العنوان على أثر تضارب المصالح السياسية والاقتصادية: هل تنسحب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟
الكاتب هشام العوضي
تاريخ النشر الثلاثاء 15-نوفمبر-1994
مشاهدات 14
نشر في العدد 1125
نشر في الصفحة 30
الثلاثاء 15-نوفمبر-1994
- بريطانيا تستخدم التهديد بالانسحاب ورقة ضغط على دول الاتحاد للتفاوض حول اتفاقية «ماستریخت» عند مراجعتها.
- حينما تقف ألمانيا بقوة وراء الفيدرالية تقف بريطانيا على النقيض لأنها تؤثر سلبيًا على سوقها الاقتصادية.
في الوقت الذي تنضم فيه دولة جديدة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي (E.U) فإن فكرة الانسحاب من الاتحاد تظهر في الوقت نفسه على الأجندة البريطانية وتتأتي هذه الفكرة ضمن توجه سياسي قوي صرح به مؤخرًا وزير المالية البريطاني السابق نورمان لومونت في اجتماع لحزب المحافظين «الحاكم» حيث أكد على أنه لا يرى أي فائدة عملية من استمرار بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وأضاف لومونت قوله بعدم وجود أية أدلة على مشاطرة بقية دول المنطقة الموقف البريطاني المتعلق بمستقبل العلاقة بين دول الاتحاد، حيث تعارض بريطانيا مبدأ الفيدرالية الأوروبية وتعتبره خرقًا لسيادتها السياسية والاقتصادية.
وتبدو بريطانيا في نظر الدول الأوروبية على أنها العضو الأكثر تشددًا فيما يخص سياسة الاتحاد، ولكن هذا التشدد لا يمكن أن يقود- بحسب ما ترى هذه الدول- إلى سياسة أكثر تشددًا كالانسحاب من الاتحاد نفسه، فهذا لو تم أن يكون مجرد «هرطقة» بل جنون، كما علق على ذلك دبلوماسي أوروبي. كما يصف دبلوماسي آخر الانسحاب البريطاني «ضرب من الخيال العلمي، ولو تحقق فستكون بريطانيا هي الخاسر الوحيد»، وعلى الجانب الآخر فإن النائب البريطاني برناده جنكين يعتقد أن الهدف من وراء هذه الفكرة «الانفصالية» هي مجرد التهديد للضغط على الدول الأوروبية للتفاوض في اتفاقية «ماستريخت» وذلك عند مراجعتها في عام ١٩٩٦م، يقول جنكين: «نحن على بعد أميال من فكرة الانسحاب، ولكن بدون اعتماد هذه السياسة سياسة مجرد التفكير، فلن نكون في وضع تفاوضي جيد»، والآخرون هنا هم الألمان على الأخص فالمستشار الألماني هيلموت كول من أقوى أدعياء السياسة الفيدرالية وترى الحكومة البريطانية في الفيدرالية تأثيرًا سلبيًا على سوقها الاقتصادية وسياستها الخارجية غير أن البعض يعتقد أن تقاعد كول المتوقع في ١٩٩٨م سيسفر عن تغييرات في النظرة الألمانية.
هذا ويعتبر الموقف من الاتحاد الأوروبي الورقة السياسية الأولى في يد كل من الحزبين البريطانيين لكسب أكبر عدد من الأصوات لحزب العمال بقيادة توني بلير يؤيد المزيد من التعاون مع الدول الأوروبية، أما حزب المحافظين الحاكم بقيادة جون ميجور، فيرى في الدفاع عن المصالح البريطانية، والتركيز على القضايا الداخلية مجلبة أكبر لصوت الناخب. وفي كلتا الحالتين فلا شك في أن الاتحاد الأوروبي سيصاب بالإحباط فيما لو كان التهديد البريطاني بالانسحاب جادًا، فبريطانيا أحد أهم أربع دول أوروبية رئيسية من بينها فرنسا وألمانيا، وانسحاب طارئ لدولة ذات تاريخ سياسي واقتصادي قوي وكثافة سكانية ضخمة تقدر بـ (٤٠) مليون نسمة، سيكون قرارًا مؤلمًا لمعظم دول المنطقة، ولكن هذه الدول ليست على استعداد في الوقت نفسه للتنازل عن سياساتها المشتركة والرضوخ لرغبة كل ما تفرضه بريطانيا من موقع قوتها، فكما أشار «ستانلي كروسيك» من مركز بيلموت السياسي بأن انسحاب بريطانيا سيكون له أثر على قوة الاتحاد، وليس بالضرورة على أدائه العملي، ويضيف «كروسيك» القول بأن بريطانيا وحدها هي التي ستتهمش سياسيًا واقتصاديًا فيما لو انسحبت وليست دول الاتحاد، فلم تعد الدول الأوروبية تعير تاريخ الديمقراطية البريطانية اهتمامًا، كما أنها على استعداد للتضحية بمساهمة بريطانيا المالية المتواضعة لعضوية الاتحاد. ومع كل هذا فحاجة دول المنطقة الأوروبية ماسة للوجود البريطاني، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للاتحاد، فبريطانيا عضو دائم في مجلس الأمن، وصاحبة قوة نووية ضخمة، كما أنها تتمتع بعلاقات واسعة- إثر تاريخها الإمبريالي الاستعماري- مع الكثير من دول العالم، وبريطانيا تعرف نقطة الضعف الأوروبية هذه، وتحاول استثمارها بالتهديد بالانسحاب تارة، والمماطلة والإرخاء تارة أخرى.
فهل تنجح الدبلوماسية البريطانية في ذلك؟ وهل ترغم بقية دول أوروبا على إعادة النظر في اتفاقية «ماستريخت» وقضايا أخرى لاحقة؟ أم أن عصر التكتلات الذي لا يرحم سيجعلها تفكر مرتين قبل التلويح المتزايد بورقة الانسحاب؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل