; هل يحقق الأمريكان إستراتيجيتهم بإقامة «ناتو» جديد في الشرق الأوسط؟ | مجلة المجتمع

العنوان هل يحقق الأمريكان إستراتيجيتهم بإقامة «ناتو» جديد في الشرق الأوسط؟

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 30-ديسمبر-1980

مشاهدات 21

نشر في العدد 509

نشر في الصفحة 32

الثلاثاء 30-ديسمبر-1980

•نقاط التحالف بين الأمريكان والأوربيين في الناتو تكرر نفسها في أعقاب كامب ديفيد.

•مبررات إقامة الحلف الأوروبي الأمريكي «الناتو» تعود من خلال السلوك الأمريكي لتظهر في موقفهم من الشرق الأوسط والخليج.

قبل أن يتسلم الرئيس الأمريكي المنتخب «رونالد ريغان» السلطة رسميًّا في يناير القادم.. لم يكن هناك من بُد لتكشف بعض الأوراق الأمريكية إزاء منطقة الشرق الأوسط، ولم يكن هناك ما يمنع من وضوح الرؤية التي يسعى الأمريكيون إلى تحقيقها منذ أمد في المنطقة. 

•فإستراتيجية الحرب والسلام التي كان الأمريكان وراءها فيما حدث بين الأنظمة العربية وإسرائيل في المنطقة ليست إلا جزءًا من إستراتيجية أساسية.. كان البيت الأبيض منذ سنوات يعمل من خلالها للوصول إلى وضع شرق أوسطي يشابه الوضع الذي شكله الأمريكان مع حلفائهم الغربيين بمحاذاة معسكر الشيوعيين في أوروبا الشرقية. 

•ومحاولة الأمريكان صنع المحاور السياسية بإيجاد أنظمة موالية في المنطقة.. ووضع التعديلات والرتوش التجميلية على بعض الحلفاء في المنطقة لم يكن مجرد عمل محدود.. وإنما هو سياسة ترمي إلى إيجاد الأنظمة الحليفة ووضعها في محور واحد إزاء المحور الذي يعمل الروس الشيوعيون لإيجاده بين بعض الأنظمة في المنطقة.

الهدف الإستراتيجي قبل كامب ديفيد

المقابلة التي أجرتها المجلة الإيطالية «ريبيليكا- الجمهورية» مع قائد قوات البحرية الأميركية السابق في الشرق الأوسط الأميرال «بابن»، ليست مقابلة جديدة حول الموقف الراهن؛ فتصريحه الذي قال فيه: «ليس هناك ما يمنع في تلك المنطقة - يقصد الشرق الأوسط- من إقامة منظمة سياسية عسكرية على غرار الناتو في مستواها ونفوذها»، تدفع إلى الاعتقاد بأن فكرة إقامة حلف للشرق الأوسط «ميتو» «وهي الفكرة التي سبقت اتفاقيات كامب ديفيد» مستقرة في مسار السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

ترى ماذا يعني هذا الاتجاه في السياسة الأمريكية؟

إن هذا يعني أمرًا واحدًا هو أن الأمريكان يعملون مستغلين سياسة الوفاق التي كرّس الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون بنودها مع برجينيف.. من أجل إيجاد المنطقة الثانية التي يعتمدون عليها كوحدة حليفة أخرى تأتي بالدرجة بعد الحلفاء الأوروبيين فيما لو حصلت مواجهة مع الروس أو دول المعسكر الشيوعي بعامة.

بين مبادئ الناتو والشرق الأوسط

إن لقاء كامب ديفيد وما تمخض عنه هو الذي أظهر تلك الإستراتيجية.. فقد اتضحت فكرة الأمريكان حول ما يسمى بالأمن الأمريكي في العالم عبر كامب ديفيد نفسه.. فقد برز ما يسمى بالمناطق الأمنية التي يعتبر الشرق الأوسط أحدها. ففي صيف عام 1978 نشرت صحيفة «النيويورك تايمز» مقالًا أشارت فيه إلى بنود اتفاقات حلف الناتو والتي تشبه في منطلقاتها المبادئ التي يريد الأمريكان تكريسها للشرق الأوسط.. ولو وقفنا على مبادئ حلف الناتو.. والإستراتيجية التي عبّر من خلالها الأمريكان إلى أوروبا. لأيقنا أن الأمريكان يريدون تكرار تجربتهم الناجحة تلك في المنطقة العربية.. قلب العالم الإسلامي القريب من تخوم المعسكر الشيوعي.. والذي يشكل بالتالي منطقة أطماع الدول الغربية والشرقية الطامعة به وبخيراته.

أما الإرهاصات -فيما بعد كامب ديفيد- والتي بدأت أمريكا بالتوجه من خلالها لتحقيق إستراتيجيتها. فهي ما كانت تردده دائمًا في الفترة الأخيرة على لسان بعض مسؤوليها.. كمسألة الأمن الخليجي.. والصداقة العربية الأمريكية.. والقوة الأمريكية لحماية مصادر الطاقة.. وقوات التدخل السريع لمنع العدوان الخارجي على الأصدقاء العرب.. كل هذا.. وغيره مما يوضح أن الأمريكان يحاولون وضع العرب أمام عدو.. عليهم أن يحذروه.. وهو العدو المتمثل بالروس القادمين من الشرق والشمال.

من هذا المبدأ نفسه انطلق الأمريكان بعد الحرب العالمية الثانية في تهيئة الأوضاع الأوروبية.. تمهيدًا لقيام حلف الناتو الذي استثمرته أمريكا حتى الآن خير استثمار لمصلحتها.

وصحيح أن الروس هم أحد أعداء المسلمين الأساسيين.. والأمريكان يعرفون مشاعر العالم الإسلامي تجاه الروس.. لذلك فما عليهم إلا استغلال هذا العداء للنفوذ فيما بعد إلى إيجاد الإستراتيجية المطلوبة من أجل تهيئة الأوضاع السياسية لقيام حلف بين أمريكا وحكومات المنطقة.

إن صحيفة النيويورك تايمز كتبت كما أشرنا في صيف عام 1978 حول هذا الموضوع.. وقد جاء فيها آنذاك أن رجال السياسة الأمريكية وصناعها رأوا تحويل موضوع العداء العربي عن إسرائيل إلى عدو آخر.. وطالما أن هذا الموقف يبدو معقدًا. ولا بد من البحث عن طريق للخروج منه.. فقد رأوا أن المخرج لا يكون إلا بتوحيد الأنظمة العربية في وجه عدو خارجي.. ليس من سكان المنطقة نهائيًّا وما على بلدان الشرق الأوسط إلا أن تقف مع أمريكا في وجهه.

عناصر الحلف في الخطة الأمريكية :

ولما كان موضوع توقيع المعاهدة المصرية- الإسرائيلية أمرًا مفروغًا منه، فمن المفروض أن هذه الكتلة ستضم مصر وإسرائيل وإيران ودول الخليج والسودان والصومال وعددًا آخر من الدول العربية والإفريقية.

ويريد المخططون أن يضعوا حدًّا لأزمة الشرق الأوسط عن طريق إقامة قواعد عسكرية لهذه الكتلة في الضفة الغربية وسيناء، وعلى ذلك فإن الإسرائيليين والعرب سيتصالحون دون أن تصل المشكلة الفلسطينية إلى شيء، وسيكون مستقبل دول المنطقة «صافيًا» تحت وصاية الولايات المتحدة.

وسياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط قبل اتفاقيات كامب ديفيد تظهر أن الولايات المتحدة مستمرة في سياسة إقامة الكتل، والحقائق التي تؤيد ذلك كثيرة؛ فالأساس الثلاثي قائم تقريبًا على شكل تحالف عسكري- سياسي بين الولايات المتحدة ومصر وإسرائيل، رغم أن ذلك لم يعلن بشكل رسمي قانوني، والتعاون بين دوائر الاستخبارات قائم كذلك، والمناورات شبه العسكرية المشتركة مستمرة.

وإيجاد قواعد أميركية في سلطنة عمان والصومال وغيرهما من الدول بموافقة حكوماتها، إنما هو تأكيد لإتمام سلسلة إقامة قواعد من أجل التدخل العسكري في المنطقة الممتدة من المحيط الهندي حتى منطقة البحر الأبيض المتوسط. 

لنتأمل في خطوط هذه الإستراتيجية التي تعتمد على:

  1. تثبيت القواعد العسكرية في المنطقة بدعوى حمايتها من عدو خارجي.. أو عدوان مباغت محتمل. 

  2. اللقاء مع الأنظمة الحاكمة في المنطقة عبر معاهدات فردية أو جماعية تتعهد فيها الأطراف مجتمعة بالدفاع المشترك عن المنطقة لما فيها من مصالح مشتركة للجميع.

  3. الحشود البحرية الأمريكية التي تلف حول عنق المنطقة.

لنخرج بعد ذلك بحقيقة أساسية هي أن الولايات المتحدة تسعى جاهدة منذ فترة ليست بالقصيرة إلى تكرار تجربتها في حلف الناتو.. لإيجاد حلف آخر يردف حلف الناتو «الأوروبي الأمريكي» في ظل السياسة الأمريكية في العالم.

الدور الأوربي:

لا بد للمراقب ملاحظة التكتيك الأمريكي خلال السنوات الأخيرة «عهد كارتر» الذي يرمي إلى توزيع الأدوار على الحلفاء الغربيين للقيام بمهام أساسية في هذا العالم لا تخرج عن المصلحة المشتركة بين الأطراف الأوربية وأمريكا في استغلال الشعوب الأخرى.

ولعل من الواضح في الأشهر القليلة الماضية أن الأمريكان قد وزعوا الأدوار على دول المعسكر الغربي «حلف الناتو» الأطلسي، بهدف حماية المصالح الحيوية المشتركة، والتي يعود نصيب الأسد فيها إلى الأمريكان، والأمريكان لا يتورعون عن ممارسة بعض الضغوط على حلفائهم من أجل القيام بجهود مشتركة من أجل تحقيق الإستراتيجية المطلوبة في الشرق الأوسط والخليج.. ولا سيما ما يسمى بأمن الخليج وضمان الاستقرار فيه، ولم يخف الأمريكان رغبتهم في حمل الحلفاء الغربيين على المشاركة في هذه الإستراتيجية، فالبنتاغون الأمريكي يريد من حلفائه تشكيل قوة بحرية مشتركة تساعد الولايات المتحدة في الحصول على قواعد عسكرية جديدة تحت اسم حماية المصالح المشتركة. 

هكذا يتعامل الأمريكان مع حلفائهم في إخضاع المناطق الحيوية لنفوذهم، من خلال فلسفة يسميها الأمريكان فلسفة المسؤولية الجماعية.. أي المسؤولية المناطة عليهم وعلى حلفائهم بآن واحد. 

نعم: فمحاولة جر الحلفاء من دول «حلف الناتو» إلى السياسة الأمريكية لا بد وأن تكون ستارًا تحت شعار المصالح المشتركة لا ينال منها الحلفاء سوى العظام والفتات. ولذا فإن أمريكا تحرص كل الحرص على بقاء الأوربيين على خط واحد معها بالنسبة لما يخص حل أزمة الشرق الأوسط.

•-فالأمريكان ماهرون في استثمار النتائج من أي صلح أو حلف في المنطقة لصالحهم.

•-وهم ماهرون أيضًا في إسقاط اللوم على الحلفاء إزاء فشل الإستراتيجية المتعلقة بأزمة الشرق الأوسط.. أو ما يسمى بأمن الخليج وحماية المصالح الحيوية.

•وهنا يطرح سؤال نفسه:

كيف يمكن للأمريكان أن يتصرفوا من خلال ما يسمونه بجماعية المسؤولية بينهم وبين دول المعسكر الغربي؟ 

هذا ما أجاب عليه تقرير صحافي حديث جاء فيه: 

في حال التدخل السافر ضد دول المنطقة فإن هذه «الجماعية» ستكون مبررًا شرعيًّا، ويجهد رجال الإستراتيجية الأميركيون للحصول على مساعدة أكبر عدد ممكن من الدول الرأسمالية، ومن الملاحظ أن الولايات المتحدة تحاول جر أستراليا وإندونيسيا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية والفلبين واليابان من أجل «حماية الاتصالات البحرية» في الخليج، وتلوح واشنطن بفكرة «البوليس البحري» في منطقة عملياتها التي تمتد حتى الخليج.

ولما كانت الولايات المتحدة تدرك ما تحس به اليابان من قلق بسبب اعتمادها في 70 بالمائة من نفطها على الدول العربية، فإنها ترغب في أن تعهد لها بدور القائد لهذه الكتلة، وقد كشف النقاب في اليابان عن أن الضغط الأميركي كان وراء الحملة لتغيير الدستور الذي يحد من الزيادة في القوات المسلحة ويمنع من القيام بعمليات عسكرية في الخارج، وإذا فشلت تلك المحاولات فإن هناك بديلًا آخر، ذلك أن الأسطول الأميركي سيقوم بــ «حماية» الاتصالات البحرية اليابانية في الوقت الذي تزيد طوكيو من مساعداتها المادية للدول الأسيوية والإفريقية التي ستسمح للبنتاغون وحلفائه باستعمال قواعدها البرية والبحرية والجوية.

وإستراتيجية قيام هذه الكتلة مرتبطة بشكل مباشر بتزايد التوتر في المنطقة نتيجة الحرب العراقية- الإيرانية، والحقيقة التي لا مراء فيها هي أن استمرار الصراع إنما هو في صالح الولايات المتحدة.

وللصراع القائم نتائج سلبية على جميع حركات التحرر في العالم العربي، فهو يحول أنظارها عن المشكلة الرئيسية وهي التوصل إلى حل شامل وعادل لمشكلة الشرق الأوسط واستعادة الحقوق المشروعة للعرب.

تقييم هذه الإستراتيجية:

يتضح مما تقدم أن الأمريكان وحلفاءهم يستغلون جميع الظروف المحيطة بمنطقة الشرق الأوسط والخليج للنفوذ إلى هذه الإستراتيجية الاستعمارية الجديدة.. وإذا كان الاتحاد السوفياتي يعرف حقيقة الموقف الأمريكي والغربي.. فإن قانون اللعبة بين الأمريكان والأوربيين يفرض على الاتحاد السوفياتي أن يقف موقف المراقب للعمليات التنفيذية.. وما يصدر عن الروس وحلفائهم من ردود أفعال إزاء الإستراتيجية الأمريكية.. فإن ذلك لا يعدو كونه دورًا ظاهريًّا. يستثمر الروس بواسطته بعض الفوائد لتعزيز نفوذهم في مناطق النفوذ الشيوعي المرسومة في ورقة لعبة الأمم. 

نعم. إن الأمم تتكالب علينا كما تتزاحم الأكلة على قصعتها.. الروس في مكان.. والأمريكان في مكان.. واللعبة تدور، بينما نقف متأملين خطوط اللعبة دون أن نقوم بحركة مجدية على المستوى الدولي للتخلص من لعبة النفوذ هذه مع أن إمكاناتنا ومقدراتنا وعقيدتنا تؤهلنا لذلك.. بل تؤهلنا لسيادة العالم وإدخاله داخل نفوذنا.. ولكن.. رُفعت الأقلام وجفت الصحف!!!.

الرابط المختصر :