; نحو إصلاح جذري في الجامعة ( 3 ) مناهج الدراسة ونظم الامتحانات | مجلة المجتمع

العنوان نحو إصلاح جذري في الجامعة ( 3 ) مناهج الدراسة ونظم الامتحانات

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 25-مايو-1971

مشاهدات 26

نشر في العدد 61

نشر في الصفحة 8

الثلاثاء 25-مايو-1971

نحو إصلاح جذري في الجامعة

( 3 )

مناهج الدراسة ونظم الامتحانات

 

في الحلقتين الماضيتين تناولت «المجتمع» في دراستها عن الجامعة، نظام الجامعة الأساسي وسلطات الإدارة، واقترحت استقلال القسم في الإدارة والمال والبحث العلمي، وتفتيت السلطات المركزية وتوزيعها، بحيث تتفتح كل الكفاءات وتنشط دون عوائق، فكان ذلك موضوع الحلقة الأولى.

وتناولت طريقة اختيار الأساتذة، ونظام الترقيات، واقترحت أن يتم اختيار الأساتذة بالطريقة السليمة المتعارف عليها عالميًا في الإعلان والتقييم واختيار الأفضل كما اقترحت- في نظام الترقيات- أن يرقى الأستاذ على أساس إنتاجه العلمي كمًا ونوعًا، وأن يعود إلى الجامعة حق تكافؤ الفرص، فلا تتدخل أي عوامل أخرى لترفع أستاذًا ليس له أن يرتفع، وتؤخر أستاذًا من حقه- بمقياس العلم والعدل- أن يتقدم ويرقى، وكان ذلك موضوع الحلقة الثانية.

وفي هذه الحلقة الثالثة تتناول «المجتمع» في دراستها هذه موضوعين مرتبطين ببعضهما، المناهج الدراسية، ونظام الامتحانات.

 

المناهج الدراسية

كما تتداعى المعاني في الذهن فإن الفضائل تجر بعضها، والأخطاء تولد أخطاء أخرى.

 ولقد ولدت أخطاء النظام الحالي وسلطات الإدارة المطلقة.. إلخ، أخطاء أخرى انعكست على مناهج الدراسة في الجامعة، ونظم الامتحانات بها.. إلخ.

ففي الظروف الطبيعية يكون لعضو هيئة التدريس الكلمة الأولى والأخيرة في المنهج الذي يضعه، بيد أن هذا الحق قد سلب من عضو هيئة التدريس في جامعة الكويت، وفي غيبة عضو هيئة التدريس-العملية- عن وضع المناهج الدراسية؛ قامت أخطاء ما كانت لتقع لو مُكن عضو هيئة التدريس من ممارسة حقه في وضع المناهج، وهذه الأخطاء عديدة، عديدة.

نوجز للقارئ منها:

* إن أغلب المناهج مستقاة- يكاد يكون بصورة حرفية- من مناهج بعض الجامعات العربية بما فيها من عيوب وأخطاء، وتخلف!!

* هناك زحمة هائلة في المناهج لا تتيح الفرصة للاتصال بالطلاب، مما قصر بالجامعة عن القيام برسالتها على الوجه الأكمل!!

* تخلف المناهج عن ركب التطور العالمي بصفة عامة.

* قصر المناهج على فترات محددة؛ وعدم توزيعها على مدار السنة، فيه أخطاء واضحة؛ فكثير من المناهج لا يقضي معها الطالب أكثر من شهر أو شهرين بينما في الحقيقة تحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير، ولو لنفس الساعات، لأن الطالب إذا عاش مع مقرر دراسي عامًا كاملًا فإنه يتفاعل معه بعمق أكثر مما لو عاش معه شهرًا أو شهرين.

* عدم تطبيق نظام التخصص؛ وهو نظام مطبق في كل جامعات العالم.

* إثقال كاهل الطلاب بساعات طويلة من الدراسة تؤدي إلى توسع أفقي شاسع دون تعمق رأسي معقول ومقبول.

* حرمان الطلاب من الاستفادة بالقراءات المكتبية وهي لازمة في مرحلة التعليم الجامعي.

* عدم إمكانية تطبيق فكرة حلقات الدرس وهي أساس مهم في التعليم الجامعي بصفة عامة، ففي مثل هذه الحلقات تثار المناقشات، ويتفجر الحوار المثمر، وتقارع الحجة بالحجة، فيتعلم الطلاب أثناء ذلك ما لا يمكن أن يتعلموه في قاعة الدرس وحدها.

* عدم إتاحة الفرصة للطلاب للقيام ببحوث مبدئية بسيطة يتعلمون فيها منهج البحث العلمي السليم، ويتدربون على التعبير عن أفكارهم بوضوح.

ومن العجيب أنه لما ضج عدد من المخلصين من بين أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت من هذه الأخطاء المتراكبة وغيرها، حاولت إدارة الجامعة- عن سياسة ودهاء- امتصاص هذا الغضب فيما أسمته بحلقة دراسات عن الاتجاهات الحديثة في التعليم الجامعي؛ عُقدت في الفترة من 19- 23 فبراير سنة 1969م- وعلى الرغم من أن الأصابع الخفية تدخلت وقتئذ لتقديم من أرادت له أن يتكلم، وتأخير من لم ترد أن يسمع رأيه- إلا أن أفكارًا سديدة عديدة قد طرحت، لو أخذ بها لكان فيها خير هذه الجامعة الناشئة وخير من فيها.

ولكن مما يؤسف له، ويحزن عليه، أنه بعد ضياع ساعات طوال من الاستماع والنقاش في هذه الحلقة، التي أخذت من وقت مئات الأساتذة، ما لو استغلوه في أي أمر آخر لأفاد، بعد هذه الساعات الطوال فوجئ الجميع بأن التوصيات التي قرئت في نهاية الحلقة كانت معدة من قبل انعقادها بفترة زمنية طويلة، وكأن الأمر كله كان مهزلة مرسومة أو مسرحية ساخرة سخرت فيها إدارة الجامعة من هؤلاء الأساتذة الأجلاء، الذين لمّحوا بالإصلاح وأشاروا إليه، فأضاعت من وقتهم وجهدهم وأعصابهم، ما لو أنفق في باب آخر لأتى ثمرة يانعة طيبة!!!

ثم فوق ذلك كله جمعت المحاضرات والمناقشات؛ التي دارت، في عشرات من شرائط التسجيل ومئات من صفحات الكتابة باليد وعلى الآلة الكاتبة؛ وشكلت اللجان لتحرير أعمال هذه الندوة المهمة، وضاعت الساعات تلو الساعات، من وقت العشرات بل المئات، ثم لم تخرج أعمال هذه الحلقة إلى حيز الوجود بعد، ويبدو أنها لن تخرج إلى الأبد، لأنه ربما ورد فيها شيء من النقد لنظام الجامعة، وكأن نظام الجامعة ليس من وضع بشر له ما لكل البشر من نقص وعدم كمال!!!

 

نظام الامتحانات

لم يقتصر الخطأ؛ الذي أدى إلى حرمان عضو هيئة التدريس من ممارسة حقه في وضع المناهج، إلى هذا الحد فقط، بل تعداه أيضًا إلى حرمانه من حقه في تقييم طلابه، فوضع له نظام امتحانات مستورد فاشل، أثبت عجزه في جامعات عربية أخرى عن تمييز الأفضل والأمثل، واتبع هنا بأخطائه وعيوبه.

فهناك شبه إجماع عالمي على أن تحديد موعد للامتحانات؛ بحيث تكون ورقة الإجابة هي الفيصل فيه، يعتبر نظامًا متخلفًا أثبتت التجربة قصوره وفشله لأسباب كثيرة؛ منها:

 1- تفاوت الحالات النفسية حسب شخصية الطالب وتكوينه، وظروف نشأته وتربيته.

2- المفاجآت التي قد تنزل على طالب مجد ممتاز فتضيع عليه امتحانه، ونظام الامتحانات المرن المتقدم يضع في اعتباره هذه المفاجآت ويحمي الطلاب من عواقبها.

3- الرهبة التي تتخذ أشكالًا متعددة في نفوس كثير من الطلاب، وتؤثر على مستوى إجاباتهم.

4- المصادفات، فقد تلعب المصادفات دورًا كبيرًا في تحديد مستقبل الطالب إذ قد يقرأ طالب بضع صفحات في الصباح تتضمن النسبة المطلوبة للنجاح، بينما هو لم يقرأ شيئًا يذكر طوال العام!! وقد يبذل آخر قصارى جهده ثم يغفل عن جزء يسير في المقرر قد يكون محور ورقة الأسئلة بأكملها.

5- الغش: إذا أتيح لطالب أن يغش فإنه يزاحم المجدين والمتفوقين بدون حق، والغش داء وبيل في مجتمعاتنا للأسف الشديد، وقد تفنن فيه بعض طلابنا بطرق مذهلة، وجهود طائلة لو أنفقت في الدرس لأفادت.

6- نظام الامتحانات الحالي يضيع من وقت الطلاب والأساتذة ما يقرب من نصف عام في الاستعداد للامتحان، وأدائه، والتصحيح، وإعداد النتائج، إلخ، ففي امتحانات الدور الأول يبدأ الطلاب في الانقطاع عن الدراسة منذ شهر نيسان فتضيع شهور أربعة: نيسان، أيار، حزيران، تموز في دوامة طاحنة من إرهاق أعصاب الطلاب والأساتذة جميعًا، دون ثمرة مرجوة، أو نفع مقصود، وكان من الأولى أن تنفق هذه الشهور الأربعة في الارتفاع بمستوى الطلاب.

7- إن نظام الامتحانات بوضعه الراهن لا يمكن أن يكون تقييمًا حقيقيًا لمستوى الطلاب، وبالتالي يتقدم من لا يستحق على من يستحق، في كثير من الأحيان!!

8- إن الجهد الذي يبذل في التحضير للامتحانات، من وضع للأسئلة إلى طبعها، ومن إعداد للقوائم وحصرها، وتجهيز للكراسات وختمها، وتوزيع لها ثم جمعها، وإخفاء الأسماء والمبالغة في إبهامها، ثم تصحيح الأوراق ذات الأسماء المغطاة ثم كشف الغطاء، ورصد الدرجات، وحساب التقديرات، ومراجعة ذلك مرات ومرات، فينجح من ينجح، ويرسب من يرسب، وكأن العملية كلها مسرحية درامية طويلة، تتكرر في كل عام مرتين، مستنفدة من جهد وطاقة مئات الأساتذة والطلاب ما لو اتفق في اتجاه آخر لنفع وأفاد.

9- إن موضوع سرية الامتحانات في ذاته امتهان واضح للأساتذة وطعن غير مباشر في نزاهتهم وحيدتهم، والأستاذ صاحب رسالة، ولا يليق بصاحب الرسالة إلا أن يكون مثلًا يحتذى، وقدوة يقتدى بها، وصورة الكمال البشري، يوليه المجتمع ثقته، فيثبت للمجتمع أنه أهل للثقة، وأهل لحمل الأمانة الملقاة على كاهله، والإنسان كائنا من كان، إذا شعر بأن المجتمع من حواليه يثق فيه ويطمئن إلى حكمه، فإنه نادرًا ما يخون الأمانة!!

ثم إنه لمن المضحكات المبكيات أن يتكرر إخفاء الأسماء، ولصق الأوراق، والممتحن طالب واحد أو طالبة واحدة، والأستاذ يعرف من هو أو من هي صاحبة الورقة، وهيئة مراقبة الامتحان، من يلصق، ومن يفك اللصق، ومن يرصد، ومن يملي، الكل يعرف من صاحب الورقة الوحيدة، فبالله، على من هم يضحكون؟؟ أو بمن يسخرون؟؟ أيضحكون على أنفسهم؟ أم على الأستاذ المصحح؟ أم يسخرون بالطالب المسكين!!!

ثم ما هذا الشريط الأسود على ركن ورقة الإجابة، والذي يستخدم في إخفاء اسم صاحب الورقة، إنه بشير حزن، وصورة تقبض النفس، ومنظر من مناظر الحداد، من الظلم على الطالب أن يفتتح نهار امتحانه به!!!!

فإلى متى نسير في عالمنا العربي في دوامة من النظم البالية الضعيفة، التي لا تتسم بشيء من الذكاء، أو الفطنة، ولا ترتبط بهدف مقصود، أو غاية مرجوة !! ثم تتكرر المأساة مرة أخرى في الدور الثاني فيضيع شهرا آب وأيلول في دوامة الامتحانات، وكأن الوقت عند إدارة الجامعة لا يساوي شيئًا !!!

 

الثقة هي الأساس

في الوقت الذي وضع فيه نظام الامتحانات في جامعة الكويت على أساس من عدم الثقة في الأستاذ؛ تعتمد نظم الامتحانات في دول العالم المتقدمة على الثقة المطلقة في كل من الأستاذ والطالب.

· ففي ألمانيا مثلًا ليس هناك موعد محدد للامتحان، وعلى الطالب أن يلتقي بأستاذه حينما يفرغ من دراسة مقرره فيمتحنه فيه الأستاذ ويجيزه أو لا يجيزه.

ورأي الأستاذ في ذلك غير قابل للنقض أو الطعن!!

· وفي فرنسا وهولندا وبريطانيا والنمسا وبلجيكا- على سبيل المثال لا الحصر- يؤخذ بنظامي الامتحان التحريري والشفهي، ولكن رأي الأساتذة في الطالب فوق هذه النتيجة، وهو الفيصل الحقيقي في تقييم الطالب.

* وفي روسيا يحدد كل قسم أسبوعين فقط في السنة للامتحان يستدعى فيهما عدد من الممتحنين الخارجيين مع أساتذة كل مادة؛ ويفد الطالب في أي وقت يشاء خلال هذين الأسبوعين لأداء الامتحان وهو شفهي فقط!!

وعلى ذلك فإننا نجد أن الامتحانات التي تأخذ من وقت جامعة الكويت أكثر من نصف السنة، لا تأخذ من أوقات الجامعات الأخرى إلا بضعة أسابيع قليلة دون أن تُحدث إرباكًا عامًا في الجامعة.. إدارتها، وأساتذتها، وطلابها، ودون أن يضيع عشرات الأساتذة وقتهم في لصق الأشرطة السوداء وفضها، وعد الأوراق وحصرها، إلخ من أعمال لا تليق، ولا تفيد!!

إن نظام الدراسة في الجامعات العريقة في العالم يقوم على الرغبة الحرة في حضور المحاضرات، ولا يوجد توقيع للحضور ولا كشوف للغياب كما هو الحال في جامعة الكويت.

والكلية ما هي إلا مجموعة من الطلاب معهم صديق كبير هو أستاذهم، المسئول عنهم تدريسًا وإشرافًا وتقديرًا.

ولقد أوجد هذا النظام علاقة سليمة، ورابطة إنسانية وعلمية بين الأستاذ وطلابه أساسها الاحترام والتقدير والاستفادة حتى أن الشهادة العلمية التي ترسل للطالب تكتب بصيغة مفعمة بالإنسانية والتقدير والنبل: «يسعدنا أنك أرضيت أستاذك»

 

إن مهمة الجامعة هي صنع العقلية العلمية التي لها المقدرة في الحكم على الأشياء والدقة في التمييز، وإنشاء رابطة بين أستاذ له من العلم والفضل؛ وطلاب حوله لهم من الوفاء والإخلاص ما يمكّن الجامعة من أداء رسالتها الحقة، ألا وهي بناء جيل من الرجال لهم من الخلق والعلم ما يمكنهم من بناء أمتهم على أسس راسخة متينة.

 

 

الرابط المختصر :