العنوان من أوراق اختصاصية اجتماعية- داء الهاتف
الكاتب نادية البراك
تاريخ النشر الثلاثاء 24-مايو-1994
مشاهدات 19
نشر في العدد 1101
نشر في الصفحة 59
الثلاثاء 24-مايو-1994
من خلال عملي كاختصاصية اجتماعية استطعت كسب صداقة وود الكثير من طالباتي، فإلى جانب القضايا التي كان طرفها الآخر ولي الأمر كانت لي صداقاتي المتعددة مع الطالبات اللاتي أولينني ثقتهن وبالتالي كن يطلعنني على أدق الأسرار في حياتهن الخاصة، واليوم سأروي لكم تجربة مرت بها إحدى طالباتي حكتها لي بلسانها فلنستمع إليها:
تقول ماجدة الطالبة في الصف الثاني ثانوي:
أود الحديث عن تجربة مررت بها وكان لها الأثر الكبير في نفسي، لقد كانت تجربة تعلمت منها الكثير ووددت لو يستفيد منها غيري كما استفدت أنا شخصيًا.
بداية التجربة كانت حين ابتليت بداء الهاتف لعلكن تتساءلن هل هناك داء يسمى الهاتف أجل إنني أعتبره داء يصيب الفتيات في مثل سني حين تتعرف الواحدة منا عن طريقه إلى أحد الشباب وتروح تحادثه عبر الهاتف بالساعات، وهذا حدث لي فقد كان الهاتف تسليتي الأثيرة، كنت أغتنم فرصة خلو المنزل من أهلي حتى أتحدث إليه وأسعد بذلك أيما سعادة فقد كانت مثل هذا المكالمات ترضي غروري كأنثى، فقد كنت أشعر بأنني جميلة ومحط الأنظار و...
والمهم أنني استمتعت بداء الهاتف رغم توجسي الشديد من افتضاح أمري أمام أهلي، فقد كان قلبي يخفق بقوة وذعر كلما سمعت حركة أو همة خوفًا من أن يكتشف أمري!!
ذات يوم، بعد إحدى مكالماتي الهاتفية الطويلة، وحالمًا أعدت سماعة الهاتف إلى مكانها حتى من الهاتف مرة أخرى فسارعت بالرد عليه بلهفة لعله أن يكون عاود الاتصال فتستمتع بحديثنا الهامس ذلك من جديد خرجت من كلمة «أكو» برقة فإذا بي أسمع على الخط الآخر صوتًا نسائيًا غريبا لم أسمعه من قبل، وراحت هذه المرأة تذكر اسمي كاملًا وتطلب مني بأسلوب فظ أن تحادث أمي ولما استفسرت منها ولماذا ردت بأنها تعرف عن علاقتي بذلك الشاب كل شيء وسوف تطلع أمي على ما يدور!!
هنا غاض قلبي بين ضلوعي وشعرت بكرب شديد ورحت أتوسل إليها ألا تفعل ذلك مع وعد مني بأنني سوف أتوب عن هذا الأمر وسأقطع علاقتي بهذا الشاب تمامًا.
لكنها أصرت على طلبها وقالت إن كل توسلاتي تلك لن تنفع، وأنها قد قررت إطلاع أمي على تصرفاتي الآثمة فأنا على حد رأيها فتاة لا تخاف الله ولا تتورع عن المعاصي فبالتالي لا بد من فضح أمري، خصوصًا وهي تعلم بأمري منذ فترة طويلة وكانت تنتظر مني أن أرتدع بنفسي ولكن بدا لها أنه لا فائدة، والأفضل إطلاع أمي على هذا الأمر كان صوتها عاليًا وكانت تتحدث بعصبية شديدة لم تفلح معها جميع توسلاتي وبينما أنا معها على هذا الحال دخلت أمي الغرفة فجأة، وقد كانت تشك بأمري في الفترة الأخيرة.
ولك أن تتصوري حالي وما كنت فيه من خوف وفزع واضطراب وإذا بأمي تسألني عن الشخص الذي أتحدث معه فقلت لها بارتباك «إنها صديقتي» فرمقتني بنظرة حادة وطلبت أن تحادث صديقتي، وهنا مادت بي الأرض وناولتها سماعة الهاتف وقلبي يضطرب وكأنه سيقفز من بين ضلوعي، لا أدري كيف أصف شعوري في تلك اللحظة، لقد تجرأت على الله كثيرًا وتماديت في تلك التصرفات الخاطئة وها هو عقاب الله يحل علي بافتضاح أمري.
راحت أمي تتحدث مع المرأة بينما رحت أدعو الله أن يستر علي وألا يفضحني وأنني سأتوب ولن أعود إلى هذا الأمر مرة أخرى.
رحت أدعو الله بصوت خافت وأنا ما أنا عليه من خوف وجزع، وأستمع في الوقت نفسه لما ستقوله المرأة لأمي ويالهول ما حدث راحت المرأة تكلم أمي بلطف وتخبرها أنها صديقتي، وأمي تعتذر لها لأنها تدخلت في الحديث بيننا، لكن المرأة قبلت اعتذارها وأثنت على تصرفها ذاكرة أن من واجب الأم الحرص على سلوكيات ابنتها.
أعادت أمي لي سماعة الهاتف وأنا في ذهول لا أكاد أصدق ما حدث ثم خرجت من الغرفة فاندفعت أشكر المرأة على ما كان منها، لكنها وعظتني قائلة: «فليكن شكرك لله تعالى، فهو الذي أنقذك في الوقت المناسب.
وليكن شكرك وحمدك له هو توبتك واذكري يوم وقوفك بين يدي الله عز وجل يوم الحساب ليحاسبك على كل ما يصدر منك».
هذه كانت بداية توبتي، تبت إلى الله وعدلت عن تلك التصرفات الخاطئة التي كنت أمارسها وبقدر فرحتي بتوبتي بقدر ما أتألم على ضياع وقتي وخجلي من تلك التصرفات التي كنت آتيها، وأحاول اليوم أن أتناساها ولا أذكرها لأنني أرى أن شخصيتي اليوم لا تليق بها تلك التصرفات الهوجاء.
انتهى حديث محدثتي وبقي لنا أن نستقي العبرة منه العبرة للفتيات من هن في سنها، وعبرة للأمهات اللاتي قد يغفلن عن متابعة أمور بناتهن وتحري خصوصياتهن.
كم من أم قد غفلت عما يدور وراء ظهرها بحجة أنها تثق في ابنتها أو أنها قد أحسنت تربيتها، لا أقصد بحديثي هذا أن أثير الشك في صدور الأمهات، لكن الحذر واجب في كل حال، والشيطان بطرقه الخبيثة قد يجد له منفذًا يصل به إلى نفس تلك الفتاة الشابة فيزين لها المحظورات ويوقعها في المعصية.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل