; نقل السفارة الأمريكية للقدس.. رؤية فقهية | مجلة المجتمع

العنوان نقل السفارة الأمريكية للقدس.. رؤية فقهية

الكاتب د. مسعود صبري

تاريخ النشر الجمعة 01-يونيو-2018

مشاهدات 19

نشر في العدد 2120

نشر في الصفحة 53

الجمعة 01-يونيو-2018

نقل السفارة الأمريكية للقدس..

رؤية فقهية

اعتبار الكيان الصهيوني دولة دينية مبني على بعض النصـوص المحرفة في العهد القديم

نقل السفارة جاء بناء على وعد من «ترمب» للطائفة الإنجيلية المتطرفة بأمريكا مقابل دعمهم له بالانتخابات

ابن باز: الواجب على الدول الإسلامية دعم الفلسطينيين ليتخلصوا من عدوهم ويرجعوا إلى بلادهم

الساكتون على نقل السفارة مشاركون في الإثم فقد تقرر في قواعد الفقهاء أن الإعانة على الحرام حرام

تقرر لدى الفقهاء أنه إذا اغتُصب شبر من أرض المسلمين وجب عليهم الجهاد حتى يستردوه

تم الإعلان رسمياً عن نقل السفارة الأمريكية للقدس، اعترافاً من الولايات المتحدة الأمريكية بأن القدس عاصمة الكيان الصهيوني، وذلك في يوم الإثنين الثامن والعشرين من شعبان 1439هـ، الموافق للرابع عشر من مايو 2018م.

وهذا اعتراف سياسي رسمي من الولايات المتحدة بيهودية دولة الاحتلال؛ وهو ما يجعل الأمر لا يتعلق بالشأن السياسي فحسب، بل أيضاً بالجانب الديني.

إن اعتبار دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) دولة دينية مبني على بعض النصوص المحرفة في العهد القديم، ومن ذلك ما جاء في سفر التكوين: «في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقاً قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النّهر الكبير، نهر الفرات»، وورد فيه أيضاً: «وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كلّ أرض كنعان ملكاً أبدياً، وأكون إلههم».

ولعل من أهم التفسيرات الدينية في ذلك هو الدعم المقدم من قبل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية للطائفة الإنجيلية المتطرفة، التي صوتت له في الانتخابات؛ ولذا فنقل السفارة جاء بناء على وعد من الرئيس الأمريكي لهم في حال فوزه بنقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بدولة الكيان الصهيوني دولة دينية، حيث صوت أكثر من 80% منهم له.

وتعتقد هذه الطائفة أنه عندما يبنى الهيكل المزعوم سيظهر المسيح عليه السلام، ولن يكون أمام اليهود إلا اتباعه والإيمان به، أو أن يفنوا عن بكرة أبيهم، فهم يساعدون في قيام دولة الكيان الصهيوني حتى يظهر المسيح ويؤمن به اليهود، حسب زعمهم.

وإذا كان هذا التحالف المسيحي اليهودي لإقامة دولة الكيان الصهيوني من النيل إلى الفرات، فهذا يحتم على المسلمين الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بقضية القدس وفلسطين، ومن أهم تلك الأحكام:

أولاً: عدم الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني، وأن أي إجراء دولي يتخذ لا يجوز للدول الإسلامية؛ حكومات وشعوباً، أن ترضى به، ولا أن توقع على اتفاقات دولية أو محلية به، لأن هذا خيانة لله ورسوله.

فقد تقرر لدى فقهاء الأمة أنه إذا اغتُصب شبر من أرض المسلمين؛ وجب على المسلمين الجهاد في سبيل الله تعالى بكل وسيلة حتى تعود أرض المسلمين إليهم، وإن كان هذا عاماً في كل بلاد المسلمين، فإنه يكون أوجب في الأراضي المقدسة في القدس والمسجد الأقصى.

وقد تعاقبت فتاوى العلماء على وجوب الجهاد في فلسطين، ومن ذلك:

فتوى علماء الأزهر عام 1947م: وجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين وحماية المسجد الأقصى؛ حيث قام علماء الأزهر بتوجيه ندائهم إلى أبناء الإسلام بوجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين وحماية الأقصى، وذلك بعد قرار تقسيم فلسطين الذي وافقت عليه الجمعية العموميَّة للأمم المتحدة في 29/11/1947م والذي يقضي بإقامة دولة يهوديَّة وأخرى فلسطينيَّة على أرض فلسطين، وهو القرار الذي يُعدُّ اليوم أساساً لما يسمى بقرارات «الشرعية الدولية» فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

وقد وقَّع على هذه الفتوى 26 عالماً من علماء الأزهر، كـان مـنهـم: الشيـخ محمـد حسـنين مخـلوف، والشيخ عبدالمجيد سليم، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد دراز، وغيرهم.

صدرت فتوى في الفترة الممتدَّة من جمادى الأولى 1409هـ وحتَّى ربيع الآخر 1410هـ: وقد وقَّع عليها 63 عالماً وداعية ومفكراً، منهم: الشيخ محمد الغزالي، ود. يوسف القرضاوي، ود. همَّام سعيد، ود. المجاهد عبدالله عزَّام، ود. وهبة الزحيلي، والشيخ عبدالرحمن عبدالخالق، وصادق عبدالماجد، ود. عصام البشير، والشيخ حافظ سلامة، ومصطفى مشهور، وجمع من رجالات العمل والدعوة الإسلامية، وكانت بعنوان «فتوى علماء المسلمين المحرِّمة للتنازل عن أي جزء من فلسطين»، وبيَّنوا في بدايتها أن اليهود أشد عداوة للذين آمنوا، وقالوا: «الجهاد هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، ولا يجوز بحال من الأحوال الاعتراف لليهود بشبر من أرض فلسطين، وليس لشخص أو جهة أن تقرَّ اليهود على أرض فلسطين أو تتنازل لهم عن أي جزء منها أو تعترف بأي حق لهم فيها، وإنَّ هذا الاعتراف خيانة لله ورسوله وللأمانة التي وُكّل إلى المسلمين المحافظة عليها».

كما أفتى بذلك عدد من علماء المملكة العربية السعودية، وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: حيث أفتى بوجوب الجهاد ضدَّ اليهود المعتدين على أرض فلسطين، وقال: «فالواجب عليهم الدفاع عن دينهم وأنفسهم وأهليهم وأولادهم وإخراج عدوهم من أرضهم بكل ما استطاعوا من قوَّة»، وقال: «فالواجب على الدول الإسلاميَّة وعلى بقية المسلمين تأييدهم ودعمهم ليتخلَّصوا من عدوهم، وليرجعوا إلى بلادهم».

كما أفتت دار الإفتاء المصرية بوجوب الجهاد الفلسطيني ووجوب دعم الإخوة في فلسطين في جهادهم ضد الكيان الصهيوني، وكان مما جاء في الفتوى: «الإخوة الفلسطينيون أحوج ما يكونون إلى مثل هذه المساعدة التي تقوّيهم على الوقوف في وجه هذا المعتدي الباغي الغادر المدجَّج بالعتاد والسلاح ونظم القتل الحديثة؛ فهم بلا شك داخلون في معنى (وَفِي سَبِيلِ اللّهِ) (التوبة: 60) والمعبَّر عنهم بالغزاة».

ثانياً: أن السكوت عن نقل السفارة الأمريكية وعدم الإنكار يعد من القبول لهذا الفعل المحرم شرعاً، لأنه لا يجب السكوت وقت البيان، ويعد الساكتون مشاركين في مثل هذا الإثم، ومن الإعانة عليه، وقد تقرر في قواعد الفقهاء أن الإعانة على الحرام حرام، وأنه لا يجوز شرعاً الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، كما لا يجوز ترك الإخوة في فلسطين أمام هذا العدو الغاشم، ولا أن يسلموا له من خلال المفاوضات مع الكيان الصهيوني، وقد ورد عن ابن شهاب أن سالماً أخبره أن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة» (أخرجه البخاري).

ثالثاً: أنه يحرم على السلطة الفلسطينية الاعتراف بأي شرعية للكيان الصهيوني على أرض فلسطين، فضلاً عن الاعتراف بأن القدس عاصمة للكيان الصهيوني، وقد صدرت فتاوى منذ الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين إلى اليوم، تحرم الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني، ومن ذلك فتوى علماء فلسطين، الصادرة عن مؤتمر علماء فلسطين الأول المنعقد في يناير 1935م، وعلى رأسهم الشيخ محمد أمين الحسيني، مفتي القدس آنذاك، وكل من مفتي جنين، ومفتي بئر السبع، ومفتي نابلس، ومفتي صفد، ومفتي طبريا، وعدد من القضاة، منهم قاضي جنين، وقاضي حيفا، وقاضي الخليل، وقاضي بئر السبع، وقاضي الرملة، وقاضي غزة، وقاضي عكا، وقاضي نابلس، وأكثر من مائتين من العلماء والأئمة والوعاظ والخطباء ورجال الدين في فلسطين، ومما جاء في الفتوى في نهايتها: «فيعلم من جميع ما قدمناه من الأسباب والنتائج والأقوال والأحكام والفتاوى أن بائع الأرض من فلسطين سواء كان ذلك مباشرة أو بالواسطة وأن السمسار والمتوسط في هذا البيع والمسهل له والمساعد عليه بأي شكل مع علمهم بالنتائج المذكورة، كل أولئك ينبغي ألا يُصلى عليهم ولا يدفنوا في مقابر المسلمين ويجب نبذهم ومقاطعتهم واحتقار شأنهم وعدم التودد إليهم والتقرب منهم، ولو كانوا آباء أو أبناء أو إخواناً أو أزواجاً؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {23} قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {24}) (التوبة).

هذا وإن السكوت عن أعمال هؤلاء والرضا به مما يحرم قطعاً؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ {24} وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {25}) (الأنفال)».

بل أفتوا بأن بيع أرض فلسطين وتسهيل ذلك من الكفر والردة التي تخرج عن الإسلام، كما قالوا: «وبعد النظر في الفتاوى التي أصدرها المفتون وعلماء المسلمين في العراق ومصر والهند والمغرب وسورية وفلسطين والأقطار الإسلامية الأخرى التي أجمعت على تحريم بيع الأرض في فلسطين لليهود، وتحريم السمسرة على هذا البيع والتوسط فيه وتسهيل أمره بأي شكل وصورة، وتحريم الرضا بذلك كله والسكوت عنه، وأن ذلك كله أصبح بالنسبة لكل فلسطيني صادراً من عالم بنتيجته راض بها ولذلك فهو يستلزم الكفر والارتداد عن دين الإسلام باعتقاد حله كما جاء في فتوى سماحة السيد أمين الحسيني مفتي القدس ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى».

وعليه، فإنه يحرم الاعتراف بأن القدس عاصمة الكيان الصهيوني، وأن هذا الاعتراف إن صدر من أي حكومة إسلامية أو من السلطة الفلسطينية أو من أي أحد كائناً من كان فلا اعتبار لهذا الاعتراف شرعاً، ويعد الاعتراف به خيانة لله ورسوله، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {27}) (الأنفال).>

الرابط المختصر :