; هل يرضى الغرب بقيام دولة إسلامية أصولية نموذجية؟ (3) | مجلة المجتمع

العنوان هل يرضى الغرب بقيام دولة إسلامية أصولية نموذجية؟ (3)

الكاتب د. محمد البصيري

تاريخ النشر الثلاثاء 17-مايو-1994

مشاهدات 24

نشر في العدد 1100

نشر في الصفحة 66

الثلاثاء 17-مايو-1994

لقد ذكرت في مقالين سابقين بعض المنطلقات والأسباب التي من أجلها يقف بعض الساسة والمفكرين والإعلاميين والغربيين في وجه قيام الدولة الإسلامية الأصولية النموذجية ونذكر في هذه الحلقة الثالثة والأخيرة من هذا الموضوع مواقف ونقولات تدل دلالة قاطعة على ما سبق أن ذكرناه من العداء المتأصل لدى بعض الغريبين تجاه الإسلام والإسلاميين فهذا الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نیکسون يذكر في الفصل الخامس من كتابه «انتهزوا الفرصة»، ويقول: «إن المتعامل مع العالم الإسلامي يشبه وضعه وضع الشخص الذي يعيش في حفرة ضيقة ومعه مجموعة من الثعابين السامة التي تحمل في سمها أيديولوجيات متصارعة وقوميات متضاربة»، ويصل في نهاية مقولته تلك إلى رأي أن الغرب لابد أن يعتبر المسلمين هم العدو الجديد والذي يتعين على الغرب أن يضع إستراتيجية للتعامل معه سواء بالحرب والصراع أو الاحتواء والتفاهم. 

ومما يؤسف له أن الأصوات المنادية بإستراتيجية الحرب والصراع مع الإسلام في الغرب هي الأقوى والأقرب من مراكز اتخاذ القرار السياسي في المعسكر الغربي، والمتتبع لحملات التشويه والتحريض التي تظهر في أجهزة الإعلام الغربية يجد أن هناك أيدي يهودية صهيونية تحاول أن تكرس قناعة مفادها أن العدو القادم هو الإسلام، وأن الإسلاميين يهدفون إلى قيام دولتهم الإسلامية الأصولية كي تبسط سيطرتها على العالم.

ولقد نشرت صحيفة «المسلمون»، في يناير الماضي رسالة قيِّمة تحت عنوان «الصهاينة وراء حملة تشويه صورة المسلمين في الغرب»، ذكر فيها كاتبها أن على رأس هذه الحملة المغرضة المستشرق الأمريكي اليهودي «برنارد لويس» وهو يهودي بريطاني الأصل قدم إلى أمريكا منذ الستينات وعمل مستشارًا في عدة هيئات رسمية أو شبه رسمية في الولايات المتحدة وتولى خلالها تقديم استشاراته فيما يتعلق بالحركات الإسلامية والتاريخ الإسلامي والأنظمة السياسية في المنطقة العربية، كما دأب هذا اليهودي منذ سنوات على المساهمة بمقالات ذات طابع سياسي وإستراتيجي يكتبها من خلال صحف ومجلات لها وزنها في دوائر الفكر وصنع القرار الأمريكي، كما أن لهذا المستشرق الصهيوني عدة مطبوعات عن الإسلام مثل كتاب «العرب في التاريخ»، و «العرق واللون في الإسلام»، و «الحشاشون فرقة ثورية في الإسلام»، وأخرها «اللغة السياسية في الإسلام»، وهو عبارة عن عدد من المحاضرات قدمها عام ١٩٨٦م بدعم من مؤسسة «ايكسون»، وقد نشرت له مجلة «دي أتلانتك»، مقالة بعنوان «الإسلام والديمقراطية الليبرالية»، أراد أن يرسم من خلالها للرأي العام الغربي صورة مفزعة لأيدولوجية الإسلاميين وتناقضها مع الديمقراطية الليبرالية الغربية، وكيف يكون الحال عند وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم. 

ويستطرد كاتب هذه المقالة القيمة فيذكر كاتبًا يهوديًّا آخر هو «يوسف بود انسكي»، وهو صهيوني حصل على الجنسية الأمريكية مؤخرًا ويتولى إدارة لجنة عمل تابعة للكونجرس ويقوم منذ ثلاث سنوات بإصدار تقارير ضمنها حملة من الأكاذيب والافتراءات وتشويه الحقائق عن الإسلام والإسلاميين وذكر في أحد هذه التقارير في سبتمبر ۱۹۹۲م وبمساعدة صهيوني آخر اسمه «فوجين فوريست» أن الرئيس البوسني علي عزت يعد مسلمًا أصوليًا وعضوًا في منظمة فدائي الإسلام، وهي منظمة كرست نفسها لإقامة حكم الإسلام أينما عاش مسلمون.

إن ما يقوم به هؤلاء الكتاب اليهود والمنظمات الصهيونية في الغرب من دور حيوي وفاعل في التأثير على متخذي القرار السياسي في العالم الغربي لم يأت من فراغ فهو دور مرسوم ومحدد في دوائر الصهيونية العالمية التي تنطلق من قاعدتها الرئيسية إسرائيل للترهيب من قدوم الدولة الإسلامية الأصولية النموذجية.

يقول إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي لصحيفة «دافار» الإسرائيلية: «إن انفجار مركز التجارة العالمي في نيويورك يؤكد أن الأصوليين المسلمين قادرون على التحرك في أماكن بعيدة جدًا». 

ورئيس الكيان الصهيوني السابق حاييم هيرتزوغ يحذر في زيارته لبريطانيا في فبراير عام 1993 ويؤكد على ضرورة مكافحة التيار الإسلامي الأصولي في شتى أرجاء الشرق الأوسط وليس في إسرائيل وحدها ولكن في الدول الأخرى أيضًا ويضيف قائلًا: «إن إسرائيل جزء من معركة كبرى ضد الأصولية».

لاشك أن المعركة الفاصلة ستكون في النهاية بين المسلمين واليهود وهذا مصداق قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود فيختبئ اليهودي وراء الحجر فيقول الحجر يا عبد الله أو يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله» رواه البخاري.

واليهود يعلمون ذلك علم اليقين وهذا ما يفسر عداءهم الصارخ وخوفهم وهلعهم من قيام دولة الإسلام يقول حاييم هيرتزوغ في حديث نشر في صحيفة الجيروزاليم بوست: «إننا نشهد اليوم ظاهرة غريبة ومثيرة للاهتمام وتحمل في ثناياها الشر، وهذه الظاهرة هي عودة الحركات الإسلامية التي تعتبر نفسها عدوة طبيعة لكل ما هو غربي وتعتبر التعصب ضد اليهود بشكل خاص فريضة مقدسة.

على الغربيين أن يدركوا أن دولة الإسلام قادمة بإذن الله وأن الحرية والعدل والمساواة والتسامح والتعايش السلمي هي مبادئ دولة الإسلام قبل أن تعرفها الدول الغربية وتتشدق بها، كما أن الإرهاب والتطرف ظهر في الغرب قبل أن يظهر في بعض المجتمعات الإسلامية وأنه لا مكان لها في دولة الإسلام النموذجية كما يزعم البعض، وأن السبيل الوحيد لاستقرار هذا العالم هو نبذ الصراع والتآمر وسيادة مبدأ التعاون والتفاهم والتحاور والله المستعان.

الرابط المختصر :