العنوان نرفض فكرة الزواج المدني.. نداء من الجبهة الإسلامية في لبنان
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 16-فبراير-1971
مشاهدات 39
نشر في العدد 47
نشر في الصفحة 24
الثلاثاء 16-فبراير-1971
تتردد في هذا البلد بين الفينة والفينة صيحات من هنا وهناك تنادي بإحلال «الزواج المدني» محل «الزواج الشرعي»، أو بعبارة أخرى محل الزواج المعمول به وفق المراسيم الدينية لكل طائفة من الطوائف.
كان السيد ريمون أده من أوائل المنادين بهذه الفكرة والداعين إليها على كل صعيد ثم كانت المبادرة الأخيرة من حزب الكتائب اللبنانية حيث أعد مشروعًا بهذا الصدد كما أفصح عن ذلك نائب الكتائب السيد إدمون رزق في الكلمة التي ألقاها في المجلس النيابي يوم السبت الفائت الواقع في السابع عشر من تشرين الأول الجاري في معرض مناقشة البيان الوزاري الذي تقدمت به الحكومة الجديدة «حكومة الشباب» وجعل الزواج «مدنيًا» يعني اعتباره عقدًا مدنيًا رسميًا يتم أمام سلطة مدنية مختصة «قاضي الأحوال الشخصية» بما يتبع ذلك إلغاء كافة الاحترازات والشروط والقيود التي تفترضها بعض الأديان -وعلى الأخص الإسلام- كشرط من شروط صحة العقد وبتعبير آخر يعني إخضاع «نظام الزواج الشرعي» نصًا وروحًا لقوامة القوانين الوضعية واجتهاداتها الزمنية؟
وليس ثمة شك في أن الزواج في الشريعة الإسلامية يُعتبر نظامًا إسلاميًا له أهداف وأغراض معينة. وقد فرض له الشرع قواعد وأحكامًا يخضع لها عقد الزواج، كما يخضع لها طرفاه اللذان يعبران عن إرادتيهما طبقًا لهذه القواعد، كما يتجهان بهذه الإرادة المشتركة إلى إحداث الآثار الشرعية المترتبة عليها.
فالزواج في الإسلام لا يعتبر فقط تصرفًا أو عقدًا يستند إلى مجرد إرادة الطرفين يتحكمان فيه بسلطانهما، ويستقلان وحدهما بإحداث النتائج أو الآثار فيه، وإنما هو أيضًا -وفي المقام الأول- نظام شرعي عام تفرضه الشريعة وتبسط عليه أحكامها التي تتطلبها حاجة الجنس والبقاء وحفظ النوع والنسل وصيانة المعتقد والخلق وتكوين الخلية الصالحة التي هي قوام المجتمع الصالح، والحقيقة أن الصورة الشرعية لعقد الزواج الإسلامي وإن كانت لا تختلف كثيرًا من النواحي «الشكلية» عن صورة الزواج المدني، إلا أنها تتميز عنها تميزًا جذريًا فيما عدا ذلك من أمور اعتقادية وتشريعية بحتة، تكون في مجموعها مبررات الرفض القطعي لأي مشروع زواج كائنًا ما كانت أوصافه ومبررات تقديمه، وسنتناول هنا وفي هذه العجالة عددًا من هذه الأمور الشرعية التي تحول دون قبول المسلمين لأي مشروع زواج مدني حاضرًا ومستقبلًا:
1- إن «تمدين» الزواج أو جعله «مدنيًا» يعني جعله وضعيًا، أو بعبارة أخرى يعني إخضاعه لقانون زمني وضعي، بدل أن يكون خاضعًا لسلطان الشرع ولحكم الله. وهذا بدون شك حرام قطعًا، واستبدال للذي هو أدنى بالذي هو خير، بل هو قبل كل هذا وفوق كل هذا تقديم لحاكمية البشر على حاكمية الله، وهذا مرفوض وأكثر من مرفوض لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
(سورة الحجرات: 1).
وقوله ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (سورة المائدة: 47).
وإذا كنا في هذا المقام أصرح وأوضح فلنا أن نقول بأن الإسلام لا يكتفي برفض جعل الزواج الشرعي مدنيًا، وإنما يفرض بأن تكون «النظم المدنية» كل النظم المدنية شرعية، حتى يكون الدين كله لله، سواء في نظام الزواج أو في سواه من النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقضائية والتعليمية، إلخ.
وهذا ما يفرض على المسلمين أن يرفضوا فكرة «الزواج المدني» أساسًا لاصطدامها مع خصائص «الألوهية والحاكمية» التي تقيد حق التحليل والتحريم بالله وحده، وتجعل القبول بالتشريعات والأنظمة الوضعية قرين الشرك؟؟
2 – والإسلام يرفض «نظام الزواج المدني»؛ لأنه نظام يبيح زواج المسلمة من غير السلم وهذا حرام قطعًا بنص القرآن الكريم وليس رأيًا اجتهاديًا قابلًا للنظر كما تشير مقدمة مشروع حزب الكتائب والمنشورة في عدد سابق من جريدة العمل الناطقة بلسان الحزب.
والمجال هنا لا يسمح بمناقشة مبررات هذا الحكم الشرعي والأسرار الكامنة وراءه وهي كثيرة ومتعددة، لأن مرادنا في هذه العجالة تقديم مفهوم الإسلام حول فكرة الزواج المدني في نطاق الإطار المبدئي العام.
3- والإسلام -كذلك- يرفض «نظام الزواج المدني» لأنه يلغي نظام تعدد الزوجات وقد أباحه الإسلام، وحين أباح الشرع التعدد أباحه بشروط قاسية ولضرورات معينة، قال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾ (سورة النساء: 3).
وقال ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ﴾ (سورة النساء: 129). الإباحة هنا مشروطة بتوافر ركائز العدل والقسط من جانب الزوج، ومن أجل ذلك قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «من تزوج امرأتين فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل» وأما الضرورات التي توجب التعدد أحيانًا فكثيرة، ويضيق المجال هنا عن ذكرها والإحاطة بها.
4- والإسلام -أيضًا- يرفض نظام الزواج المدني لأنه يبيح للمسلم أن يتزوج بغير المسلمة والكتابية، فالإسلام أباح للمسلم أن يتزوج نصرانية أو يهودية -لالتقاء هذه الأديان معه على الأقل في النظرات الكلية للكون والإنسان والحياة- ولكنه حرم عليه الزواج من مشركة، فالملحدة والكوافر لا ينعقد نكاح المسلم عليهن. لأن الإسلام يحرص على أن يكون العش الزوجي قائمًا على قواعد راسخة من الإيمان بالله، ليكون خلية إصلاح وتوالد للذرية الصالحة وهذا لا يتحقق إلا بتوافر الصلاح في كلا الطرفين «الزوج والزوجة» والأصل في الصلاح صلاح المعتقد الذي هو صانع الخلق ومتمم مكارم الأخلاق.
إن مجتمعنا الذي يموج بدعاوى الإلحاد والانحلال ليفرض علينا اليوم أن نكون أكثر تمسكًا بشرعية الزواج.
وإلى تنظيم وتطوير محاكمنا الشرعية لما يحقق الغرض من وجودها وليس لما يلغيها أو يعطلها كما يريد المنادون بالزواج المدني؟
وبعد؛ فإن إثارة هذا الموضوع في هذه الأوقات بالذات بعث للشر من مكمنه وإيقاظ للفتنة من مرقدها.
لأن المسلمين لن يسكتوا على هذا العبث بأنظمتهم الإسلامية وبأحكامهم الشرعية، والفتنة أشد من القتل، وقد أعذر من أنذر.