العنوان نتنياهو يتهكَّم.. ويؤكِّد ويتوَّعد
الكاتب عبد المنعم سليم
تاريخ النشر الثلاثاء 10-سبتمبر-1996
مشاهدات 12
نشر في العدد 1216
نشر في الصفحة 48
الثلاثاء 10-سبتمبر-1996
- إن مطالبة نتنياهو لبني العرب بتطبيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لا تمثل إلا نوعًا من التهكم والابتزاز للنظم العربية المستبدة.
إبان زيارته لواشنطن وضع نتنياهو النقاط على الحروف... وهو يقرع الأجراس لتنبيه الكافة على المستوى العربي وغير العربي أن مرحلة جديدة في تاريخ الكيان الصهيوني الغاصب قد بدأت على درب التوسع والاعتداء، وبسط النفوذ وفرض السلطان، وتضم المزيد من الأرض والديار العربية.. وصولًا إلى الهدف الكبير.. هدف الوطن القومي الممتد من الفرات إلى يثرب إلى النيل وبالطبع في ظل الرضا الأمريكي الضمني أو الواضح والصريح.
لقد أعلن نتنياهو أن القدس هي العاصمة الأبدية للكيان الصهيوني.. ولا تقسيم ولا تجزئ ولا مكان لبني العرب فيها، وأن السيادة على الجولان هي للكيان الصهيوني، كما أن السيادة الإسرائيلية ممتدة من البحر إلى النهر... أما مهمة الحكم الذاتي الفلسطيني فلا تتعدى الغرق في متاهات التصدي لحاجات واحتياجات السكان العرب المعيشية في الضفة وغزة.. مع بذل الجهد والطاقة في تأديبهم من خلال ردعهم -توفيرًا للأمن الإسرائيلي... وإزاحة كابوسه من فوق الكاهل الصهيوني لإلقائها على عاتق سلطة الحكم الذاتي.
وواجه نتنياهو احتجاجات بني العرب التي أعلنت عدم ارتياحهم للهجة خطابه وتصريحاته يقول منبها أصحابها: «إن عهد أو مرحلة بيريز قد انتهت وأن مرحلة جديدة قد بدأت مع توليه أو وصوله إلى السلطة، وأن أمام الشركاء العرب خيارًا استراتيجيًا عليهم أن يختاروه من بين خيارين:
أولهما: السير في خيار الإرهاب كأداة للدبلوماسية والتعامل مع إسرائيل.
وثانيهما: السير في إطار السلام تعاملًا مع إسرائيل، والعرب لا يمكنهم أن يمضوا في الخيارين معًا.
وزيادة في الإيضاح ومن أجل إلقاء الأضواء على الأدوار المطلوبة من الأطراف العربية في المرحلة الجديدة قال نتنياهو: «على السلطة الفلسطينية أن تلتزم تعهداتها بمنع الإرهاب والهجمات الإرهابية ضد إسرائيل، وعلى سورية أن توقف السماح بالهجمات التي تشنها بطريقة غير مباشرة على مدن إسرائيل الشمالية -مع إزالة تهديد حزب الله لإسرائيل، ثم أعلن موجهًا حديثه لكل العرب: «إن حل الخلافات يجب أن يكون سلميًا من خلال إنهاء الخلافات على الحدود بين إسرائيل وجيرانها كما أن السلام يجب ألا يكون استمرارًا للحرب بوسائل أخرى.. وأن حدود ما قبل 5 يونيو ١٩٦٧م لا وجود لها».
ولم يشر نتنياهو في أي تصريح له في تل أبيب أو واشنطن أو حين زار القاهرة إلى شعار الأرض مقابل السلام الذي يرفعه عرب العصر.. ولكنه رفع شعار المرحلة الجديدة «وهو السلام من أجل الأمن والسلام» أي السلام من أجل أمن وسلام إسرائيل ولا دخل للأرض في مفهوم السلام على الطريقة الإسرائيلية أو حسب المزاج الإسرائيلي، كما أن الأمن في المفهوم الإسرائيلي وعلى المزاج الإسرائيلي يعني وضع نهاية للإرهاب الذي مصدره في المفهوم الإسرائيلي أيضًا العناصر الوطنية والعناصر الإسلامية في غزة والضفة.. وعلى كافة الساحة العربية.. والتي يجب الإجهاز عليها والخلاص منها أو تجفيف جذورها.
وفي واشنطن لم يفت نتنياهو أن يؤكد أنه يستطيع أن يمارس الألاعيب السياسية على الساحة الشرق أوسطية - بمهارة.. وبصلافة حين أعلن أنه قد آن للعرب أن يطبقوا مثل إسرائيل الديمقراطية - ويحترموا حقوق الإنسان- وأن يقوموا بوضع القضيتين على جدول الأعمال إيذانًا بالبدء في التطبيق والتنفيذ، الأمر الذي بدا في نظر البعض شاذًا أو ملفتًا للأنظار خاصة وأنه من المعروف أنه في ظل النظم الديكتاتورية والاستبدادية وفي غياب أو تغييب الديمقراطية على الساحات العربية تم عقد اتفاقيات السلام الإسرائيلية العربية، لأنه في ظل انتخابات حرة وفي أجواء ديمقراطية صحيحة فإن نوعيات أخرى من الحكومات ستحتل مواقع السلطة والمسئوليات في عواصم عربية كثيرة، لا نحسب أنها أو المجالس التشريعية التي أفرزتها هذه الانتخابات ستقف في صف التفاوض مع إسرائيل أو ستقبل عقد اتفاقيات مع الكيان الصهيوني الدخيل، بل إن الكيان الصهيوني يمارس شتى الضغوط على عرفات وعلى جهات عربية عديدة من أجل إسراع الخطى في تصفية التيارات الإسلامية والوطنية المعارضة لاتفاقيات السلام.
هذا بالإضافة إلى أن واشنطن التي تدعم وتساند الكيان اليهودي الغاصب، والتي تسعى لنشر وتطبيق النظام الديمقراطي ونموذجها في الحكم في جهات عديدة من العالم ترفض وتتخذ كل السبل والوسائل للحيلولة دون تطبيق الديمقراطية في عالمنا العربي والإسلامي.. بل وتساند وتدعم النظم المستبدة، لأنها تدرك أن تطبيق النظام الديمقراطي الصحيح في العالم سيؤدي إلى ظهور وقيام حكومات قوية تقف في وجه الاستعمار وكافة أوجه النفوذ والاستقلال، وفي ذلك يقول سكرتير مجلس الأمن القومي الأمريكي: «إن أمريكا تسعى لإشاعة النظام الديمقراطي والنموذج الأمريكي في الحكم.. إلا أن المصالح الأمريكية تحتم عليها في مناطق من العالم أن تساعد وتدعم النظم الاستبدادية والديكتاتوريات وأن تتعاون معها» الأمر الذي دعا أكاديمي أمريكي إلى القول «بأن أمريكا تطأ مصداقيتها بقدميها».
إن مطالبة نتنياهو لبني العرب بوضع الديمقراطية وحقوق الإنسان على أجندة العمل والسعي لتطبيقها لا تمثل تغييرًا في السياسات اليهودية أو التوجهات الأمريكية.. إنما يمثل الأمر نوعًا من أنواع الضغوط الصهيونية على العواصم العربية بل إنه نوع من التهديدات إضافة إلى أنه نوع من الهجوم أو التهكم على النظم العربية المستبدة.. لجني ثمار التهديد أو التهكم أو الهجوم رضوخًا أو استجابة.
وجدير بالذكر أن نتنياهو قد عاد وأكد وهو في القاهرة أن مسألة الديمقراطية ونظم الحكم وأنماط الحكومات إنما هي شأن داخلي من شئون دول المنطقة.
إلا أنه يبدو أن نتنياهو قد لاحظ رغم العديد من التصريحات ورغم التشديد الواضح على السياسات والأهداف والغايات أن العرب لا يصدقون أو لا يريدون أن يصدقوا أن ثمة مرحلة من مراحل توسيع العدو لرقعته، والسعي لبلوغ الغايات النهائية قد بدأت مع قدومه إلى السلطة في الكيان الغاصب، وأنهم ما زالوا يعيشون مرحلة أو زمن العزف على أوتار الاعتدال أو التطرف الإسرائيلي، وما زالوا يحلقون في قصص وحكايات الحمام والصقور الإسرائيلية المزعومة، فأعلن أن العرب كما يبدو لم يتأقلموا بعد مع الواقع الجديد الذي أفرزته الانتخابات الإسرائيلية -ثم عاد ليؤكد وهو في القاهرة أن الاستيطان في «أرض الميعاد» ماض في طريقه دون توقف، وأن القدس عاصمة أبدية لن تجزأ، وأن رجوع اللاجئين أمر يدخل في دائرة الأحلام والمستحيل، وأن على سورية ألا تنتظر إرجاع الجولان بل عليها أن توقف الأعمال العدوانية حتى يبدأ الاتصال بها والتباحث معها، وأن ديفيد ليفي على وشك أن يلتقي بعرفات.. بل إن نتنياهو مع عودته إلى الكيان الغاصب بعد زيارته للقاهرة أكد أنه لم يقدم أي تنازلات.. وأنه ليس ثمة تغيير في السياسات أو التوجهات، أي أنه أكد أن نتنياهو في تل أبيب هو نتنياهو في واشنطن والقاهرة.
ويبدو أيضًا أن الأجواء والأحوال العربية قد دفعت نتنياهو إلى التطاول على عرب العصر.. والتهكم على عرب العصر.. فوصف ردود أفعالهم بأنها ردود عفوية.. وأنه ليس هناك ما يخيفه من التهديدات العربية التي صدرت بعد تصريحاته الأولى وفي أعقاب توليه الوزارة.. وأن العرب سريعًا ما يتعايشون ويتأقلمون مع الواقع.. خاصة وأن عليهم أن يتأقلموا مع الأمر الواقع. كما أن عليهم أن يتوقفوا عن احتراف الخطابة لأن هناك فارقًا بين لغة العبارات الرنانة ولغة الواقع.. ومن ثم فقد ناشد الزعماء العرب النزول من فوق أبراج ومنابر الخطابة ليعيشوا أجواء الواقع الجديد.
وتهديدات «وتطاولات» وتهكمات نتنياهو تذكرنا بمثيلتها التي وجهها أفورقي بعد أن احتل بدعم إسرائيل وتأييد أمريكي جزيرة حنيش اليمنية في غفلة من عرب العصر، إذ أعلن وقتها أن الجامعة العربية التي أصدرت مجرد بیان تستنكر فيه احتلاله لجزيرة حنيش قد تدخلت فيما لا يعنيها. وأن ساسة اليمن الذين طالبوه بالجلاء عن الجزيرة يفتقرون إلى الكياسة واللباقة السياسية، أما العرب عامة فهم ينفعلون عاطفيًا ثم سريعًا ما يفترون ويتراخون وبالواقع يرضون.
أيضًا أراد نتنياهو أن يدغدغ أذهان السادة العرب منبهًا إياهم في نفس الوقت إلى حقيقة يعرفها الداني والقاصي وهي أن المعاهدات والاتفاقيات التي يعقدها بنو صهيون مع أية جهة من الجهات العربية أو عاصمة من العواصم العربية لا تعدو أن تكون وسيلة لتحرير أو تبرير سياسة أو موقف أو تحقيق هدف أو غاية.. فإذا ما تحقق الهدف فعلى المعاهدات والاتفاقيات العفاء.. وعلى الطرف الآخر أن يكيف نفسه مع الأمر الواقع أو الواقع الجديد.
ومن هنا يسهل تفسير إعلان نتنياهو أن القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني ولا تراجع ولا تفاوض بشأنها.. كما يسهل تفسير إعلان نتنياهو عدم لقائه مع عرفات إلا إذا تطلب أمن إسرائيل ذلك فهو كل الاعتبارات.. ويبقى لقاء عرفات مع واحد من موظفي أو وزراء نتنياهو لقاء في المستوى الوظيفي الذي تجري معاملة عرفات من خلاله في مرحلة نتنياهو.
لقد سُئل نتنياهو وهو في واشنطن عن مدى سعيه واهتمامه بمصلحة المواطنين العرب في إسرائيل فقال: «أنا لا أعرف ولا أسعى إلا لمصلحة المواطن اليهودي فاسألوني عنه وعنها»..
نأمل أن يعي بنو العرب الدروس.. فيلجؤون إلى الحل الصحيح والوحيد لمواجهة مرحلة نتنياهو قبل أن يفتح الأبواب أمام مراحل أخرى أدهى وأخطر.
إنه الانفتاح على الشعوب.. والمصالحة مع الشعوب.. والسعي لإطلاق طاقاتها من خلال إطلاق حرياتها.. وحشد كافة إمكاناتها من خلال تحريك إيمانها سعيًا لاقتلاع جذور العدو والعدوان كسبيل وحيد وصحيح للسلام العادل المشرف والأمن الوارف الظلال.. وحينئذ يدرك القاصي والداني أن العرب قد بدأوا لا يعرفون ولا يسعون إلا للصالح العربي.. وأنه على الساحة العربية لا مجال لصالح آخر؛ لأنه لا مكان لوجود آخر.
(*) كاتب وصحفي مصري
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
«الخطة الخمسية».. التهويد الشامل للقدس ومحو هويتها العربية والإسلامية
نشر في العدد 2183
30
الجمعة 01-سبتمبر-2023