; إسرائيل تحرق لبنان | مجلة المجتمع

العنوان إسرائيل تحرق لبنان

الكاتب عاطف الجولاني

تاريخ النشر الثلاثاء 23-أبريل-1996

مشاهدات 42

نشر في العدد 1197

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 23-أبريل-1996

• الدوافع والأسباب وراء عدوان إسرائيل على لبنان.

• حسابات حزب العمل الانتخابية قد تسقط مع أول عملية رد ثأرية.

• انحياز وتواطؤ أمريكي، وفرنسا تنشط للعب دور سياسي هام في المنطقة.

• تخاذل عربي وإدانة على استحياء ومخاوف عربية من خدش عملية السلام.

لم يعد رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز يكثر هذه الأيام من الحديث عن أحلامه بشرق أوسط جديد آمن ووادع، فقد ارتدى البزة العسكرية وأعلن حربًا شعواء ضد لبنان هي الأعنف منذ سنوات، وكان آخر هجوم شرس شنته القوات الإسرائيلية على لبنان صيف عام ۱۹۹۳م، وأطلق عليه في حينه اسم «يوم الحساب»، ولكن الهجوم الإسرائيلي الوحشي الأخير، والذي أطلق عليه اسم «عناقيد الغضب»، كان أكثر اتساعًا، ولم يقتصر على الصف وتدمير المدن والقرى في الجنوب اللبناني، وإنما طال هذه المرة العاصمة اللبنانية بيروت، التي ظلت على مدار عشر سنوات بمنأى عن القصف الإسرائيلي.

وتطرح الأوساط السياسية مجموعة تساؤلات حول العدوان الإسرائيلي الأخير ربما يكون أهمها:

  • ما هي أهداف ودوافع بيريز لإعلان الحرب الشاملة ضد لبنان تحت غطاء ضرب مواقع حزب الله؟
  • ولماذا اختار أن يكون نطاق الحرب واسعًا هذه المرة، ولم يقتصر على قرى وبلدان ومدن جنوب لبنان كما كان يحدث عادة؟
  • ولماذا اعتمد الجيش الإسرائيلي على القوة الجوية والقصف المدفعي، واستبعد الزج بسلاح المشاة والمدرعات في المعركة؟
  • وما هي دوافع ضرب أهداف عسكرية سورية ولبنانية كان بإمكان الطيران الإسرائيلي تجنبها وتحاشيها بسهولة؟

العدوان الإسرائيلي الدوافع والأهداف

وزير الخارجية الإسرائيلي «الجنرال السابق»، إيهودا باراك حدد هدفين للعدوان الإسرائيلي على لبنان، هما: ضرب حزب الله، وتوضيح أن إسرائيل تتوقع من الحكومة اللبنانية وقف الهجمات الصاروخية التي تستهدف المستوطنات الإسرائيلية شمال إسرائيل، على حد قوله.

     وهذه الأهداف الإسرائيلية المعلنة تشبه -إلى حد كبير- الدوافع التي خاضت إسرائيل حربها الأوسع ضد لبنان على أساسها عام ١٩٨٢م تحت شعار تأمين سلامة الجليل، وهي لا تعبر عن الدوافع الحقيقية لهذا العدوان الجديد الذي وقفت وراءه جملة دوافع وأهداف، فالحكومة الإسرائيلية كانت تدرك قبل غيرها أن هذه الحرب لن تؤثر على قوة وقدرات حزب الله الذي أسهمت الهجمات الإسرائيلية في إعطائه مبررات شعبية إضافية لمواصلة مقاومته للاحتلال، ولتبرير رده الانتقامي على الهجمات الإسرائيلية سواء كان ذلك عبر قصف الكاتيوشا أو عبر الهجمات المسلحة والاستشهادية ضد الأهداف الإسرائيلية، وأهداف جيش جنوب لبنان العميل، وهو ما أكده رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري، الذي قال إن القصف الإسرائيلي «يقوي حزب الله، ولا يؤدي إلى تحقيق الأمن لشمال إسرائيل».

وقد تردد بيريز قبل اتخاذ قراره الأخير بإعلان الحرب ضد لبنان، والذي يبدو أنه جاء نتيجة خمسة دوافع أساسية: 

  1. المزاج الشعبي الإسرائيلي الذي بات هاجس الأمن يشكل الأولوية الرئيسية في اهتماماته بعد العمليات الاستشهادية التي نفذتها حركة حماس، وبعد نجاح حزب الله في تنفيذ مجموعة ضربات عسكرية موجعة في صفوف الجيش الإسرائيلي في أراضي الجنوب اللبناني، يضاف إلى ذلك القصف المكثف لحزب الله بصواريخ الكاتيوشا، والذي استهدف المستوطنات الإسرائيلية شمال فلسطين، وأوقع في إحدى الهجمات على مستوطنة كريات شمونة (٣٦) جريحًا، وقد بلغ الحرج الذي سببته هذه الهجمات الموجعة لبيريز أن لا يجرؤ على زيارة هذه المستوطنة بسبب التهديدات والاحتجاجات العنيفة لسكانها الذين خرجوا إلى الشوارع منددين بسياسة حكومة بيريز التي اتهموها بالعجز عن توفير الأمن لهم، وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه حزب العمل قبيل عدوانه الأخير على جنوب لبنان أن الأمن يحظى بأولوية اهتمام المواطن الإسرائيلي.
  2. ضغط اليمين الإسرائيلي الذي استغل عجز الحكومة الحالية عن الرد على التهديدات التي شكلتها عمليات حماس وحزب الله، فراح يحرض الشارع الإسرائيلي ضد بيريز وحكومة حزب العمل، وفي الوقت الذي لم يجرؤ فيه بيريز على زيارة كريات شمونة في أعقاب تصفها، فقد استقبل زعيم حزب الليكود اليميني بنيامين نتنياهو بهتافات التأييد من قبل المستوطنين.
  3. ضغط الجنرالات في الجيش الإسرائيلي لاتخاذ موقف قوي وحاسم للرد على عمليات حزب الله، ويذكر أن تأثير هؤلاء الجنرالات قد تزايد بعد النتائج التي أفرزتها الانتخابات الداخلية في الأحزاب الإسرائيلية، وحقق فيها الجنرالات المتقاعدون نتائج متقدمة جدًا في الصفوف الأولى لقوائم المرشحين لانتخابات الكنيست القادمة، وقد أشارت مصادر سياسية إلى أن هؤلاء الجنرالات كان لهم دور كبير في حسم توجه بيريز لاتخاذ قرار بإعلان الحرب ضد لبنان.
  4.  فشل جيش لبنان الجنوبي العميل في الشريط الحدودي في توفير الأمن الإسرائيلي بعد النكسات التي تعرض لها هذا الجيش وفقدانه للروح القتالية، وكان غالبية جنود مليشيات جنوب لبنان قد فروا مؤخرًا، وانضموا إلى المقاومة اللبنانية التي يقودها حزب الله.
  5. الهاجس الانتخابي ورغبة بيريز في الفوز بانتخابات رئاسة الحكومة التي تجرى في نهاية الشهر القادم، وربما يكون هذا الدافع هو الأهم في حسابات بيريز الذي اتخذ خلال الفترة الأخيرة منهجًا أكثر تشددًا في التعامل مع القضايا على مختلف الأصعدة، وخصوصًا ما يتعلق بلبنان والفلسطينيين، فهو في الوقت الذي أعلن فيه قرار الحرب ضد لبنان كانت السلطات الإسرائيلية تواصل حصارها الظالم للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة كجزء من العقاب الجماعي الظالم المفروض على الشعب الفلسطيني، وقد علقت صحيفة «هارتس» الإسرائيلية على سياسة بيريز المتشددة بقولها إنها تلقى «ارتياحًا واسعًا في أوساط الإسرائيليين بغض النظر عن انتماءاتهم» وعلى ما يبدو فإن بيريز قد اختار أن يخوض حملته الانتخابية عبر فوهات المدافع وقذائف الطائرات.

وقد رجحت مصادر سياسية أن يكون الهدف من وراء اختيار بيريز توسيع دائرة الحرب في لبنان لتشمل العاصمة اللبنانية هو الضغط على الحكومتين السورية واللبنانية من أجل منع حزب الله من مواصلة أعماله العسكرية ضد الأهداف الإسرائيلية، ويأتي في نفس السياق قيام الطائرات الإسرائيلية بشن هجمات على مواقع للجيشين السوري واللبناني، والتي أوقعت عشرات القتلى والجرحى في صفوفهما.

وفيما اعتبرت صحيفة «الإندبندنت» اللندنية في مقالها الافتتاحي بتاريخ ١٥/ ٤ / ١٩٩٦م أن توسيع إسرائيل لدائرة الحرب كان «خطأ حسابات من جانب حكومة بيريز» قال محللون سياسيون إن إسرائيل أرادت توجيه رسالة إلى سورية ولبنان حول طبيعة السياسة الإسرائيلية التي سيتم التعامل بموجبها في حال استمرار مقاومة حزب الله ورفض التجاوب مع الشروط الإسرائيلية في العملية التفاوضية على المسار الإسرائيلي السوري.

وحول أسباب تركيز القوات الإسرائيلية على استخدام القوة الجوية والقصف المدفعي خلال عدوانها على لبنان واستبعادها لسلاح المشاة والمدرعات رأت أوساط سياسية أن بيريز سعى لشن حرب خاطفة غير طويلة الأمد، ولا توقع خسائر كبيرة في صفوف القوات الإسرائيلية، وهو ما يحققه القصف بعيد المدى بالطائرات والمدفعية، في حين أن مشاركة قوات المشاة الإسرائيلية في المعركة كانت ستؤدي إلى وقوع خسائر قد تكون كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي، وهو ما كان سيقود إلى عکس الأهداف التي توخي بيريز تحقيقها من وراء قرار الحرب الأخير.

ولكن على الرغم من استبعاد بيريز خوض حرب برية طويلة الأمد، فإن ذلك لا يعني بالضرورة إلغاء الانعكاسات السلبية للعدوان الإسرائيلي على إسرائيل ومستقبل بيريز السياسي؛ حيث إن شعور الغضب الشعبي إزاء العدوان الإسرائيلي الوحشي، وتواطؤ الموقف الدولي، وتخاذل الرد العربي قد ولد أجواء مواتية لضربات انتقامية ينفذها حزب الله أو قوى المقاومة الإسلامية في فلسطين، وقد هددت حركتا حماس والجهاد الإسلامي بالرد على اعتداءات الجيش الإسرائيلي على المدنيين في لبنان، وتوعدت بالثأر لدمائهم، ولا شك أن أية عملية ثأر موجعة خلال الأسابيع القليلة المتبقية على الانتخابات الإسرائيلية ربما تعصف بمستقبل بيريز وحزب العمل الذي راهن على حربه الأخيرة في رفع أسهمه الانتخابية.

تواطؤ أمريكي، وفرنسا تبحث عن دور:

أجواء الحرب التي خيمّت خلال الأسابيع الماضية كان لها انعكاساتها ليس على تطورات المنطقة فحسب، وإنما تعدتها إلى الصعيد الدولي حيث نشطت فرنسا بصورة ملفتة للانتباه أثارت قلق الولايات المتحدة وإسرائيل نفسها.

وفي رده على سؤال حول الجهود الفرنسية لتهدئة الأوضاع ووقف إطلاق النار رد سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة إيتامار رابينوفيتش بقوله: «إن الولايات المتحدة ستلعب بالتأكيد دور الوسيط لإيجاد حل أو وضع ترتیبات»، وهذا الرد يظهر حجم الاستياء الإسرائيلي من التحرك الفرنسي النشط، خاصة وأن الرئيس الفرنسي جاك شيراك كان قد أعلن خلال زيارته إلى لبنان قبل اندلاع الحرب بأيام قليلة تأييده لسيادة لبنان واستقلالها.

وقد عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي عن استيائه من الانتقادات الفرنسية للهجوم الإسرائيلي على لبنان، وأعلن رفضه لتلك الانتقادات، وكان وزير الخارجية الفرنسي ميرفيه دي شاريت من أول المسؤولين الذين زاروا المنطقة للعمل على تهدئة الأوضاع والتوصل إلى وقف لإطلاق النار؛ حيث زار عدد من العواصم المعنية كما ظهر تنسيق قوي بين فرنسا ومصر في التحرك لوقف الهجوم الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه رحبت لبنان بالدور الفرنسي، وسارع رئيس وزرائها رفيق الحريري بالتوجه لباريس للطلب من باريس بذل جهود أكبر في هذا الاتجاه، إلا أن نتائج التحركات الفرنسية كما هو متوقع لم تؤد إلى نتائج ملموسة.

أما الموقف الأمريكي فقد جاء صارخًا في انحيازه لجانب العدو الإسرائيلي، حيث أيدت الإدارة الأمريكية دون تحفظ الاعتداءات الإسرائيلية، واعتبرتها حقًا مشروعًا لإسرائيل في حماية أمن مواطنيها على حد زعم وزير خارجيتها وارن كريستوفر وبقية المسؤولين الأمريكيين الذين حملوا حزب الله المسؤولية الكاملة عن تصعيد الأوضاع بسبب صواريخ الكاتيوشا التي أطلقها على المستوطنات الإسرائيلية، وتغافل المسؤولون الأمريكيون عن حقيقة أن الجانب الإسرائيلي كان هو الطرف المبادر في التصعيد الأخير حينما قام بقصف إحدى القرى في جنوب لبنان، مما أدى إلى استشهاد وجرح عدة مدنيين لبنانيين، وقد اعتذرت إسرائيل في حينه عن هذا القصف الذي زعمت أنه كان خطأ غير مقصود.

وتتجاهل الإدارة الأمريكية حقيقة أن إسرائيل تتحمل المسؤولية كاملة بسبب إصرارها على مواصلة احتلال الجنوب اللبناني رغم قرار مجلس الأمن رقم (٤٢٥) الداعي إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، وبدل أن تضغط على إسرائيل للانسحاب من جنوب لبنان فإن الإدارة الأمريكية اختارت الضغط على اللبنانيين للتوقف عن ممارسة حقهم في مقاومة الاحتلال.

وإذا كان الموقف الأمريكي المشين والمنحاز مبررًا لانسجامه مع السياسة الأمريكية المعادية لحقوق الأمة العربية والإسلامية، فإن ما أثار الاستياء والدهشة هو رد الفعل العربي المتخاذل الذي اكتفى بإدانة هزيلة جاءت على استحياء، وكأن الإدانة والاستنكارات توفر الحماية للشعب اللبناني في مواجهة العدوان الإسرائيلي الوحشي الذي سقط جراء مئات الشهداء والجرحى وشرد مئات الآلآف.

وفي الوقت الذي حرصت فيه الأطراف العربية على التعبير عن خوفها وقلقها البالغ من أن يؤثر العدوان الوحشي الإسرائيلي على عملية السلام الموهوم، كانت إسرائيل تقصف وبكل عنف مستهدفة إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر غير عابئة بأية اتفاقات أو معاهدات سلام مزعومة.

ويحق للمواطن العربي والمسلم أن يتساءل: لماذا لم يطالب زعماء الدول العربية والإسلامية بعقد قمة دولية لإدانة ومواجهة الإرهاب الصهيوني الذي تمارسه سلطات الاحتلال بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، على غرار قمة شرم الشيخ التي تسابقت الأطراف العربية لحضورها من أجل الإعلان عن إدانتها لأعمال مقاومة الاحتلال المشروعة، والتعبير عن استعدادها لبذل أقصى جهد ممكن لكبح جماح الإرهاب العربي والإسلامي؟

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل