العنوان نفاق الآلة السياسية
الكاتب شعبان عبد الرحمن
تاريخ النشر السبت 04-يناير-2003
مشاهدات 25
نشر في العدد 1533
نشر في الصفحة 17
السبت 04-يناير-2003
أمام حشد كبير من الحضور وقفت شارلوت بيرز كبيرة مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية للدبلوماسية العامة تعلن يوم الخميس ١٩ديسمبر الماضي «إنه من الخطر ألا نشارك الآن في نقل صورة عن المجتمع والقيم الأمريكية إلى العالم الإسلامي... وإنه مع وجود جماعات إرهابية وغيرها مصممة على تصوير أمريكا على أنها عدوة للعالم الإسلامي فإن أهمية وصول رسالتنا أصبحت قضية ساخنة جدًا
وبينما كانت المسؤولة الأمريكية تستفيض في شرح حيثيات خطتها لتحسين صورة الولايات المتحدة داخل العالم الإسلامي والتي اعترفت بتآكلها؛ كانت السفارات الأمريكية في العالم العربي تحاول عرض أفلام وثائقية على الجماهير تظهر صورة وردية التعامل السلطات الأمريكية مع المسلمين داخل الولايات المتحدة وذلك على غير الحقيقة وهي محاولة لتزييف وعي الناس وصرفهم عن حقيقة ما يجري هناك من انتهاكات غير مسبوقة لحقوق المسلمين. ولذلك كان وزير الإعلام اللبناني مصيبًا عندما منع عرض مثل هذه الأفلام في بلاده.
ووسط هذه الفاعليات الأمريكية لتحسين صورتها في العالم الإسلامي فوجئنا باعتقال السلطات الأمريكية لما بين خمسمائة إلى ألف من المهاجرين المسلمين في كاليفورنيا الذين ذهبوا طواعية لتسجيل أنفسهم لدى سلطات الهجرة تنفيذًا لقانون جديد يلزم المهاجرين بذلك. لكنهم فوجئوا وهم داخل مراكز التسجيل بالقيود في أياديهم ثم جرى إلقاؤهم خلف القضبان.
تلك الحادثة كانت مثار استهجان المنظمات الحقوقية داخل الولايات المتحدة نفسها وكانت في الوقت نفسه مسار سخرية الإعلام والمراقبين بل والمواطنين داخل العالم الإسلامي من نزاهة العدالة الأمريكية التي تهزها كثيرًا مثل تلك الإجراءات، كما تزعزع مصداقيتها في التعامل مع الوافدين الذين تقاطروا على الولايات المتحدة طمعًا في الجنة الأمريكية الموعودة!
ورغم أن السلطات الأمريكية أفرجت بسرعة عن المعتقلين وتستعد منظمة «كير» ومعها العديد من المنظمات الحقوقية الأمريكية لمقاضاة وزير العدل إلا أن تلك الحادثة-لا شك- تضاف في سجل الذاكرة الإسلامية إلى ما سبقها من انتهاكات وقوانين مجحفة بحق المسلمين وهي-في الوقت نفسه-تعرقل أي محاولة أمريكية مقبلة لتزييف الوعي العربي والإسلامي عن حقيقة ما يجري بحقالمسلمين داخل الأراضي الأمريكية.
هذه التداعيات السلبية تحدث بينما المشاريع السياسية والثقافية الأمريكية تتوالى على المنطقة العربية بغية إصلاحها ومد جسور التواصل معها-وفق ما تعلنه واشنطن-وهي في حقيقتها ليست مشاريع وإنما هي غارات سياسية وثقافية لا تقل خطرًا عن الغارات الحربية، لأنها ترمي إلى تغيير الخريطة السياسية والثقافية والحضارية للمنطقة وللأمة وفق الرؤية والمنظومة الأمريكية.
وقد عودتنا الآلة السياسية والإعلامية الأمريكية مع كل مشروع جديد ترمي به إلى المنطقة أن تحيطه بهالة من النوايا الحسنة الأمريكية نحو بناء مستقبل أفضل لبلادنا. ولا شك أننا تابعنا عملية تسويق مشروع كولن باول للإصلاح السياسي في المنطقة العربية الذي تناولناه في هذا المكان من قبل، وتابعنا كذلك ما صاحبه من تطمينات وشعارات براقة لمن يعنيهم الأمر في بلادنا تؤكد حرص واشنطن على أن يعيش الإنسان العربي في بحبوحة من الديمقراطية والرخاء الاقتصادي!.
وذلك لا يعدو أن يكون من قبيل الاستهلاك الإعلامي الذي يسبق كل غارة.
هكذا عودتنا الغارات الاستعمارية منذ القرون الغابرة على بلادنا.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل