العنوان من أوراق اختصاصية اجتماعية- عندما تضيع الأم الأمانة
الكاتب نادية البراك
تاريخ النشر الثلاثاء 05-يوليو-1994
مشاهدات 16
نشر في العدد 1106
نشر في الصفحة 59
الثلاثاء 05-يوليو-1994
الأخوات: «ف» و«ص» و«ن» ظاهرة ملحوظة في المدرسة الأولى «ف» في الصف الرابع المتوسط تعاني من تهته في الكلام مع رسوب متكرر، الثانية «ص» في الصف الثالث المتوسط تعاني من خوف شديد أثناء إجابتها على أسئلة المدرسات أثناء الحصة بالإضافة إلى رسوب متكرر حيث إنها تبلغ السابعة عشرة من العمر الصغرى «ن» تعاني هي الأخرى من رسوب متكرر وتبلغ الخامسة عشرة رغم أنها في الصف الثاني المتوسط.
تبين لي بعد دراسة ملف كل واحدة منهن أن الأم غير متعاونة على الإطلاق، وأن زياراتها للمدرسة نادرة جدًا إن لم تكن شبه معدومة تفاقمت مشكلة الأخوات الثلاث حين بدأن جميعًا خط الانحراف الخلقي خارج المدرسة.
كان لا بد من لقاء عاجل مع الأم فجلساتي المتكررة مع الطالبات لم تأت بنتيجة، عند كل اتصال هاتفي كانت الخادمة تخبرني أنها غير موجودة، وظللت على مدى أسابيع متواصلة أحاول الاتصال بها دون جدوى، حتى أنني كررت المحاولة أثناء تواجدي في البيت مساء لكن بلا فائدة، حتى أنني ذات مرة اتصلت بها في الساعة الثانية عشرة مساء وكانت الإجابة المعهودة غير موجودة!! عجبًا... متى تتواجد هذه المرأة في بيتها؟!
بعد نفاد صبري قررت الاتصال بها في ساعة مبكرة.. السابعة صباحًا، ردت علي الخادمة:
- سيدتي نائمة.
- أيقظيها.. أريدها في أمر هام وعاجل.
ولكن....
- سأنتظر على الهاتف.. لا تتأخري وبقيت أنتظر أكثر من ربع ساعة، وأخيرًا سمعت صوتًا نائمًا
-ألو..
- السلام عليكم
أهلًا..
- أنا «نادية» الأخصائية الاجتماعية في مدرسة «....».
-خير..
- أردت لقاءك بخصوص أمر هام يتعلق ببناتك الثلاث.
- ألهذا أيقظتني من نومي؟ أهذا هو الأمر الهام؟
- إنه فعلًا هام يا سيدتي وأنا أود رؤيتك في أقرب فرصة.. اليوم إن أمكن.. ردت بعد صمت.
-أوه.. كلا ليس اليوم.. أنا مشغولة.
- غدًا إذًا.
- ولا غدًا.
- بحنق سألتها: متى إذًا؟
-الأسبوع القادم ربما.. أنا مشغولة جدًا!
مر أسبوع بكامله ولم تحضر الأم كما وعدت ومر أسبوع ثان وثالث بعثت لها برسالة مع إحدى بناتها أطلب حضورها، لكنها أيضًا لم تحضر، شعرت بحنق شديد على هذه الأم غير المبالية، وأثناء حديثي مع الابنة الصغرى «ن» سألتها:
- لقد طلبت حضور والدتك للمدرسة أكثر من مرة، لكنها قالت إنها مشغولة جدًا.. ترى ما هي وظيفتها؟
نكست رأسها إلى الأرض خجلًا وقالت:
-أمي ليست موظفة.
- غير موظفة غريب؟.. لقد اتصلت بها مرارًا صباحًا ومساءً، لكنني في كل مرة لا أجدها.
هزت رأسها بخجل:
- نعم.. هي كثيرة الخروج من المنزل.. إنها تعود إلى البيت قبل الثانية عشرة مساء.
- لا رمقتها دهشة وقلت: أحقًا ما تقولين؟
- صدقيني.
- وأين تذهب إذًا؟
- زيارات لا تنتهي لصديقاتها وقريباتها...
وإننا تعودنا أن لا نراها في البيت لأنها لا تعود إلا بعد أن نكون قد استغرقنا في النوم، ونخرج صباحًا للمدرسة وهي لا تزال نائمة.
- عجيب!!
- لو كانت أمي تهتم بنا لما تكرر رسوبنا أنا وإخوتي بهذا الشكل، لقد اشتكينا لها مرارًا لكن دون فائدة.. إنها أم أنانية تهتم بنفسها وبمتعها فقط! أتظنين أن حديثك معها سيغير من الأمر شيئًا.. أبدًا.. إنها لا تهتم بنا على الإطلاق!
آثار حديث «ن» في نفسي دهشة شديدة وسخطًا أشد على هذه الأم التي لم تدرك أهمية رسالتها ووظيفتها في حياة بناتها، وعزمت على ملاقاتها مهما كلفني الأمر.
توجهت لمنزلها في الثامنة صباحًا وذلك كي أضمن وجودها، وكما توقعت فقد أخبرتني الخادمة أنها نائمة فأصررت على لقائها وجلست أنتظر بعد انتظار دام أكثر من نصف ساعة دخلت امرأة في الخمسين من العمر تقريبًا.. آثار النوم والإرهاق بادية على محياها بصورة واضحة.
- مددت يدي لها مصافحة أنا «نادية» الأخصائية الاجتماعية في...
-قاطعتني بجفاء: أهلًا...
- وعديتني بالحضور للمدرسة ولم تف بوعدك.
-كنت مشغولة جدًا.. خير.. ماذا تريدين؟
- الأمر يتعلق ببناتك ...و ...و ....و ...
-قاطعتني من جديد: أعرف.. درجاتهن المدرسية منخفضة ورسبوهن متكرر.. ما الجديد في الأمر؟
- قلت مستاءة: يبدو أن مسألة تفوقهن في المدرسة لا يهمك كثيًرا.
-والله إن نجحن فلأنفسهن وإن رسبن فهن السبب في ذلك بإهمالهن لدروسهن.. ما شأني أنا بالأمر؟ هل أحمل لهن العصا وكل واحدة فيهن أطول وأعرض مني.
- قلت بلطف يا سيدتي.. إن بناتك بحاجة لاهتمامك وإرشادك، إنهن الآن في سن حرجة.... و.... وقد بدأن منذ فترة بالانحراف خارج المدرسة ونحن نود مساعدتك لنا. و ...
-ماذا تقصدين بالانحراف؟ هل لأنهن صرن يتحدثن مع بعض الشباب، هذا أمر طبيعي شباب طائش.. كل البنات هكذا...
عندما يتزوجن سيعقلن.
- أذهلني حديث الأم المستهترة فصحت بها ألا تخافين على بناتك؟ ألا تهمك سمعتهن؟
لقد اشتكين لي من إهمالك لهن والذي سبب انحرافهن.
-رمقتني ببرود أجنتي لبيتي لاتهامي- بأي حق تحاسبينني؟
- قلت بحرارة: يهمني جدًا حال بناتك، لو منحتيهن شيئًا من اهتمامك لتحسن حالهن كثيرًا.. لو أنك أقللت من خروجك الكثير من البيت و....
قاطعتني صائحة يا سلام... لم يبق سوى أن أتلقى الأوامر منك متى أخرج ومتى أبقى في بيتي.
- لم أقصد هذا... أنا...
-نهضت واقفة أرجوك.. لا تأخذي من وقتي أكثر.. لدي موعد هام!!
خرجت من بيتها وأنا متضايقة جدًا، وظللت طوال اليوم مهمومة أفكر بحال الأم وحال بناتها المظلومات معها، كم قابلت من خلال وظيفتي بصور متكررة من أمثال هذه الأم الجاهلة وغير المبالية..
أم ضيعت الأمانة التي اؤتمنت عليها.. لم تبال بمسئولياتها تجاه أطفالها، وكان همها اللهث وراء متعتها.. لم تتحسن حال الأخوات الثلاث، بل على العكس ازدادت سوءًا وازداد انحرافهن ولم تفلح جميع جهودي معهن والسبب كما رأينا جميعًا أم ضيعت الأمانة!!..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل