العنوان ماركسية ليالي الحلمية
الكاتب إيمان سالم البهنساوي
تاريخ النشر الأحد 17-مايو-1992
مشاهدات 52
نشر في العدد 1001
نشر في الصفحة 42
الأحد 17-مايو-1992
لا أحد
يستطيع أن ينكر الجهد المبذول لإخراج مسلسل «ليالي الحلمية» بهذا المستوى
المتميز من الناحية الفنية، ولكن المسلسل يعرض فكر مجموعة من الشيوعيين سماهم
المؤلف بالاشتراكيين وفي سبيل الانتصار لمبادئهم يحرف التاريخ ويغير من
الوقائع والحقائق التي مازال بعض أصحابها أحياء، ومنهم من نشر تصحيحًا موجزًا
ومنهم من نشر تساؤلات فقط.. ويواصل الجزء الرابع من المسلسل سرد قصة هذه المجموعة من
الأفراد الذين ربطت بينهم علاقات الصداقة أو القرابة أو الجيرة أو الزمالة، وقد
آمن أغلبهم بمبادئ الاشتراكية أو الشيوعية وقد تعرضوا للسجن في فترة من حياتهم من
أجل هذه المبادئ وقد أعلن الكاتب صراحة عن مبادئهم هذه بأنها الاشتراكية خلال
حلقات المسلسل ثم يذكر الكاتب أنه تمر بهؤلاء الأشخاص الأيام والسنون، ونتيجة
لاختلاف الزمن وللفساد الذي يعم المجتمع، يتخلى بعض منهم عن مبادئه ولكنهم في
النهاية يعودون إلى مبادئهم ويحاولون التكفير عن أخطائهم حتى ولو عرضهم ذلك للقتل
أو السجن، كما في حالة «عاصم السلحدار وعلي البدري» ثم يلقي المؤلف بعد ذلك الضوء
على الجيل المعاصر من الشباب ويبين لنا مدى تخبطهم في مجتمع يسوده الفساد، وعصر
ضاعت فيه المبادئ والقيم والأخلاق «عصر الهليبة» كما جاء على لسان علام
السماحي فلا يجد هؤلاء الشباب القدوة أو المثل الأعلى ولا يجدون من سبيل
أمامهم سوى الانغماس في المخدرات أو اللجوء للدين، وهكذا يساوي المؤلف بين
الالتجاء للدين والالتجاء للمخدرات، لأن زعيمه كارل ماركس يزعم أن الدين أفيون
الشعوب ويجعل الدين مثل المخدرات، كما برر الكاتب لجوء بعض الفقراء للدين لأملهم
في أن يحظوا في الآخرة بالجنة التي قد تعوضهم عن الظلم وعدم العدل المتفشي في
المجتمع- كما جاء على لسان علام السماحي- وهو في ذلك ينقل أفكار كارل ماركس عن
الدين بأنه سلوى الفقراء العاجزين وليس وسيلة لتحقيق العدل المنشود، والكاتب يعلم
أن كثيرين ممن أسلموا في عهد الرسول كانوا من الأغنياء وقد آثروا ضياع أموالهم في
سبيل العقيدة وينتهي الكاتب إلى أن كلا الطريقين «المخدرات والدين» سوف يؤدي
بالشباب في النهاية إلى العنف نقلًا عما جاء على لسان علام السماحي.. وقد شاهدنا
ما وصل إليه «توفيق» ذلك الشاب الذي أغوته الجماعات الإسلامية فانضم إليهم وانتهى
به المطاف إلى سرقة أحد محلات الذهب وقتل صاحب المحل بدون ذنب، حيث قد أفتى لهم
أمير الجماعة بأن سرقة هؤلاء الناس «حلال» كما جاء على لسان توفيق، وهكذا فالمسلسل
يعرض الإسلاميين على أنهم لصوص ومجرمون وقتلة، بينما يعرض الشيوعيين على أنهم رمز
للمثالية والطهر والموت في سبيل المبدأ.. كما انتهى الكاتب إلى القول بأن الدين
يؤدي إلى العنف، والإسلام الحقيقي كما جاء في الكتاب والسنة بعيد كل البعد عن هذه
الصورة المشوهة من سرقة وعنف وقتل، فقد نهانا الإسلام عن السرقة وحرم قتل النفس
البشرية قال تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي
الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة: 32)..
|
* مسلسلات
العلمانيين تعرض الشيوعيين كرمز للطهر والمثالية. |
وقد
تجاهل الكاتب أن الغالبية العظمى من التيارات الإسلامية لا يمكن أن ينسب إليهم أي
عنف أو تطرف وأعمالهم في النقابات المهنية وغيرها خلال السنوات الماضية أكبر دليل
على ذلك حتى إن كلًّا من وزيري الداخلية السابقين «نبوي إسماعيل وأبو باشا» قد
أعلنا أن الإخوان المسلمين الذين يمثلون الشريحة الكبرى من الجماعات الإسلامية
بعيدون كل البعد عن كل تطرف وعنف، وقد أكد ذلك أيضًا الدكتور بطرس غالي، والكاتب
لا يخفى عليه أيضًا أن العنف والتطرف هو حتمية كارل ماركس لأن نظريته في الصراع
الطبقي تؤدي بحتمية تاريخية في زعمه وهي تصفية الطبقة العمالية لغيرها من الطبقات
ودفنها وهذا هو قمة العنف والتطرف.
|
* «ليالي الحلمية»
تظهر المسلمين لصوصًا وقتلة. |
ثم يسلط
المؤلف الضوء على «الحاج بسيوني والحاج خميس» وقد ارتدى كل واحد منهما
الجلباب وأطلق اللحية وحف الشارب وأمسك بالمسبحة في يده وكونا «شركة الانشراح»
وأصبحا يتحدثان بلغة الإسلام، وقد قدم الكاتب في الأجزاء السابقة من المسلسل تاريخ
هاتين الشخصيتين.. فهما «السبارسجية: بسة والخمس» وقد عملا مع الإنجليز في «الأرنص»
ثم عملا في تجارة العملة وأخيرًا في تجارة المخدرات.. والتي دخلا السجن بسببها..
وبسة والخمس- كما ظهرا في المسلسل- نصابان لا يتورعان عن القيام بأي عمل في سبيل
الحصول على الربح والمال الوفير، وقد كان واضحًا من المسلسل أنهما شخصيتان
مكروهتان من الجميع نظرًا لخستهما.
ونحن
بدورنا نتساءل عن هدف المؤلف من جعل أشخاص من أمثال بسة والخمس يتحدثان باسم
الإسلام؟! فليس هناك من هدف سوى القول إن المسلمين يتخذون من الدين ستارًا يخفون
وراءه أهدافهم الخبيثة، والمؤلف بذلك يلمز الإسلاميين وشركات توظيف الأموال كما
ذكر في المسلسل.. ولا يخفى على المؤلف وغيره أن أصحاب شركات توظيف الأموال فيهم
الصالح والطالح، وأن الذين رفعوا شعار الإسلام منهم قلة قليلة، وهي ليست من
النصابين، فمعظم شركات توظيف الأموال لاسيما الريان والشريف كانت أصولهما تغطي
أموال المودعين، ولكن سوء التصرف والإدارة من الجهة التي وضعت يدها على هذه
الأموال أدت إلى المأساة الحقيقية، كما كتب صلاح منتصر وغيره من الكتاب الذين
يعتبرون موالين للحكومة.. كما أن أصحاب شركات توظيف الأموال ليسوا نكرة بل لهم أصل
وتاريخ معروف لكل ذي عقل وبصيرة.. فشركة الشريف قد بدأت تدريجيًّا من مصنع والده
الصغير إلى أن أصبحت من أكبر المؤسسات الصناعية في مصر بعد كفاح دام أربعين عامًا،
وهي فخر وشرف لكل مواطن مصري بل ولمصر كلها، فقد ساهمت مع غيرها من الشركات
الوطنية في جعل مصر في عداد الدول المصنعة وامتلأت الأسواق المصرية والعربية
بالصناعات التي تحمل شعار «صنع في مصر» بداية من القلم الجاف وانتهاء بالأجهزة
الكهربائية والإلكترونيات، وقد كانت تلك المؤسسة الصناعية الضخمة تضم في حدود عشرة
آلاف عامل مصري يعملون بها، والنيل من أمثال هذه الشركة يؤدي إلى تشريد هذه الأسر
كما نشر في الأهرام.. والأهم من ذلك أن تلك المؤسسة هي الوحيدة في مصر التي كانت
تمتلك مركزًا للأبحاث العلمية لمواكبة آخر تطورات التقنية الصناعية على غرار تلك
الموجودة في الدول الصناعية العظمى.. إنه على الرغم من أنه قد نالنا الضرر من
الإجراءات التي اتخذت ضد هذه الشركات فلا يؤدي هذا إلى أن نفتري عليهم أو أن نلصق
بهم التهم والأباطيل بهذه الصورة التي أظهرهم بها المسلسل.
إنها
حملة تشنها وسائل الإعلام الحديثة ضد الإسلام لتشويه صورة الإسلام وأهله، لقد ولى
الزمان الذي كان فيه بناء الأسوار والقلاع والحصون يحول دون وصول ما لا نريد من
المذاهب والأفكار والمبادئ واختفى الاستعمار في صورته القديمة وبدأت حرب من نوع
جديد.. حرب المعلومات والإعلام، حرب المبادئ والعقائد والمذاهب المعاصرة والتي قد
اتخذت من وسائل الإعلام الفتاكة والمتنوعة أداة لها وأصبحت وسائل الإعلام مقروءة
أو مسموعة أو مكتوبة أو مرئية تقتحم على الإنسان بيته وتلاحقه وتطارده إلى أن يخلد
للنوم، لذا كان لزامًا علينا التصدي لتلك الأفكار الهدامة وتلك الحملات التي تقلب
الحق باطلًا والباطل حقًّا.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل