; عبادات: 1577 | مجلة المجتمع

العنوان عبادات: 1577

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر السبت 15-نوفمبر-2003

مشاهدات 23

نشر في العدد 1577

نشر في الصفحة 51

السبت 15-نوفمبر-2003

مواكب النصر والفتح في شهر القرآن

محمد مصطفى ناصيف

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة:١٨٣).

يقطع المؤمن في هذا الشهر المبارك رحلة روحية متجددة إلى رضوان بارئه، فقد اختص الله سبحانه وتعالى شهر رمضان.. ليكون مطلع النور، وضياء البشرية كلها بتنزيل القرآن فيه ويصبح هدى للناس وبينات، بعدما انطلق الهدى من ذلك الغار المظلم الذي انقدحت فيه أول نقطة نور أضاءت لها جنبات مكة المكرمة، لترسل شعاعها إلى جميع أنحاء الدنيا بدعوة، دوَّی رجعها في أطراف العالم حين قال الله تعالى لرسوله اللاجئ إليه في غار حراء ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق:١)، فاتصلت الأرض بالسماء بأول خيط من النور، ومست وجه الأرض أولى قطرات الوحي المبارك... فاهتزت وربت وأنبتت معاني لا يدركها إلا الذين تجردوا عن شهواتهم، وكبتوا كل رغباتهم في سبيل الله، وتلذذوا بحلاوة تجميد الشهوة والنفس بسلاسل الصوم.... حتى غدت رائحة أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك. لقد وقعت أهم أحداث الإسلام الظافر في ذلك الشهر المبارك، وها نحن نطوف في مواكب النصر التي حققها الصائمون بطاقة روحية قهرت الأعداء والأحداث، وبثت في أمة الإسلام روحاً وثابة تصل إلى غايتها بكرامة الصائمين وعزة المؤمنين.

 

يوم الحدث

سنة الحدث

                  الحدث

٢ رمضان

 

٣ رمضان 

 

٤ رمضان

 

 ٥رمضان

٧ رمضان

 

٨ رمضان ٩رمضان

 

 

٩ رمضان

 

 

٩رمضان

٩ رمضان

 

٩ رمضان

 

٩ رمضان

 

٩ رمضان 

 

١٠رمضان

 

١١رمضان

 

١٣رمضان

 

 

١٤رمضان

 

١٧رمضان

 

 

١٩رمضان

 

٢٠رمضان

٢١رمضان

٢٢رمضان

 

٢٢رمضان 

 

 

٢٣رمضان

٢٤رمضان

 

٢٥رمضان

٢٥رمضان 

 

٢٦رمضان

 

٢٧رمضان

 

 

٢٨رمضان

 

٣٠رمضان

 

٨٢هـ

 

٩ه‍ـ

 

١ه‍ـ

 

٥ه‍ـ

٨٩هـ

 

٢هـ

١٠هـ

 

 

١٥هـ

 

 

٣٩هـ

٩١هـ

 

٣٦١ هـ

 

٥٤٩ هـ

 

٥٥٩ هـ

 

۱۳۹۳ هـ

 

١٤ هـ

 

٩هـ

 

 

٦٦٦ هـ

 

٢هـ

 

 

٢٢٣هـ

 

٨هـ

٥٨٤هـ

٦هـ

 

٦٤٨ هـ

 

 

٣٦٢هـ

٦٥٨ هـ

 

٨هـ

۱۷۹هـ

 

٩٢٧هـ

 

١٣قبل الهجرة

 

٩٢ هـ

 

٩٤ هـ

انتصار المسلمين على الكاهنة زعيمة البرير.. وفتح المغرب الأوسط. 

استقبال وفد ثقيف وتكليف أبي سفيان والمغيرة هدم اللات.

مسيرة أول لواء أبيض عقده الرسول الكريم السيد الشهداء« حمزة بن عبد المطلب».

استعداد المسلمين لغزوة الأحزاب.

انتصار المسلمين بقيادة محمد بن القاسم الثقفي في السند على ملكها داهر.

خروج رسول البشرية ... الملاقاة قريش.

إسلام قبيلة همدان في اليمن، وصلاتهم، وصلوا خلف الإمام علي المكلف من النبي ﷺ.

خمدت نیران فارس، وقضي على المجوسية وتداعى إيوان كسرى إلى الأبد في موقعة القادسية.

انتصار المسلمين وفتح جزيرة رودس.

انتصار المسلمين بقيادة طارق بن زياد علي رودريك.

استكمال بناء الجامع الأزهر.

استرداد جزء صفد من الصليبيين بقيادة صلاح الدين الأيوبي.

استرداد بلدة حارم قرب حلب من الصليبيين بقيادة نور الدين زنكي.

انتصار المسلمين على الصهاينة المجرمين الغاصبين.. وتحطيم أسطورتهم.

انتصار المسلمين في معركة البويب في العراق.

قدوم الوفود من حمير ومن الطائف ومن اليمن فأكرم الرسول العظيم وفادتها ... وقد أسلموا.

انتصار المسلمين وفتح انطاكية بقيادة القائد بيبرس.

انتصار الإسلام والمسلمين في غزوة بدر الكبرى وتثبيت دولة الإسلام في المدينة المنورة.

استجابة المعتصم لمناداة مسلمة استصرخته، والنصر في عمورية.

الفتح الأعظم، فتح مكة المكرمة.

تحرير سورية من الصليبيين.

إرسال سرية «زيد بن حارثة» إلى أم قرنة.

 

انتصار المسلمين باسترداد بيت المقدس وإقصاء الصليبيين بقيادة صلاح الدين الأيوبي.

انتصار الحمدانيين في حلب على البيزنطيين.

انتصار المسلمين على المغول في معركة عين جالوت.

هدم الأصنام في مكة المكرمة.

انتصار المسلمين في معركة الزلاقة في الأندلس.

انتصار المسلمين بفتح مدينة بلجراد بقيادة القائد العثماني مراد.

التقاء الأرض بالسماء... ونزول الوحي على سيد البشرية لأول مرة في غار حراء بـ«اقراء».

امتداد دولة الإسلام في الأندلس.

انتصار المسلمين بفتح مدينة ماردة ومحاصرة إشبيلية بقيادة موسى بن نصير .

 

   شهر التجارة الرابحة 

 د. عماد قطب

دأب التجار الحاذقون على مراجعة أعمالهم وحساباتهم من أن لآخر واهتبال كل فرصة متاحة للاستفادة منها، وإنعاش تجارتهم غاية الإنعاش هذا حال تجار الدنيا، فما بال تجار الآخرة يغفلون عن هذا المعنى في كثير من الأحيان وهم يدعون إليه في كل وقت وحين من خلال تجدد الليل والنهار؟.

فها هو الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضعها معلماً لنا من خلال حكمته المشهورة: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا وتهيئوا للعرض الأكبر». وإنه لعمري لمقتف أثر نبيه الكريم ومعلمه الأول عليه الصلاة والسلام، القائل في حديثه الشريف: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله» (رواه الترمذي).

والأمر لا يقف عند حد حساب النفس على ما مضى من أيام، بل يمتد إلى الاستعداد للمقبل من المواسم لقضائها في طاعة الله وكنفه، ويعد التراخي في هذا الجانب تقصيرًا يحاسب عليه الإنسان حسابًا شديدًا، كما ورد في قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ (التوبة:٤٦)

ونبينا الحبيب يحثنا كذلك ويربي فينا ملكة الاستعداد لاهتبال القادم من فرص الطاعة كما ورد في حديثه الشريف «اطلبوا الخير دهركم كله وتعرضوا لنفحات الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده» (المعجم الكبير للطبراني).

وإنه لفضل من الله ومنة على عباده أن جعل لهم هذه النفحات للدنو منه والتكفير عما مضى من تقصير، ومن أجل هذه النفحات شهر رمضان المبارك، فهلا شمرنا عن سواعد الجد والاجتهاد لتغتم هذا الشهر من خلال بعض هذه المشروعات العبادية المقترحة ﴿وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ (المطففين:٢٦).

١- مشروع الصيام: والصيام المرجو ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، فرب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، كما ورد في الحديث (مسند الإمام أحمد)، ولكنه صيام الجوارح عن معصية الله وانطلاقها في طاعته سبحانه ألا فليستشعر صاحب هذا المشروع قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء:٣٦)، فيسعى إلى أن يوظف كل جارحة أثناء صيامه في الوظيفة التي خلقها الله من أجلها، ويكفها عن كل ما يغضب الله، وليحقق المقصود من الصيام، كما ورد في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة:١٨٣).

٢- مشروع القرآن: القرآن الذي يشكو إلى الله هجران العباد له سواء تلاوة أو عملًا يحتاج منا في هذا الشهر -الذي هو شهره الذي أنزل فيه- أن نعيد صياغة علاقتنا معه على وفق ما أراد الله، نحن في حاجة إلى أن ننهل من القرآن تلاوة وتدبرًا وعملًا... يتعلم صاحب المشروع أحكام التجويد ويضاعف التلاوة ويعرض نفسه على كتاب الله كما كان داب الصالحين من سلف هذه الأمة.. يرى صفات المؤمنين الصادقين، ويقيس نفسه عليها، ويحاول استكمالها في نفسه، ويسأل الله العون في ذلك ويقف كثيرًا على صفات الكافرين والمنافقين، ويرى هل في نفسه شيء منها، فإن كان سارع إلى الخلاص منها، وإن لم يكن حمد الله تبارك وتعالى على براءته منها، وسأله الثبات على ذلك.

٣- مشروع اخلاقي: مما لا شك فيه أن كلًا منا فيه قدر من العوج الذي يحتاج إلى تقويم، فكما ورد في الحديث: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون».

وكل إنسان يعلم أنه يحتاج إلى تحسين جانب خلقي معين من أخلاقه وإلى التخلص من جانب رديء آخر، وقد علمنا في ديننا أن العلم بالتعلم والحلم بالتحلم، وأن الأخلاق تكتسب برياضة النفس، وحملها على محاسن الأخلاق، فلماذا لا يكون لكل صائم نية وعزيمة على التخلص من خلق رديء واكتساب أو تقوية خلق حسن في أثناء الصيام؟... لأن نبينا الكريم قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (مسند الشهاب).

٤- مشروع الإنفاق: والإنفاق كان عنوان نبينا الكريم.. إذ كان ﷺ أجود من الريح المرسلة وقال عنه قائلهم: «أتيتكم من عند من يعطي عطاء من لا يخشى الفقر» (رواه مسلم)، وقالت عنه عائشة رضي الله عنها: «كان أجود ما يكون في رمضان»، وما أحوجنا نحن المسلمين إلى أن نربي في أنفسنا على معنى الجود والعطاء في شهر رمضان، وليكن في يقيننا أنه «ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت» (كما ورد في الحديث - مسند الشهاب)، وأن «الشح والإيمان لا يجتمعان في قلب عبد أبداً»، (كما ورد في الحديث الذي رواه النسائي).

٥- مشروع صلة الأرحام: كم من رحم مقطوعة يحتاج من الصائم إلى جهد لوصلها من منا نحن الصائمين ليس له نصيب من هذه الأرحام؟! من منا لا يحتاج على الأقل أن يجدد صلته بأرحامه؟! كلنا في حاجة إلى هذا ... فليكن لكل واحد عزمة قوية لاستغلال هذا الشهر الكريم في وصل الأرحام المقطوعة وتجديد العلاقات التي ذبلت، وعلاها الصدأ مع أهلنا وجيراننا. وكل من له حق علينا، وخصوصاً أن النفوس تكون -والحمد لله- مهيأة لذلك أثناء الصيام.

وما أجمل أن يدخل الصائم مشروعه وهو على يقين أن الله معه، وأنه موفقه إن صدق في عزمه، صدق الله فصدقه الله.. يدخل وهو يستمع إلى الرحم المعلقة في عرش الرحمن تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله. 

إن كل مشروع من المشروعات السابقة له من الفضل ما لا يتسع المجال لحصره، وإنني على يقين أن المفلح في أي منها رصيده عند الله عظيم وأن وصوله إلى الله موفق ولست بهذه المشروعات العبادية حاصراً أنواع العبادات في رمضان، ولكنها خواطر في داخل النفس أحببت أن أحدث إخواني بها عسى الله أن ينفعنا بها جميعًا.

   الصيام مدرسة الأخلاق 

د. زيد بن محمد الرماني ([1])

الصوم في الشرع إمساك عن الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية الصيام، فمن حقق هذا في صيامه كان صيامه صحيحاً في ظاهر الشرع، ولكن قبوله  - كقبول سائر العبادات - يحتاج مع ذلك إلى مجاهدة ومصابرة في تحقيق غاياته وأهدافه المرجوة شرعًا منها.

فكم من مصل لا يحقق من صلاته إلا الأعمال الظاهرة من قيام وركوع وسجود، كما قال رسول الله ﷺ: «رب مُصل ليس له من صلاته إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها حتى بلغ عُشرها». 

وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، كما قال رسول الله ﷺ: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».

لقد شُرع الصوم من أجل أن تسمو النفوس البشرية إلى عالم الخير، وللتريض على الصفات النبيلة التي تؤهلها للسعادة في الدارين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة:١٨٣).

وقد جعل الله الصوم شهراً في السنة يتزود فيه المؤمنون بحكم الصوم وفضائله لباقي شهور العام حتى يصلوا إلى التقوى، بحيث يتقون بتلك الفضائل الشرور والآثام.

الصبر

ومن أهم حكم الصوم وفضائله أنه يربي في الصائم ملكة الصبر والمصابرة عن الشهوات المفسدة للأخلاق، إذ من ربى نفسه طيلة شهر رمضان على ترك شهواته المباحة الميسورة، امتثالاً لأمر الله تعالى واحتسابًا، يرجى منه أن تتربى عنده ملكة ترك الشهوات طيلة شهور السنة.

يقول أحمد الحبابي في كتابه «مرونة الإسلام» إن من أهم حكم الصوم تربية ملكة الصبر على المكاره والمشاق، إذ من صبر طيلة أيام شهر كامل على احتمال مشقة الجوع والعطش ـ سيما في الأيام الطوال الحارةـ فإنه يرجى أن تتربى عنده ملكة الصبر في المواطن التي تحتاج إلى ذلك.

الرحمة

ومن فضائل الصيام تربية ملكة الشفقة والرحمة على الفقراء والمساكين، فإنه حينما يشتد جوع الصائم وعطشه يشعر بحاجة إخوانه المحتاجين، وربما حمله ذلك على الإحسان إليهم وفي ذلك إصلاح اجتماعي، وبهذا ترتبط فريضة الزكاة بفريضة الصيام برباط ديني اجتماعي إنساني متين.

المراقبة

ومن خصائص شهر رمضان تعلم الصائم مراقبة الله عز وجل في جميع أعماله طيلة شهور السنة، إذ عند ترك الصائم كل ما يرغب فيه أيام صيامه من أكل طيب وشراب عذب وفاكهة شهية وكل ما يستهويه من الملذات امتثالاً لأمر الله تعالى، فإن من نتائج هذا أن تتقوى لديه ملكة المراقبة ومحاسبة النفس بقية شهور العام. 

الأمانة: الصوم فرصة لتربية ملكة الأمانة في شعور الصائم ووجدانه، إذ من عرف بأن الصوم دين عليه، وأمانة في عنقه، ثم قام بواجبات هذه الأمانة ووفى حقوقها، كان أحرى بأداء العبادات والمعاملات الأخرى على خير وجه.

النظام

وفريضة الصيام تربي في نفسية الصائم ملكة النظام في جميع أعماله، فإنه حينما يلتزم وقتاً محدداً لصومه وإفطاره وسحوره وقيامه وتلاوته للقرآن وزيارة الأقارب والأصحاب فإن ذلك يربي عنده حب النظام والمحافظة على ترتيب الأعمال.

الوحدة

وفي شهر رمضان يتجلى مظهر الوحدة والاتحاد بين المسلمين، فهم جميعاً يُمسكون عن كل مفطر في وقت واحد قبل مطلع الفجر، ثم يُقبلون جميعاً على الإفطار في وقت واحد عند غروب الشمس. 

وخلاصة القول: أن في فريضة الصيام في شهر رمضان فضائل وحكماً وخصائص لا توجد في غيره، مما يعني تأكيد اغتنام هذه الفضائل بنية صادقة وإخلاص لله سبحانه، رجاء الثواب الجزيل.

... وفوائد صحية: كما أن في الصوم فرصة لإذابة شحوم المترهلين والتخلص من المواد السامة المترسبة في الأبدان، ولا سيما أبدان المترفين قليلي العمل، وتطهير الأمعاء من السموم التي تحدثها البطنة، فكثير من المرضى يتعافون أثناء شهر رمضان، وصدق من قال: «صوموا تصحوا».

ومن يسر الإسلام ومرونته تخفيفه سبحانه وتعالى وترخيصه لأصحاب الأعذار بالفطر في رمضان حيث قال عز وجل: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة:١٨٤)، ومن المعلوم أن الإطاقة أدنى مسكين درجات المكنة والقدرة على الشيء، تقول العرب في الرجل: أطاق الشيء إذا كانت قدرته عليه في نهاية الضعف. 

والمراد بـ ﴿الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ الشيوخ الضعاف والمرضى الذين لا يُرجى برء أمراضهم ومن في حكمهم، فهؤلاء لا صيام عليهم وإنما تجب عليهم الفدية وهي إطعام مسكين عن كل يوم من أوسط ما يطعمون منه أهليهم.

غذاء القلب والروح

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة:١٨٣).

اختار الله شهر القرآن العظيم شهر رمضان.. وفرض فيه الصيام الذي تتعدد حكمه ومنها:

- في الصيام تحرير للإنسان من غرائزه وشهواته.

 -في الصيام تقوية للإرادة وتربية على الصبر، فيجوع وأمامه الطعام الشهي، ويعطش وبجواره الماء البارد العذب، ويجتنب الشهوة وبجانبه زوجته، لا رقيب عليه غير الرب، ولا يعينه على ذلك بعد ربه إلا إرادته وصبره. 

- في الصيام يعرف الإنسان نعم الله عليه.... عندما يذوق مرارة الجوع وشدة العطش.

- في الصيام تذكير للغني بجوع الفقراء، وبؤس البائسين فيرق لهم ويعطف عليهم. 

- في الصيام تمام التسليم لله، وكمال العبودية لرب العالمين، ولهذا جاء في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي» (رواه مسلم).

- وفي الصوم تقوية للبدن، وشفاء له من الأمراض.

- وفي الصيام.. راحة للمعدة من عناء الهضم، وتخليص الجسم من السموم والفضلات الضارة، وصدق رسول الله ﷺ إذ يقول: «صوموا تصحوا» (رواه الطبراني). 

- شرع الصوم في الإسلام إيقاظًا للأرواح، وتصحيحًا للأجساد وتقوية للإرادة.. وتعويدًا على الصبر وتربية لمشاعر الرحمة، وتدريبًا على كمال التسليم لرب العالمين.

وقد كان نهار السلف في الصيام نشاطًا وإنتاجًا وإتقانًا، وليلهم تزاورًا وتهجدًا وقرانًا... كان شهرهم كله تعلمًا وتعبدًا وإحسانًا.. ألسنتهم صائمة لا تقع في رفث أو جهل.. أذانهم صائمة فلا تسمع حراماً وعيونهم صائمة فلا ينظرون إلى حرام وفحش.. وقلوبهم صائمة فلا تعزم على خطيئة أو إثم وأيديهم صائمة فلا تمتد بسوء أو أذى. 

ذلك هو الصوم في الإسلام.. لم يشرعه الله تعذيبًا للبشر، ولا انتقامًا منهم، بل رحمة بهم وتفضلًا عليهم، فاجعلوا من رمضان موسمًا لطاعة الله ومضاعفة الخيرات، والعطف على الضعفاء والمحرومين، فالله جعله للقلب والروح فلا تجعلوه للبطن والمعدة، وجعله الله للحلم والصبر، فلا تجعلوه للغضب والطيش، وجعله الله للسكينة والوقار، فلا تجعلوه للسباب والشجار، وجعله الله تهذيبًا للغني الطاعم ومواساة للبائس، فلا تجعلوه معرضاً لفنون الأطعمة والأشربة، تزداد فيه تخمة الغني.. بقدر ما تزداد فيه حسرة الفقير.. فاستعينوا بصومكم على تقوى الله لأنه سبحانه جعله عوناً على التقوى... لعلكم تتقون.

[1] عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود.

من ثمرات الصوم

شهر رمضان هو شهر النشاط والعبادة والطاعة التي تزيد من صلة المسلم بربه، وتفتح له آفاق الأمل والاستبشار وتطرد عنه ظلال اليأس والقنوط، إنه شهر الصبر، وشهر تفاعل القلوب مع الصبر الذي لا يمكن تغيير المجتمعات وتحويل وجهتها إلا به، إنه شهر عودة المؤمن إلى الذات لمحاسبتها ومراجعة ما لها وما عليها وتقدير السلوك الصحيح في الحياة الذي يرضي الله ويقي غضبه وسوء حسابه، إنه شهر التذكير بحقوق الرب على عبده، وتدريب إرادته وتحقيق عبوديته، وتربية مشاعره وتعريفه بالنعمة.

وبالصوم في هذا الشهر يتمثل الصدق في العبادة، لأنه أمر موكول إلى نفس الصائم، ومراقبته لربه، كما أنه يقوي في المسلم الفضائل ويضبط نفسه ويقوي عزمه، وهو من أكبر الدروس العملية التي تعد الصائم للتقوى والعمل الصالح... ويمكن إبراز فوائد الصيام في الآتي:

تقوية للروح

الإنسان روح وجسد، فلجسده مطالب من جنس عالمه السفلي، والروح مطالب من جنس عالمها العلوي، فإذا أخضع الإنسان أشواق روحه لمطالب جسده، وحكم غريزته في عقله، استحال إلى حيوان وربما إلى شيطان، وهذا الذي حذر منه الشاعر المؤمن بقوله: 

يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته 

                         أتطلب الربح مما فيه خسران؟!

أقبل على النفس واستكمل فضائلها 

                      فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان 

ومن هنا فرض الله الصيام ليتحرر الإنسان من سلطان غرائزه وينطلق من سجن جسده، ويتغلب على نزعات شهوته، ويتشبه بالملائكة، فليس عجيباً أن يقرع أبواب السماء بدعائه فتفتح، ويدعو ربه فيستجيب له ويناديه فيقول: لبيك عبدي، وفي هذا المعنى يقول النبي ﷺ :«ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر والإمام العادل، ودعوة المظلوم» (رواه الترمذي).

صوموا تصحوا

وإذا كان في الصيام فرصة لتقوية الروح، ففيه فرصة لتقوية البدن، فإن كثيراً مما يصيب الناس من أمراض إنما هو ناشئ من بطونهم التي يتخمونها، وقد قال النبي ﷺ: «ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم أكيلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث  لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» (رواه الترمذي وحسنه).

تربية للإرادة

وفي الصوم تقوية للإرادة، وتربية على الصبر، فالصائم يجوع وأمامه شهي الغذاء ويعطش وبين يديه بارد الماء، لا رقيب عليه في ذلك إلا ربه، ولا سلطان إلا ضميره، ولا يمنعه إلا إرادته القوية الواعية، يتكرر ذلك نحو خمس عشرة ساعة أو أكثر كل يوم، وتسعة وعشرين أو ثلاثين يوماً في كل عام، فأي مدرسة تقوم بتربية الإرادة الإنسانية وتعليم الصبر الجميل كمدرسة الصيام التي يفتحها الإسلام إجبارًا للمسلمين في رمضان، وتطوعًا في غير رمضان؟!.

إن الإسلام ليس دين استسلام وخمول، بل دين جهاد وكفاح متواصل، وأول عدة للجهاد الصبر والإرادة القوية، ومن لم ينتصر على نفسه وشهواتها فهيهات أن ينتصر على عدوه، ومن لم يصبر على جوع يوم، فهيهات أن يصبر على فراق أهل ووطن من أجل هدف كبير والصوم -بما فيه من صبر وفطام للنفوس- من أبرز وسائل الإسلام في إعداد المؤمن الصابر المرابط المجاهد الذي يتحمل الشظف والجوع والحرمان، ويرحب بالشدة والخشونة وقسوة العيش مادام ذلك في سبيل الله وتحقيق العبودية له.

إدراك فضل الله وكثرة إنعامه

ومن حكم الصوم أنه يعرف المرء بمقدار نعم الله عليه، فالإنسان إذا تكررت عليه النعم، قل شعوره بها، والنعم لا تعرف إلا بفقدانها، فالحلو لا تعرف قيمته إلا إذا ذقت المر، وبضدها تتميز الأشياء، فالمسلم إذا جاع تضرع إلى الله تعالى وذكره، وإذا شبع شكره وحمده.

العبودية الكاملة لله

وفي الصوم قبل ذلك وبعده تمام التسليم لله وكمال العبودية لرب الناس ملك الناس إله الناس، وهذه الحكمة هي القدر المشترك في كل عبادة، والهدف الأسمى من كل فريضة، ولن تكون العبادة عبادة، ولا العبد عبداً إلا بها، يقول رب العباد: أمرت ونهيت ويقول العباد: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (البقرة:٢٨٥).

وما أظهر هذه العبودية في الصوم خاصة، فالصائم يجوع ويعطش وأسباب الغذاء والري أمامه ميسرة لولا حب الله والرغبة في رضاه، وإيثار ما عنده. ولهذا نسب الله تعالى الصيام إليه وتولى جزاء الصائمين بنفسه فقال: « كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه من أجلي ويدع شرابه من أجلي...». (رواه ابن خزيمة في صحيحه). 

فالله تعالى شرع الصوم إيقاظًا للروح وتصحيحًا للجسد وتدريبًا على كمال التسليم لله رب العالمين.

ليلة القدر .. ومضاعفة الأجر

خالد يوسف الشطي

لا يختلف اثنان على أهمية ليلة القدر ومكانتها في حياة المسلمين، فهي الليلة التي أنزل فيها القرآن، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ (القدر:١).

وهي الليلة المباركة التي قال الله عز وجل فيها: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾ (الدخان:٣)، وهي في شهر رمضان كما قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ (البقرة:١٨٥). قال ابن عباس وغيره: أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلًا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله ﷺ، تفسير ابن كثير.

وليلة القدر لعظم مكانتها ضاعف الله عز وجل فيها الأجر فقال عز وجل: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ (القدر:٢-٣).

قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم: حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما حضر رمضان قال رسول الله ﷺ: «قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم» (رواه النسائي).

كما أن ليلة القدر ثوابها عظيم، فكذلك قيام الليل ثوابه عظيم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» (تفسير ابن كثير).

كيفية إصابتها: إن الأقدار مقدرة من عند الله سبحانه وتعالى، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فإن قدر لك -أخي في الله- أن تكون من أهل هذه الليلة، فيا له من فضل من الله عز وجل عليك، ويا لها من نعمة رزقك الله عز وجل إياها، وإن قدر لك أن تحرم هذه الليلة فقد حرمت، كما قال الرسول ﷺ... ولكن هناك أمور تساعد الأخ المسلم على أن يصيب هذه الليلة ويرزق أجرها، إن شاء الله تعالى، وإليك بعض هذه الأمور:

١- الإخلاص: لأن الإخلاص والصدق مع الله عز وجل طريق الفلاح والسعادة. يقول النبي ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات» (متفق عليه)، فالمسلم الصادق مع الله عز وجل يجعل في قلبه نية صادقة لإدراك هذه الليلة العظيمة.

٢- الاجتهاد في العشر الأواخر كلها: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله ﷺ إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر» (متفق عليه)، فمن الضروري الاجتهاد في جميع العشر الأواخر كلها من رمضان، لكي ننال أجر هذه الليلة الكريمة إن شاء الله.

٣- الدعاء: وهو أداة من أدوات تحقيق متطلبات الإنسان وحاجاته وقد قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر:٦٠)، وإنه لزامًا علينا أن نكثر من الدعاء، سائلين الله تعالى أن يرزقنا أجر وفضل هذه الليلة، إنه سميع مجيب.

يا شهر رمضان .. تمهل وترفق

عبد العظيم بدران ([1])

azim@islamway.net

يقول ابن رجب رحمه الله:

«يا شهر رمضان ترفق دموع المحبين

تدفق قلوبهم من ألم الفراق تشقق...

عسى وقفة الوداع تطفئ

من نار الشوق ما أحرق 

عسى ساعة توبة وإقلاع 

ترقع من الصيام ما تخرق..

عسى منقطع من ركب المقبولين يلحق..

عسى أسير الأوزار يطلق..

 عسى من استوجب النار يعتق...

عسى وعسى من قبل يوم التفرق

إلى كل ما نرجو من الخير نرتقي 

فيجبر مكسور ويقبل تائب 

ويعتق خطاء ويسعد من شقي 

(من كتاب لطائف المعارف).

رحم الله ابن رجب، فقد أتعب من بعده، ولأن الأشواق لشهر القرآن لا تنتهي فقد قلت:

يا شهر رمضان تمهل.. وترفق بالمحبين..

أبطئ الخطو قليلاً، للحاق المذنبين..

عانق الشوق طويلاً، فالجفا صعب مهين...

ارحم الدمع بعين، كم بكت عند السكون.

واسمع القلب بخفق يتمادى للفراق..

يرقب اللحظة تأتي ذاك حمل لا يطاق..

وانظر العينين: شوقًا لعناق في عناق

ترسل النظرة حزني؛ للقاء يستديم..

يا حبيبي: هل تراك ذاهبا؟ لولا تقيم!

ما الذي يبقى لنا بعد أن حان الفراق؟!

رحمة الله بكم وجنان زاهرات... 

والنسائم فواحة تملأ النفس بنور...

ليس شيء بعدكم، يفرح القلب الصبور... 

أين مني وقفةٌ، بصفوف العابدين؟

أين مني دمعة، تغسل الذنب المهين؟

أين جمع في لقاء رتل القول الكريم؟ 

أين إمساك اللسان عن هراءات تمور؟

أين نور يستنير، بوجوه من ضياء؟

أين طفل كالرجال، يعشق الليل يطول..

بصلاة بدعاء، بحنين وأنين؟ 

كلما أطرقت يوما، لنداء الضارعين...

يطلق النور بسمعي، ذاك عهد لا يبين.. 

ورأيت النهر يجري، بدعاء المؤمنين

لسماء الملك تهوى، أن تدوم الصلوات... 

أشرقت نفسي بنور، زاهر في الخلوات....

ليت شعري كيف أتلو، صلوات دائمات...

ليت كل العام دوما، نسمات نفحات..

ليت كل الوقت يجري، بسمات الرحمات.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة:١٨٣)

[1] خدمة مركز الإعلام العربي – القاهرة.

التدين الموسمي

نبيل فولي

من المهم أن ننقد ذاتنا، لا لنجلدها ونلتذ بتعذيبها، ولكن لنصحح مسارها، ونتلافى وجوه تقصيرها، فالصامت عن عيوبه لا يمكن أن يعالجها، ومغمض العين عن ثغرات نفسه سيظل حاملاً أثقالاً وأعباء غير هيئة، ومن عيوب حياة المسلمين المعاصرة: هذه الألوان العديدة والمنتشرة من التدين الزائف:

- كان يؤمن لسان الإنسان ولا تؤمن بقية جوارحه، فتسمع من الرجل كلاما جميلاً، لكن لا ترى منه إلا أقبح الفعال.

- وكان يؤمن ظاهر الإنسان ولا يؤمن باطنه، فيبدو للناس حسن القول والفعل في الظاهر، فإذا خالطوه أو ائتمنوه على عرض أو مال كان غير ذلك.

- ومثل أن يرتبط تدين الإنسان بالمواسم والمناسبات، وهذا هو موضوع هذه السطور.

هدايا من الله: مواسم العبادة السنوية هدايا من الله لعباده، يتيح لهم فيها أن يصححوا مسار حياتهم، ويستأنفوا توجههم بشكل قويم إلى ربهم، يقول النبي ﷺ عن الصيام: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». (رواه البخاري ومسلم)، وعن الحج: «من حج فلم يرفث ولم يفسق غفر له ما تقدم من ذنبه» (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح).

فالهدف الأكبر من العبادات الموسمية هو إخراج الإنسان من أسر عاداته إلى نوع من التجديد والتغيير، تنتعش به حياته العقلية والقلبية، وتتجدد مسيرته في إطار المغفرة التي ينعم الله بها عليه، بعد أن حمل أوزار أشهر عدة.

هذا المعنى هو الذي يجعل الصلاة في قلب شعائر الإسلام الأربع، فهذه العبادة الجليلة تلازم المسلم طوال العام، فليست هناك إجازة من الصلاة أو توقف عنها، ما دامت الروح والعقل في جسد صاحبهما، فهي تأتينا بالليل والنهار، والصبح والمساء: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ (الإسراء:٧٨)، وأما بقية الشعائر الكبرى «الزكاة والصيام والحج» فهي عبادات موسمية، تأتي كل عام، وهدفها التجديد وبعث الحيوية من جديد، ومن هنا تتكامل الصورة في العبادة، فصلة المسلم بربه لا تنتهي ما دام حياً، إلا أن الطرق والوسائل التي تتحقق بها هذه الصلة لابد فيها من التنوع، حتى لا يمل العابد، ولابد فيها من التغيير حتى لا تصيب العادة أعماله بالجمود وفقدان الروح، فكانت الصلاة تحقيقا للصلة المستمرة بالله تعالى، وبقية الشعائر للتجديد والتطهير من شتى وجوه التقصير؛ لتتواصل المسيرة بحيوية أعظم.

هذه الهدايا الموسمية التي تفضل الله بها على عباده، يحسد المرضى عليها الأصحاء ويحسد غير المستطيعين لها من استطاع إليها سبيلاً؛ لأن المحروم أكثر إدراكا للخير، وأعمق شعورًا بقيمته.

ولا حجة للأحياء ولا الأصحاء ولا المستطيعين تمنعهم من إحسان العبادة وإكمال الطاعة شكلاً ومضمونا، إلا أن تكون الغفلة قد حجبت القلوب، أو تكون الذنوب قد أصابت الأفئدة بالقسوة، وحالت دون شعورها بمعنى الشعائر التي وضع الله فيها أعظم الحكم وأرقى المعاني.

إن الشعائر التي يؤديها المسلم تجارب شخصية للعبد في ميدان الطاعة، بمعنى أنها حلاوة يتاح له أن يتذوقها بنفسه، لا أن يحكي الناس له عنها، أو يتذوقوها نيابة عنه.. إلا أن القلب لا يتذوق حلاوة الطاعة لمولاه إلا إذا سلم من الأدواء القتالة، ولم يتركه صاحبه فريسة بين يدي الشياطين والأهواء، بل سعى صاحب هذا القلب للهدى جادا صادقا، مستعينا على ذلك بمولاه الذي لا يخيب من طلب منه الهدى بصدق وإخلاص للحق: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ (محمد:١٧).

كشف حساب

الظاهرة التي نشكو منها هي أن يتحول تديننا إلى تدين مناسبات، يرتبط بزمان معين، دون أن تبقى من هذا التدين إلا ظلال أشبه بالأوهام والخيالات، تصحبنا بقية العام حتى يعاود الموسم المبارك زيارته من جديد! 

ولا تقف وراء هذه الظاهرة قلة ما نأتي من عمل في المواسم، بل إن حصاد شهر رمضان المبارك -مثلًا- يبدو في العادة (لدى المسلم العادي) كبيرا جدا وبشكل لافت للنظر، وهذه محاولة لتقريب الصورة من خلال نموذج لمسلم متوسط الأداء لعباداته على اعتبار أنه صام الشهر كاملاً، وصلى ركعات الفرائض، وأضاف عليها خمس عشرة ركعة من السنن في اليوم (القيام + ركعات أخرى)، واعتكف يومًا وليلة فقط، وختم القرآن مرة واحدة خلال الشهر، واستمع إلى عشر دقائق من العلم كل يوم. إضافة إلى أربع جمعات (۳۰ دقيقة للخطبة مثلًا):

وهذا النموذج في الحقيقة فيه ميل إلى التبسيط والأخذ بالأقل، فكثير من المسلمين تتضاعف أكثر الأرقام السابقة بالنسبة إليهم أضعافا كثيرة، فيختمون القرآن مرات، ويعتكفون العشر الأواخر كاملة، ويصلون ما لا يحصى من النوافل، ويمكثون الساعات الطوال في صلاة التراويح.

لكن النموذج السابق يكفي لبيان المعنى المراد، وهو أن المسلم يصلي في شهر رمضان حوالي ألف ركعة ويمتنع فيه عن أنواع عديدة من المباحات (شهوتي الفرج والبطن) أثناء النهار بما يقارب خمسة عشر يوما كاملاً بليله ونهاره، ويمكث مع القرآن والذكر ثماني عشرة ساعة، ويبقي في المسجد ما مجموعه ثلاثة أيام ونصف يوم تقريبًا، ويستمع لحوالي ثلث يوم كامل من العلم..

إذن ما يقوم به المسلم عادة في شهر رمضان عمل ضخم وكبير، ويستحق أن تكون له آثار هائلة في حياة صاحبه، تصل إلى درجة إحداث ثورة في حياته. وقد عنون الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي يرحمه الله إحدى مقالاته الشهيرة التي كتبها منذ سبعين سنة كاملة (سنة ١٣٥٣هـ) باسم «شهر للثورة – فلسفة الصيام»..

لكن ما يحدث عادة هو أننا لا نجد أثراً كبيرا لهذه الأعمال في حياة صاحبها! فما سبب هذا؟ ما سبب أن يتحول جبل من العمل إلى ركام من الرماد، فلا يترك إلا أثرا ضئيلاً ينمحي بمرور الأيام والابتعاد عن رمضان؟

أسباب متنوعة

هذه ظاهرة مركبة، ففيها عناصر من ظروف العصر، وعناصر من حال الثقافة الإسلامية عند أصحابها، وأخرى من فهم طبيعة هذا الدين المتكامل وغير ذلك..

وبسبب هذا التركيب لن نستطيع رد الظاهرة برمتها إلى سبب واحد، بل هناك أسباب عدة، لعل أهمها ما يلي:

١- دخولنا في موسم العبادة دون وضوح الهدف الذي نستهدفه من التزامنا فيها بما أمرنا به من الطاعة وهجر العصيان، ويمكن أن يكون هدفنا هنا ما يأتي: 

أ- مجرد إعلان الخضوع والتسليم لله فيما أمر مع الاستعداد لأن نسحب هذا الأمر على بقية مناحي حياتنا وأيام عمرنا. 

ب- بلوغ المغفرة من الله تعالى حتى تكون قلوبنا أكثر عافية وقدرة على الاستمرار.

ج- استئناف الطريق إلى الله تعالى على أن يكون الموسم هو البدء وما بعده استمرار له، لا أن يكون الموسم بدءًا للعودة إلى الله وختامًا لها معا.

٢- العيش مع العبادة في شكلها وهيئتها، دون معايشة لها في روحها وحقيقتها، فالقيام طويل، ولكن الخشوع قليل والصيام جوع وعطش، ولكن الجوارح تسرح حرة حيث شاءت وقراءة القرآن كثيرة، ولكنها رطانات وسباقات للوصول إلى «الختمة»، وأصوات متداخلة تخطئ القراءة المتدبرة الواعية. 

٣- تميز أيام المواسم، وكثرة البركة فيها دفعتا الناس في حال السلب إلى الفصل بينها وبين بقية شهور السنة، فانتزعوا الأيام من سياقها الزمني الذي رتبها الله عليه، ونسوا أن تميز هذه الأيام نابع من الخير الذي وضعه الله فيها، ومن الأثر الكبير الذي يمكن أن تتركه في حياة صاحبها طوال العام وربما طوال العمر.

نوعالطباعة

عددوحداتها خلال الشهر 

الصيام

صلاة الفريضة

صلاة النافلة 

المكث في المسجد

قراءة القرآن والذكر

 

دروس العلم

٣٠يومًا × ١٢ساعة= ٣٦٠ساعة =١٥يومًا كاملًا

٣٠×١٧= ٥١٠ركعات

٣٠×١٥= ٤٥٠

ساعتان × ٣٠يومًا +٢٤ساعة للاعتكاف=٨٤ساعة

٣٠دقيقة ×٣٠جزءًا =١٥ساعة + ٣ساعات متفرقة للأذكار= ١٨ساعة 

١٠دقائق × ٣٠يومًا + ساعتين لخطب الجمعة=٧ ساعات 

 

رمضان .. محطة روحية لغسل الأدران المعنوية

د. زكريا المصري

من رحمة الله تعالى بعباده.. أن جعل لهم محطات في حياتهم. يتطهرون فيها من الذنوب والخطايا... ويتزودون فيها بالأعمال الصالحات ليواصلوا دورهم في إعمار الأرض وطاعة الله سبحانه. 

من هذه المحطات ما هو يومي كالصلوات الخمس، ومنها ما هو اسبوعي كصلاة الجمعة، ومنها ما هو شهري كصيام ثلاثة أيام من كل شهر .... ومنها ما هو سنوي كالصيام والزكاة ومنها ما لا يجب إلا مرة واحدة في العمر كالحج.

ومن فضل الله تعالى ورحمته بعباده كذلك أن جعل بعض هذه العبادات متعلقاً بالبدن، وجعل بعضها متعلقاً بالروح، وجعل بعضها متعلقاً بالمال، وجعل بعضها يجمع بين نوعين أو أكثر من هذه الأنواع. 

والصيام من الفرائض التي تجمع بين عبادتي الروح والبدن معًا.. وما أكثر الأحاديث التي تناولت فضل الصيام وثوابه، منها ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»، (رواه البخاري الترغيب ج ۲ ص ۹۰، رقم 1).

النفس البشرية كالجسم تعتريها أدران بسبب المعاصي والذنوب، فتحتاج إلى ما يطهرها من هذه الأدران ويغسلها من تلك المعاصي، حتى لا تتراكم عليها، فإن تراكم الأدران عليها يؤدي إلى تلفها بالمرض ثم الموت المعنوي الذي تفقد معه الإحساس بالمعاني السامية والكمالات البشرية الراقية، وقد قال الشاعر في هذا الموت المعنوي:

ليس من مات فاستراح بميت 

إنما الميت ميت الأحياء

إنما الميت من يعيش كئيبًا 

كاسفًا باله قليل الرجاء 

وقد جعل الله تعالى من المحطات الإيمانية ما يغسل عن النفس أدرانها ليعيدها إلى نظافتها وحيويتها، فجعل الصلاة إلى الصلاة في اليوم، والجمعة إلى الجمعة في الأسبوع، ورمضان إلى رمضان محطات تغسل فيها الذنوب، فقال ﷺ: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» (رواه مسلم وغيره)، وقد قال تعالى: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ (النساء ۳۱)، فالكبائر تحتاج إلى توبة خاصة نصوح صادقة من الإقلاع عن الذنب والندم عليه والعزم على ألا يعود إليه، وإذا كانت الكبيرة مما يتعلق بحقوق العباد كالسرقة ونحوها، فلا بد من إعادة الحق إلى صاحبه في الدنيا، أو استحلاله (أي طلب مسامحته وعفوه).

ومن هنا فقد أخبر ﷺ عن تكفير الذنوب في رمضان فقال: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» أي: من صام رمضان إيماناً بأن الله تعالى فرض صيامه، وطلباً للأجرعند الله تعالى على ذلك. لا لغاية أخرى من رياء أو سمعة أو قصد التخلص من أمراض مثلاً، وراعى في صيامه الصوم الحسي بترك الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والصوم المعنوي بترك المعاصي القولية والفعلية من الكذب والزور وغير ذلك: « من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، فإن من يراعي الصوم بنوعيه المذكورين يغفر له ما تقدم من ذنبه. وقد قال ﷺ في رواية أخرى أخرجها النسائي في سننه: «إن الله فرض صيام رمضان وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، أي أنه يعود بلا ذنوب كما كان حاله لدى ولادته حيث لم يكن قد جرى عليه القلم بعد، والله ذو فضل عظيم واسع المغفرة لمن صدق في توبته.

الرابط المختصر :