العنوان من سيدفع ثمن اعتراف الفاتيكان بـ«إسرائيل»؟
الكاتب فهد العوضي
تاريخ النشر الثلاثاء 11-يناير-1994
مشاهدات 11
نشر في العدد 1083
نشر في الصفحة 39
الثلاثاء 11-يناير-1994
كان يوم الأربعاء 29/12/1993م يومًا تاريخيًا بالنسبة لإسرائيل والفاتيكان حيث وقع الطرفان في القدس مؤخرًا على وثيقة تنص على الاعتراف المتبادل، واعتبار وجود كليهما وجودًا شرعيًا على الساحة السياسية والدينية وسيعقب ذلك تبادل السفراء بين البلدين في مدة أقصاها أربعة أشهر من توقيع نص الاتفاقية.
هذا وقد جاء الحدث - الذي اعتبرته الصحف الإسرائيلية نصرًا مؤزرًا وإنجازًا عظيمًا في تاريخ الدولة اليهودية – جاء بعد مباحثات مطولة بين الفريقين استغرقت حوالي ۱۸ شهرًا. وتنص بنود الاعتراف على عدة قضايا منها ما يلزم الجانب الإسرائيلي كالاعتراف بوجود ما يربو على ٦٠ ألف نصراني في أرض الكيان الصهيوني وضمان حرية عبادتهم ودخولهم إلى الأراضي المقدسة «القدس»، ومنها ما يلزم جانب الفاتيكان كالعمل على نبذ العنصرية «!»، وسلوكيات التعصب الديني بالإضافة إلى نبذ دعم وتشجيع التيار أو الاتجاه «اللاسامي» وقضايا أخرى سيتم تفصيلها لاحقًا من قبل لجنة كونت من كلا الطرفين وشكلت خصيصًا لبحث بنود الاتفاقية، ومن المتوقع أن تنتهي اللجنة من عملها وبصيغة مبلورة بعد عامين من الآن.
الجدير بالذكر أن اعتراف الفاتيكان بإسرائيل يأتي بعد ٤٥ عاما على الوجود الإسرائيلي، وبعد ٢۰۰۰ عام من الصراع التاريخي – الديني بين اليهود والنصارى.
نبذة تاريخية عن علاقة الفاتيكان بدولة إسرائيل
لم تكن العلاقة بين النصارى «الكاثوليك» واليهود علاقة مشجعة بتاتًا، بل يصح الوصف بأنها كانت متوترة للغاية إلى حد الاستفزاز والهجوم، فقبل ٩٠ عامًا مضت وعندما وقف وقتها تيودور هرتزل يلقى خطابه المشهور أمام مختلف الجاليات اليهودية وبعدها بأرض الميعاد وقف أحد البابوات الذين حضروا خطابه وقال: «لو دخلتم إلى فلسطين واستوطنتم فيها فسنعمل هناك على تجهيز كنائسنا وقساوستنا لتنصيركم جميعًا وتعميدكم بلا استثناء». فقد كانت العداوة وقتها مستشرية جدًا بين الطرفين، وكان هناك بالإضافة إلى ذلك طموح غير عادى من الجانب الكاثوليكي للسيطرة على أرض القدس واستعادة أمجاد الماضي والتي من أجلها نشبت الحروب الصليبية. وفي عام ۱۹۱۷م. وعندما كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني عملت الفاتيكان وقتها على تشكيل لوبيات عديدة من أجل الضغط والسيطرة على المنطقة بدلًا من الاستعمار البروتستانتي الإنجليزي، غير أن الجهود الجبارة لم تأت بنتيجة خاصة عندما غادرت القوات البريطانية فلسطين عام ١٩٤٧م تاركة إياها تحت إدارة الأمم المتحدة. وقد استطرد الجانب الكاثوليكي جهوده ولم يستقطعها خصوصًا عام ١٩٦٧م حيث كان يطمح إلى وجود حقيقي وبارز في القدس، غير أن كل جهوده فشلت ولم تسفر عن نتائج ملموسة.
كان من الطبيعي ألا يعترف الفاتيكان بالدولة اليهودية عام ١٩٤٨م خاصة وهو يؤمن بأن بداية خروج اليهود من فلسطين وتشتتهم في مختلف بقاع الأرض جاء كعقاب من الله على كفرهم بعيسى وخيانته، ومن أن السبيل الأوحد والشرعي لعودتهم إلى فلسطين لا يكون سوى عن طريق الإيمان به، غير أن هذه النظرة تغيرت فيما بعد، وعدلت في خطاب الفاتيكان الرسمي عام ۱۹۸۷م الذي أكد بأن العوائق الحقيقية وراء تكوين دولة إسرائيل هي عوائق سياسية بحتة ولا علاقة لها بالدين أو بموقف
اليهود من المسيح.
بوادر التقارب النصراني اليهودي
بدأت العلاقة بين الطرفين تتغير في أواخر الستينات عندما بدأت باباوات الفاتيكان في استقبال رؤساء وزراء ورموز يهودية معروفة من إسرائيل. وصحيح أن زيارة بابا الفاتيكان لإسرائيل عام ١٩٦٤م لم تتمخض عن نتائج إيجابية حيث تجنب مجرد النطق باسم الدولة المضيفة «إسرائيل» طيلة فترة إقامته فيها «!» إلا أن بابا الفاتيكان الحالي –يوحنا الثاني– لم يكتف مؤخرًا بمجرد الاعتراف بالكيان الصهيوني وإنما أكد على شرعية وجود وطن قومي وأمن لليهود.
أهمية الاعتراف
يقول البعض بأن محادثات السلام بين العرب وإسرائيل كانت هي نقطة البداية الأساسية للمحادثات والاعترافات النصرانية-اليهودية «!» فقد علق الفاتيكان من خلال عدة تصريحات استعداده للقاء الجانب الإسرائيلي على قدرة الأخير في حل قضية الشرق الأوسط وما يتعلق بموضوع اللاجئين الفلسطينيين ووضعية الضفة والقدس على أن أهمية الاعتراف كان من عدة منطلقات أهمها إعطاء إسرائيل شرعية الوجود في أعين ملايين الكاثوليك في أنحاء العالم وما قد يترتب على هذا من نتائج قد تظهر أبعادها في أوقات قريبة لاحقة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل