العنوان يتواكب مع إجابات الرئيس مبارك على المراسلين الأجانب: موسم الهجوم على الإخوان
الكاتب د. عصام العريان
تاريخ النشر السبت 12-فبراير-2005
مشاهدات 17
نشر في العدد 1638
نشر في الصفحة 32
السبت 12-فبراير-2005
هذه سنة التغيير في العالم العربي وقد لاحظتُ - ومعي الكثيرون - أنّ موسم الهجوم على الإخوان المسلمين قد بدأ مع بداية هذه السنة حتى أفردتْ إحدى الصحف اليومية الجديدة في مصر - نهضة مصر - ملفاً كاملاً عن الإخوان المسلمين استضافتْ فيه خصوم الإخوان الأمنيين والسياسيين ليعيدوا تكرار معزوفتهم التقليدية عن الإخوان والعنف وغيرها في عددها الأسبوعي، بينما وضعت عناوينَ مثيرةً لخبراءٍ معروفين لا تتناسب أبداً مع الحوارات التي أجرتها معهم.
يأتي هذا الملف في سياق لا تخطئه العين وفي إطار حملةٍ صحفية خَصصت لها أكثر من مجلة وجريدة أسبوعية ويومية في مصر وبعض البلدان العربية مساحات واسعة أفردتْها لتشويه صورة الإخوان مثل: أخبار اليوم، روزا اليوسف . ٢٠٠٤/١٢/٣١،٥
ومع مطلع العام الجديد نشرت جريدة المصري اليوم اليومية حواراً مع المرشد العام للإخوان المسلمين (٢٠٠٥/١/١) وانتقد فيه المرشد بوضوح الأوضاع الحالية مطالباً بضرورة تغييرها، إلا أنّه أعاد ترتيب الأولويات فجعل إطلاق الحريات وإنهاء حالة الطوارئ وإجراء انتخاباتٍ حرة هي المقدمة الطبيعية لأى تعديلات دستورية مرجوة، لكن الجريدة أهملت كل ذلك في عناوينها الكبيرة واختلفت عنواناً مثيراً للحوار بكلمات لم ترد على لسان المرشد العام.
(حسني مبارك ولي الأمر،وطاعته واجبة)، وقد تم اختلاق هذا العنوان - الذي لم يرد على لسان فضيلة المرشد - في أجواءٍ تطالب كلها بضرورة انتخاب رئيس الجمهورية من بين أكثر من مرشح وتطالب بتعديلات جوهرية في الدستور. وهو نفس ما يطالب به الإخوان وذلك ثابت في مبادرة المرشد في 200٤/٣/٢ ، ولا ننسى هنا أن أحد الأسباب الصحفية خلف الحملات على الإخوان وإبرازها في الصفحات الأولى وأغلفة المجلات.. هو الرغبة في الترويج وزيادة أرقام التوزيع.
الهجوم تواكَب مع إجابات الرئيس مبارك على المراسلين الأجانب مثل حواره مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية واسعة الانتشار ثم مع محطة بي بي إس التليفزيونية الأمريكية، والتي كانت من بينها إجابات عن أسئلة محرجة أو استفزازية كما حدث مع دير شبيجل حول أنّ الإخوان يطرحون أنفسهم« كبديل ديمقراطي» أو سؤال التليفزيون حول السماح لأحزابٍ جديدةٍ بما فيها الإخوان، وجاءت إجابات الرئيس لتركز على عدة نقاط.
1- - أنّ الإخوان لهم تاريخ إرهابي.
2- أنّ الدستور والقانون لا يسمحان ولن يسمحا بأي أحزاب دينية.
3-أنّ آخر من تحتاجهم مصر الإخوان المسلمون
4- أنّ مسيرة الإصلاح قائمةٌ، وهناك أحزاب عديدة، وإذا سمحنا بحزب إسلامي فإن ذلك يفتح الباب أمام ٤ اصناف من الإخوان لتسجيل أحزاب وهو ما لن تسمح به.
جدير بالذكر أنّ الرئيس مبارك منذ أكثر من عشر سنوات أثناء توقفه في باريس صرح الجريدة لوموند ، عام ۱۹۹۳م: أنّ لدينا في مصر تياراً إسلامياً ديمقراطياً لا يلجأ إلى العنف ويمارس الحياة السياسية ولكن جاءتْ تجربة الجزائر التي لا تفارق مخيلة الرئيس، فإذا به ينقلب تماماً ۱۸۰ درجة، ويقول صراحة للكاتب الصحفي محمد سيد أحمد، عندما طالبه بالسماح للإخوان بالوجود القانوني كحزب مدني في لقائه السنوي مع المفكرين : إنه لن يسمح بتكرار تجربة الجزائر في مصر، وبعدها تصاعدت الحملة ضد الإخوان.
لماذا الهجوم الآن؟
هناك اجتهاداتٌ عديدة للإجابة عن هذا السؤال الصعب، ولا بد أن ندرك أنّ هذه الحملة مستمرة منذ عشر سنواتٍ تشتدّ أحياناً وتخبو حينا، وترتبط إمّا بتطوراتٍ عالميةٍ أو إقليميةٍ مثل القضية الفلسطينية التي يدفع الإخوان منذ عام 1948 ثمن تضحياتهم وجهادهم على أرضها. بدأت باغتيال الإمام حسن البنا وتستمر حتى اليوم، والحرب الأمريكية على ما تسميه الإرهاب في احتلال أفغانستان، ثم العراق وتهديد بقية أنظمة العالم العربي والإسلامي كما حدث مع القذافيّ وغيره، وقد ترتبط بإجراءاتٍ محليةٍ مثل انتخاباتٍ عامة أو نقابيةٍ أو محليةٍ في محافظةٍ من المحافظات، وقد ترتبط بنشاط طلابي قوي أو زيادة انتشار الإخوان في المجتمع أو اختراقهم للحصار الأمني عليهم.
السبب الأول: نلمسه في سؤال المراسل «دير شبيغل» عن البديل الديمقراطي، وأنّ الإخوان يطرحون أنفسهم كبديل ديمقراطي قادر على تحقيق أهداف عديدة محلية وإقليمية ودولية مثل:
أ ) حيازة ثقة شعبية كبيرة واكتساب شرعية دستورية بالفوز في أي انتخابات حرة ونزيهة وهذا ما يقوله الرئيس نفسه ولكن على سبيل التخويف والتهديد للقوى الغربية والأمريكية.
ب) تحقيق الاستقرار في المنطقة، ومنعا لتهديدٍ باندلاع العنف، حيث يمثلون رغبة شعبية قوية في تطبيق منهاج إسلامي، مما ينزع فتيل التطرف والغلو.
. ج ) إحداث تنميةٍ مستدامة شاملةٍ تحقق نسبة توظيف عالية للشباب تمنع الهجرة الواسعة إلى أوروبا، وذلك عبر محاربة الفساد، واعتماد الشفافية في الحكم والاقتصاد، واحترام القانون والنظام.
. د )احترام الحريات العامة، وسلوك السبل الدستورية والقانونية للتغيير -أي التطبيق السليم للديمقراطية- مع احترام خصوصية المنطقة الثقافية وخلفيتها الدينية وهو ما أصبح شعارًا لدعاة التغيير والإصلاح في أمريكا وأوروبا.
. السبب الثاني: التطبيق العملي للسبب الأول «الهاجس التركي» ، فوز حزب العدالة والتنمية في تركيا ونجاحه في إدارة شؤون تركيا وبالذات في مجالات محل اهتمام الغرب في حقوق الإنسان، واحترام حقوق الأقليات، والازدهار الاقتصادي، وإدارة ملفات العلاقة مع أمريكا، والعلاقات الدولية بكفاءة عالية، ثم نجاحه أخيراً في تحقيق الحلم التركي بتحديد موعدٍ لبدء مفاوضات جديّة للانضمام إلى الاتّحاد الأوروبي، جعله مثالاً يُضَرب في الأدبيات الصحفية والأكاديمية على قدرة الإسلاميين على تحقيق الإصلاح والاستقرار والتوازن في العلاقات الدولية.
ويمثل مقال عبد الله كمال في «روز اليوسف» العدد ۳۹۹٤ في (٢٥
- ٣١ / ٢٠٠٤) أفضل النماذج لهذا الهاجس فقد أفرد ٣ صفحات بعناوين بارزة ليدلل على وجهة نظره في المقارنة الخاطئة، واستحالة التشابه بين تجربة حزب العدالة في تركيا وما سماه كابوس الإخوان في مصر..!
وما أزعجه هو ازدياد الاقتناع في الغرب بنجاح تجربة تركيا والرغبة في تعميمها عربياً. وأنّ مصر المرشحة لذلك. وكال المقال هجوماً شديداً على الإخوان، ولفّق ضدهم اتهاماتٍ عديدة من قَبيل أنّهم وإن لم يطلقوا الرصاص فقد ساعدوا على إطلاق الآخرين له .!!!
ومن العجيب أنّه يقول: إنّ تركيا تعيش أزمةً حقيقيةً أساسها اقتصادي، وتعاني من تضخم هائل، ومن فسادٍ سقيمٍ منتشرٍ في كل مكانٍ وفي غالبية المؤسسات. ولديها مشاكلٌ عقيمةٌ فيما يخص الأقليات وتواجه ديمقراطيتها أزمة حقيقة في ظل سطوة المؤسسة العسكرية، وقد بلغ الموقف ذروته واختناقه بحيث صار الجميع يرغبون في تحقيق الحلم القومي الجماعي الذي يرى أنه الحل الوحيد لكل الأزمات ..!!
وأيضاً لا ينسى كمال في نهاية مقاله أن يلمّح إلى أنّ مقارنةً الإخوان بالعدالة والتنمية خاطئة، وكذلك مقارنتها بتجربة مهاتير محمد في ماليزيا، وكان النجاح لا يمكن أن يكون من نصيب مصر ولا الإخوان مطلقاً !
معروفٌ أنّ هناك كُتَّاباً لهم صلةٌ بجهات الأمن أو أركان النظام ومنهم في روز اليوسف، والأسبوع، وصوت الأمة، كما في الصحف والمجلات القومية فهل يكتب هؤلاء في هذه الحملة تحت تأثير هواجس تثير القلق لدى الجهات المعنية بسبب تصاعد المطالب الخارجية والضغوط الداخلية؟
من أسباب الهجوم الاعتقاد بأن الإخوان يطرحون أنفسهم كبديل ديموقراطي قادر على تحقيق أهداف محلية واقليمية ودولية
السبب الثالث: هو مأزق السياسة الأمريكية في المنطقة، حيث تريد أمريكا أن تصدر ورطتها في العراق إلى الدول العربية والإسلامية في الجوار العراقي .
السبب الرابع: سنة الانتخابات في مصر. وهذه السنة ستشهد انتخابات رئاسية (استفتاء على الأصح) وانتخابات برلمانية، وقد تشهد انتخابات نقابية مهنية .. هذا المشهد يذكرنا بعام 1995 الذي شهد ذروة التصعيد ضد الإخوان. وتشهد مصر حملة شعبية متصاعدة من أجل تعديلاتٍ دستوريةٍ تتيح انتخاب رئيس الجمهورية من بين أكثر من مرشح. والمطالبة تتصاعد حول الرقابة على الانتخابات القادمة حتى ولو كانت من الخارج وهي التي رفضها بقوة وزير الداخلية، وضغوطاً متزايدة لإجراء إصلاحات جذرية في المجال الدستوري والسياسي بعيداً عن الإجراءات التجميلية الديكورية التي يبشّر بها الرئيس وأركان الحزب الحاكم.
في قلب هذا المشهد.. يأتي الإخوان المسلمون الذين يملكون نفوذاً شعبياً لو استثمروه لحركوا آلاف الجماهير، والذين قدموا تضحيات ضخمة في سبيل الحريّات، وهم القوة السياسية الوحيدة التي دفعت ثمن مواقفها السياسية ومنافستها الحقيقية للنظام الحاكم، وهم المرشحون لأكبر استفادة من إطلاق الحريّات. ويؤكد معظم المراقبين أنه في ظل انتخابات حرة ونزيهة لها ضمانات حقيقية فإن توقعات الإخوان بالحصول على ٢٥ – ٣٠ ٪ستتحقق في الواقع مما يجعلهم أكبر قوة سياسية في البرلمان بموازاة الحزب الحاكم.
لذلك كان الهجوم على الإخوان مستهدفاً مبكراً لتحقيق أهداف كثيرة.
حيازة ثقة شعبية كبيرة واكتساب شرعية واكتساب شرعية دستورية بالفوز في أي انتخابات. وهذا ما - يقوله الرئيس نفسه ولكن على سبيل التخويف والتهديد للقوى الغربية والأمريكية
أهداف الحملة
أولاً: إرسال رسالة لهم بأن يلزموا الحِيطة ولا يشعروا بالأمان فينطلقوا في خطتهم الاجتماعية لمزيد من الانتشار والتأثير
ثانيا : إرهاب الرأي العام المساند للإخوان وتشويه صورتهم أمام الشعب.
صحيح أنّ المجلات والصحف التي تقود الحملة ضد الإخوان محدودة الانتشار والتوزيع، إلّا أنّ الناس يتناقلون ما تنشره وتعلق عليه صحف أخرى أقوى تأثيراً. وهذا الهدف دائماً ما فشلوا في تحقيقه لأنّ تأثير الإخوان في المجتمع أقوى من كلّ حملات التشهير والترهيب
ثالثا: عزل الإخوان عن بقية القوى السياسية رسمية أو شعبية.
وهذا يتم بعدة طرق منها استخدام رموز سياسية واضحة لنقل رسائل رئاسية وحكومية لقادة أحزاب المعارضة، وقد تحقق ذلك عندما أعلنوا عن التوافق الوطني دون وجود الإخوان فيه، مما أضعف قدرتهم على التأثير.
ومنها أيضاً الوعود لقوى سياسية محجوبة عن المشروعية القانونية بقرب حصولها على الرخصة الحزبية فتبتعد عن مجرد زيارة الإخوان أو التنسيق معهم، وكذلك منها هذه الحملات الصحفية كي لا يفكر أحد في الحوار مع القوة المغضوب عليها من النظام.
رابعاً: رسالة إلى الغرب وأمريكا بالذات أنّ النظام لا يقبل بحال خطة إدماج الإخوان في حياة سياسية سليمة، لأن ذلك يعني وجود 0منافس جاد حقيقي، بينما نجح النّظام في خنق وإضعاف واستمالة معظم القوى الأخرى.
الأبعاد
اتخذتْ الحملة أبعاداً كثيرة، ويلفت الانتباه دخول أطراف كويتية بالذات على نفس الخط مثل د. أحمد الربعي، ود البغدادي، فهل كان ذلك تصفية الحسابات محلية للتيار الليبرالي في الكويت ضد إسلاميي الكويت؟
يلعب د. الربعي كثيراً على وتر التناقضات في مواقف أطرافٍ إخوانية عديدةٍ في بلاد مختلفة من قضايا مثارة، وينسى أنّ ذلك في مصلحة الإخوان، لأنّه يعني أنّ المرشد العام لا يملك سلطاناً على الإخوان في كل الأقطار، يأمرهم فيطيعون كما يصوّر زملاؤه في الهجوم على الإخوان، بل هناك تنويعاتٌ داخل الإخوان واجتهادات عند تنزيل الأفكار على الواقع ومساحات واسعة لحرية القرار في كل الأقطار، وهذه واقعية تُحسب للإخوان وليست عليهم. وأنّ من تأخر اليوم في مواكبة سياسة الإخوان لظروف يقدّرها فسيلحق بهم في القريب عندما تتغير ظروفه إلى الأفضل.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالتنمية الاقتصادية في الدول العربية.. بين الواقع الملموس والشعارات المرفوعة
نشر في العدد 2121
20
الأحد 01-يوليو-2018