العنوان من أعلام الحركة الإسلامية المعاصرة (٦) : العلامة البشير الإبراهيمي
الكاتب المستشار عبدالله العقيل
تاريخ النشر الثلاثاء 13-يوليو-1993
مشاهدات 16
نشر في العدد 1057
نشر في الصفحة 43
الثلاثاء 13-يوليو-1993
العلامة المجاهد البشير الإبراهيمي من أفذاذ علماء الجزائر ودعاتها ومجاهديها وهو رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعد الشيخ عبد الحميد بن باديس وكان العلامة الإبراهيمي عالما في الفقه والتشريع واللغة والأدب خطيباً مفوها وشاعرا مغلقا يهز المنابر بجزالة ألفاظه ويثير المشاعر بقوة أشعاره إذا خطب فهو الأسد الهصور في زئيره والبركان الثائر في هديره، يأخذ بمجامع القلوب ويشد إليه الأسماع، ويجلجل بكلمة الحق وينبري للدفاع عن الاسلام بقوة الحجة ونصاعة البرهان.
سعدنا به أوائل الخمسينات حين كنا ندرس بجامعة الأزهر يحاضرنا بدروسه القيمة ومواعظه النافعة ويرشدنا لما يجب علينا القيام به كشباب مسلم يضطلع بمسئولية حمل الدعوة ويحملنا الأمانة باعتبارنا رجال الغد وأمل المستقبل ويوضح لنا الأخطار التي تحيط بأمتنا والاستعمار البغيض الذي أناخ بكلكله على أوطاننا، فاستغل خيراتها ونهب ثرواتها واستذل شعوبها وغزاها بأسلحة الدمار العسكرية والغزو الفكري والتحلل الخلقي والتفسخ الاجتماعي وكان (رحمه الله) يلهب حماسنا ويستجيش مشاعرنا ويعبئ طاقاتنا ويرشدنا إلى العمل البناء والدعوة الحكيمة والموعظة الحسنة، ويطلب منا الصبر والمصابرة على وعثاء الطريق وأن نتحلى بصفات الرجولة الحقة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم في أكثر من موضع كقوله تعالى ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ (النور: 36) وقوله تعالى ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ (يس: 20) ويقول بأن للرجولة ضريبة وعليها مسئولية لأن الرجال هم القمم الشامخة والعلامات البارزة والأئمة الدعاة الذين يقودون الأمة إلى مواطن النصر.
ومن أجمل ما قاله شعرا في هذا المجال قصيدة احفظ منها قوله:
لا نرتضي إمامنا في الصف*** مالم يكن أمامنا في الصف
أي إننا لا نرتضي أن يؤمنا في الصلاة إلا الذي يقودنا في الجهاد. ذالكم هو الشيخ المجاهد والعالم الجهبذ والداعية الحكيم العلامة البشير الإبراهيمي الذي شرفت به ساحات النضال وميادين الجهاد يصول ويجول يذود عن حمى الإسلام ويدافع عن حياضه ويربي جماهير الأمة على منهج الإسلام الحق وصراط الله المستقيم ويعطي الشباب المسلم من خبراته وتجاربه الكثير.
ولن ننسى له ونحن في فورة الشباب وحماس الفتوة كيف كان يلقانا مع رفيقه في الجهاد والنضال من شخصيات العالم الإسلامي الذين اتخذوا من القاهرة مقرا أمثال المجاهد التونسي الكبير محيي الدين القليبي والشاعر اليمني محمود الزبيري والزعيم المغربي علال الفاسي وغيرهم من القادة والزعماء.
وكان طلاب البعوث الإسلامية بالأزهر يمثلون العالم الإسلامي كله يتحركون بالإسلام في أوساط طلاب الجامعات المصرية الأربع ويؤكدون في علاقاتهم على بعض معاني الأخوة الإسلامية الحقة قولا وعملا مقدمين رابطة الإسلام على ما عداها من روابط الجنس أو اللغة أو الوطن أو القومية أو القبيلة، مقتفين أثر الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جمع بلالا وعمارا وسلمانا وصهيبا وأبا بكر وعمرا فكانوا الجيل الفريد الذي اجتمع تحت راية الإسلام تحقيقا لقول الله تعالى ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ ( آل عمران: 103)
وبهذه الإخوة الإيمانية وهذا الحب العميق فتحوا الدنيا كلها بإسلامهم وأقاموا أعظم الحضارات بجهادهم وحققوا التكافل بأخوتهم فأشرقت الدنيا بنور الإسلام وسعدت بتعاليمه
وسادت بأخلاقه وفضائله وسرنا نحن شباب الإسلام في الخمسينات على هذا الطريق وانطلقنا بتوجيه أساتذتنا ومشايخنا نردد قول الشاعر المسلم:
أبي الإسلام لا أب لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم
وانبرى الطغاة وعملاؤهم يكيدون للإسلام وأهله ويمكرون الليل والنهار لوأد هذه البراعم التي تفتحت قلوبها للإسلام ويضعون كل العراقيل في طريق الدعاة إلى الله ويحاولون بكل وسيلة إيقاف المد الإسلامي الذي انطلق بقوة من الجامعات والمدارس يتصدى للاستعمار ورموزه وينبري بكل شجاعة للتصدي.
فكان ما كان من السجون التي فتحت والمشانق التي نصبت والبيوت التي هدمت والأموال التي نهبت والأعراض التي هتكت مما يعرفه القاصي والداني عن طاغية العصر الذي أعلن الحرب على الإسلام ودعاته وتقرب إلى الأعداء بالعدوان على أبناء جلدته وصدق فيه قول الشاعر:
يد للأجانب هم، ولكن *** على أبناء جلدتهم أسـود
وكان هذا الفرعون الصغير صاحب الوزر الأكبر فيمن سار على نهجه من الطغاة والبغاة في البلاد العربية والإسلامية وغيرها.
ومع كل ذلك ظل الإسلام وسيبقى وظل الدعاة إلى الله يتحركون بالإسلام ويعملون في سبيل مرضاة الله. وكان من الأمثلة الصادقة للجهاد أستاذنا العلامة محمد الشير الإبراهيمي رحمه الله رحمة واسعة ووفق تلامذته لإتمام مسيرته لخدمة الإسلام والمسلمين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
بمناسبة صدور العدد «ألف» من مجلة المجتمع.. رسالة الصحافة الإسلامية من «العروة الوثقى» وحتى «المجتمع»
نشر في العدد 1000
24
الأحد 10-مايو-1992