العنوان المعركة على خلافة عرفات بدأت مبكرًا.. من زعيم السلطة القادم؟
الكاتب أسامة عبد الرحمن
تاريخ النشر الثلاثاء 02-ديسمبر-1997
مشاهدات 10
نشر في العدد 1278
نشر في الصفحة 34
الثلاثاء 02-ديسمبر-1997
أبو مازن والرجوب أبرز المرشحين وإسرائيل وأمريكا صاحبة القرار
«فتح» تتحدث عن مؤامرة إسرائيلية وتتهم خطًا في السلطة بالعمالة للاحتلال
ما حقيقة مرض ياسر عرفات؟ ما حجم المشكلات الصحية التي يعاني منها؟ ما انعكاسات غياب عرفات عن المسرح السياسي على عملية التسوية وعلى وضع السلطة وحركة فتح وحماس؟، وهل هنالك احتمالات لوقوع حرب أهلية في هذه الحالة كما تقول سهى عرفات؟
من الخليفة القادم لعرفات؟ هل سيكون من السياسيين أم الأمنيين وما مواصفاته؟ وما الجهة صاحبة القرار في تحديده وما البدائل المحتملة؟
كيف تنظر حركة حماس للحديث الدائر حول احتمالات غياب عرفات؟ وكيف تتعامل مع هذه القضية؟ أسئلة كثيرة تطرح الآن بقوة في الساحة الفلسطينية وتشغل اهتمام الأوساط الفلسطينية والإسرائيلية والعربية وحتى الدولية، وقد تختلف الإجابات ووجهات النظر، ولكن ما هو مؤكد أن معركة التنافس على خلافة عرفات بدأت بصورة مسعورة وغير متوقعة وبات التساؤل المطروح على ألسنة الكثيرين: من الخليفة القادم لعرفات؟
مرض أم شائعات؟
مما أثار الشكوك حول صحة الأنباء التي تحدثت عن تفاقم الوضع الصحي لعرفات، هو أن وسائل الإعلام الإسرائيلية كانت هي الجهة التي طرحت الموضوع بقوة ودفعته إلى واجهة الأحداث، وهو ما دفع الكثيرين إلى التساؤل عن دوافع هذا الاهتمام الإسرائيلي المفاجئ بالوضع الصحي لعرفات في هذا التوقيت الذي تعطلت فيه عملية التسوية، وعبر فيه نتنياهو عن عدم رغبته باستمرار عرفات وأوسلو.
المقربون من عرفات وطبيبه الخاص يحاولون التقليل من أهمية الحديث الدائر عن صحة عرفات ويؤكدون أنه لا يزال يتمتع بصحة جيدة، وقد ذهبت زوجته سهى عرفات إلى اتهام الإسرائيليين بأنهم يعملون على اغتياله بالشائعات، معتبرة أن ما تقوم به إسرائيل مناورة مكشوفة.
وكان العديد من التقارير تحدث عن إصابة عرفات بمرض الباركنسون الذي يؤدي إلى التأثير على الذاكرة وحالات من الاكتئاب، ولكن طبيبه الخاص أشرف الكردي المقيم في الأردن نفى أن يكون وضعه الصحي وصل إلى درجة الخطورة.
حركة فتح وفي افتتاحية نشرتها الداخلية للعدد «۲۱» وجهت أصابع الاتهام «لإسرائيل» بالترويج لتردي الوضع الصحي لعرفات، وقالت: إن تلك الأخبار الملفقة التي يشيعها الإعلام الإسرائيلي وعملاء مخابراته حول صحة الأخ أبو عمار، وعن إصابته بحالات إغماء وهمية ليست سوى محاولة لتهيئة الرأي العام لتقبل نتائج خطتهم الجهنمية وكأنها قضية طبيعية.
وذهبت نشرة فتح إلى القول بأن المراقبين يؤكدون أن محاولة اغتيال خالد مشعل باستخدام مواد كيماوية تؤثر على الدماغ وتجعل الوفاة تبدو طبيعية بعد النوم، كانت مجرد تجربة لاستخدامها ضد القيادة الفلسطينية، والتي قد تتطور باستخدام أجهزة تصوير تطلق أشعة ليزر لها نفس التأثير.
فتح قالت إن المخطط الذي يتبناه نتنياهو سيتم على عدة خطوات:
أولًا: إحداث فراغ قيادي في السلطة الفلسطينية عبر الاغتيال، وبعد تجريد السلطة من كل مقومات مصداقيتها تجاه الجماهير والشعب سواء بعدم قدرتها على إحداث تقدم حقيقي في المفاوضات أو عجزها عن حل مشاكل البطالة.
ثانيًا: العمل على تفجير صراعات واشتباكات وحالة احتراب واقتتال بين مراكز القوى الفلسطينية لخلافة عرفات وهو ما سيؤدي إلى حالة «صوملة» تقف «إسرائيل» منها موقف المتحفز لمناصرة ما أسمته بالخط العميل في السلطة الذي يعمل الشاباك من أجل تعزيزه منذ أن رصدت له موازنة شهرية قيمتها ثلاثين مليون دولار، وأطلقت يده للعمل داخل السلطة في مواجهة عرفات.
ثالثًا: إقحام الأردن من خلال وجوده ضمن قوات طوارئ دولية بعد إحداث الفتنة.
الحديث عن وجود مؤامرة بالتفاصيل المذكورة واتهام خط في السلطة بأنه عميل وينسق مع الشاباك الصهيوني يكشف حجم الخلافات والصراعات التي بدأت مبكرة داخل أجنحة السلطة وفتح، وهو ما يطرح تساؤلاً حول استحقاقات غياب عرفات عن السلطة.
سهى عرفات قالت: إذا غاب عرفات- لا سمح الله- فستكون هناك حرب أهلية، وذهبت إلى القول بأن الإسرائيليين عملوا على تصفية كل الرموز المؤهلة لخلافته مثل أبو جهاد وأبو إياد وأبو الهول مؤكدة أنه لا يوجد في الساحة من هو مؤهل لخلافته.
مصادر إعلامية غربية قالت إن اختفاء عرفات عن الساحة سيمثل لطمة خطيرة للوضع في الساحة الفلسطينية والعملية السلمية التي يرى الكثيرون أنها ستتأثر بغياب عرفات، والسبب في ذلك هو افتقاد أي بديل له لشعبيته ورمزيته التي مكنته من تمرير الكثير من الخطوات والتنازلات للإسرائيليين فيما سيواجه أي شخص آخر صعوبة تمرير مثل هذه الخطوات، كما توقعت المصادر أن يؤدي غيابه بسبب العجز أو الوفاة إلى صراع عنيف بين مراكز القوى لخلافته.
وعلى ما يبدو فإن الصراع قد بدأ فعلًا، حيث بدأت الأطراف المختلفة الاستعداد لمعركة الخلافة عبر ترتيب أوضاعها تحسبًا لأي طارئ فحركة فتح مشغولة هذه الأيام بقضية خلافة عرفات، وتخوض معركة في ثلاثة اتجاهات الاتجاه الأول: شن حملة إعلامية ضد الإسرائيليين واتهامهم بالترويج لشائعات مرض عرفات، والعمل على نفي المعلومات التي تتحدث عن ذلك، والهدف كما يقول مراقبون هو رغبة فتح بكسب الوقت من أجل ترتيب أوضاعها الداخلية.
الاتجاه الثاني: مهاجمة وتشويه الطرف المنافس الذي يشكل التهديد الأكبر لنفوذ فتح وسيطرتها على السلطة، وهو الأجهزة الأمنية التي تضخمت خلال الفترة الماضية.
الاتجاه الثالث: ترتيب أوضاع الحركة الداخلية لخوض معركة الخلافة بحيث تبقى الهيمنة على زعامة السلطة لفتح، وفي هذا الصدد بدأت الحركة مؤخرًا بعقد مؤتمرات داخلية في الضفة والقطاع.
الأجهزة الأمنية تستعد
الأجهزة الأمنية سبقت باتخاذ خطوات مماثلة وتحركت في اتجاهين:
الأول: تعزيز نفوذها في أوساط السلطة، والعمل على الهيمنة والسيطرة على مختلف المفاصل المهمة التي تساعد في حسم معركة التنافس مع رموز حركة فتح، وتتحدث الأخبار الواردة من الأراضي المحتلة عن تحركات واسعة لبعض قادة الأجهزة الأمنية وخاصة جبريل الرجوب من أجل تجنيد أعداد كبيرة وتسليحها استعدادًا لساعة الصفر.
ثانيًا: العمل على إقناع الإسرائيليين والأمريكان بجدارة الرموز الأمنية لخلافة عرفات وقد عاد جبريل الرجوب مؤخرًا من الولايات المتحدة، حيث التقى هناك عددًا من المسؤولين الأمريكيين ومنهم يهود والذين قالت مصادر إنهم يختبرون أهليته لخلافة عرفات، وقد أثارت هذه الزيارة الكثير من اللغط في الساحة الفلسطينية كما حصل سابقًا حينما قام كبير الشرطة العقيد نصر يوسف بزيارة الولايات المتحدة واللقاء مع مسؤولين في المخابرات الأمريكية، وكان عرفات قد عمل بعد تلك الزيارة على تجميد نشاط نصر يوسف وتحييده.
خلافات وحديث عن اغتيالات
المعركة بين فتح والأجهزة الأمنية احتدمت في الأسابيع الأخيرة، بل إن الخلافات احتدمت حتى بين الأجهزة الأمنية نفسها، وداخل فتح نفسها كذلك، فعلى صعيد الصراع بين فتح والأمن الوقائي وجه صخر حبش- عضو اللجنة المركزية لفتح انتقادات واتهامات لمسؤول الأمن الوقائي في الضفة الغربية جبريل الرجوب، حيث تحدث عن تجاوزات ارتكبها جهاز الأمن الوقائي، وتشير بعض المصادر إلى أن صخر حبش يشكل مع هاني الحسن وعباس زكي تيارًا قويًا داخل مركزية فتح، وقد بدأوا حملة لإبعاد مؤيدي الرجوب عن أي مواقع مؤثرة داخل فتح.
وقد رد الرجوب بشدة على اتهامات حبش عبر رسالة وجهها إلى عرفات، وصف فيها حبش بـ«الأرعن»، وقال إنه لن يسمح لهذا السخيف بالاستمرار في نهجه «التدميري»، وأضاف: «إن حبش ومن يتحالف معه في اللجنة المركزية لا يشكل قطعًا مرجعية تنظيمية أو وطنية لأحد، وإن لم يتم حسم مجموعة من المسائل وبوضوح فسنتصدى للسفيه صخر حبش، وسنسحق هذا النهج المشبوه الذي يكرس جهده لتقسيم الحركة بأحذيتنا.
وقد شكل ياسر عرفات لجنة للتحقيق في الخلاف الذي نشأ بين الرجوب وصخر حبش، ولكن لا يتوقع أن تنجح هذه اللجنة في حسم الخلافات التي وصلت حدًا لم يعد من السهل التعامل معه ومعالجته.
وداخل اللجنة المركزية لفتح يجري الحديث عن وجود تيارين، كما يؤكد عضوها هاني الحسن: تيار عروبي وطني- هو في مقدمته بالطبع- وتيار متصهين ينسق مع الإسرائيليين، ويقصد به هاني الحسن على وجه التحديد محمود عباس أبو مازن وعن الصراع داخل الأجهزة الأمنية أكدت مصادر فلسطينية أنه كانت هناك محاولة لاغتيال جبريل الرجوب ذكر أنه أعدها مسؤول جهاز الاستخبارات العسكرية في غزة موسى عرفات، وقالت المصادر إن خطة الاغتيال جاءت بعد تصاعد حدة الخلافات بين الرجوب ومسؤولي الأجهزة الأمنية.
من الخليفة المنتظر؟
أسماء كثيرة تطرح في سوق المراهنات على خليفة عرفات القادم، ولكن ما هو متفق عليه هو أن إسرائيل وأمريكا ستلعبان الدور الأهم في تحديد شخصية هذا الخليفة المنتظر، ثم يأتي بعد ذلك دور حركة فتح، ثم مصر والأردن، أما الشعب الفلسطيني صاحب العلاقة، فلا حول له ولا طول في تحديد زعيمه القادم!!..
والشرطان اللذان تضعهما «إسرائيل» والولايات المتحدة لاختيار خليفة عرفات هما:
1- القدرة على ضبط الأوضاع في مناطق السلطة، وضمان عدم وصولها إلى حد الفلتان الذي قد ينذر بتطورات غير مرغوبة، ولا يمكن السيطرة عليها، ويأتي في مقدمة ذلك الاستعداد لضرب حركات المقاومة وتكبيلها.
