; من القنيطرة إلى دمشق | مجلة المجتمع

العنوان من القنيطرة إلى دمشق

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 16-سبتمبر-1980

مشاهدات 16

نشر في العدد 497

نشر في الصفحة 4

الثلاثاء 16-سبتمبر-1980

القنيطرة درة الجولان الحصين.. كيف سقطت عام١٩٦٧؟ ولماذا سقطت؟ ومن الذي أسقطها؟ وكيف سقط الجولان وهو من الناحية الجغرافية مؤلف من تسعة خطوط «ماجينو» مصغرة؟

قد يقول قائل: ألم يمضِ على سقوط الجولان أربعة عشر عامًا؟ فلمَ هذه الأسئلة الآن؟ ويجىء الجواب على لسان رأس النظام الحالى فى سوريا، والذي أعطى وعدًا لبعض الزعامات الفلسطينية بأنه قرر حماية الوجود الفلسطيني في لبنان، ولو أدى انشغاله بهذا الواجب إلى سقوط دمشق نفسها!

وهنا طرحت الأسئلة السابقة نفسها.. ترى هل سيمتد سيناريو سقوط الجولان والقنيطرة إلى دمشق؟

وإذا كان العزم الحكومي في دمشق- كما هو معلن- متوجه لحماية أبناء فلسطين في لبنان.. فإن الشعب العربي كله يسأل: من الذي قتل ما يزيد على «٥٠» ألف فلسطيني في تل الزعتر وغيره من مخيمات ومجمعات الفلسطينيين؟ لعل هذا إذا أضيف إلى سيناريو السقوط في القنيطرة والجولان يكشف عن مهمة نظام دمشق في المنطقة، وإلا فإنه من الحماقة أن يرى الشعب العربي مسلسل السقوط.. ويسمع ما يوحي بالاستعداد للتخلي عن دمشق أمام مبررات واهية.. ثم يسكت دون أن يقول إن هناك مهمة جديدة أوكلت لسفاح تل الزعتر وبائع الجولان!!

●كيف سقطت القنيطرة؟

بالرجوع إلى وثائق الدفاع السورية قبل حرب «يونيو» عام١٩٦٧ يقف المراقب على أمور أساسية هي عبارة عن استراتيجية السقوط التي رسمها النظام الطائفي ﺁنذاك، منها:

١ - تسريح الضباط المسلمين الأكفاء من الجيش السوري.

٢ - تعيين العسكريين من صبيان الطائفية في مراكز القوى العسكرية وقيادات الجبهة المواجهة للعدو اليهودي مثل الدرزي سليم حاطوم والنصيري عزت جديد رفعت أسد.

- تسليم وزارة الدفاع ومؤسساتها لغير المسلمين من أبناء الأقليات الطائفية.

- إسناد منصب وزارة الدفاع إلى ضابط نصيري.

كان حاكم سوريا الفعلي آنذاك الطائفي صلاح جديد أما الشعب فكان يعاني من قهر سياسي وحرب طائفية اجتماعية تعمل وفق سياسية تكميم الأفواه ورجم الرؤوس المتحركة بالحجارة. وأما أرض الجولان فقد نقل صاحب كتاب سقوط الجولان قول كبير المراقبين لهيئة الأمم المتحدة: «إن كل شبر من أرض الجولان يساوي منجمًا من الذهب لكثرة ما يغل من حبوب» وأما المراقبون العسكريون فهم يرون في جبهة الجولان المنيعة «تسعة خطوط مصغرة» ومع ذلك فقد سقطت، لكن من الذي طلب من أفراد الجيش السوري أن يتخلوا عن القنيطرة؟

  لقد أجاب الأستاذ «خليل مصطفي» عن هذه الأسئلة في كتابه «سقوط الجولان» الذي طبع في عمان عام ١٩٦٩، وكان المؤلف قبل استلام الطائفية زمام الأمر في سورية ضابط استخبارات في الجيش، وهو يعاني حاليًّا من أقبية النظام ألوان التعذيب منذ أحد عشر عامًا بعد أن تم خطفه من بيروت بأسلوب حضاري فريد.

ويتحدى الكاتب مستشهدًا برأي رجال الجغرافيا وضباط الاستراتيجية العسكرية أن تسقط هضبة الجولان المنيعة بالحرب! لكنه يشير في القسم الثاني من الكتاب إلي أمور منها:

 ١ - هروب قائد الجبهة «أحمد المير» إلي دمشق يوم المعركة متنكرًا على حمار، متحاشيًا الركوب في سيارته العسكرية لئلا يعرفه الجنود.

  ٢ - رفض رفعت أسد وعزت جديد القيام بالهجوم المعاكس لصد العدو، بينما ارتدّا إلى القصور الآمنة في مدينة دمشق.

 ٣ - وفي القسم نفسه يشير الكاتب إلى البيانات والتصريحات التي أطلقت قبل الحرب وخلالها مبرزًا سيناريو السقوط فيمر بتصريح وزير الدفاع حافظ أسد وهو يعلن قبل الحرب بأسبوعين:

«إن الوقت قد حان لخوض معركة فلسطين، وإن القوات السورية أصبحت جاهزة ومستعدة ليس فقط لرد العدوان الإسرائيلي، وإنما للمبادرة لعملية تحرير بالذات، ونسف الوجود الصهيوني من الوطن العربي».. جريدة الثورة السورية -يوم ٢٠\٥\١٩٦٧.

وفي نفس الوقت الذي كان وزير الدفاع يدلي فيه بهذا التصريح الخطير. كان قد أصدر أوامره إلى محافظ القنيطرة «عبد الحليم خدام» بترحيل أسر النصيريين جميعًا مع أمتعتهم إلى دمشق.

  ٤ - ثم يشير الكاتب في مكان آخر من الكتاب إلى بعض الأمور الأساسية ليثبت من ثمَّ بالبراهين القطعية الدقيقة أن المؤامرة كانت معدة ومتفقًا عليها مسبقًا، ويسوق الدليل تلو الدليل.. بدءًا بسحب طعام الطوارئ.. وانتهاء بإصدار البلاغ رقم (٦٦) الذي أعلن فيه وزير الدفاع ﺁنذاك سقوط القنيطرة، قبل سقوطها ودخول اليهود إليها دون قتال بعشرين ساعة!! وفي الوقت نفسه طلب وزير الدفاع من الجيش الانسحاب الكيفي من الجولان.

ومن ثم لاذ الضباط وأفراد من الجيش بالفرار، ليعلن النظام- وعلى رأسه صلاح جديد- انتصاره علي اليهود ما دام اليهود أخفقوا في إسقاط النظام، ولا قيمة لسقوط الجبهة في نظر رجال النظام إذا استمروا علي رأس الحكم.. وسخر الشعب يومها، ولعن الفاعل في الشوارع، وعبر عن استيائه من قصة الغدر هذه.. ثم ماذا؟ لقد كوفئ وزير الدفاع ليصبح رئيسًا للجمهورية بعد أن جسدت ﺁمال أعداء العرب «اليهود» في الجولان وفلسطين بوجود النظام المذكور.

عندما‏ قال الأسد سنضرب:

في مجلة الوطن العربي الصادرة في باريس يوم ١٩٨٠/٨/٢٩‎‏ كتب الأستاذ أحمد الطيب معاش: «في صيف سنة ١٩٦٨ كنت بين المستقبلين الرسميين- بصفتي عميدًا للسفراء العرب في مطار طرابلس الغرب لوزير الدفاع آنذاك- اللواء حافظ أسد، ووزير الخارجية إبراهيم ماخوس.‏

وفي مطار طرابلس دار حديث متشعب عن مختلف شؤون الساعة.. وكان من الطبيعي أن يتطرق الحديث إلى الوضع على الجبهات العربية التي تحدق بإسرائيل من كل جانب، حتى وصل الحديث إلى تناول موضوع الطائرات السورية التي اخترقت حاجز الصوت في سماء الأرض المحتلة وحلقت فوق تل أبيب. ولست أدري وقتها كيف سمحت لي نفسي- في كثير من الطيبة أو الجهل أو الغباوة- بتوجيه هذا السؤال الى اللواء حافظ أسد «وزير الدفاع»: «ما دمتم قد وصلتم إلى أجواء العدو واخترقتم جدار الصوت في سمائه، فلماذا لم تضربوا؟».

وما راعني إلَّا وبعض زملائي العريقين في الدبلوماسية يغمزونني، وتكلمني عيونهم بلغة لم أفهمها.. إلا أن بلبلتي لم تدم طويلًا.. فقد توجه إلي اللواء الأسد وهو يجيبني بعينيه ولسانه معًا ويقول: نعم.. سنضرب إن شاء الله.

ومرت بعدها الأيام والشهور والسنوات، وصرنا لا نسمع حتى اختراق حاجز الصوت من طرف طائراتنا النفاثة أو ذات الاندفاع النافوري..‏ ‏اللهم إلا فوق أجوائنا العربية التي لم تسلم جدران بيوتها من التشقق، ولا زجاج نوافذها من التهشم، ولا حتى صفوف سكانها من التصدع. ‏

ومع ذلك كله فقد بقينا أو بقيت أنتظر وعد اللواء الأسد، الذي قال لي على رؤوس الملأ في قاعة الشرف بمطار طرابلس: سنضرب إن شاء الله.

إلى أن جاءت ضربة حلب ثم ضربة حماة.. ولا داعي لذكر ضربات «تل الزعتر» فهي قديمة.. فتذكرت عندها الضربات الموعودة.. وغمزات زملائي الدبلوماسيين الذين سبقوني في «الحرفة» وفي التجارب أيضا!!».

  • سقوط دمشق

‏إن شهادة هذا الديبلوماسي تكشف شيئين أساسيين:

الأول: أن نظام دمشق لن يوجه أي ضربة أبدًا باتجاه اليهود وتحرير الأراضي المحتلة وإنما هو مكرس وقته لضرب القواعد الشعبية في المدن السورية بغية إزاحة العائق الشعبي الذي يعمل على منع إكمال النظام لمسلسل السلام والتسليم.

الثاني: افتضاح أمر القيادة السورية وتكتيكها المراوغ أمام الهيئات الديبلوماسية

العربية. وهذا التكتيك وهذه المراوغة تتضمن:

‎-١-‏ الجعجعة بلسان وطني لا يعرف قول الصدق في كل مناسبة تدعو إلى ظهور هذا اللسان.

‎٢‏ - وضع العوائق أمام نوازع الشعب العربي الراغب بتحرير الأراضي المحتلة في

سوريا وفلسطين، وأي عائق للتحرير يضاهي ضرب الأجنحة الفلسطينية المسلحة

في تل الزعتر وغيره .. وضرب الشعب الثائر على الصهيونية وعملائها في مختلف المدن السورية ؟!!

‏٣- مهادنة اليهود واتخاذ إجراءات السلام ‏معه تمهيدًا لإكمال مسلسل السقوط الذي يبدو أنه سيتضمن مدينة دمشق هذه المرة، كما صرح رأس النظام في وعده لبعض القيادات الفلسطينية، حيث إن حميته المستجدة في حماية الفلسطينيين الموجودين في لبنان (فقط) تدعوه وتدفع به إلى حمايتهم (بعد أن قتلتهم) ولو أدى ذلك إلى سقوط دمشق نفسها!! أليس هذا شبيهًا بالحلقة السابقة التي خرج فيها نظام دمشق بعد تسليم الجولان عام (١٩٦٧)‏وهو يعلن انتصاره على اليهود طالما اخفقوا في إسقاط النظام، وإلا .. ماذا تعني هذه التصريحات؟ بل ماذا فعل نظام دمشق مع اليهود بعد تسليم الجولان وافتعال حرب عام ١٩٧٣‏ إليك أخي القارئ ما يلي:

‎  -  ‎  ‏في يوم‎4 فبراير 1974 ‏أعلن وزير الخارجية في الحكومة ‏السورية «عبد الحليم خدام»- وكان‎ ‏محافظًا للقنيطرة يوم التسليم- أعلن عن قبول سورية بالفصل بين القوات ‎‏على جبهة الجولان.

‎● وفي يوم ٣٠‏ مايو من عام١٩٧٤ أقر‎‏ المؤتمر القطري الخامس الاستثنائي

لحزب البعث مشروع اتفاقية الفصل بين القوات على جبهة الجولان.

‎● وفي يوم 3 يونيو من عام 1974 وافقت الجبهة الوطنية الحاكمة بالإجماع على اتفاقية الفصل بين القوات، وقد جاء في بيان أصدرته: ‏«إن الاتفاق يحقق لسورية ظروفًا عسكرية وسياسية أفضل لمتابعة النضال»٠‏

‏لقد علق رجال المعارضة السورية على هذه الفعلية الاستسلامية الواضحة للعيان فيما بعد في واحد من منشوراتهم هازئين: ‏«كيسنجر أمر... وخدام أطاع سيده... والحزب وافق.. والجبهة التقدمية أيدت.. فمن هو مع كامب ديفيد يا ترى؟؟»‏

‏فلقد دأب نظام دمشق على اتهام المعارضة الشعبية الثائرة في مدن سوريا

أجمع بالارتباط بالصهيونية والإمبريالية وكامب ديفيد وسائر تلك المحفوظات

العقائدية الداعية للإضحاك والسخرية من مروجيها ونسي ما سطره التاريخ وحفظته الأجيال مما ذكرناه أعلاه!! ولعله إذا استمر في إخراج مسلسله من أجل 

سقوط دمشق سيقول فيما بعد: الشعب في هذه المرة هو الذي سلم

دمشق لليهود.. وأنا مع الشعب!!

الرابط المختصر :