; من دولة كبرى إلى تابعة: روسيا.. عملاق مشلول في الساحة الدولية | مجلة المجتمع

العنوان من دولة كبرى إلى تابعة: روسيا.. عملاق مشلول في الساحة الدولية

الكاتب نبيل شبيب

تاريخ النشر الثلاثاء 01-يوليو-1997

مشاهدات 12

نشر في العدد 1256

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 01-يوليو-1997

روسيا لم تعد تمتلك مقومات النهوض الاقتصادي.. والتقارير الغربية المتخصصة تؤكد أن الطاقة العسكرية النووية صارت في حال يرثى له

موسكو التي راكمت على نفسها زهاء ١٥٠ مليار دولار من الديون الخارجية خلال عشرة أعوام مضت، تدخل خلال عام ۱۹۹۷م الجاري في «نادي باريس» كدولة عضو بين الدول «الدائنة» وموسكو العاجزة عن تسديد رواتب المتقاعدين والجنود والعمال في مواعيد صرفها، موضع الترحيب كعضو ثامن- واقعيًا على الأقل - بين مجموعة الدول الصناعية المسيطرة على أكثر من نصف التجارة العالمية، والتي احتفلت بحضور يلتسين مع زعماء الدول الصناعية السبع في قمة دنفر الأسبوع الماضي.. وعلى حين لم تمض شهور على الهزيمة العسكرية الروسية واقعيًا في الشيشان، وسنوات على الهزيمة في أفغانستان، يعقد أكبر حلف عسكري في تاريخ البشرية «الناتو» اتفاقية جديدة مع موسكو قبل أسابيع لتثبيت علاقات الزمالة والتعاون بين الجانبين. التناقض في هذه الصورة أوضح من أن يحتاج إلى بيان، ويوجد من المحللين الغربيين من يعزو التركيز الغربي الشديد على ممارسة علاقات« استرضاء»، وتعاون مع المسؤولين الروس إلى سببين رئيسيين: الأول: أن الاتحاد الروسي هو الدولة الأكبر مساحة في العالم «17 مليون كيلو مترًا مربعًا، منها زهاء ٤ ملايين من المناطق الإسلامية المحتلة في القرنين الماضيين ولم يشملها الاستقلال بسقوط الاتحاد السوفييتي». ويسيطر على ثروات طبيعية كبرى، يحفظ له موقعًا اقتصاديًا مستقبليًا على الأقل. ولا يريد الغرب أن يقضي تفكك الدولة أو عودة العداء معها، على فرض الاستفادة الغربية في ميادين الاستثمار وعلى الصعيد التجاري، والسبب الثاني: أن في الاتحاد الروسي طاقة موروثة من الأسلحة النووية والكيماوية والحيوية المدمرة، لا يمكن الاستهانة بها فيما لو تجدد

العداء مع الغرب وتبدلت الأوضاع السياسية الداخلية في موسكو. وفي هذين التعليلين جانب من الصواب فقط، وليس كل الصواب، فالاتحاد الروسي لا يمتلك في الوقت الحاضر من الشروط الحيوية الرئيسية للنهوض الاقتصادي - الذي يضمن مكانة متقدمة في الساحة الدولية - ما يمكن من الاستفادة الفعلية من الثروات الطبيعية الذاتية أو التي يهيمن عليها إقليميًا، وجل ما يمكن أن يصل إليه عبر انفتاحه تجاه الغرب، هو أن تتمكن شركات الغرب العملاقة ومؤسساته المالية ذات الخبرة العتيقة في أساليب الاستغلال والهيمنة، من الوصول إلى الثروات وتحقيق الفائدة الأكبر لنفسها أولًا، فباستثناء ارتفاع مستوى المعيشة الاستهلاكية على وجه الاحتمال، لا يبقى الموسكو ما يعطيها مقومات التأثير الفعال والمباشر على صناعة القرار الاقتصادي والمالي عالميًا، وهذا - وليس العضوية المجردة في المنظمات المذكورة - هو ما يضمن المكانة الثابتة التي يريدها بوريس يلتسين لدولته بين «الكبار». كذلك فإن التعليل المذكور من الزاوية العسكرية صحيح جزئيًا فقط، وإذا كانت حرب الشيشان قد أعطت دليلًا عمليًا على حقيقة القدرات العسكرية الروسية في ميدان الأسلحة التقليدية وقد استخدمت الكيماوية أيضًا، فإن التقارير الموضوعية داخل الاتحاد الروسي، ومن مصادرها وزارة الدفاع، كتقارير المعاهد المتخصصة الغربية، تؤكد أن الطاقة العسكرية النووية أصبحت في حالة يرثى لها، فافتقاد المال اللازم لعمليات الصيانة والتطوير الضرورية، يزيد تدريجيًا من أخطار مخزون السلاح النووي وأخطار المصانع النووية على روسيا نفسها وربما على المناطق القريبة منها، ولكنه يقلص في الوقت نفسه أخطار روسيا النووية على من يملك السلاح الفتاك في الغرب، ولم ينقطع عن صيانته وتطويره.

إرضاء طموح يلتسين

لابد من البحث عن أسباب أخرى لتعليل حرص القوى الغربية المسيطرة على صناعة القرار عالميًا في الوقت الحاضر، على التعامل مع موسكو بالاستجابة إلى طموح رئيسها يلتسين في استعادة مكانة« الدولة الكبرى» في خارطة النظام العالمي التي يجرى رسم معالمها على قدم وساق، وإذا رجعنا إلى تطور العلاقات الروسية - الغربية منذ سقوط الشيوعية يمكن أن نميز ثلاث مراحل رئيسية، أولاها مرحلة الإنقاذ عبر القروض المالية مع عدم الاستجابة للمطالب السياسية والأمنية، والثانية مرحلة العودة إلى تمكين موسكو من مجالات معينة للتحرك مع الدول الغربية سياسيًا وأمنيًا وعلى وجه التحديد في البلقان ووسط آسيا، والثالثة هي المرحلة الراهنة التي يجري البحث فيها عن صيغة نهائية للعلاقات السياسية والأمنية، وفي المراحل الثلاث كانت واشنطن من وراء تحديد المعالم الرئيسية للنهج الغربي المتبع، تارة عبر التفاهم مع موسكو دون مراعاة مصالح شركاتها الأوروبيين، كما كان في محتوى الاتفاقيات الثنائية للحد من التسلح النووي البعيد المدى في أواخر عهد جورج بوش، وتارة أخرى عبر الضغوط المباشرة على الشركاء الأوروبيين، كما كان في الفترة الرئاسية الأولى لكلينتون، عندما عارضت واشنطن بإصرار مخططات توسيع حلف شمال الأطلسي أكثر من عامين مراعاة لموسكو، ولم تكن معارضتها أنذاك قادرة على فرض أي شروط تستحق الذكر، وفي تلك الفترة بدأ دعم الجهود الروسية لاستعادة الهيمنة في وسط أسيا، لاسيما حيث ضعفت ضعفًا شديدًا كما كان في جورجيا وأذربيجان وطاجيكستان، وفتحت أبواب التأثير الروسي على الأمن الأوروبي نفسه عبر ثغرة البلقان، بدعم أمريكي أيضًا، كما تجددت أخطار وقوع «نكسة» لصالح الشيوعيين القدماء والقوميين الجدد في موسكو، فكأنما كان تعامل السياسة الأمريكية مع موسكو مقصوداً للإسهام المباشر في إعادة «بعض» المكانة الدولية للاتحاد الروسي. والراجح أن السياسة الأمريكية الدولية الراهنة التي اتخذت طابع العودة إلى دور «الشرطي الدولي» في مناطق معينة تمس المصالح، أو المطامع الأمريكية مباشرة، كما في نفط الخليج، تتحرك في الوقت نفسه بأسلوب الاستعانة بأدوار الشرطة الإقليمية، في مناطق معينة، فمنهم من هو على مستوى الرئيس الأوغندي الحالي في القارة الإفريقية، وهو يعلم بحجم دوره، ومنهم من هو على مستوى الاتحاد الروسي في القارة الآسيوية، وإن كان له إلى جانب ذلك دور مستقل قائم بذاته، وعلى قدر «حجم» الشرطي الإقليمي ودوره والغايات المرجوة من خلاله يمكن أن يصل حجم التعاون الأمريكي معه، فيكون الثمن في إفريقيا في حدود قروض مالية زهيدة وكميات محدودة من الأسلحة، أو يكون تجاه الاتحاد الروسي ما نشهده من دعم وجوده على الساحات الدولية وفي منظمات «الكبار»، إنما لا يعني هذا الدعم الوصول بالعلاقات مع موسكو إلى مستوى التعامل «على قدم المساواة»، وهذا ما كان واضحًا بصورة استعراضية عندما أعلنت واشنطن فجأة عن تحديد موعد لفتح أبواب خلف شمال الأطلسي للتوسعة مهما كان موقف موسكو منها، كما أن الاتفاقية الأمنية المعقودة في باريس مؤخرًا أعطت موسكو حق التشاور، ولكن دون أن يكون لها صوت في صناعة القرار الأمني وفق ما يريده زعماء الأطلسي تحت الهيمنة الأمريكية، وهو أيضًا ما أعطى الرئيس الروسي مقعدًا في قمة دنفر مع تغييبه على جلسة النظر في الأوضاع المالية والنقدية العالمية.

کیان سیاسی ضعیف

لقد تحولت موسكو بعد سقوط الشيوعية واهتراء كيانها السياسي والاقتصادي داخليًا. من عاصمة الاتحاد السوفييتي الذي يسعى بسياساته الذاتية وبمخططاته وتحركاته - بغض النظر عن تقويمها - لفرض وجوده على الساحة الدولية، سواء قبل الأطراف الآخرون بذلك أم عارضوه، إلى عاصمة الاتحاد الروسي الذي لا يملك مقومات هذا الوجود ذاتيًا، فيطلب من الآخرين - إلى درجة الاستجداء. أن يمكنوه من ذلك، إنه التحول من موقع الدولة الكبرى إلى موقع «التبعية» التي بدأت ماليًا في العهد السوفييتي نفسه، وتفاقمت ماليًا أيضًا في السنوات القليلة الماضية، بعد أن أغفل الساسة الروس زمنًا طويلًا، أن القوة المالية أصبحت إلى جوانب عوامل أخرى، في مقدمة أسباب القوة المعاصرة، وأصبحت من شروط المشاركة في رسم معالم الخارطة الجديدة للنظام العالمي. وقد يكون في هذا التحول ما يزيل الأخطار أو يخفف حجمها تجاه الغرب، ولكن لا ينبغي الوقوع في خطأ الاعتقاد بزوالها أو تخفيف حجمها تجاه المنطقة الإسلامية، بدءًا بما لا يزال منها تحت السيطرة المباشرة وتحت الهيمنة الإقليمية الروسية، مرورًا بالأقطار الإسلامية المجاورة لها، وانتهاء بالقضايا المصيرية لبقية الأقطار الإسلامية، على النقيض من ذلك، إن انهيار الاتحاد السوفييتي رافقة تحول الاتحاد الروسي كقوة إقليمية تحمل على عاتقها - وفق مصالحها ومطامعها الذاتية، وبالتكامل مع المصالح والمطامع الغربية وبدعم منها - مهمة رئيسية تتجلى أول ما تتجلى في الحيلولة دون نهوض المنطقة الإسلامية بمجموعها، نهوضاً قائمًا على استقلال قرارها الذاتي، وسيادتها على ثرواتها وأرضها، وتحقيق التكامل والتعاون بين بلدانها، والوصول من خلال ذلك إلى كيان إسلامي له تأثيره على الساحة الدولية ..

الرابط المختصر :