; نماذج من كتابة المستشرقين للتاريخ | مجلة المجتمع

العنوان نماذج من كتابة المستشرقين للتاريخ

الكاتب محمد سليمان العبدة

تاريخ النشر الثلاثاء 18-فبراير-1975

مشاهدات 22

نشر في العدد 237

نشر في الصفحة 35

الثلاثاء 18-فبراير-1975

كنت أسمع كثيرًا بالمستشرق «دوزي» على أنه المتخصص بتاريخ المسلمين في الأندلس. فأحببت الاطلاع على كتابه «تاريخ مسلمي إسبانيا». ولكني- والحق يقال- فوجئت بأسلوب المؤلف الذي يتجنب الحقائق الواضحة، وأنا أعلم أن من عادة كثير من المستشرقين أن يدسوا السم في الدسم، ولكن لم أتوقع أن يصل بهم الحال إلى هذا الحد، تعصب ظاهر، وتحريف وتشويه مقصود، أشياء بديهية يعرفها كل مسلم مهما كانت ثقافته، ولكن المستشرق يذكر مثلًا أن حنظلة بن أبي عامر قاتل يوم أحد في سبيل رسول الله. ومع أن الحديث ليس عن حنظلة، ولكن عن ابنه عبد الله في ثورته على يزيد، ولكن المؤلف اهتبل الفرصة ليدس هذا الكلام. والحديث عن دوزي يتصل بالحديث عن توماس أرنولد الذي بينه صاحب «دراسات في السيرة»، فكتابة المستشرقين للتاريخ الإسلامي مضحكة مبكية. وقد لا يكون هذا عجيبًا، ولكن العجب أن كتب هؤلاء هي المصدر لكتابة التاريخ في العصر الحاضر، إما مكرًا وانخداعًا بأسلوبهم، أو كسلًا عن الرجوع إلى المصادر الأصيلة في هذا الموضوع. فمؤلف كتاب مدرسي للسنة الأولى المتوسطة يستشهد على حادثة شق الصدر التي حصلت للرسول صلى الله عليه وسلم وهو صغير يستشهد بسورة ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ (الشرح: 1)، فمن الواضح أن هذا فهم المستشرقين للعربية. ونعود إلى كتاب «تاريخ مسلمي إسبانيا» وهو الجزء الأول ترجمـة الدكتور حسن حبشي ومراجعة الدكتورين جمال محرز ومختار عبادي. والكلام حول مسلمي إسبانيا لكن المؤلف جاء بمقدمة طويلة عن المسلمين منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، تكلم فيها عن خصائص العرب فيقول: «ولما استقر العرب في الولايات الواسعة التي فتحوها بحد السيف» هكذا ضمن كلامه يدس كلمة تعبر عما في نفسه من حقد. ولما ذكر أن العرب اشتغلوا بالعلوم قال: «ولم يبتدعوا شيئًا ما ولم يدينوا العالم بفكرة عظيمة مثمرة»، هل هذا قول رجل عنده أدنى درجة من الحياد والموضوعية؟ ألم يدينوا العالم بفكرة التوحيد وهذه وحدها تكفي؟ وعندما يتكلم على الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «ربما كان رسول الله لا يفوق أحدًا من معاصريه، ولكنه لم يكن على شاكلتهم». «والرسول لم يضع مبدأ الشورى، بل الذي وضعه عمر»، هكذا وبدون أي دليل يطلق الكلام وهو يعلم مراميه البعيدة، وأما افتراءاته على الصحابة فهذا شيء كثير. «فـأصحاب الشورى يحزنون جدًّا لاختيار عثمان» ومن أعلمه بهذا؟ والقضية التي يركز عليها دوزي ويكررها كثيرًا وربما لا تخلو صفحة من الكتاب من ذلك ويحاول أن يعلل بها حوادث التاريخ الإسلامي في الفترة التي يكتب عنها هذه القضية هـي العصبية بين القيسيين واليمنيين. حتى إنه يتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، ولا أدري من أين يأتي بهذا الكلام ومن أین استوحاه. يقول «كان محمد يشاطر بني جلدته «قريش» نظرتهم إلى اليمنيين والزراع، ولكنه اضطر إلى الذهاب إليهم (يعني يثرب) لما أبت عليه قريش». وفي صفحة ١٦٦ يأتي ذكر سعد بن عبادة أحد الصحابة فيهتبل الفرصة ليذكر أن المهاجرين اغتصبوا الخلافة من الأنصار يوم السقيفة. وهي نغمة العصبية التي يضرب عليها دائمًا. وإذا ذكر أحد الخلفاء أو القواد فلا بد أن يذكر معه «يمني أو قيسي» وكل أحداث المسلمين من الأندلس يعللها بالعصبية، ويأتي بقصص طويلة تافهة تحدث أحيانًا بين الناس، ولكن لا يعلل بها التاريخ. كما أنه لا ينسى أثناء كلامه أن يشبه بعض زعماء المسلمين بأناس من قومه إذا كان هذا الزعيم مصلحًا كبيرًا. هذه نظرة سريعة في كتاب هذا المستشرق وأعتقد أنها كافية لأن يعلم الإنسان منهجه في كتابة التاريخ فلا يكمل الطريق معه إلى نهاية العصور الإسلامية. والحقيقة أن النفس لتقزز لما ترى من هذا الحقد والتحريف وعندئذ يعلم لماذا تفرغ أمثال «دوزي» للكتابة في التاريخ الإسلامي. وكما يذكر هو في مقدمة الكتاب أن مكتبات أوروبا كانت كلها بين يديه ولم يترك مصدرًا إلا واطلع عليه. وعشرون سنة وهو متفرغ للكتابة حول المسلمين في الأندلس. وعندئذ يفهم قول الله تعالى ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ (سبأ: 33). والعجب أن يصفه المترجم بأنه «العلم المفرد في وقته. وظل كتابه المرجع الأول» ونحن نقول: بل يجب أن نرجع إلى تراثنا مباشرة، إلى مؤرخي الإسلام الذين يصفهم دوزي بأنهم «متدينون» كابن جرير وابن كثير. أي أنهم برأيه غير حياديين وإنما الحياديون برأيه هم الذين يسبون الصحابة. حتى تقر عـين دوزي وقاتل الله التعصب والحقد.
الرابط المختصر :