العنوان هذا العطاء الذي تجاهلونه
الكاتب الأستاذ أنور الجندي
تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1987
مشاهدات 24
نشر في العدد 846
نشر في الصفحة 46
الثلاثاء 08-ديسمبر-1987
·
علينا ألا تخدعنا دراسات المستشرقين التي
تهدف إلى تفريغ تاريخنا وأمجادنا من روحها النابضة بالحياة
إن الدور الذي قام به المسلمون في بناء
المدنية والحضارة ومنهج المعرفة، والأسلوب العلمي في دراسة الأشياء والمنهج التجريبي-
كل هذا ما يزال في بعض كتابات المستشرقين والمبشرين ودعاة التغريب أمرًا مجهولًا منكورًا،
ينظر إليه في سخرية وامتهان، وهذه من ظلم الغرب الذي لا يريد أن يعترف بفضل الحضارة
الإسلامية أو تقدير الدور الذي قام به المنهج الإسلامي في بناء الإنسانية.
لقد عاش الفكر الغربي قرونًا طويلة يتنكر
لهذا العمل حتى أطلق البعض على هذه العملية اسم «مؤامرة الصمت».
والحقيقة أن دور الإسلام كان واضحًا في
هذه العناصر:
1- خطأ الفكرة السائدة في الغرب من أن المسلمين
قد نقلوا عن الحضارة الإغريقية والرومانية والهندية والفارسية القديمة، وأن دورهم في
هذا المضمار كان محدودًا، والواقع أن دورهم أصيل؛ لأنهم بدأوا من منطلق مختلف عن هذه
الحضارات هو التوحيد والتجريب.
2- إن الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية هي الأساس
الذي قامت عليه الحضارة المعاصرة، وإن هذا الأثر جاء من الأندلس، ولم يأت كما يزعمون
من اليونان أو الرومان، وإن الازدهار الحضاري الذي عم القارة الأوروبية جاء من الأندلس.
3- إن الحضارة الإسلامية أعطت أهل الأقطار المفتوحة
الأمن والأمان والحرية في إطار التسامح الإسلامي المتميز، وإنها لم تفرض عليهم العقيدة
الإسلامية، ولكنهم قبلوها ودخلوا فيها بإرادتهم الخاصة واقتناعهم المستقل.
4- إن المسلمين هم الذين اكتشفوا طريقة البحث
العلمي التجريبي، وإن حركة الترجمة العربية خلال عصر الدولة الإسلامية في نقل العلوم
إلى بلاد الغرب وخاصة مدرسة طليطلة الأندلسية التي ساهمت في نقل الثقافة الحديثة إلى
أوروبا، وإن هذه الحضارة الإسلامية ساهمت في ولادة حضارات جديدة في القارة الأوروبية.
5- إن المسلمين
هم الذين اخترعوا الصفر والجبر واللوغاريتمات، وساهموا في تطوير علم الفلك والطب، وإن
جابر بن حيان هو الذي اكتشف قوانين المغناطيس، وابن الهيثم الذي اشتهر بعلم البصريات
والضوء، وابن النفيس الدمشقي الذي اكتشف الدورة الدموية، وابن الخطيب الأندلسي الذي
اكتشف الأمراض السارية والأوبئة المعدية.
هذا العطاء الذي قدمه المسلمون إنما جاء
من القرآن الكريم والسنة النبوية أساسًا، فمنهما نشأت كل العلوم التجريب، وعلوم الاجتماع
والاقتصاد والتاريخ (ابن خلدون).
لقد ترك المسلمون بصماتهم على شبر من الكوكب
من حدود الصين إلى نهر اللوار خلال ثمانين عامًا، وهذا التاريخ الحافل يعطينا صورة
رائعة للبطولات والتضحيات، وهو أمر يجب أن يكتب بتوسع وإنصاف ليملأ قلوب أبنائنا، ويشعرهم
بعظمة العقيدة التي يؤمنون بها، وأنها جديرة بأن يقدموا لها كل ما يملكون من نفس ومال
(إن الله اشترى).
وعلينا ألا تخدعنا دراسات المستشرقين التي
تهدف إلى تفريغ تاريخنا وأمجادنا من روحه النابضة بالحياة، أو تقديم بطولات أخرى قامت
في الغرب على أساس الجشع والمطامع والتسلط، أما بطولات الإسلام فقد قامت من أجل إعلاء
كلمة الله -تبارك وتعالى- والأمثلة على ذلك كثيرة، منها:
أولًا: قدم المجاهدون المسلمون أنفسهم في
سبيل الله، وليس في سبيل مطمع فردي، أو مادي، ومن أجل ذلك انتصروا بالعدد القليل، في
مواجه الجحافل العديدة الضخمة؛ لأن إيمانهم كان أقوى من الجيوش والعدد، وأمامنا أولئك
الذين انتصر وفتحوا دون أن يذكروا أسماءهم: ومنهم صاحب النقب.
ثانيًا: دخلوا البلاد ولم يفرضوا دينهم،
وإنما حرروا أصحابها من الظلم، وحموا كنائسهم ومقدساتهم دون أن يطلبوا إليهم الدخول
في الإسلام، حتى اقتنع الناس بالإسلام عن إرادتهم الخاصة.
ثالثًا: كانوا إذا انسحبوا من بلاد قبل
أن يتموا حكمها أعادوا «الجزية» لأصحابها، بل لقد حكم قاض مسلم بخروج الجيش الإسلامي من سمرقند
لأن الفاتحين لم ينذروا أهل البلاد بدخولهم قبل الفتح وفق مفهوم الإسلام في الحرب.
رابعًا: أقام المسلمون في الثغور بالمرابطة
حتى أقاموا «ألف رباط» من حدود أطنة وطرطوس حتى رباط الفتح في
المغرب على حدود الأطلسي، فكانوا يرصدون فيها تحركات العدو لحظة بعد لحظة، ويرسلون
الحمام الزاجل بالإخطارات إلى القادة والحكام لتنبيههم إلى هذه التحركات.
خامسًا: قدموا علامات الطريق للحضارة كلها:
علامات الاستفهام، والترقيم، والأحكام السلطانية، وقد سبق ابن خلدون فلاسفة: الغرب
في التاريخ والاقتصاد، والمعري سبق دانتي، وابن مسكويه سبق دارون، والطرطوشي سبق ميكافيللي،
الكسور العشرية واللوغاريتمات أسماء النجوم عربية، واقتحم المسلمون المحيط قبل أن يقتحمه
كولومبس، وعرف المسلمون أميركا قبل أن يعرفها الغرب، وابن ماجد هو الذي هدى فاسكو دي
جاما إلى طريق الهند، قدم المسلمون بدعة كتابة المكفوفين، تاريخ الحساب عربي والأرقام
عربية، وما يزال التراث الإسلامي متجدد العطاء، يوحد نصف مليون مخطوط إسلامي في مكتبات
الغرب.
سادسًا: كل العلوم التي تدرس في الجامعات
اليوم بدأت عن مفكري الإسلام: الطب، الفلك، العلوم السياسية، الاجتماع الأدب، الاقتصاد
التربية، ونحن الذين قدمنا للإنسانية أصولها، ثم بنى عليها الغرب وحول وجهتها.
وفي مجال الرد على الشبهات المثارة عن انتقاص
دور ابن خلدون وأولويته في علم الاجتماع، نجد الآن كثيرًا من الباحثين الذين تأثروا
بوجهة دور كايم يصححون مفاهيمهم، وينصفون العطاء الإسلامي.
يقول الدكتور حسن الساعاتي (التلميذ الثاني
لدور كايم بعد طه حسين): إن ابن خلدون هو المؤسس الأول لعلم الاجتماع في العالم أجمع
شرقيه وغربيه، وقد سبق في ذلك «أوجست كونت» الذي يعده الغربيون أول مؤسس لعلم الاجتماع في الغرب وذلك بحوالي
خمسة قرون ونصف، وأنه أول من تكلم عن علم الاجتماع بوصفه علمًا مستقلًا؛ أي له موضوع
ومسائل ومنهج وأسلوب علمي يتميز به، إنه لم يكن لسابقيه من المفكرين الاجتماعيين، مثل
أفلاطون مثلًا من يتحدث دائمًا عما يتمنى أن تكون في جمهوريته الفاضلة، أو عن مجتمع
مثالي تخيله وتخيل له تنظيمًا معينًا، كذلك لم يكن من أولئك الأخلاقيين الذين سلكوا
طريق الدعوة إلى المبادئ التي تقررها الظواهر الاجتماعية وتقرها قيم الأمة ونظمها،
ويرتضيها عرفها الخلقي.
إن علم الاجتماع أو العمران البشري الذي
وضعه هو علم الاجتماع في شكله الأول الأصيل البكر، ابتدعه ابن خلدون في أوائل الربع
الأخير من القرن الرابع عشر الميلادي، وعلى الذين يقارنون بين علم الاجتماع المعاصر
على الرغم من مرور هذه السنين والإغراق في العلم والتكنولوجيا والتغيرات العميقة التي
حدثت في شتى الميادين سوف يجدون أنها لا تزيد كثيرًا عن النظريات العامة التي كان ابن
خلدون قد وضعها وانتهى إليها من تأملاته المنهجية في مجتمعات العرب والعجم والبربر،
سواء ما كتب له أن يعيش منها أو وصلته أخبارها بالقراءة في بطون الكتب: يقول الدكتور
الساعاتي: إن من عرف هذا الذي قدمه ابن خلدون قد ساء فهمه سواء عن حسن نية أو سوء نية
(يقصد دور كايم اليهودي) يقصد صرف الباحثين من العرب عما فيها من علم ذي قيمة خالدة،
ومن سوء الحظ أن كثيرًا ممن كتبوا منهم عن ابن خلدون ومقدمته قد رددوا هذه النغمة نفسها
(يقصد طه حسين)، إما لأنهم قلدوا الغربيين وفقًا لنظرية ابن خلدون نفسه وهي أن «المغلوب مولع بتقليد الغالب»، أم لأنهم لم يكونوا من المتخصصين المهرة
في علم الاجتماع فلم يستطيعوا الاهتداء إلى ما فيها من نظريات مبتكرة أصيلة ومن منهج
ذي قواعد، وبحث ذي طرائق اهتدى إليها ابن خلدون، وبلورها وعرضها في وضوح وبساطة.
*****
ورق يبث الرعب
طائرة ورقية تكبد العدو الصهيوني أكثر من
مليون دولار؛ حيث قامت قوات العدو بحملة تفتيش واسعة النطاق في القطاع الحدودي مع لبنان
عندما رصدت قواتها «جسمًا طائرًا» فوق منطقة الجليل الأعلى، واستخدمت في تفتيشها الطائرات
العمودية والمدافع الرشاشة بالإضافة لـ(٤٢٠) قذيفة صاروخية مضيئة، فيما قامت الزوارق
التابعة لبحرية العدو بدوريات أمام الساحل اللبناني، واتضح أخيرًا كما تقول مصادر الأخبار
إن هذا الجسم الطائر ما هو إلا «طائرة ورقية» أفلتت من يد طفل بالمنطقة.
وهذا الخبر
المضحك المبكي في نفس الوقت المضحك من حال يهود ونفوسهم الجبانة الرعديدة التي وصفها
الله -تعالى- فقال: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ﴾ (البقرة:
٩٦)، وقال في موضع آخر: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ
أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ
شَتَّىٰ﴾ (الحشر: ١٤).
والمبكي من
حالنا نحن العرب المسلمين فقد وصلنا إلى درجة من الهوان والضعف مكنت شذاذ الآفاق جبناء
النفوس من التغلب علينا، فأصبحنا نحسب لهم كل حساب.
يجعلنا هذا
الخبر نطالب الطفل في فلسطين الحبيبة أن يستخدم الطائرات الورقية بالإضافة للحجارة،
ونقترح إدخال الطائرات الورقية على فنون حرب العصابات، ونطالب الجيوش العربية وأسلحة
الطيران فيها من تغيير (تكتيكاتها) وخططها الحالية، فقد أثبتت عجزها أمام الطائرات
الشراعية وأخيرًا الورقية.