۲ - الاستعداد للمضي قدمًا في عملية التسوية وفق الإيقاع والشروط الإسرائيلية وبصورة أفضل مما فعله عرفات.
أما أبرز الأسماء المرشحة لخوض معركة الخلافة فهي:
محمود عباس أبو مازن: الرجل الثاني في السلطة، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومسؤول ملف المفاوضات، وعضو اللجنة المركزية لفتح، وقد لعب الدور الرئيسي في التوصل إلى اتفاق أوسلو عبر مفاوضات سرية مع الإسرائيليين، وقد توصل مع أحد رموز حزب العمل يوسي بيلين في وقت سابق لوثيقة مشتركة حول الحل النهائي للقضية الفلسطينية، وجميع هذه العوامل تجعله من أبرز المرشحين لخلافة عرفات، فهو الأنسب من الناحية السياسية، ولكن نقطة ضعفه الوحيدة هي عدم وجود نفوذ داعم له في الأجهزة الأمنية وربما يكون «أبو مازن» الضعيف أمنيًا مفضلًا عند «إسرائيل».
أحمد قريع «أبو العلاء»: وهو عضو في اللجنة المركزية لفتح، ورئيس للمجلس التشريعي، وهو ما يعني أنه سيتولى مهام رئيس السلطة خلال الفترة الانتقالية القصيرة التي تسبق إجراء انتخابات عامة لاختيار رئيس السلطة في حال غياب عرفات، وهو من الناحية السياسية مقبول لدى الإسرائيليين، وكان له دور في التوصل لاتفاق أوسلو، وفي إدارة عملية المفاوضات، ولكنه لا يمتلك رمزية سياسية وشعبية كتلك التي يتمتع بها محمود عباس، وهو أيضًا لا يتمتع بدعم من الأجهزة الأمنية.
فاروق القدومي: وهو عضو مركزية فتح، ورئيس الدائرة السياسية للمنظمة، ولكن وجوده خارج الأراضي المحتلة يضعف من فرصه.
فيصل الحسيني، وصائب عريقات وحيدر عبد الشافي: وهؤلاء كانوا من رموز الداخل قبل عودة رجالات المنظمة من تونس، وقد تراجع دور هذه الشخصيات مؤخرًا، ولم تعد تشكل أسماء بارزة.
أما من الأمنيين فإن جبريل الرجوب- مسؤول الأمن الوقائي في الضفة الغربية- هو من أقوى المرشحين، وهو يعد نفسه منذ فترة ليست قصيرة لمثل هذا الأمر، وقد حاول عرفات سابقًا عزله عن موقعه، إلا أن الرجوب رفض الانصياع لقرار عرفات فاضطر هذا للسكوت بسبب إصرار الإسرائيليين على بقاء الرجوب في موقعه.
وإلى جانب الرجوب هناك محمد دحلان مسؤول الأمن الوقائي في قطاع غزة، ونصر يوسف الذي تراجع نفوذه مؤخرًا، ولكن أيًا من هؤلاء لا يرقى إلى قوة الرجوب.
وماذا عن حماس؟
وفي ظل الانشغال بأزمة البحث عن بديل لعرفات، طرحت العديد من التساؤلات حول موقف حماس من الأزمة واحتمالات دخولها على الخط وقد آثرت الحركة حتى اللحظة الوقوف على الحياد إزاء الصراع الدائر.
رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل عبر عن أسفه لكون مجمل الصراعات والمنافسات على الساحة الفلسطينية لا تدور اليوم على أساس البرامج بقدر ما تقوم على أساس المكاسب والمغانم الفئوية والشخصية نتيجة لنهج الاستفراد والتسلط والإفساد والشللية الذي سيطر على السلطة.
إن مؤشرات الأزمة المتفاقمة للصراع على السلطة أكثر من خطيرة، وقد تدفع إلى وقوع ما لا تحمد عقباه، ولكن ما هو مؤكد أن الشعب الفلسطيني الذي عركته التجارب، وواجه الكثير من مؤامرات ودسائس الاحتلال لن ينجر بسهولة لحرب أهلية.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل