العنوان هل يتراجع الوجود الفرنسي في أفريقيا؟.
الكاتب روضة علي عبدالغفار
تاريخ النشر الاثنين 01-أغسطس-2022
مشاهدات 13
نشر في العدد 2170
نشر في الصفحة 32
الاثنين 01-أغسطس-2022
صحفية مهتمة بالشأن الأفريقي
«فرنسا ستنزلق إلى مرتبة
دول العالم الثالث، دون أفريقيا»، هكذا قال الرئيس الفرنسي الأسبق » جاك شيراك»،
وهكذا أدركت باريس أنها بحاجة شديدة إلى أفريقيا، وأن هذه القارة تحمل لها فرصًا
لا تستطيع أن تخسرها، وأنها مهددة دون القارة البكر.
لكن أمام هذه
النظرة التي تُقدر قيمة أفريقيا، لم تكن باريس بالذكاء الكافي لتحافظ على علاقتها
مع القارة الأفريقية، ونهجها الاستعماري الذي ما انفكت عنه سيكون سببا في اقتراب
نهايتها في القارة أو تضاؤل نفوذها على الأقل، مع وجود شركاء جُدد أكثر تفهما
للقارة السمراء وأفضل تقديراً لها ولمتطلباتها.
فلماذا أصبحت
فرنسا غير مرحب بها في أفريقيا؟ وما أسباب الرفض الشعبي لها؟ وهل تتضاءل باريس
أمام القوى الجديدة على الساحة الأفريقية؟ هذا ما ستتناوله »المجتمع»
في هذا التقرير.
يعود تاريخ الهيمنة الفرنسية على أفريقيا إلى القرن السابع عشر، عندما بدأت باريس في احتلال مناطق القارة واستغلال سكانها منذ عام 1624م، عبر إنشاء أول مراكزها التجارية في السنغال، ثم استولت الحملات العسكرية الفرنسية بعد ذلك على بعض الدول الأفريقية الأخرى إلى أن احتلت الجزائر عام 1830م، ثم تونس وأجزاء من المغرب.
وعملت فرنسا على إنشاء المراكز الثقافية والمدارس والجامعات في مختلف الدول الأفريقية، كما اعتمدت على نشر اللغة الفرنسية من خلال إنشاء منظمة الفرانكوفونية، وعقد قمتها كل عامين سواء في باريس أو في إحدى العواصم الأفريقية، بالإضافة إلى امتلاكها 5 قواعد عسكرية موزعة على عدة دول أفريقية.
ولم يمنع حصول
دول أفريقيا على استقلالها من التدخل الفرنسي في شؤونها السياسية والعسكرية، من
أجل إسقاط أنظمة وتنصيب أخرى موالية لها، كما تمكّنت فرنسا من الاحتفاظ بالسيطرة
على الوحدة النقدية الأساسية في وسط أفريقيا وغربها المعروفة ب«الفرنك الأفريقي»،
وهو نظام تخضع بموجبه 14 دولة أفريقية للنظام المصرفي الفرنسي، من خلال اعتماد
عملة موحدة مرتبطة بالعملة الفرنسية.
ومن النتائج
المترتبة على ربط الفرنك
رغم تآكل نفوذ
فرنسا بالقارة فإنها لا تزال تمثل جزءاً من وجدان المجتمع الأفريقي
وتدعي فرنسا أنها نادمة على ماضيها الاستعماري، وتدعو دائما إلى فتح صفحة جديدة مع دول القارة الأفريقية أو مستعمراتها القديمة، ويُكرر الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» أنه ينتمي إلى جيل هو ليس بجيل الاستعمار، فهل تخلّت فرنسا حقاً عن نظرتها الاستعمارية؟
في تصريح
ل«المجتمع» أكّد أستاذ العلوم السياسية بجامعة حسيبة بن بوعلي بالجزائر، د. عربي
بومدين،
أن مشكلة
فرنسا في علاقاتها مع ستعمراتها السابقة في أفريقيا أنها ما زالت تُدار بأدوات
تقليدية، وذهنية استعمارية، معتبرة أفريقيا مجالًا فرنسيًا لا يمكن اختراقه،
وبالرغم من التحولات الاجتماعية والديمغرافية في أفريقيا، فإن فرنسا ما زالت
تتعامل معها بمنطق عسكري.
وقال بومدين:
إن فرنسا ما زالت تنظر إلى الأفارقة بأنهم غير قادرين على قيادة بلدانهم، وأنها هي
المخوَّلة بهذا الدور لحمايتهم في السنوات الأولى التي أعقبت استقلال دول أفريقيا
عن فرنسا، حافظت باريس على شبكة مكثفة من الاتصالات بنُخب وقيادات أفريقية، علاقات
استهدفت حماية المصالح المشتركة، مع قليل من الاهتمام بحقوق الإنسان أو الشفافية،
ولم تكن فرنسا وحدها من بين الدول العظمى التي انحدرت إلى التحالف مع أنظمة
دكتاتورية، لكن علاقات باريس بتلك الأنظمة كانت تتميز بأنها وثيقة وغير مشروطة،
والآن تواجه فرنسا نوعاً من الرفض غير المسبوق!
يشير د. ومدين، في حديثه، إلى مظاهر هذا التراجع لفرنسي، قائلًا: إن السلطة العسكرية في مالي انهت كبرياء فرنسا عندما عطلت زيارة الرئيس «ماكرون» إلى باماكو، في ديسمبر الماضي، فضلاً عن طرد السفير لفرنسي في باماكو، وفي أفريقيا لوسطى حلت روسيا محل فرنسا أمنيًا وعسكريًا، وباتت موسكو تفرض نفسها في معادلة المصالح الإستراتيجية في أفريقيا، وكذلك السنغال، ورفض المحتجّين للوجود الفرنسي مطلع العام الماضي وعن أسباب هذا التراجع الفرنسي يعتقد بومدين أن هناك أسبابا داخلية تتعلق بسياسة التخبط التي ينتهجها «ماكرون» تجاه أفريقيا، حيث يسوق القطيعة التامة مع الهيمنة، ويمارس سياسة «أفريقيا الفرنسية»، وأضاف أن الأسباب الخارجية تتعلق بدخول لاعبين جدد للساحة الأفريقية، خاصة في منطقة الساحل وغرب أفريقيا .
ويرى أستاذ
العلوم السياسية أن أفريقيا تكبر وفرنسا تتراجع؛ حيث لا يمكن لفرنسا مثلًا مزاحمة
الحضور الاقتصادي الصيني في المنطقة، حيث بلغت صادرات فرنسا لأفريقيا عام 2020م
نسبة 5.3% من إجمالي صادراتها العالمية، وهذا رقم ضعيف بالمقارنة مع القوى الدولية
الأخرى التي باتت تفرض نفسها بأدوات جديدة خارج
بومدين: مشكلة
فرنسا مع مستعمراتها السابقة أنها تُديرها بأدوات تقليدية وذهنية استعمارية السلطة
العسكرية بمالي أنهت كبرياء فرنسا عندما عطلت زيارة «ماكرون» إلى باماكو
رفض شعبي
وتواجه فرنسا
مستوى من انعدام الترحيب الشعبي في أفريقيا، رغم أنها من أكثر القوى الدولية
اهتمامًا بأفريقيا ودراية بالتغيرات التي تشهدها القارة السمراء ويرى د. بومدين أن
الرفض الشعبي لفرنسا داخل أفريقيا بات واضحًا للعيان، وهو ما لوحظ في الحركات
الاحتجاجية التي شهدتها الجزائر ومالي والسنغال وأفريقيا الوسطى، مُحمّلين فرنسا
وزر تخلف شعوب هذه القارة الغنية بثرواتها وطاقتها الشبابية الهائلة.
وأكد أنه على
الرغم من احتفاظ فرنسا بولاء النخب الأفريقية الحاكمة، فإن القوى والنخب الشبابية الجديدة،
التي تكونت خارج الأطر الفرنسية، باتت تحمل فكرًا تحرريًا سيُنهي الهيمنة الفرنسية
قريبًا .
وأوضح بومدين
أن هذا الرفض الشعبي ظهر عندما نظمت فرنسا قمة في «مونبلييه»، في أكتوبر الماضي،
حين استضاف «ماكرون» شبابا وناشطين أفارقة، وتعمّد تغييب القادة والسياسيين لكسب
تعاطفهم، وأنهم أحرجوا «ماكرون» بالأسئلة والانتقادات عن سياسات فرنسا التي لم
تتغير رغم تغير موازين القوة.
ويرى مراقبون
أن ثقة «ماكرون» في نفسه -التي يصفها البعض بالغطرسة - تعدّ أحد عوامل انحسار
شعبية فرنسا، وفي هذا الصدد، اعتبر أستاذ العلوم السياسية أن ذلك كان سببًا في
تراجع الدور الفرنسي في أفريقيا، لأن الإدارة لفرنسية لم تحسن التعامل مع موازين القوة
التي تشكلت في أفريقيا على مدار السنوات العشر الأخيرة.
بينما نجد
لاعبين جددًا نجحوا في إغراء الأفارقة، وأفسدوا على الفرنسيين حساباتهم، مثل:
الصين وروسيا وتركيا وإيران، إضافة إلى الولايات المتحدة و«إسرائيل»؛ فقد حلت
روسيا مكان فرنسا كشريك أمني وعسكري في أفريقيا الوسطى ومالي عبر قوات «فاغنر»،
وباتت تركيا فاعلًا أساسيًا في شرق أفريقيا وفي تشاد والنيجر، ناهيك عن الحضور
الاقتصادي التركي
ثورة
الاتصالات كان لها دور في تأجيج مشاعر الغضب الأفريقي تجاه فرنسا
روسيا.. كابوس فرنسا
ازداد
الاهتمام الروسي بأفريقيا خلال العقد الماضي، حيث أصبحت روسيا لاعبًا أساسيًا في
الشرق الأوسط وشمال ووسط أفريقيا، ولا تخفي فرنسا امتعاضها الشديد من الدور الروسي
في أفريقيا، بل ترى فيه تأجيجا للمشاعر العدائية تجاه باريس، وفق تعبير الرئيس الفرنسي.
وتُظهر أزمة
مرتزقة «فاغنر» في مالي عمق الصراع والتأزم في علاقات موسكو وباريس؛ حيث تَعارض
فرنسا نشر قوات روسية في مالي، بينما تصرُّ باماكو، ومن ورائها موسكو، على هذا
الوجود؛ الذي سيعزز النفوذ الروسي في الساحل وفي أفريقيا بشكل عام، ويربط الوجود
العسكري الروسي في تشاد وليبيا بحلقة الساحل، وتصل أيادي الروس إلى مناطق المعادن
والثروات الهائلة في مالي والساحل.
ورغم تنوعِ المداخل الروسية إلى أفريقيا سياسيًا واقتصاديًا، فإن الملف الأمني والعسكري يبدو الأكثر قرعًا للأبواب الأفريقية؛ حيث استطاعت قوات «فاغنر» إبرام حوالي 30 اتفاقًا أمنيًا مع جيوش أفريقية متعددة، كما أن روسيا تستحوذ على 39% من الصادرات الدولية من السلاح تجاه أفريقيا.
من المستبعد
إلى درجة كبيرة اعتبار النفوذ الفرنسي في مرحلة الانهيار؛ لأسباب متعددة، منها:
مدى التغلغل والنفوذ الفرنسي في أفريقيا، الذي يستند إلى أكثر من قرن ونصف قرن من
الاستعمار المباشر وغير المباشر، والتحكم لمسيطر في مفاصل الحكم وتفاصيل الحياة في
معظم دول القارة.
أيضًا خوف
الأنظمة الأفريقية من فرنسا؛ حيث إن هذه الأنظمة هي أكثر من يعرف خطورة الدور
الفرنسي، وما تملكه باريس من أوراق ضغط وعوامل تأزيم لن تتورع عن استخدامها
وتحريكها، إضافة إلى عمق الولاء الثقافي لباريس في أفريقيا، فلا تزال باريس لدى
كثير من الأفارقة نموذجًا يحتذى به؛ خصوصًا أن فرنسا جزء من خارطة وعي ووجدان
المجتمع الأفريقي، سواء عبر الأنظمة لسياسية أم النظم التعليمية والمسارات لثقافية،
والمؤسسات الخيرية والكنائس.
ورغم كل ذلك،
فإن هذا النفوذ يتآكل، ويتعرض للتوتر والتقلص شيئًا فشيئًا لأسباب متعددة، منها:
إخفاق فرنسا في تدبير علاقة إيجابية مع أفريقيا؛ حيث كان الاستعلاء السياسي
والاستنزاف الاقتصادي أبرز مقومات النظرة الفرنسية تجاه أفريقيا، إضافة إلى تزايد
الإخفاقات الأمنية لفرنسا في أفريقيا وتمدد دائرة الإرهاب، الذي يستنزف الجيش
الفرنسي، ويهدد حلفاءها التقليديين.
وشراسة المنافسة الدولية في أفريقيا، خصوصًا مع دخول لاعبين جدد، لا يملكون مصالح مشتركة مع فرنسا، بل يعتبرون نفوذها عقبة أمام تمددهم في أفريقيا، أيضا الرحيل المتواصل لأصدقاء فرنسا؛ حيث غادر الحكم خلال العقد الماضي عدد من الرؤساء الموالين لفرنسا، أطاحت بهم ثورات أو انقلابات شعبية كما أن ثورة الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي كان لها دور في تأجيج مشاعر الغضب تجاه فرنسا، وإيجاد نوافذ جديدة للتعبير عن هذا الغضب بعيدًا عن الإعلام الرسمي الذي يتحدث غالبًا بلسان فرنسي.
وختامًا، فإن هناك خريطة جديدة للقوة على الأراضي الأفريقية، تفرضها مصالح جديدة لم تنتبه لها فرنسا، وإستراتيجيات جديدة عرفت كيف تحصل على موقع لها في القارة السمراء وتكون رقما في المعادلة، فهل نشهد انحسارًا أكبر للدور الفرنسي في أفريقيا؟ أم تُغير باريس إستراتيجيتها لتدافع عن وجودها ومصالحها في القارة السمراء؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل