; من الحياة: رسالة إلى الظالمين | مجلة المجتمع

العنوان من الحياة: رسالة إلى الظالمين

الكاتب أ. د. سمير يونس

تاريخ النشر السبت 23-أبريل-2011

مشاهدات 14

نشر في العدد 1949

نشر في الصفحة 58

السبت 23-أبريل-2011

  • لا تظن أن ما وقع بك من جزاء هو نهاية المطاف.. فإن عذاب الآخرة أشد وأنكى.

قال جعفر البرمكي لأبيه وهما في القيود والحبس: يا أبت بعد الأمر والنهي والأموال العظيمة أصارنا الدهر إلى القيود، والحبس فقال له أبوه يا بني، دعوة مظلوم سرت بليل، غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي). 

ما أشد ظلم الإنسان لنفسه ولغيره!! وهو حين يظلم يظن أن الله أهمله، ولا يدرك أنه سبحانه يمهله كما علمنا الرحمة المهداة العادل بين الأعداء والأحباب عظيم البشر، وسيد الأنبياء محمد ﷺ: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» (متفق عليه).

وكما أنزل رب العزة سبحانه في محكم آياته: ﴿ولا تحسبن اللهَ غَافِلَا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فيه الأَبْصَارُ  مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُ يَرْتَدُ إِلَيْهِمْ طَرْفَهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء﴾  (إبراهيم: 42-43).

بيد أننا يجب أن نتذكر أن انتقام الله العظيم من الظالم إنما يكون في الآخرة فمهما رأينا من آيات الانتقام الرباني من الظالم في الدنيا .. فيجب أن نعلم أن الانتقام الأعظم والأنكى إنما يكون في الآخرة.

سبحانك ربي!! لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، سبحانك يا مالك الملك!! ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنِ تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكُ مَن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ آل عمران: 26).

كنت أؤدي مناسك العمرة ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك الذي انقضى ببيت الله الحرام، وبعد انتهائنا من أداء صلاة التراويح فتحت هاتفي، إذا برسالة جاءتني من بنت فرق الظالمون بينها وبين أبيها، وحرموها من رؤيته والأنس به وأطالوا وحشتها إليه، وفرقوا بينه وبين زوجته وأولاده، كما فرقوا بينها وبين زوجها ظلمًا وعدوانًا، وإذا بي أقرأ الرسالة فأجدها تناشدني الدعاء بأن يفرج الله كرب أبيها وزوجها، والمظلومين مثلهم، فاستشعرت مرارة الظلم، وأشهد الله أنني كنت أدعو وإحساسي أن الدعاء يصعد في السماء ويصل إلى القوي العزيز، لأنه كان دعاء المظلوم المكلوم ودعاء المضطر إلى ربه، ﴿وأمَن يُجِيبُ الْمُضْطَرَ إِذَا دَعَاهُ ويكشفُ السُّوءَ وَيَجْعَلَكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهُ مَعَ الله قليلا ما تذكرُونَ﴾  (النمل: 62).

سبحانك ربي جل شأنك غفل الظالمون عن عقابك، وغرتهم مناصبهم، وأقسموا من قبل ما لهذه المناصب من زوال، وسكنوا في مساكن الذين ظلموا أنفسهم، رغم أنهم رأوا كثيرا من آيات الله في الظالمين، وتبين لهم كيف فعل الله بهم، ولكنهم أصروا، ومكروا مكرهم، وعند الله مكرهم، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال.. سبحانك ربي !!! ما قدروك حق قدرك وظنوا أن سلطانهم سيمنعهم منك، وغفلوا عن أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.

 ربانا الإسلام على ألا نشمت بمن ظلمنا، فاللهم لا شماتة، كلا .. إنها تذكرة وعبرة أسوقها لنفسي ولكل من قرأ مقالي هذا .. السلطان لا يدوم لبشر، والعز والجلال والقوة والسلطان لله عز وجل، نحن لسنا مثلهم، لا نفعل أفعالهم، لا نعذب تعذيبهم، لا نكذب كذبهم، لا ننكل تنكيلهم، لا نزور تزويرهم لا وحبيب الحق في تعامله مع المجرمين، ونهتدي نسرق سرقاتهم: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾ (القلم: 35)، نحن نقتدي بسيد الخلق وحبيب الحق في تعامله مع المجرمين, ونهتدي كذلك بسيرة أصحابه الكرام رضي الله عنهم, فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يرفض دعوى قضائية يرفعها عمر بن الخطاب رضي الله .

أخال الظالم الآن يحدث نفسه، فيقول: أنا الآن وحيد، لا ناصر لي، لم ينفعني جاهي ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه غريب أنا ، أين قصري ؟ غريب أنا، يتحدثون عنى ولا أملك التحدث، يتهمونني فلا أملك الرد، نفس ما فعلته في ضحاياي ومخالفي, بيد أنهم كانوا على الحق فأعزهم الله ودافع عنهم ورد عن اتهامهم ببراءتهم، أما أنا فلا ناصر لي، ولقد كان أهلوهم يعتزون بهم، ولم يتخلوا عنهم .. أما أنا فلا الأهل أهلي ولا الخلان خلاني.. يا لها من وحشة!! تلك التي يتجرعها من لم يجعل أنسه بالله، ولم يرع حقوق الله وحرمات عباده وحقوقهم... لمن أشكو ؟ لقد شكا المظلومون على يدي إلى خالقهم فاستجاب لهم لأنهم كانوا عباداً له، متضرعين خاشعين راكعين ساجدين قانتين ... أما أنا فلمن أشكو ؟ لقد قطعت بيدي الحبل الذي يربطني بالله، أجل .. لا سبيل لي إلا أن أتشبث به، ولكن أنى يستجيب لي ربي وقد عصيته؟! أنى يستجيب لي وقد سرقت ونهبت ومالي وطعامي من حرام ؟! كيف يستجيب لي ربي وصرخات المظلومين ودعواتهم تلاحقني ودماؤهم تطاردني؟! وأنى يستجيب لي وقد سفكت الدماء؟! الله سبحانه وتعالى يقول عن قتل نفس واحدة ﴿من قتل نفسا بغير نفس أو فَسَاد في الأَرْضِ فَكَأَنما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة: ٣٢).

أنى يستجيب لي ربي وأنا الذي منعت عباده عن بيته وجففت المنابع، فهل بعد ظلمي هذا ظلم ؟! ﴿ومَنْ أظلم ممن مَنَعَ مَسَاجِدَ الله أن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أَوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (البقرة: 114).

كيف يهدأ بالي وأنا الشقي؟ كيف يطمئن قلبي وأنا المعرض عن ذكر ربي وهو القائل: ﴿ومَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى, قَالَ رَبِّ لَمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا, قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى﴾ (طه: 124-126).

يا مَنْ منعت الدواء عن الجرحى والمرضى؟ يا من ساعدت في حصار المسلمين؟! يا من أسهمت في منع الحجاج والمعتمرين!! يا من كتمت شهادة الحق وتوليت الظالمين وعاديت المؤمنين، كيف غرك الشيطان؟! كيف غرتك الأماني ولم تكن من المؤمنين الذين آن الأوان لأن تخشع قلوبهم لذكر الله: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لذكر اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (الحديد: 16).

 لقد فارقت خشية الله، وربما قرأت آية من القرآن الكريم في حفل أو مناسبة من باب الديكور، لكنك لم تتدبر ولم تخشع ولم يستجب قلبك، وختم عليه وأغلق «فَوَيْل للقاسية قلوبهم من ذكر الله﴿ (الزمر: ۲۲). لم يستيقظ ضميرك، ولم تتذكر ضحاياك ولم تدرك حرقة الدموع دمعة الزوجة على زوجها وقد حرمتها منه في يوم عيد!! دمعة طفل بريء بكى شوقا لأبيه وقد حرمته منه، دمعة أم على ابنها وقد فقدته بعد أن قتل ظلما وبهتانا ، دمعة أب على ابنه الوحيد، دمعة أمة على دينها وعرضها وأرضها وديارها!! آن الأوان أيها الظالم أن تذوق ما كنت تجرعه من آلام لأهل الحق الذين خالفوك الرأي، أن الأوان أن تذوق ما ذاقوه وتستغيث فلا مغيث، لأنك عذبتهم واستغاثوا بك فلم تحرك ساكناً، وظننت أنك العزيز ﴿ذق إنك و أنت العزيز الكريم﴾ (الدخان: 49).

 تذكر -أيها الظالم– جرأتك على ربك وحلمه عليك، تذكر عجلتك في الفتك بأوليائه وإمهاله لك، تذكر دموع ضحاياك... هل دموعك الآن كدموعهم؟ كلا، فدموعهم كانت قربة إلى الله وعزة واعتصامًا به، أما دموعك أنت – إن هي ذرفت – فإنها دموع خزي وعار. هل هامتك الآن مثل هاماتهم؟ كلا.. لقد دخلوا السجون وهاماتهم مرفوعة، لأنهم بإذنه سجناء دين ورأي ومبدأ، يرفع الله عنهم بهذا السجن البلاء، ويتقربون فيه إلى ربهم، ويحفظون كتابه، ويقيمون ليله ويصومون نهاره، يرفعهم الله بهذا السجن درجات، ويبلغهم به - إن شاء الله – الجنات, ويحط به عنهم السيئات، ويستقبلون ذلك بابتسامة ترتسم على شفاههم، ويرسمون علامة النصر بأيديهم، فماذا فعلت اليوم أنت بسلطانك وجبروتك؟ وهل نفعك حواريوك وأصحابك؟ وهل نجاك من في الأرض جميعاً أو أووك؟!

أيها الظالم، صل وجُل واستعرض في غابة شياطينك سوء صنيعك، وشر غرسك، تذكر من قتلتهم ومن عذبتهم، تذكر من آذيتهم، وربما كانوا أطفالا أبرياء، أو نساء ضعيفات، أو شيوخا تجاوزوا السبعين، أو نساء عواجيز قد بلغن من الكبر عتيا.. يا من كنت تظن أنك جبار في الأرض، ماذا عساك اليوم أن تفعل مع جبار السماوات والأرض؟!

لا تظن أن ما وقع بك من جزاء هو نهاية المطاف كلا، فإن عذاب الآخرة أشد وأنكى للظالمين، فقد قال رب العزة: ﴿وأنذرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخَرْنَا الي  أَجَل قريب نجبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَ لَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ﴾ (إبراهيم: 44).

ذق وحشيتك وتجرعها فقد أذقتها للبشر وأرواح قتلاك تطاردك ، ومظالم الناس تنتظرك يوم الحساب، يوم الميزان، يوم الصراط، يوم الجنة والنار .. ذلك اليوم الذي كنت تهزأ به إذا ذكرت به، إنه واقع بك لا محالة.. وثق أن حشودا من المظلومين يصبون عليك اللعنات والدعوات، لأنك قد وليت من أمر المسلمين أمراً فشققت عليهم، كم من أناسي رفعوا أكف الضراعة ولا يزالون يدعون ربهم أن ينتقم لهم منك ويقتص، وكم من مظلوم دعا: اللهم اجعله آية وعبرة، وعاقبه بمثل ما عاقبنا به, تشف صدور قوم مؤمنين، اللهم أذقه من الكؤوس التي أذاق منها عبادك، واكشف في الدنيا أمره، وأعلن سره، واهتك ستره، اللهم قد ولي علينا فشق علينا فاشقق يا رب عليه، اللهم لقد كان يعرف بالتعذيب والتزوير والكذب لكنه صمت عن الحق يا رب بعد أن باعه بثمن بخس، بل إنه أمر بالباطل وكره الحق، فاللهم لا تمتعه بما باع الحق به.

تلك عاقبة الظالمين، أسأل الله تعالى أن يجنبنا الظلم وأهله، وأن تكون رسالتي هذه سببًا لتوبة كل ظالم وأوبته، فالظلم ظلمات يوم القيامة.. 

الرابط المختصر :