; من ثمرات التاريخ.. عين جالوت أو قفت الكارثة عن العالم (1من2) | مجلة المجتمع

العنوان من ثمرات التاريخ.. عين جالوت أو قفت الكارثة عن العالم (1من2)

الكاتب د. هشام الحمامي

تاريخ النشر السبت 24-نوفمبر-2007

مشاهدات 30

نشر في العدد 1778

نشر في الصفحة 66

السبت 24-نوفمبر-2007

كانت معركة عين جالوت واحدة من أكثر معارك التاريخ الإنساني حسماً وإصلاحاً..إذ أنقذت العالم الإسلامي بل والعالم كله من خطر داهم لم يواجه بمثله من قبل وأنقذت الحضارة الإنسانية كلها من الضياع والانهيار وحمت العالم الأوروبي أيضاً من شر لم يكن لأحد من ملوك أوروبا وقتئذٍ أن يدفعه وأكدت هذه المعركة أن الأمن القومي العربي وحدة واحدة.. خاصة مصروالشام وهو أمر أثبته التاريخ بالقطع واليقين والبرهان في أكثر من منعطف تاريخي...

كانت الهجمة المغولية على العالم الإسلامي شديدة الشراسة فأسقطوا الخلافة العباسية وقتلوا الخليفة المستعصم بالله وهدموا المنازل وحرقوا المساجد وسفكوا الدماء على نحو غير مسبوق وخربوا المكتبات وعمّ الخوف والهلع والذعر في المنطقة كلها إلى حدود لا يصدقها عقل عن التأثير النفسي الهائل الذي اعتمدوه تسهيلا لغزواتهم التالية..وتروي كتب التاريخ عن الاستجابة المهينة للناس جراء تطبيق سياسة التفزيع والترويع مما يدعو للاستغراب الشديد..إنها (ثقافة الخوف) في كل الأزمان والعصور.. وتتابع سقوط المدن في العراق والشام كما أوراق الشجر اليابس في الخريف.. وغدا العالم الإسلامي كله على حافة الهاوية.. ولم يبق من معاقل القوى الإسلامية آنذاك سوى مصر.. واسطة العقد ومربط الأمان..

 ولم تكن إلا مسألة وقت وإعداد حتى عقدوا النية على مهاجمة مصر وكان بينهم وبين بعض الممالك الصليبية المتبقية على ساحل المتوسط اتصال وتشاور.. ولنا أن نعلم أن زوجة «هولاكو» كانت مسيحية شديدة التعصب، وكان قائد جيشه(كتبغا) مسيحي أيضاً.. وعلم الجميع أنه لا قيمة لأي نصر في الشرق كله دون الاستيلاء على مصر.. وأصبحت تلك الحقيقة من المعلوم باليقين والضرورة في العلوم الإستراتيجية حتى يومنا هذا.. وكانت آثار حطين لاتزال باقية..هكذا قال التاريخ للإسكندر من قبل ولنابليون من بعد.

ورتب هولاكو الأمور مع أمراء الممالك الصليبية التي كانت باقية في صور وعكا وطرابلس وقبرص.. على الرغم من أن الجميع كانوا يعلمون أن نية المغول كانت اجتياح العالم كله.. كان يحكم مصر في ذاك الوقت ابن المعز «أيبك» وكان عمره 15 سنة فقام قطز بعزله وأمسك بزمام كل شيء(24 ذو القعدة 657هـ ــ 1259م) وقال للأمراء: «إني ما قصدت إلاّ أن نجتمع على قتال التتار ولا يتأتى ذلك بغير ملك فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو فالأمر لكم أقيموا في السلطنة من شئتم» واستتب له الأمر ولم يكن تهديد مصر قد ظهر بعد بوضوح..إلا أن عقلية قطز الإستراتيجية نبهته إلى ضرورة ترتيب البيت من داخله استعداداً للخطر، القادم وتذكر الروايات عنه أنه كان شديد الفطنة وصاحب مبادرة في تعامله مع الأزمات..ظهر ذلك في ترتيبه لمسألة السلطة وفي إعداده المبكر للمعركة، إذ إن خروجه لم يكن مجرد رد فعل لوقوف المغول على مشارف غزة...

على الجانب الآخر كان الوضع النفسي للمسلمين في حالة من التردي لم تحدث من قبل خاصة وأن العالم الإسلامي كان بلا (خليفة) لأول مرة منذ وفاة الرسول [، وكان الخوف من التتار مستشرياً في جميع طبقات المجتمع الإسلامي.. العامة والخاصة وعمّ الفزع والهلع قلوب المصريين من هول ما وصلهم من أنباء المغول وبأسهم وتنكيلهم بالمسلمين، ففر كثير من التجار إلى المغرب والحجاز.. وكان قطز على علم بإستراتيجية (الرعب الأسبق) التي انتهجها المغول من البدايات الأولى لتحركهم وبالفعل كان قد ارتكبوا أفعالاً من شأنها أن تنتشر بسرعة بين الناس مثل تدمير حلب وحرق الناس ومن قبل في «ديار بكر» حيث قتلوا قائدها بتقطيع لحمه حياً ووضعه في فمه..ناهيك عما حدث في بغداد.. وكانوا يقصدون من وراء ذلك إحداث الهزيمة النفسية فيمن تصل إليهم هذه الأخبار، زيادة على ما اعتاده الناس من مبالغة في نقل الأخبار السيئة.. وكان أن أرسل هولاكو مندوبين إلى مصر برسالة شديدة الوقاحة يطلب فيها الاستسلام، ومما ورد فيها: سلموا لنا الأمر تسلموا قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا، وقد سمعتم أننا خربنا البلاد وقتلنا العباد، فكيف لكم الهرب ولنا خلفكم الطلب؟

فما كان من قطز إلاّ أن حبس الرسل واستشار الأمراء والعلماء فأيد أكثرهم الحرب.

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

قصيدة "مسرى الرسول"

نشر في العدد 76

37

الثلاثاء 07-سبتمبر-1971

حين تنطلق الأمة من.. إسلامها

نشر في العدد 176

17

الثلاثاء 20-نوفمبر-1973