير من أن جميع الفلاحين والعمال في الوطن العربي هم من المحرومين من حقوقهم؛ ولكني لا أنكر أن هناك كثيرًا من المحرومين في بعض الدول وقد غرر بهم دعاة الشيوعية فظنوا أن السبيل إلى استعادة الحقوق المسلوبة وتحسين أحوال المعيشة ومشاركة الأغنياء في الأموال، إنما هو في اعتناق مثل هذه المبادئ التي حكم العمال والفلاحون بلادهم بها، والجدير بالذكر أنه حتى لو لم يكن في البلاد تلك الطبقة المحرومة الكادحة التي تثور لاستعادة الحقوق لحاول دعاة الشيوعية إيهام الناس أنهم من المحرومين لكي تتم الثورة المنشودة.
5- عدم العلم أو تجاهل السلبيات الشيوعية؛ فقد أدت محاولة تطبيق الشيوعية في روسيا إلى مقتل الملايين من الأبرياء، وفشلت ولا تزال تفشل المزارع الجماعية، وقد قال مرة خروتشوف أثناء وجوده في الدانيمارك: إنه لو استمرت المزارع الجماعية في الفشل فإنه سوف يمزق بطاقة عضوية الحزب. وكان هذا من أسباب تنحيته.
إن الناظر بعين العدل إلى محاولات تطبيق الشيوعية يتوصل إلى حقيقة هامة وهي أن المادة في المجتمعات الشيوعية لم تسخر لخدمة الإنسان الكادح، ولكن الإنسان هناك هو الذي سخر وعذب وقتل من أجل المادة، ولم تنجح الشيوعية في إدخال الرفاهية في تلك المجتمعات ولكنها زادتها شقاء وبؤسًا، وأصبح الناس عبيدًا للمادة والحزب ورؤساء الحزب الذين أصبحوا ينافسون أغنى أغنياء أوربا في تملكهم للسيارات الفخمة على سبيل المثال. وبلا شك أن ما خفي كان أعظم، ولسوف تكشف الأيام المزيد من خفايا أرباب الحزب المزعومين، فلا بد أن يكشف الله المجرمين. وهاك ستالين الذي قتل الملايين من الأبرياء يكشف على أيدي خروتشوف وغيره، وقد قرأت في أحد الكتب التي تمجد حياته ويصدرها الحزب أنه كان يعيش في رعب خوفًا من القتل، إلى درجة أنه كان إذا أراد الخروج من الكرملين غادره في خمس سيارات فخمة متشابهة؛ لكي لا يعرف في أي سيارة هو، وذلك لكي يأمن القتل! ذلك عذاب الدنيا، ﴿وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون﴾.
6- أما السبب السادس في هذا التحول -وهو أهم الأسباب على الإطلاق- فهو جهل الناس في هذه الأيام بالإسلام، فهذا الجهل هم الطامة الكبرى، وهو الذي أوصل المسلمين إلى ما هم فيه اليوم من ضعف وانحلال، فلو فهمنا الإسلام الفهم الكامل لوجدنا فيه الحل لكل مشاكلنا الحاضرة، ولست هنا بصدد الرد على الشيوعية، ولكن تعالوا ننظر إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أعط الاجير أجره قبل أن يجف عرقه»، «إخوانكم خولكم»، ذلك بالإضافة إلى القاعدة العظيمة بقوله: «لا ضرر ولا ضرار». ففي الإسلام يجب ألا يضار أحدكما ويجب ألا يقابل الضرر بالضرر، وهذه القاعدة يمكن تطبيقها في جميع المجالات على اختلافها وتنوعها في المصنع، وفي الحقل، وفي الإجارات على اختلافها، فلا يضار أحد في المجتمع الإسلامي ونعيش فيه إخوة متساوون متحابون. وفي نظام الزكاة حل لكثير من مشكلات الناس في هذه الأيام من شرائب منهكة إلى درجة أنها تصل في بعض البلدان العربية إلى ٩٠% من الدخل أن الفقر ينتشر في جانب، بينما تنمو وتسمن القطط في الجانب الآخر الذي تتولى كبار المناصب في بلدان معروفة، فأين ذلك من بردة عمر بن الخطاب التي لم يترك فيها جانب لم يرقع؟ وأين ذلك من قول أبي بكر الصديق: أطيعوني ما أطعت الله فيكم؟
وفي الواقع أن الرد على المبادئ الهدامة تحتاج إلى مقال آخر، ولكن أحب أن أذكر هنا أن الجهل بأصول الدين الحنيف الذي دفع بالكثير من الناس إلى الانحراف وحمل مبادئ أخرى إنما يقع على عاتق الدولة وما فيها من أجهزة الإعلام؛ فالبرامج الإعلامية في هذا المجال تكاد تكون معدومة، ويسقى الدين في المدارس على أنه شربة يجب أن تبلع قبل الامتحان. هذا بالإضافة إلى القدوة السيئة من بعض علماء الدين بسبب عدم التفهم لما يدور في العصر الحديث، وعدم معايشة الشباب وتزويدهم بما يحتاجونه من هذا المنهل الصافي، وغرق البعض منهم في عالم السحر والشعوذة تحت ستار ما يعرف بالتصرف والزهد في الدنيا، كما أن الكثير من اللوم يقع على بعض الآباء المصلين الذين أهملوا نصيحة أبنائهم وتغربوا عنهم وتركوهم في ظلمات بعضها فوق بعض، فلست أدري هل سيفيق المصلحون في بلادي وتفيق الدولة وأجهزة الإعلام والتربية من هذه الغفلة المطبقة وننصرف جاهدین فنعلم الجاهلين ونظهر الإسلام على حقيقته، فتكون لنا العزة والخلافة في الأرض، وقد تكفل الله بذلك فقال: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور: 55).