العنوان ثقافة وفنون (1053)
الكاتب عبدالوارث سعيد
تاريخ النشر الثلاثاء 15-يونيو-1993
مشاهدات 14
نشر في العدد 1053
نشر في الصفحة 52
الثلاثاء 15-يونيو-1993
اللسان العربي
ميزان الذهب
بقلم: عبد الوارث سعيد
أتعرف الفعل «رأى»؟ ما مصدره؟ له مصادر ثلاثة: «رؤية» لفعل العين في اليقظة، و«رؤيا» لما تراه في النوم، و«رأي» حين ترى بعقلك، وقد تنزل فعل العقل منزلة فعل العين لوضوحه -على طريق «المجاز» فنقول: لي في المشكلة رؤية خاصة.
وما جمع «كاتب»؟ إن قلت: «كاتبون» عنيت من شأنهم أن يكتبوا أو وقع منهم فعل الكتابة ولو مرة، وإن قلت: كتاب، عنيت مؤلفي الكتب ومحترفي الكتابة الراقية، أما إن قلت «كَتَبَة» فإنك تعني محترفي النسخ والكتابة التي لا فكر فيها ولا إبداع ككتبة المحاكم ونحوهم.
أليس ذلك تأنقًا لغويًّا ومستوى من الدقة والغنى رفيع؟! وإليك ناحية أخرى أدق: نقول: «كل إناء بما فيه ينضح» أي: يرشح في ضعف وخفاء، ألا تحس ذلك في صوت الحاء؟! أما «ينضخ» «بالخاء المعجمة» فيقال للماء يفور بقوة، قال تعالى: ﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ﴾ (الرحمن: 66) ألا تكاد تسمع من «الخاء» صوت الفوران الأجش؟!
وصوت «الغين» المفخم يشعرك بالغموض، وهو ما تحسه مسيطرًا على كلمات كثيرة تبدأ بهذا الصوت: «غاب، غار، غاص، غاض، غام، غرب، غض، غمض، غم، غش، غص، غفا، غطى، غرق، غمر، غفر، غي..».
وقد تبدأ الكلمة بصوتين يمثلان حركتين: أولهما «ن» يمثل حركة خفية داخلية، يعقبه صوت ثان «ف» يمثل حركة نفخ مسموع وإفراج عن قدر من الهواء وطرده نحو الخارج «حاول أن تكرر نطق الحرفين محركين بالفتح عدة مرات لتلحظ هذا التحول من داخل إلى خارج دون خفاء إلى بروز ووضوح، فإذا تلاهما أي حرف «صوت» آخر حصلت على كلمات عديدة تشترك كلها في الدلالة على معانٍ تدور حول البروز والخروج والنفاذ والظهور والحركة من داخل إلى خارج، لكن بخفة وخفوت، تأمل: «نفث، نفج، نفخ، نقد، نفذ، نفر، نفس، نقش، نقض، نقط، نفق..».
أما إذا وضعت في الموقع الثاني صوت «ب» مكان «ف»، والباء صوت انفجاري «أو: شديد كما يقول علماء التجويد» فستجد أن درجة وضوح حركة الخروج، وقوة البروز والظهور قد عظمت في الكلمات المبدوءة بصوتي النون والباء، تأمل هذه السلسلة ثم قارنها بالسلسلة السابقة المبدوة بالنون والفاء.
«نبأ، نبت، نبث، نبح، نبذ، نبر، نیز، نبس، نبش، نبض، نبط، نبع، نبغ، نبل، نبه، نبا»([1])
بل عدَّ علماء اللغة من لطيف صنع العرب وحكمتهم اختيار الحروف وتشبيه أصواتها بالأحداث المعبر عنها بها ترتيبا، وتقديم ما يضاهي أول الحدث، وتأخير ما يضاهي آخره، وتوسيط ما يضاهي أوسطه، سوقًا للحروف «الأصوات» على سمت المعنى المقصود، ويمثل ابن جني «ت 392 هــ» لذلك بحروف «بحث» فــ «الباء» لغلظها تشبه بصورتها خفقة الكف على الأرض، و«الحاء» لصحلها «صوتها الأجش» تشبه مخالب الأسد وبراثن الذئب إذا غارت في الأرض، و «الثاء» للنفث والبث للتراب»([2])
أرأيت إلى أي درجة بلغت دقة هذا اللسان وحساسيته؟ إن الأمر ليس مقصورًا على أمثلة محدودة، ولكنه ظاهرة بارزة لفتت أنظار اللغويين بقوة منذ بدأوا تدوين نصوص هذا اللسان ومعايشتها فأعجبوا بها وفتشوا عن معالمها فتكشف لهم - عبر العصور - خصائص فذة ومبهرة، وغلا في أمرها بعضهم من فرط حبه لها، حاول - أيها القارئ العزيز - أن تجرب وتنمي حسك اللغوي من خلال التأمل في الأمثلة التالية محاولًا أن تستشف المعنى
العام الذي يسلكها جميعًا كما فعلنا من قبل: «قد، قط، قطع، قطف، قطم.. »؟؟
«مات، ماج، ماد، مار، ماس، ماط، ماع، مال، مان، «= كذب»..؟؟
«ساء، ساب، ساح، ساخ، ساد، سار، ساس، «من تسويس العظام» ساغ، ساف، ساق، ساك..»؟؟
وما هذه العبقرية في نظام الأصوات التي تستحق أن توزن بميزان الذهب سوى شعرة من خيط واحد في ثوب العربية البديع في كل خيوطه ونسيجه ونقشه ورقشه فلا عجب إذن أن هامَ بها الآلاف والملايين حبًّا وقدموا حياتهم الغالية عن طيب خاطر يخطبون ودها.. ألم يقولوا: «ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر» ؟! لكن اللغة العربية اليوم - واحسرتاه ! تنادي ولهى كما تصورها أحد محبيها «شاعر النيل، "حافظ إبراهيم" - رحمه الله».
ولدت، ولما لم أجد لعرائسي رجالًا وأكفاء وأدت بناتي
فيا ويحكم: أبلى وتبلى محاسني ومنكم - وإن عز الدواء - أساتي»؟!
***
إصدارات
كشمير المسلمة
«كشمير المسلمة» مجلة إسلامية سياسية شهرية بالقضية الكشميرية صوت المجاهدين في تلك الجنة الأرضية المغتصبة.
وصلنا عددها الأخير والذي يحمل الرقم 15 من السنة الثانية، وقد ركز على السياسة الأمريكية القائمة على المغالطة والتغابي تجاه القضية الكشميرية، حيث حمل الوفد الأمريكي الذي وصل إسلام آباد ضمن ما يسمى بمحاولات بناء الثقة بين "باكستان والهند" مشروعًا جديدًا أكد فيه على خطورة القوة النووية الباكستانية المتنامية وضرورة التراجع عنها في الوقت الذي تجاهل موقف الهند وخطرها النووي، كما أسقط من مشروعه القضية الكشميرية التي تمثل جوهر الصراع بين البلدين وكانت السبب الحقيقي في اشتعال ثلاثة حروب بين "الهند وباكستان".
وردًا على وصم المجاهدين في "كشمير" بالإرهاب كتب البروفسور أليف الدين ترابي افتتاحية العدد بعنوان من هو الإرهابي في "جامو وكشمير"؟ الشعب الكشميري؟ "باكستان"؟ أم "الهند"؟ وفي مكان آخر نشرت «كشمير المسلمة» قائمة بأسماء آلاف المساجد التي قرر الهندوس هدمها في "الهند"، وفي مقابلة معه ذكر شمس الحق، الأمير السابق لحزب المجاهدين بأن تحرير الأرض والحفاظ على الهوية الإسلامية كان الدافع الأساسي وراء الجهاد في "كشمير" ونقلت المجلة عن صحيفة هندية مقالة بعنوان «إعطاء "كشمير" حق تقرير المصير شرط لاستقرار "الهند"» جاء فيها «ألا تكفي 45 سنة مضت دليلًا على أن الكشميريين لا يريدون حكمًا وإلى متى التجاهل هذا وقد قدم العدد قراءة في كتاب «الحلف الدنس.. التعاون الهندي الإسرائيلي ضد العالم الإسلامي» بالإضافة إلى العديد من الدراسات والأخبار الخاصة بالوضع في "كشمير" والممارسات الهندية ويوميات الجهاد لتحرير الأقليم المسلم المحتل وبعد ففي جو التعتيم الإعلامي يعتبر اشتراكك عزيزي القارئ بمجلة «كشمير المسلمة»، دعمًا للجهاد الكشميري وقضيتها العادلة.
عنوان المراسلات في باكستان:
P.O. Box 2292 - ISLAMABAD -
TEL (9251 - 813856) -
FAX (9251 - 213625).
***
(1) د. توفیق شاهين: أصول اللغة العربية بين الثنائية والثلاثية «مكتبة وهبه، مصر، 1980»: 26 – 33.
(2) السابق ص 26 «نقلًا عن: الخصائص لابن جني 1 / 456» وكذلك: عبد الله العلايلي: «تهذيب المقدمة اللغوية»، د. أسعد علي «دار النعمان، لبنان، 1978».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
ماذا يتم في المطبخ الدولي؟ الخيوط التي تربط بين تمزيق السودان إلى شمالي وجنوبي.. والباكستان إلى شرقية وغربية!
نشر في العدد 39
934
الثلاثاء 15-ديسمبر-1970